عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 26 صفر 1440هـ/5-11-2018م, 02:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشّجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السّكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا (18) ومغانم كثيرةً يأخذونها وكان اللّه عزيزًا حكيمًا (19) }
يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الّذين بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تحت الشّجرة، وقد تقدّم ذكر عدّتهم، وأنّهم كانوا ألفًا وأربعمائةٍ، وأن الشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية.
قال البخاريّ: حدّثنا محمودٌ، حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن طارق بن عبد الرّحمن قال: انطلقت حاجًّا فمررت بقومٍ يصلّون، فقلت ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشّجرة، حيث بايع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيعة الرّضوان، فأتيت سعيد بن المسيّب فأخبرته، فقال سعيدٌ: حدّثني أبي أنّه كان فيمن بايع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تحت الشّجرة. قال: فلمّا خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيدٌ: أنّ أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يعلموها وعلمتموها أنتم، فأنتم أعلم.
وقوله: {فعلم ما في قلوبهم} أي: من الصّدق والوفاء، والسّمع والطّاعة، {فأنزل السّكينة}: وهي الطّمأنينة، {عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا}: وهو ما أجرى اللّه على أيديهم من الصّلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العامّ المستمرّ المتّصل بفتح خيبر وفتح مكّة، ثمّ فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل لهم من العزّ والنّصر والرّفعة في الدّنيا والآخرة؛ ولهذا قال: {ومغانم كثيرةً يأخذونها وكان اللّه عزيزًا حكيمًا}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، أخبرنا موسى، أخبرنا موسى -يعني ابن عبيدة-حدّثني إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: بينما نحن قائلون. إذ نادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّها النّاس، البيعة البيعة، نزل روح القدس. قال: فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرةٍ فبايعناه، فذلك قول اللّه تعالى: {لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشّجرة} [قال]: فبايع لعثمان بإحد يديه على الأخرى، فقال النّاس: هنيئًا لابن عفّان، طوّف بالبيت ونحن هاهنا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو مكث كذا كذا سنةً ما طاف حتّى أطوف"). [تفسير ابن كثير: 7/ 339-340]

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وعدكم اللّه مغانم كثيرةً تأخذونها فعجّل لكم هذه وكفّ أيدي النّاس عنكم ولتكون آيةً للمؤمنين ويهديكم صراطًا مستقيمًا (20) وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط اللّه بها وكان اللّه على كلّ شيءٍ قديرًا (21) ولو قاتلكم الّذين كفروا لولّوا الأدبار ثمّ لا يجدون وليًّا ولا نصيرًا (22) سنّة اللّه الّتي قد خلت من قبل ولن تجد لسنّة اللّه تبديلًا (23) وهو الّذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكّة من بعد أن أظفركم عليهم وكان اللّه بما تعملون بصيرًا (24) }
قال مجاهدٌ في قوله: {وعدكم اللّه مغانم كثيرةً تأخذونها}: هي جميع المغانم إلى اليوم، {فعجّل لكم هذه} يعني: فتح خيبر.
وروى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: {فعجّل لكم هذه} يعني: صلح الحديبية.
{وكفّ أيدي النّاس عنكم} أي: لم ينلكم سوءٌ ممّا كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال. وكذلك كفّ أيدي النّاس [عنكم] الّذين خلّفتموهم وراء أظهركم عن عيالكم وحريمكم، {ولتكون آيةً للمؤمنين} أي: يعتبرون بذلك، فإنّ اللّه حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء، مع قلّة عددهم، وليعلموا بصنيع اللّه هذا بهم أنّه العليم بعواقب الأمور، وأنّ الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظّاهر، كما قال: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم} [البقرة: 216].
{ويهديكم صراطًا مستقيمًا} أي: بسبب انقيادكم لأمره واتّباعكم طاعته، وموافقتكم رسوله.
وقوله: {وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط اللّه بها وكان اللّه على كلّ شيءٍ قديرًا} أي: وغنيمةً أخرى وفتحًا آخر معيّنًا لم تكونوا تقدرون عليها، قد يسّرها اللّه عليكم، وأحاط بها لكم، فإنّه تعالى يرزق عباده المتّقين له من حيث لا يحتسبون.
وقد اختلف المفسّرون في هذه الغنيمة، ما المراد بها؟ فقال العوفي عن ابن عبّاسٍ: هي خيبر. وهذا على قوله في قوله تعالى: {فعجّل لكم هذه} إنّها صلح الحديبية. وقاله الضّحّاك، وابن إسحاق، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم.
وقال قتادة: هي مكّة. واختاره ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي ليلى، والحسن البصريّ: هي فارس والرّوم.
وقال مجاهدٌ: هي كلّ فتحٍ وغنيمةٍ إلى يوم القيامة.
وقال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ الحنفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط اللّه بها} قال: هذه الفتوح الّتي تفتح إلى اليوم). [تفسير ابن كثير: 7/ 340-341]

رد مع اقتباس