عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 12:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللّه مصدّقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين (89)}
يقول تعالى: {ولمّا جاءهم} يعني اليهود {كتابٌ من عند اللّه} وهو: القرآن الذي أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {مصدّقٌ لما معهم} يعني: من التّوراة، وقوله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} أي: وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرّسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، يقولون: إنّه سيبعث نبيٌّ في آخر الزّمان نقتلكم معه قتل عادٍ وإرم، كما قال محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر عن قتادة الأنصاريّ، عن أشياخٍ منهم قال: قالوا:«فينا واللّه وفيهم -يعني في الأنصار وفي اليهود الّذين كانوا جيرانهم- نزلت هذه القصّة -يعني: {ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللّه مصدّقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به}-»،
قالوا: «كنّا قد علوناهم دهرًا في الجاهليّة، ونحن أهل شركٍ وهم أهل كتابٍ، فكانوا يقولون: إنّ نبيًّا من [الأنبياء] يبعث الآن نتبعه، قد أظلّ زمانه، نقتلكم معه قتل عادٍ وإرم. فلمّا بعث اللّه رسوله من قريشٍ [واتّبعناه] كفروا به. يقول اللّه تعالى: {فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين} [النّساء: 155]».
- وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} قال: «يستظهرون يقولون: نحن نعين محمّدًا عليهم، وليسوا كذلك، يكذبون».
- وقال محمّد بن إسحاق: أخبرني محمّد بن أبي محمّدٍ، أخبرني عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قبل مبعثه. فلمّا بعثه اللّه من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم معاذ بن جبلٍ، وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة: يا معشر يهود، اتّقوا اللّه وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن أهل شركٍ، وتخبروننا بأنّه مبعوثٌ، وتصفونه لنا بصفته. فقال سلام بن مشكم أخو بني النّضير: ما جاءنا بشيءٍ نعرفه، وما هو بالذي كنّا نذكر لكم فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: {ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللّه مصدّقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}».
- وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} يقول: «يستنصرون بخروج محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على مشركي العرب -يعني بذلك أهل الكتاب-، فلمّا بعث محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه».
- وقال أبو العالية: «كانت اليهود تستنصر بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على مشركي العرب، يقولون: اللّهمّ ابعث هذا النّبيّ الذي نجده مكتوبًا عندنا حتّى نعذّب المشركين ونقتلهم. فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، ورأوا أنّه من غيرهم، كفروا به حسدًا للعرب، وهم يعلمون أنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللّه: {فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}».
- وقال قتادة: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} قال: «كانوا يقولون: إنّه سيأتي نبيٌّ. {فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به}».
- وقال مجاهدٌ: {فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين} قال: «هم اليهود».
- وقال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوفٍ، عن محمود بن لبيدٍ أخي بني عبد الأشهل، عن سلمة بن سلامة بن وقشٍ وكان من أهل بدرٍ، قال: «كان لنا جارٌ يهوديٌّ في بني عبد الأشهل»، قال: «فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيسيرٍ، حتّى وقف على مجلس بني عبد الأشهل».
قال سلمة:«وأنا يومئذٍ أحدث من فيهم سنًّا على بردةٍ مضطجعًا فيها بفناءٍ أصلي. فذكر البعث والقيامة والحسنات والميزان والجنّة والنّار. قال ذلك لأهل شركٍ أصحاب أوثانٍ لا يرون بعثًا كائنًا بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنًا أنّ النّاس يبعثون بعد موتهم إلى دارٍ فيها جنّةٌ ونارٌ، يجزون فيها بأعمالهم؟ فقال: نعم، والذي يحلف به، لودّ أنّ له بحظّه من تلك النّار أعظم تنّورٍ في الدّنيا يحمونه ثمّ يدخلونه إيّاه فيطبق به عليه، وأن ينجو من تلك النّار غدًا. قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبيٌّ يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكّة واليمن. قالوا: ومتى نراه؟»،
قال: «فنظر إليّ وأنا من أحدثهم سنًّا، فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه».
قال سلمة: «فواللّه ما ذهب اللّيل والنّهار حتّى بعث اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بين أظهرنا، فآمنّا به وكفر به بغيًا وحسدًا. فقلنا: ويلك يا فلان، ألست بالذي قلت لنا؟ قال: بلى وليس به». تفرّد به أحمد.
- وحكى القرطبيّ وغيره، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما:«أنّ يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهليّة مع غطفان فهزمتهم غطفان، فدعا اليهود عند ذلك، فقالوا: اللّهمّ إنّا نسألك بحقّ النّبيّ الأمّيّ الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزّمان، إلّا نصرتنا عليهم».
قال:«فنصروا عليهم».
قال: «وكذلك كانوا يصنعون يدعون اللّه فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم. قال اللّه تعالى: {فلمّا جاءهم ما عرفوا} أي: من الحقّ وصفة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}»). [تفسير ابن كثير: 1/ 325-327]

تفسير قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيًا أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضبٍ على غضبٍ وللكافرين عذابٌ مهينٌ (90)}
- قال مجاهدٌ: «{بئسما اشتروا به أنفسهم} يهود شروا الحقّ بالباطل، وكتمان ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يبيّنوه».
- وقال السّدّيّ: «{بئسما اشتروا به أنفسهم} يقول: باعوا به أنفسهم»، يعني: بئسما اعتاضوا لأنفسهم ورضوا به [وعدلوا إليه من الكفر بما أنزل اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى تصديقه ومؤازرته ونصرته]. وإنّما حملهم على ذلك البغي والحسد والكراهية {أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده} ولا حسد أعظم من هذا.
- قال ابن إسحاق عن محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيًا أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده} أي: إنّ اللّه جعله من غيرهم»، {فباءوا بغضبٍ على غضبٍ} قال ابن عبّاسٍ: «فالغضب على الغضب، فغضبه عليهم فيما كانوا ضيّعوا من التّوراة وهي معهم، وغضب بكفرهم بهذا النّبيّ الذي أحدث اللّه إليهم».
قلت: ومعنى {باءوا} استوجبوا، واستحقّوا، واستقرّوا بغضبٍ على غضبٍ.
- وقال أبو العالية: «غضب اللّه عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى، ثمّ غضب عليهم بكفرهم بمحمّدٍ، وبالقرآن عليهما السّلام»، [وعن عكرمة وقتادة مثله].
- قال السّدّيّ: «أمّا الغضب الأوّل فهو حين غضب عليهم في العجل، وأمّا الغضب الثّاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم»، [وعن ابن عبّاسٍ مثله].
وقوله: {وللكافرين عذابٌ مهينٌ} لمّا كان كفرهم سببه البغي والحسد، ومنشأ ذلك التّكبّر، قوبلوا بالإهانة والصّغار في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى: {إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين} [غافر: 60]، [أي: صاغرين حقيرين ذليلين راغمين].
- وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى، حدّثنا ابن عجلان، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور النّاس، يعلوهم كلّ شيءٍ من الصّغار حتّى يدخلوا سجنًا في جهنّم، يقال له: بولس فيعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال: عصارة أهل النّار»). [تفسير ابن كثير: 1/ 327-328]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل اللّه قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ مصدّقًا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين (91) ولقد جاءكم موسى بالبيّنات ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (92)}
يقول تعالى: {وإذا قيل لهم} أي: لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب {آمنوا بما أنزل اللّه} [أي]: على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وصدّقوه واتّبعوه {قالوا نؤمن بما أنزل علينا} أي: يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التّوراة والإنجيل ولا نقرّ إلّا بذلك، {ويكفرون بما وراءه} يعني: بما بعده {وهو الحقّ مصدّقًا لما معهم} أي: وهم يعلمون أنّ ما أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الحقّ {مصدّقًا} منصوبٌ على الحال، أي: في حال تصديقه لما معهم من التّوراة والإنجيل، فالحجّة قائمةٌ عليهم بذلك، كما قال تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} [البقرة: 146] ثمّ قال تعالى: {[قل] فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين} أي: إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم، فلم قتلتم الأنبياء الذين جاؤوكم بتصديق التّوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها، وأنتم تعلمون صدقهم؟ قتلتموهم بغيًا [وحسدًا] وعنادًا واستكبارًا على رسل اللّه، فلستم تتّبعون إلّا مجرّد الأهواء، والآراء والتّشهّي كما قال تعالى {أفكلّما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقًا كذّبتم وفريقًا تقتلون} [البقرة: 87].
- وقال السّدّيّ في هذه الآية: «يعيّرهم اللّه تعالى: {قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين}».
- وقال أبو جعفر بن جريرٍ: قل يا محمّد ليهود بني إسرائيل -[الّذين] إذا قلت لهم: آمنوا بما أنزل اللّه، قالوا: {نؤمن بما أنزل علينا}-: لم تقتلون -إن كنتم يا معشر اليهود مؤمنين بما أنزل اللّه عليكم- أنبياءه، وقد حرّم اللّه في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم، بل أمركم فيه باتّباعهم وطاعتهم وتصديقهم، وذلك من اللّه تكذيبٌ لهم في قولهم: {نؤمن بما أنزل علينا} وتعييرٌ لهم). [تفسير ابن كثير: 1/ 328-329]


رد مع اقتباس