عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:42 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ...}

يقال: أمره بخلالٍ عشرٍ من السّنّة؛ خمسٌ في الرأس، وخمس في الجسد؛
فأما اللاتي في الرأس: فالفرق، وقصّ الشّارب، والاستنشاق، والمضمضة، والسّواك,
وأما اللاتي في الجسد: فالختان، وحلق العانة، وتقليم الأظافر، ونتف الرفغين, يعني: الإبطين, قال الفرّاء: ويقال للواحد "رفغ"، والاستنجاء.
{فأتمّهنّ}: عمل بهنّ؛ فقال الله تبارك وتعالى: {إنّي جاعلك للنّاس إماماً}: يهتدى بهديك ويستنّ بك، فقال: ربّ {ومن ذرّيّتي} على المسألة).
[معاني القرآن: 1/ 76]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لا ينال عهدي الظّالمين...} يقول: لا يكون للمسلمين إمام مشرك, وفي قراءة عبد الله: (لا ينال عهدي الظّالمون), وقد فسّر هذا؛ لأن ما نالك فقد نلته، كما تقول: نلت خيرك، ونالني خيرك). [معاني القرآن: 1/ 76]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وإذا ابتلى إبراهيم ربّه} أي: اختبره). [مجاز القرآن: 1/ 54]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إماماً قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين}
قال: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} أي: اختبره, و{إبراهيم} هو المبتلي؛ فلذلك انتصب,
وقال: {لا ينال عهدي الظّالمين}؛ لأنّ العهد هو الذي لا ينالهم، وقال بعضهم: (لا ينال عهدي الظالمون), والكتاب بالياء, وإنما قالوا: (الظالمون)؛ لأنهم جعلوهم الذين لا ينالون).
[معاني القرآن: 1/ 113]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {لا ينال عهدي الظالمين} يحرك الياء.
ابن أبي إسحاق {عهدي الظالمين} لا يحرك الياء، ويسكن ويجزم؛ وسنخبر عن ياء الإضافة وما فيها، إن شاء الله). [معاني القرآن لقطرب: 257]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {ومن ذريتي} فإنهم يقولون: هذه ذرية وذرية، مثل علية وعلية، والأصل عندنا من ذر يذر). [معاني القرآن لقطرب: 333]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ} أي: اختبر اللّه إبراهيم بكلمات, يقال: هي عشر من السّنّة, {فأتمّهنّ} أي: عمل بهن كلّهن). [تفسير غريب القرآن: 63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إماما قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين} المعنى: اذكروا إذ ابتلى إبراهيم ربه.
ومعنى {فأتمهن}: وفّى بما أمر به فيهن، وقد اختلفوا في الكلمات:
1- فقال قوم: تفسيرها أنه أمره بخمس خلال في الرأس، وخمس خلال في البدن،
فأمّا اللاتي في الرأس: فالفرق, وقص الشارب , والسواك، والمضمضة، والاستنشاق،
وأمّا التي في البدن : فالختان , وحلق العانة , والاستنجاء , وتقليم الأظافر , ونتف الإبط, فهذا مذهب قوم , وعليه كثير من أهل التفسير.
2- وقال قوم: أن الذي ابتلاه به: ما أمره به من ذبح ولده, وما كان من طرحه في النار، وأمر النجوم التي جرى ذكرها في القرآن في قوله عزّ وجلّ: {فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكباً}, وما جرى بعد الكواكب من ذكر القمر والشمس، فهذا مذهب قوم.
وجميع هذه الخلال قد ابتلي بها إبراهيم، وقد وفّى بما أمر به, وأتى بما يأتي به المؤمن, بل البر المصطفى المختار، ومعنى {ابتلى}: اختبر.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّي جاعلك للنّاس إماماً}؛ الأم: في اللغة القصد، تقول: أممت كذا وكذا، إذا قصدته, وكذلك قوله: {فتيمّموا صعيداً طيّباً}, أي: فاقصدوا, والإمام: الذي يؤتم به, فيفعل أهله وأمته كما فعل، أي: يقصدون لما يقصد.
{قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين}: فأعلم اللّه إبراهيم أن في ذريته الظالم، وقد قرئت (لا ينال عهدي الظالمون), والمعنى في الرفع والنصب واحد؛ لأن النّيل مشتمل على العهد
وعلى الظالمين إلا أنه منفي عنهم، والقراءة الجيّدة هي على نصب الظالمين؛ لأن المصحف هكذا فيه، وتلك القراءة جيدة باللغة إلا أني لا أقرأ بها، ولا ينبغي أن يقرأ بها؛ لأنها خلاف المصحف؛ ولأن المعنى: أن إبراهيم عليه السلام كأنّه قال: واجعل الإمامة تنال ذريتي, واجعل هذا العهد ينال ذريتي، قال اللّه: {لا ينال عهدي الظالمين}, فهو على هذا أقوى أيضاً).[معاني القرآن: 1/ 205]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} أي: اختبره، والكلمات هي عشر:خمس في الرأس، وخمس في البدن: فالتي في الرأس هي: الفرق، وقص الشارب، والاستنشاق، والمضمضة، والسواك.
والتي في البدن هي: الختان، ونتف الإبط، وتقليم الظفر، وحلق العانة، والاستنجاء بالماء.
{فأتمهن} أي: عمل بهن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس...} يثوبون إليه -من المثابة والمثاب- أراد: من كل مكان. والمثابة في كلام العرب كالواحد؛ مثل: المقام والمقامة.
وقوله: {وأمناً...}
يقال: إن من جنى جناية أو أصاب حدّا ثم عاذ بالحرم لم يقم عليه حدّه حتى يخرج من الحرم، ويؤمر بألاّ يخالط, ولا يبايع، وأن يضيّق عليه حتى يخرج؛ ليقام عليه الحدّ، فذلك أمنه, ومن جنى من أهل الحرم جناية, أو أصاب حدّا, أقيم عليه في الحرم). [معاني القرآن: 1/ 76-77]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلًّى...} وقد قرأت القرّاء بمعنى الجزم, والتفسير مع أصحاب الجزم, ومن قرأ: (واتّخَذوا), ففتح الخاء كان خبراً, يقول: جعلناه مثابة لهم واتخذوه مصلى، وكلّ صواب إن شاء الله).[معاني القرآن: 1/ 77]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أن طهّرا بيتي...} يريد: من الأصنام ألاّ تعلّق فيه.
وقوله: {للطّائفين والعاكفين...} يعني: أهله, {والرّكّع السّجود} يعني: أهل الإسلام).
[معاني القرآن: 1/ 77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({مثابةً} مصدر (يثوبون إليه) أي: يصيرون إليه.
{والعاكفين} العاكف أي: المقيم. {والركّع السّجود}: الذين يركعون , ويسجدون , والراكع: العاثر من الدواب, قال الشاعر:
على قرواء تركع في الظّراب
الظراب: الجبال الصغار؛ قال لبيد:

أخبّر أخبار القرون التي مضت ....... أدبّ كأنّي كلما قمت راكع

).[مجاز القرآن: 1/ 54]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس وأمناً واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلًّى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}
قال: {وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس وأمناً} على {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم}, {وإذ جعلنا البيت مثابةً لّلنّاس}, وألحقت الهاء في "المثابة" لما كثر من يثوب إليه، كما تقول: "نسّابة" و"سيّارة" لمن يكثر ذلك منه.
وقال: {واتّخذوا من مّقام إبراهيم مصلًّى} يريد (واتّخذوا) كأنّه يقول: واذكروا نعمتي , وإذ اتّخذوا مصلى من مقام إبراهيم, و{اتّخِذوا} بالكسر , وبها نقرأ ؛ لأنّها تدلّ على الغرض.
وقال: {والرّكّع السّجود} , فـ{السّجود} جماعة "السّاجد" كما تقول: "قومٌ قعودٌ" , و"جلوسٌ"). [معاني القرآن: 1/ 113-114]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا عنه {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} على الأمر؛ وهي قراءة الحسن وأبي عمرو.
وقراءة العامة {واتخذوا} على الخبر). [معاني القرآن لقطرب: 257]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {مثابة للناس وآمنا} فإنهم يقولون: هذه مثابة الساقي وهي مقامه عند البئر؛ والمثابة من ثاب يثوب إليه؛ فكأن قوله {مثابة} من: يثوب إليه الناس من كل موضع، وكذلك مثابة الساقي التي يثوب إليها: يرجع إليها.
وقال الأغلب:
وماء قد وردت بوهن ليل قليل = الإنس ليس به مثاب
وواحد المثاب من الركية: مثابة، وهو يكون أيضًا أسفل الركية، عند منتهى الماء، وهو أضيق ما يكون من الركية؛ وقال ابن عباس {مثابة} يثوبون إليه من كل وجه). [معاني القرآن لقطرب: 333]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مثابة للناس}: مصيرا يصيرون إليه لا يقضون منه وطرا. والعاكف: المقيم). [غريب القرآن وتفسيره: 81-82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({جعلنا البيت مثابةً للنّاس} أي: معاداً لهم، من قولك: ثبت إلى كذا وكذا، عدت إليه, وثاب إليه جسمه بعد العلة، أي: عاد. أراد: أن الناس يعودون إليه مرة بعد مرة.
{العاكفين}: المقيمين, يقال: عكف على كذا، إذا أقام عليه. ومنه قوله: {وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفاً}, ومنه الاعتكاف، إنما هو: الإقامة في المساجد على الصلاة , والذكر للّه). [تفسير غريب القرآن: 63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس وأمنا واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}
{مثابة}: يثوبون إليه، والمثاب والمثابة واحد، وكذلك المقام والمقامة.
قال الشاعر:

وإنّي لقوّام مقاوم لم يكن ....... جرير ولا مولى جرير يقومها

وواحد المقاوم "مقام", وقال زهير:

وفيهم مقامات حسان وجوهها ....... وأندية ينتابها القول والفعل

وواحد المقامات "مقامة",

و الأصل في مثابة "مثوبة", ولكن حركة الواو نقلت إلى التاء، وتبعت الواو الحركة فانقلبت ألفا، وهذا إعلال إتباع، تبع مثابة باب "ثاب" وأصل ثاب "ثوب"، ولكن الواو قلبت ألفا لتحركها, وانفتاح ما قبلها لا اختلاف بين النحويين في ذلك.
وهذا الباب فيه صعوبة إلا أن كتابنا هذا يتضمن شرح الإعراب والمعاني , فلا بد من استقصائها على حسب ما يعلم.
ومعنى قوله {وأمنا}؛ قيل: كان من جنى جناية ثم دخل الحرم لم يقم عليه الحد، ولكن لا يبايع , ولا يكلم حتى يضطر إلى الخروج منه، فيقام عليه الحد.
وقوله عزّ وجلّ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} قرئت {واتخذوا} بالفتح والكسر: واتخذوا، واتّخذوا .
روى أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم, وقد وقفا على مقام إبراهيم:«أليس هذا مقام خليل ربنا؟» وقال بعضهم: «مقام أبينا, أفلا نتخذه مصلى؟»؛ فأنزل الله عزّ وجلّ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى}, فكان الأمر.
والقراءة: {واتخذوا} بالكسر على هذا الخبر أبين, ولكن ليس يمتنع (واتخَذوا)؛ لأن الناس اتخذوا هذا، فقال: {وإذ جعلنا البيت مثابة}, (واتخَذوا), فعطف بجملة على جملة.
وقوله عزّ وجلّ: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}
معنى "طهّراه": امنعاه من تعليق الأصنام عليه، و"الطائفون": هم الذين يطوفون بالبيت، و"العاكفون": المقيمون به، ويقال: قد عكف يعكف , ويعكف على الشيء عكوفاً, أي: أقام عليه، ومن هذا قول الناس: فلان معتكف على الحرام، أي: مقيم عليه.
{والرّكع السجود}: سائر من يصلي فيه من المسلمين.
و{بيتي}: الأجود فيه فتح الياء، وإن شئت سكّنتها، و{الرّكع}: جمع راكع، مثل: غاز وغزى، و{السجود} جمع ساجد، كقولك: ساجد وسجود، وشاهد وشهود). [معاني القرآن: 1/ 206-207]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مثابة للناس} أي: معاداً يعودون إليه, و"العاكف": المقيم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 33]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَثَابَةً}: مصير, "الْعَاكِفُونَ": المقيمون). [العمدة في غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن كفر..}
من قول الله تبارك وتعالى: {فأمتّعه} على الخبر, وفي قراءة أبيّ: (ومن كفر فنمتّعه قليلاً ثمّ نضطرّه إلى عذاب النار), فهذا وجه, وكان ابن عباس يجعلها متّصلة بمسألة إبراهيم -صلى الله عليه- على معنى: "ربّ ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطرّه", منصوبة موصولة, يريد: ثم اضطرره؛ فإذا تركت التضعيف نصبت، وجاز في هذا المذهب كسر الراء في لغة الذين يقولون مده, وقرأ يحيى بن وثّاب: (فإمتعه قليلا ثم إضطرّه) بكسر الألف كما تقول: أنا أعلم ذلك). [معاني القرآن: 1/ 78]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلاً ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير}
قال: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم} , فـ{من آمن} بدل على التبيان كما تقول: "أخذت المال نصفه" , و"رأيت القوم ناساً منهم", ومثل ذلك {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}, يريد: عن قتالٍ فيه، وجعله بدلاً, ومثله: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً}, ومثله: {قال الملأ الّذين استكبروا من قومه للّذين استضعفوا لمن آمن منهم}, لشبيه هذا أيضاً إلاّ أنه قدر فيه حرف الجرّ.
وقال: {ومن كفر فأمتعه قليلاً} على الأمر {ثمّ أضطره} فجزم {فأمتعه} على الأمر , وجعل الفاء جواب المجازاة,
وقال بعضهم: {فأمتّعه}, وبها نقرأ رفع على الخبر , وجواب المجازاة الفاء). [معاني القرآن: 1/ 114]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة ابن عباس رحمه الله "فأمتعه قليلا ثم اضطره" على الأمر المجزوم.
[معاني القرآن لقطرب: 257]
قراءة الحسن وأبي عمرو {ثم اضطره} على الخبر.
قراءة الحسن والحارث بن أبي ربيعة وشيبة ونافع وأبي جعفر {فأمتعه} من متع على الخبر.
قراءة أخرى {فأمتعه قليلا} من أمتع). [معاني القرآن لقطرب: 258]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم باللّه واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتّعه قليلا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النّار وبئس المصير} المعنى: واذكروا إذ قال إبراهيم. {وأمنا}: ذا أمن.
وقوله عزّ وجل: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم...} {من} نصب بدل من {أهله}، المعنى: أرزق من آمن من أهله دون غيرهم؛ لأن الله تعالى قد أعلمه أن في ذريته غير مؤمن، لقوله: عزّ وجل: {لا ينال عهدي الظّالمين}.
وقوله عزّ وجلّ: {قال ومن كفر فأمتّعه قليلا ثمّ أضطرّه إلى عذاب النار} أكثر القراءة على: {فأمتّعه قليلاً ثم أضطره} على الإخبار، وقد قرئ أيضاً: (فأمتعه ثم اضطرّه) على الدعاء، ولفظ الدعاء كلفظ الأمر مجزوم، إلا أنه استعظم أن يقال "أمر"، فمسألتك من فوقك -نحو: أعطني، واغفر لي- دعاء ومسألة، ومسألتك من دونك أمر، كقولك لغلامك: افعل كذا وكذا, والراء مفتوحة في قوله: (ثم اضطرّه), لسكونها , وسكون الراء التي قبلها الأصل: ثم اضطرره، ويجوز: (ثم أضطره) , ولا أعلم أحداً قرأ بها).
[معاني القرآن: 1/ 207-208]


رد مع اقتباس