عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 11:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين لهم في الدّنيا خزيٌ ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ (114) وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ (115)}
وقوله تعالى: {ومن أظلم} الآية، من رفع بالابتداء، وأظلم خبره، والمعنى لا أحد أظلم.
واختلف في المشار إليه من هذا الصنف الظالم، فقال ابن عباس وغيره: «المراد النصارى الذين كانوا يؤذون من يصلي ببيت المقدس ويطرحون فيه الأقذار»، وقال قتادة والسدي: «المراد الروم الذين أعانوا بختنصر على تخريب بيت المقدس حين قتلت بنو إسرائيل يحيى بن زكرياء عليه السلام»، وقيل: المعنّي بخت نصر، وقال ابن زيد: «المراد كفار قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام»، وهذه الآية تتناول كل من منع من مسجد إلى يوم القيامة أو خرب مدينة إسلام، لأنها مساجد، وإن لم تكن موقوفة، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة، والمشهور مسجد بكسر الجيم، ومن العرب من يقول مسجد بفتحها، وأن يذكر في موضع نصب: إما على تقدير حذف «من» وتسلط الفعل، وإما على البدل من المساجد، وهو بدل الاشتمال الذي شأن البدل فيه أن يتعلق بالمبدل منه ويختص به أو تقوم به صفة، ويجوز أن يكون مفعولا من أجله، ويجوز أن تكون أن في موضع خفض على إسقاط حرف الجر، ذكره سيبويه، ومن قال من المفسرين إن الآية بسبب بيت المقدس جعل الخراب الحقيقي الموجود، ومن قال هي بسبب المسجد الحرام جعل منع عمارته خرابا، إذ هو داع إليه، ومن جعل الآية في النصارى روى أنه مر زمان بعد ذلك لا يدخل نصراني بيت المقدس إلا أوجع ضربا، قاله قتادة والسدي، ومن جعلها في قريش قال كذلك نودي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحج مشرك، وخائفين نصب على الحال، وهذه الآية ليست بأمر بين منعهم من المساجد، لكنها تطرق إلى ذلك وبدأة فيها وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين.
ومن جعل الآية في النصارى قال: الخزي قتل الحربي وجزية الذمي، وقيل: الفتوح الكائنة في الإسلام كعمورية وهرقلة وغير ذلك، ومن جعلها في قريش جعل الخزي غلبتهم في الفتح وقتلهم والعذاب في الآخرة لمن مات منهم كافرا، وخزيٌ رفع بالابتداء وخبره في المجرور). [المحرر الوجيز: 1/ 325-327]


تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ( والمشرق موضع الشروق، والمغرب موضع الغروب، أي هما له ملك وما بينهما من الجهات والمخلوقات، وخصهما بالذكر وإن كانت جملة المخلوقات كذلك لأن سبب الآية اقتضى ذلك، و «أينما» شرط، وتولّوا جزم به، والجواب في قوله فثمّ، والمعنى فأينما تولوا نحوه وإليه، لأن ولّى وإن كان غالب استعمالها أدبر فإنها تقتضي أنه يقبل إلى ناحية، تقول وليت عن كذا وإلى كذا، وقرأ الحسن «تولوا» بفتح التاء واللام، وثمّ مبنية على الفتح، وهي في موضع نصب على الظرف، ووجه اللّه معناه الذي وجهنا إليه، كما تقول سافرت في وجه كذا أي في جهة كذا.
واختلف الناس في تأويل الوجه الذي جاء مضافا إلى الله تعالى في مواضع من القرآن، فقال الحذاق: ذلك راجع إلى الوجود، والعبارة عنه بالوجه من مجاز كلام العرب، إذ كان الوجه أظهر الأعضاء في الشاهد وأجلها قدرا، وقال بعض الأئمة: تلك صفة ثابتة بالسمع زائدة على ما توجبه العقول من صفات القديم تعالى، وضعف أبو المعالي هذا القول، ويتجه في بعض المواضع كهذه الآية أن يراد بالوجه الجهة التي فيها رضاه وعليها ثوابه، كما تقول تصدقت لوجه الله تعالى، ويتجه في هذه الآية خاصة أن يراد بالوجه الجهة التي وجهنا إليها في القبلة حسبما يأتي في أحد الأقوال، وقال أبو منصور في المقنع: «يحتمل أن يراد بالوجه هنا الجاه، كما تقول فلان وجه القوم أي موضع شرفهم، فالتقدير فثم جلال الله وعظمته».
واختلف المفسرون في سبب هذه الآية، فقال قتادة: «أباح الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يصلي المسلمون حيث شاؤوا، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس حينئذ، ثم نسخ ذلك كله بالتحول إلى الكعبة»، وقال مجاهد والضحاك: «معناه إشارة إلى الكعبة، أي حيث كنتم من المشرق والمغرب فأنتم قادرون على التوجه إلى الكعبة التي هي وجه الله الذي وجهكم إليه».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وعلى هذا فهي ناسخة لبيت المقدس»، وقال ابن زيد: «كانت اليهود قد استحسنت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت القدس، وقالوا: ما اهتدى إلا بنا، فلما حول إلى الكعبة قالت اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم؟ فنزلت: {وللّه المشرق والمغرب} الآية»، وقال ابن عمر: «نزلت هذه الآية في صلاة النافلة في السفر حيث توجهت بالإنسان دابته»، وقال النخعي: «الآية عامة أينما تولوا في متصرفاتكم ومساعيكم فثمّ وجه اللّه، أي موضع رضاه وثوابه وجهة رحمته التي يوصل إليها بالطاعة»، وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: «نزلت فيمن اجتهد في القبلة فأخطأ»، وورد في ذلك حديث رواه عامر بن ربيعة قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة، فتحرى قوم القبلة وأعلموا علامات، فلما أصبحوا رأوا أنهم قد أخطؤوها، فعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فنزلت هذه الآية»، وذكر قوم هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مع القوم في السفر، وذلك خطأ، وقال قتادة أيضا: «نزلت هذه الآية في النجاشي، وذلك أنه لما مات دعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الصلاة عليه، فقال قوم كيف نصلي على من لم يصلّ إلى القبلة قط؟، فنزلت هذه الآية، أي إن النجاشي كان يقصد وجه الله وإن لم يبلغه التوجه إلى القبلة»، وقال ابن جبير: «نزلت الآية في الدعاء لما نزلت: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]، قال المسلمون: إلى أين ندعو، فنزلت: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}»، وقال المهدوي: «وقيل هذه الآية منتظمة في معنى التي قبلها، أي لا يمنعكم تخريب مسجد من أداء العبادات، فإن المسجد المخصوص للصلاة إن خرب فثمّ وجه اللّه موجود حيث توليتم». وقال أيضا: «وقيل نزلت الآية حين صد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت».
وواسعٌ معناه متسع الرحمة عليهم أين يضعها، وقيل واسعٌ معناه هنا أنه يوسع على عباده في الحكم دينه يسر، عليمٌ بالنيات التي هي ملاك العمل، وإن اختلفت ظواهره في قبلة وما أشبهها). [المحرر الوجيز: 1/ 327-329]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقالوا اتّخذ اللّه ولداً سبحانه بل له ما في السّماوات والأرض كلٌّ له قانتون (116) بديع السّماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون (117) وقال الّذين لا يعلمون لولا يكلّمنا اللّه أو تأتينا آيةٌ كذلك قال الّذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بيّنّا الآيات لقومٍ يوقنون (118)}
قرأ هذه الآية عامة القراء «وقالوا» بواو تربط الجملة بالجملة، أو تعطف على {سعى} [البقرة: 114]، وقرأ ابن عامر وغيره «قالوا» بغير واو، وقال أبو علي: «وكذلك هي في مصاحف أهل الشام»، وحذف منه الواو يتجه من وجهين، أحدهما: أن هذه الجملة مرتبطة في المعنى بالتي قبلها فذلك يغني عن الواو، والآخر: أن تستأنف هذه الجملة ولا يراعى ارتباطها بما تقدم، واختلف على من يعود الضمير في قالوا، فقيل: على النصارى، لأنهم قالوا المسيح ابن الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وذكرهم أشبه بسياق الآية»، وقيل: على اليهود، لأنهم قالوا عزير ابن الله، وقيل: على كفرة العرب لأنهم قالوا الملائكة بنات الله، وسبحانه مصدر معناه تنزيها له وتبرئة مما قالوا، وما رفع بالابتداء، والخبر في المجرور، أو في الاستقرار المقدر، أي كل ذلك له ملك، والذي قالوا اتّخذ اللّه ولداً داخل في جملة ما في السّماوات والأرض ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد لا من المخلوقات المملوكات.
والقنوت في اللغة الطاعة، والقنوت طول القيام في عبادة، ومنه القنوت في الصلاة، فمعنى الآية أن المخلوقات كلها تقنت لله أي تخضع وتطيع، والكفار والجمادات قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم، وقيل: الكافر يسجد ظله وهو كاره). [المحرر الوجيز: 1/ 329-331]

تفسير قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وبديع مصروف من مبدع كبصير من مبصر، ومثله قول عمرو بن معديكرب:
أمن ريحانة الداعي السميع ....... ... ... ... ...
يريد المسمع، والمبدع المخترع المنشئ، ومنه أصحاب البدع، ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة رمضان: «نعمت البدعة هذه».
وخص السّماوات والأرض بالذكر لأنها أعظم ما نرى من مخلوقاته جل وعلا، وقضى، معناه قدر، وقد يجيء بمعنى أمضى، ويتجه في هذه الآية المعنيان، فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل وأمضى فيه، وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد.
والأمر واحد الأمور، وليس هنا بمصدر أمر يأمر، ويكون رفع على الاستئناف، قال سيبويه: «معناه فهو يكون»، قال غيره: «يكون» عطف على «يقول»، واختاره الطبري وقرره، وهو خطأ من جهة المعنى، لأنه يقتضي أن القول مع التكوين والوجود، وتكلم أبو علي الفارسي في هذه المسألة بما هو فاسد من جملة الاعتزال لا من جهة العربية.
وقرأ ابن عامر «فيكون» بالنصب، وضعفه أبو علي، ووجهه مع ضعفه على أن يشفع له شبه اللفظ، وقال أحمد بن موسى في قراءة ابن عامر: «هذا لحن».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «لأن الفاء لا تعمل في جواب الأمر إلا إذا كانا فعلين يطرد فيهما معنى الشرط، تقول أكرم زيدا فيكرمك، والمعنى إن تكرم زيدا يكرمك، وفي هذه الآية لا يتجه هذا، لأنه يجيء تقديره: إن تكن يكن، ولا معنى لهذا، والذي يطرد فيه معنى الشرط هو أن يختلف الفاعلان أو الفعلان فالأول أكرم زيدا فيكرمك والثاني أكرم زيدا فتسود».
وتلخيص المعتقد في هذه الآية، أن الله عز وجل لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودها، قادرا مع تأخر المقدورات، عالما مع تأخر وقوع المعلومات، فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال، فهو بحسب المأمورات، إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن، وكل ما يستند إلى الله تعالى من قدرة وعلم وأمر فهو قديم لم يزل، ومن جعل من المفسرين قضى بمعنى أمضى عند الخلق والإيجاد، فكأن إظهار المخترعات في أوقاتها المؤجلة قول لها كن، إذ التأمل يقتضي ذلك، على نحو قول الشاعر:
وقالت الأقراب للبطن الحق ....... ... ... ... ...
وهذا كله يجري مع قول المعتزلة، والمعنى الذي تقتضيه عبارة كن هو قديم قائم بالذات، والوضوح التام في هذه المسألة يحتاج أكثر من هذا البسط). [المحرر الوجيز: 1/ 331-333]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقال الّذين لا يعلمون} الآية، قال الربيع والسدي: «هم كفار العرب».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وقد طلب عبد الله بن أبي أمية وغيره من النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، فنفى عنهم العلم لأنهم لا كتاب عندهم ولا اتباع نبوة»، وقال مجاهد: «هم النصارى لأنهم المذكورون في الآية أولا»، ورجحه الطبري، وقال ابن عباس: «المراد من كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، لأن رافع بن حريملة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أسمعنا كلام الله»، وقيل: الإشارة بقوله لا يعلمون إلى جميع هذه الوظائف، لأن كلهم قال هذه المقالة أو نحوها، ويكون الّذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، ولولا تحضيض بمعنى هلا، كما قال الأشهب بن رميلة:
تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم ....... بني ضوطرى لولا الكميّ المقنعا
وليست هذه لولا التي تعطي منع الشيء لوجوب غيره، وفرق بينهما أنها في التحضيض لا يليها إلا الفعل مظهرا أو مقدرا، وعلى بابها في المنع للوجوب يليها الابتداء، وجرت العادة بحذف الخبر، والآية هنا العلامة الدالة، وقد تقدم القول في لفظها، والّذين من قبلهم اليهود والنصارى في قول من جعل الّذين لا يعلمون كفار العرب، وهم الأمم السالفة في قول من جعل الّذين لا يعلمون كفار العرب والنصارى واليهود، وهم اليهود في قول من جعل الّذين لا يعلمون النصارى، والكاف الأولى من كذلك نعت لمصدر مقدر، ومثل نعت لمصدر محذوف، ويصح أن يعمل فيه، قال: وتشابه القلوب هنا في طلب ما لا يصح أو في الكفر وإن اختلفت ظواهرهم، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو حيوة «تشّابهت» بشد الشين، قال أبو عمرو الداني: «وذلك غير جائز لأنه فعل ماض».
وقوله تعالى: {قد بيّنّا الآيات لقومٍ يوقنون} لما تقدم ذكر الذين أضلهم الله حتى كفروا بالأنبياء وطلبوا ما لا يجوز لهم أتبع ذلك بذكر الذين بين لهم ما ينفع وتقوم به الحجة، لكن البيان وقع وتحصل للموقنين، فلذلك خصهم بالذكر، ويحتمل أن يكون المعنى قد بينا البيان الذي هو خلق الهدى، فكأن الكلام قد هدينا من هدينا، واليقين إذا اتصف به العلم خصصه وبلغ به نهاية الوثاقة، وقوله تعالى: {بيّنّا} قرينة تقتضي أن اليقين صفة لعلمهم، وقرينة أخرى، وهي أن الكلام مدح لهم، وأما اليقين في استعمال الفقهاء إذا لم يتصف به العلم فإنه أحط من العلم، لأن العلم عندهم معرفة المعلوم على ما هو به واليقين معتقد يقع للموقن في حقه والشيء على خلاف معتقده، ومثال ذلك تيقن المقادة ثبوت الصانع، ومنه قول مالك- رحمه الله- في «الموطأ» في مسألة الحالف على الشيء يتيقنه والشيء في نفسه على غير ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وأما حقيقة الأمر فاليقين هو الأخص وهو ما علم على الوجه الذي لا يمكن أن يكون إلا عليه» ). [المحرر الوجيز: 1/ 333-335]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّا أرسلناك بالحقّ بشيراً ونذيراً ولا تسئل عن أصحاب الجحيم (119) ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتّبع ملّتهم قل إنّ هدى اللّه هو الهدى ولئن اتّبعت أهواءهم بعد الّذي جاءك من العلم ما لك من اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ (120) الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون (121)}
المعنى بشيراً لمن آمن، ونذيراً لمن كفر، وقرأ نافع وحده «ولا تسأل» بالجزم على النهي، وفي ذلك معنيان: أحدهما: لا تسأل على جهة التعظيم لحالهم من العذاب، كما تقول: فلان لا تسأل عنه، تعني أنه في نهاية تشهره من خير أو شر، والمعنى الثاني: روي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليت شعري ما فعل أبواي» فنزلت ولا تسئل. وحكى المهدوي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليت شعري أي أبوي أحدث موتا»، فنزلت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا خطأ ممن رواه أو ظنه لأن أباه مات وهو في بطن أمه، وقيل وهو ابن شهر، وقيل ابن شهرين، وماتت أمه بعد ذلك بخمس سنين منصرفة به من المدينة من زيارة أخواله، فهذا مما لا يتوهم أنه خفي عليه صلى الله عليه وسلم»، وقرأ باقي السبعة «ولا تسأل» بضم التاء واللام، وقرأ قوم «ولا تسأل» بفتح التاء وضم اللام، ويتجه في هاتين القراءتين معنيان: أحدهما: الخبر أنه لا يسأل عنهم، أو لا يسأل هو عنهم، والآخر: أن يراد معنى الحال كأنه قال: وغير مسؤول أو غير سائل عنهم، عطفا على قوله بشيراً ونذيراً، وقرأ أبي بن كعب «وما تسأل»، وقرأ ابن مسعود «ولن تسأل»، وهاتان القراءتان تؤيدان معنى القطع والاستئناف في غيرهما، والجحيم إحدى طبقات النار). [المحرر الوجيز: 1/ 335-336]


رد مع اقتباس