عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 67 إلى 81]

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يعصمك من النّاس) (67) يمنعك، كقوله:
وقلت عليكم مالكاً إنّ مالكا... سيعصمكم إن كان في الناس عاصم). [مجاز القرآن: 1/171]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من رّبّك وإن لّم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين}
وقال: {فما بلّغت رسالته}.
وقال بعضهم: {رسالاته}.
وكلٌّ صوابٌ لأنّ "الرّسالة" قد تجمع "الرّسائل" كما تقول "هلك البعير والشّاة" و"أهلك الناس الدينار والدرهم" تريد الجماعة). [معاني القرآن: 1/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({واللّه يعصمك من النّاس} أي يمنعك منهم. وعصمة اللّه إنما هي منعه العبد من المعاصي. ويقال: هذا طعام لا يعصم، أي لا يمنع من الجوع).[تفسير غريب القرآن: 145]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين (67)
وتقرأ رسالاته. والمعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك، وإن تركت منه شيئا فما بلغت، أي لا تراقبن أحدا ولا تتركن شيئا من ذلك خوفا من أن ينالك مكروه.
(واللّه يعصمك من النّاس).
أي يحول بينهم وبين أن ينالك منهم مكروه، فأعلمه الله جلّ وعزّ أنه يسلم منهم.
وفي هذا آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بيّنة). [معاني القرآن: 2/192]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته} في معناه قولان: أحدهما بلغ كل ما أنزل إليك ويقوي هذا أن مسروقا روى عن عائشة أنها قالت من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب والله يقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} والقول الآخر وعليه أكثر أهل اللغة أن المعنى أظهر ما أنزل إليك من ربك أي بلغه ظاهرا
ودل على هذا قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} أي يمنعك منهم أن ينالوك بسوء مشتق من عصام القربة وهو ما تشد به وقوله جل وعز: {وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك طغيانا وكفرا} أي يكفرون به فيزدادون كفرا على كفرهم).[معاني القرآن: 2/338-339]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أي يمنعك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لستم على شيءٍ) (68) أي ليس في أيديكم حجة ولا حق ولا بيان.
(فلا تأس) (68) أي لا تحزن. (على القوم الكافرين) (68)، ولا تجزع، وقال العجّاج:
وأنحلبت عيناه من فرط الأسى
والأسى: الحزن، يقال: أسى يأسى، وأنشد:
=يقولون لا تهلك أسى وتجلّد). [مجاز القرآن: 1/171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فلا تأس على القوم الكافرين} أي فلا تحزن عليهم). [معاني القرآن: 2/339]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى...}
فإن رفع (الصابئين) على أنه عطف على (الذين)، و(الذين) حرف على جهة واحدة في رفعه ونصبه وخفضه، فلمّا كان إعرابه واحدا وكان نصب (إنّ) نصبا ضعيفا - وضعفه أنه يقع على (الاسم ولا يقع على) خبره - جاز رفع الصابئين. ولا أستحبّ أن أقول: إنّ عبد الله وزيد قائمان لتبيّن الإعراب في عبد الله. وقد كان الكسائي يجيزه لضعف إنّ. وقد أنشدونا هذا البيت رفعا ونصبا:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله=فإني وقيّارا بها لغريب
وقيّارٌ. ليس هذا بحجّة للكسائيّ في إجازته (إنّ عمرا وزيد قائمان) لأن قيّارا قد عطف على اسم مكنيّ عنه، والمكنى لا إعراب له فسهل ذلك (فيه كما سهل) في (الذين) إذا عطفت عليه (الصابئون) وهذا أقوى في الجواز من (الصابئون) لأنّ المكنيّ لا يتبين فيه الرفع في حال، و(الذين) قد يقال: اللذون فيرفع في حال. وأنشدني بعضهم:
وإلاّ فاعلموا أنّا وأنتم=بغاة ما حيينا في شقاق
وقال الآخر:
يا ليتني وأنت يا لميس=ببلدٍ ليس به أنيس
وأنشدني بعضهم:
يا ليتني وهما نخلو بمنزلةٍ=حتى يرى بعضنا بعضا ونأتلف
قال الكسائيّ: أرفع (الصابئون) على إتباعه الاسم الذي في هادوا، ويجعله من قوله (إنا هدنا إليك) لا من اليهودية. وجاء التفسير بغير ذلك؛ لأنه وصف الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ثم ذكر اليهود والنصارى فقال: من آمن منهم فله كذا، فجعلهم يهودا ونصارى). [معاني القرآن: 1/310-312]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى) (66): والصابئ الذي يخرج من دين إلى دين، كما تصبؤ النجوم من مطالعها، يقال: صبأت سنّه وصبأ فلان علينا: أي طلع؛ ورفع (الصابئون) لأن العرب تخرج المشرك في المنصوب الذي قبله من النصب إلى الرفع على ضمير فعل يرفعه، أو استئنافٍ ولا يعملون النصب فيه، ومع هذا إن معنى (إنّ) معنى الابتداء، ألا ترى أنها لا تعمل إلا فيما يليها ثم ترفع الذي بعد الذي يليها كقولك: إن زيداً ذاهبٌ، فذاهب رفعٌ، وكذلك إذا واليت بين مشركين رفعت الأخير على معنى الابتداء. سمعت غير واحد يقول:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله=فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقد يفعلون هذا فيما هو أشدّ تمكناً في النصب من (إنّ). سمعت غير واحد يقول:
وكلّ قومٍ أطاعوا أمر سيّدهم=إلاّ نميراً أطاعت أمر غاويها
الظّاعنون ولما يظعنوا أحداً=والقائلين لمن دارٌ نخلّيها
وربما رفعوا (القائلين)، ونصبو (الظاعنين) ). [مجاز القرآن: 1/172-173]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
وقال: {والصّابئون والنّصارى} وقال في موضع آخر {والصّابئين} والنصب القياس على العطف على ما بعد {إنّ} فأما هذه فرفعها على وجهين كأن قوله: {إنّ الّذين آمنوا} في موضع رفع في المعنى لأنه كلام مبتدأ لأنّ قوله: "إنّ زيداً منطلقٌ" و"زيدٌ منطلقٌ" من غير أن يكون فيه "إنّ" في المعنى سواء، فإن شئت إذا عطفت عليه شيئا جعلته على المعنى. كما قلت: "إنّ زيداً منطلقٌ وعمرٌو". ولكنه إذا جعل بعد الخبر فهو أحسن وأكثر. وقال بضعهم: "لما كان قبله فعل شبه في اللفظ بما يجري على ما قبله، وليس معناه في الفعل الذي قبله وهو {الّذين هادوا} أجراه عليه فرفعه به وإن كان ليس عليه في المعنى ذلك أنه تجيء أشياء في اللفظ لا تكون في المعاني، منها قولهم: "هذا جحر ضبٍّ خربٍ" وقولهم "كذب عليكم الحجّ" يرفعون "الحجّ" بـ"كذب"، وإنما معناه "عليكم الحجّ" نصب بأمرهم. وتقول: "هذا حبّ رمّاني" فتضيف "الرّمان" إليك وإنّما لك "الحبّ" وليس لك "الرّمان". فقد يجوز أشباه هذا والمعنى على خلافه). [معاني القرآن: 1/228]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وقالوا في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} رفع (الصابئين) لأنه ردّ على موضع إنّ الّذين آمنوا وموضعه رفعٌ، لأن (إنّ) مبتدأة وليست تحدث في الكلام معنى كما تحدث أخواتها.
ألا ترى أنك تقول: زيد قائم، ثم تقول: إن زيدا قائم، ولا يكون بين الكلامين فرق في المعنى.
وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى الشك.
وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى التمني.
ويدلّك على ذلك قولهم: إن عبد الله قائم وزيد، فترفع زيداً، كأنك قلت: عبد الله قائم وزيد.
وتقول: لعل عبد الله قائم وزيداً، فتنصب مع (لعلّ) وترفع مع (إنَّ) لما أحدثته (لعلّ) من معنى الشك في الكلام، ولأنّ (إنَّ) لم تُحدث شيئا.
وكان الكسائي يجيز: إنَّ عبد الله وزيدٌ قائمان، وإنَّ عبد الله وزيدٌ قائم. والبصريون يجيزونه، ويحكون: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وينشدون:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّارٌ بها لغريب ). [تأويل مشكل القرآن: 52]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (69)
اختلف أهل العربية في تفسير رفع الصابئين، فقال بعضهم نصب " إنّ " ضعف فنسق بـ (الصّابئون) على " الّذين " لأن الأصل فيهم الرفع.
وهو قول الكسائي.
وقال الفراء: مثل ذلك إلا أنه ذكر أن هذا يجوز في النسق على مثل " الذين " وعلى المضمر، يجوز إني وزيد قائمان، وأنه لا يجيز إنّ زيدا وعمرو قائمان.
وهذا التفسير إقدام عظيم على كتاب اللّه وذلك أنهم زعموا أن نصب "إنّ " ضعيف؛ لأنها إنما تغيّر الاسم ولا تغير الخبر، وهذا غلط لأن " إنّ " عملت عملين النصب، والرفع، وليس في العربية ناصب ليس معه مرفوع لأن كل منصوب مشبه بالمفعول، والمفعول لا يكون بغير فاعل إلا فيما لم يسم فاعله، وكيف يكون نصب " إنّ " ضعيفا وهي تتخطى الظروف فتنصب ما بعدها.
نحو قوله: " (إنّ فيها قوما جبّارين) ونصب إنّ من أقوى المنصوبات.
وقال سيبويه والخليل، وجميع البصريين: إن قوله: (والصّابئون) محمول.
على التأخير، ومرفوع بالابتداء. المعنى إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم، والصابئون والنصارى كذلك أيضا، أي من آمن باللّه واليوم الآخر فلا خوف عليهم، وأنشدوا في ذلك قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنّا وأنتم=بغاة ما بقينا في شقاق
المعنى وإلا فاعلموا أنّا بغاة ما بقينا في شقاق، وأنتم أيضا كذلك.
وزعم سيبويه أن قوما من العرب يغلطون فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون، وإنك وزيد ذاهبان. فجعل سيبويه هذا غلطا وجعله كقول الشاعر:
بدا لي أنى لست مدرك ما مضى=ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
فأما (من آمن باللّه) وقد ذكر الذين آمنوا، فإنما يعني الذين آمنوا ههنا المنافقين الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم، ودل على أن المعنى هنا ما تقدّم من قوله: (لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم).
ومعنى الصابئ الخارج عن جملة الأديان لأنهم لا يدينون بالكتب.
والعرب تقول قد صبأ ناب البعير، وصبأ سنّ الصّبيّ إذا خرج.
فأمّا قولهم ضبأت بالضاد المعجمة فمعناه اختبأت في الأرض.
ومنه اشتق اسم ضابئ.
وقال الكسائي: الصابئون نسق على ما في هادوا، كأنه قال: هادوا هم والصابئون. وهذا القول خطأ من جهتين:
إحداهما: أن الصابئ يشارك اليهودي في اليهودية.
وإن ذكر أن هادوا في معنى تابوا فهذا خطأ في هذا الموضع أيضا؛ لأن معنى الذين آمنوا ههنا إنما هو: إيمان بأفواههم؛ لأنه يعنى به المنافقون، ألا ترى أنه قال: من آمن باللّه، فلو كانوا مؤمنين لم يحتج أن يقال: إن آمنوا فلهم أجرهم). [معاني القرآن: 2/192-194]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} في هذا قولان: أحدهما أنه يعني بالذين آمنوا ههنا المنافقون
والتقدير إن الذين آمنوا بألسنتهم ودل على هذا قوله تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم}). [معاني القرآن: 2/339-340]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل اسمه {من آمن بالله} فالمعنى على هذا القول من حقق الإيمان بقلبه والقول الآخر أن معنى من آمن بالله من ثبت على إيمانه كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}).[معاني القرآن: 2/340]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فريقاً كذّبوا) (70): مقدم ومؤخر، مجازه كذبوا فريقاً. (وفريقاً يقتلون) (70) مجازه: يقتلون فريقاً). [مجاز القرآن: 1/173]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلّما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذّبوا وفريقا يقتلون (70)
المعنى كلما جاءهم رسول كذبوا فريقا وقتلوا فريقا.
أمّا التكذيب فاليهود والنصارى مشتركة فيه، وأمّا القتل فكانت اليهود خاصّة – دون النّصارى - يقتلون الأنبياء، وكانت الرسل على ضربين، رسل تأتي بالشرائع والكتب نحو موسى وعيسى وإبراهيم ومحمد - صلى الله عليهم وسلم -، فهؤلاء معصومون من الخلق، لم يوصل إلى قتل واحد منهم، ورسل تأتي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحث على التمسك بالدين نحو يحيى وزكريا - صلى الله عليهما وسلم). [معاني القرآن: 2/194-195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} قال: اليهود والنصارى يشتركون في التكذيب واليهود تنفرد بالقتل خاصة وكانت الرسل منها من يأتي بالشرائع والكتب والأحكام نحو محمد صلى الله عليه وسلم وموسى وعيسى وهؤلاء معصومون.
ومنهم من يأتي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتمسك بالدين نحو يحيى وزكريا عليهما السلام). [معاني القرآن: 2/340-341]

تفسير قوله تعالى: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ مّنهم...}
فقد يكون رفع الكثير من جهتين:
إحداهما: أن تكرّ الفعل عليها؛ تريد: عمي وصمّ كثير منهم.
وإن شئت جعلت {عموا وصمّوا} فعلا للكثير؛ كما قال الشاعر:
يلومونني في اشترائي النخيـ=ل أهلي فكلّهم ألوم
وهذا لمن قال: قاموا قومك.
وإن شئت جعلت الكثير مصدرا فقلت: أي ذلك كثير منهم، وهذا وجه ثالث. ولو نصبت على هذا المعنى كان صوابا.
ومثله قول الشاعر:
وسوّد ماء المرد فاها فلونه=كلون النؤور وهي أدماء سارها
ومثله قول الله تبارك وتعالى: {وأسرّوا النّجوى الذين ظلموا} إن شئت جعلت (وأسرّوا) فعلا لقوله: {لاهيةً قلوبهم وأسرّوا النجوى} ثم تستأنف (الذين) بالرفع. وإن شئت جعلتها خفضا (إن شئت) على نعت الناس في قوله "اقترب للناس حسابهم" وإن شئت كانت رفعا كما يجوز (ذهبوا قومك) ).[معاني القرآن: 1/315-317]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ) (71) فتكون: مرفوعةٌ على ضمير الهاء، كأنه قال: (أنه لا تكون فتنةٌ)، ومن نصب تكون فعلى إعمال (أن) فيها ولا تمنع (لا) النصب أن يعمل في الفعل.
(عوا وصمّوا كثيرٌ منهم) (71) مجازه على وجهين:
أحدهما: أن بعض العرب يظهرون كناية الاسم في آخر الفعل مع إظهار الاسم الذي بعد الفعل كقول أبي عمر والهذليّ (أكلوني البراغيث).
والموضع الآخر أنه مستأنف لأنه يتم الكلام إذا قلت: عموا وصمّوا، ثم سكتّ، فتستأنف فتقول: كثير منهم.
وقال آخرون: كثير صفةٌ للكناية التي في آخر الفعل، فهي في موضع، مرفوع فرفعت كثير بها). [مجاز القرآن: 1/174]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ مّنهم واللّه بصيرٌ بما يعملون}
[و] قال: {ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ مّنهم} ولم يقل: "ثمّ عمي وصمّ" وهو فعل مقدم لأنه أخبر عن قوم إنهم عموا وصمّوا، ثم فسر كم صنع ذلك منهم كما تقول: "رأيت قومك ثلثيهم" ومثل ذلك {وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا} وإن شئت جعلت الفعل للآخر فجعلته على لغة الذين يقولون "أكلوني البراغيث" كما قال:
ولكن ديافيٌّ أبوه وأمّه=بحوران يعصرن السّليط أقاربه). [معاني القرآن: 1/228-229]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وحسبوا ألا تكون فتنة}: بلاء). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وحسبوا ألّا تكون فتنة فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثير منهم واللّه بصير بما يعملون (71)
تقرأ (ألّا تكون) بالنصب، و (ألّا تكون) بالرفع.
فمن قرأ بالرفع فالمعنى أنه لا تكون فتنة، أي حسبوا فعلهم غير فاتن لهم وذلك أنهم كانوا يقولون إنهم أبناء اللّه وأحباؤه.
(فعموا وصمّوا).
هذا مثل، تأويله أنهم لم يعملوا بما سمعوا ولا بما رأوا من الآيات.
فصاروا كالعمى الصّمّ.
(ثمّ تاب اللّه عليهم).
أي أرسل إليهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم أن اللّه جلّ وعزّ قد تاب عليهم إن آمنوا وصدّقوا، فلم يؤمنوا أكثرهم، فقال عزّ وجلّ: (ثمّ عموا وصمّوا كثير منهم).
أي بعد أن ازداد لهم الأمر وضوحا بالنبي عليه السلام (كثير منهم) يرتفع من ثلاثة أوجه:
أحدها أن تكون بدلا من الواو، كأنه لما قال: (عموا وصمّوا) أبدل الكثير منهم، أي عمي وصم كثير منهم كما تقول: جاءني قومك أكثرهم.
وجائز أن يكون جمع الفعل مقدّما كما حكى أهل اللغة أكلوني البراغيث.
والوجه أن يكون كثير منهم خبر ابتداء محذوف، المعنى ذوو العمى والصمم كثير منهم).[معاني القرآن: 2/195-196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا}
قال الحسن: يعني بالفتنة البلاء.
وقال غيره: معنى فعموا وصموا تمثيل أي لم يعملوا بما سمعوا ولا انتفعوا بما رأوا فهم بمنزلة العمي الصم). [معاني القرآن: 2/341]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ثم تاب الله عليهم} أي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم يخبرهم بأن الله عز وجل يتوب عليهم إن تركوا الكفر
ثم عموا وصموا أي بعد وضوح الحجة). [معاني القرآن: 2/341-342]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فِتْنَةٌ}: بلاء). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم}
قال إبراهيم النخعي: المسيح الصديق.
قال أبو جعفر: ووجدنا للعلماء في تفسير معناه ستة أقوال سوى هذا.
روي عن ابن عباس: سمي مسيحا؛ لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له.
وروى غيره عنه: إنما سمي مسيحا؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برأ ولا يضع يده على شيء إلا أعطي فيه مراده.
وقال ثعلب: لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها.
وقيل: لسياحته في الأرض.
وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن.
وقال أبو عبيد: أحسب أصله بالعبرانية مشيحا، قال: وأما قولهم المسيح الدجال فإنما سمي مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين فهو مسيح بمعنى ممسوح،كما يقال: قتيل بمعنى مقتول). [معاني القرآن: 2/342-343]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ...}
يكون مضافا. ولا يجوز التنوين في (ثالث) فتنصب الثلاثة. وكذلك قلت: واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة؛ ألا ترى أنه لا يكون ثانيا لنفسه ولا ثالثا لنفسه.
فلو قلت: أنت ثالث اثنين لجاز أن تقول: أنت ثالث اثنين، بالإضافة، وبالتنوين ونصب الاثنين؛ وكذلك لو قلت: أنت رابع ثلاثة جاز ذلك؛ لأنه فعل واقع.
وقوله: {وما من اله إلاّ اله واحدٌ} لا يكون قوله (إله واحد) إلا رفعا؛ لأن المعنى: ليس إله إلا إله واحد، فرددت ما بعد (إلا) إلى المعنى؛ ألا ترى أن (من) إذا فقدت من أوّل الكلام رفعت.
وقد قال بعض الشعراء:
ما من حوي بين بدرٍ وصاحةٍ=ولا شعبةٍ إلا شباعٌ نسورها
فرأيت الكسائي قد أجاز خفضه وهو بعد إلا، وأنزل (إلا) مع الجحود بمنزلة غير، وليس ذلك بشيء؛ لأنه أنزله بمنزلة قول الشاعر:
أبني لبيني لستم بيدٍ=إلا يدٍ ليست لها عضد
وهذا جائز؛ لأن الباء قد تكون واقعة في الجحد كالمعرفة والنكرة، فيقول: ما أنت بقائم، والقائم نكرة، وما أنت بأخينا، والأخ معرفة، ولا يجوز أن تقول: ما قام من أخيك، كما تقول ما قام من رجل). [معاني القرآن: 1/317-318]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إله إلاّ إله واحدٌ وإن لّم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}
[و] قال: {لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ} وذلك أنهم جعلوا معه "عيسى" و"مريم". كذلك يكون في الكلام إذا كان واحد مع اثنين قيل "ثالث ثلاثةٍ" كما قال: {ثاني اثنين} وإنما كان معه واحد.
ومن قال: "ثالث اثنين" دخل عليه أن يقول: "ثاني واحدٍ". وقد يجوز هذا في الشعر وهو في القياس صحيح. قال الشاعر:
ولكن لا أخون الجار حتّى=يزيل الله ثالثة الأثافي
ومن قال: "ثاني اثنين" و"ثالث ثلاثةٍ" قال: حادي أحد عشر" إذا كان رجل مع عشرة.
ومن قال "ثالث اثنين" قال: "حادي عشرة".
فأمّا قول العرب: "حادي عشر" و"ثاني عشر" فهذا في العدد إذا كنت تقول: "ثاني" و"ثالث" و"رابع" و"عاشر" من غير أن تقول: عاشر كذا وكذا"، فلما جاوز العشرة أراد أن يقول: "حادي" و"ثاني" فكان ذلك لا يعرف معناه إلا بذكر العشرة فضم إليه شيئا من حروف العشرة). [معاني القرآن: 1/229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثة وما من إله إلّا إله واحد وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم (73)
معناه أنهم قالوا الله أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة، ولا يجوز في ثلاثة إلا الجر؛ لأن المعنى أحد ثلاثة، فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جاز الجر والنّصب، فأما النصب فعلى قولك كان القوم ثلاثة فربعهم.
وأنا رابعهم غدا، أو رابع الثلاثة غدا، ومن جر فعلى حذف التنوين، كما قال عزّ وجلّ: (هديا بالغ الكعبة).
وقوله: (وما من إله إلّا إله واحد).
دخلت " من " مؤكدة، والمعنى ما إله إلا إله واحد.
وقوله: (وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم).
معنى الذين كفروا منهم. الذين أقاموا على هذا الدين وهذا القول). [معاني القرآن: 2/196]

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) )
تفسير قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأمّه صدّيقةٌ...}
وقع عليها التصديق كما وقع على الأنبياء. وذلك لقول الله تبارك وتعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها} فلما كلّمها جبريل صلى الله عليه وسلم وصدّقته وقع عليها اسم الرسالة، فكانت كالنبيّ). [معاني القرآن: 1/318]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أنّي يؤفكون) (75) أي كيف يحدّون ويصدّون عن الخير والدين والحق
ويقال: أفكت أرض كذا أي لم يصبها مطر وصرف عنها ولا نبات فيها ولا خير). [مجاز القرآن: 1/174-175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أنى يؤفكون}: كيف يصدون عن الحق، يقال أرض مأفوكة أي ليس فيها مطر ولا نبات). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ما المسيح ابن مريم إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} أي: تقدمت قبله الرسل. يريد أنه لم يكن أول رسول أرسل فيعجب منه.
وقوله: {كانا يأكلان الطّعام} هذا من الاختصار والكناية، وإنما نبّة بأكل الطعام على عاقبته وعلى ما يصير إليه وهو الحدث، لأن من أكل الطعام فلا بد له من أن يحدث.
{انظر كيف نبيّن لهم الآيات} وهذا من ألطف ما يكون من الكناية.
{أنّى يؤفكون} مثل قوله: {أنّى يصرفون} أي يصرفون عن الحق.
ويعدلون. يقال: أفك الرجل عن كذا: إذا عدل عنه. وأرض مأفوكة: أي محرومة المطر والنبات. كأن ذلك عدل عنها وصرف). [تفسير غريب القرآن: 145]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما المسيح ابن مريم إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقة كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون (75)
أي إبراؤه الأكمه والأبرص وإتيانه بالآيات المعجزات ليس بأنه إله، إنما أتى بالآيات كما أتى موسى بالآيات، وكما أتى إبراهيم بالآيات.
(وأمّه صدّيقة).
أي مبالغة في الصدق والتصديق، وإنما وقع عليها صدّيقة لأنه أرسل إليها جبريل، فقال الله عزّ وجلّ: (وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه)،
وصدّيق فعيل من أبنية المبالغة كما تقول فلان سكيت أي مبالغ في السكوت.
وقوله: (كانا يأكلان الطّعام).
هذا احتجاج بين، أي إنما يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر الآدميين.
فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام.
وقوله: (انظر كيف نبيّن لهم الآيات).
أي العلامات الواضحة.
(ثمّ انظر) أي انظر بعد البيان.
(أنّى يؤفكون).
أي من أين يصرفون عن الحق الواضح.
وكل شيء صرفته عن شيء وقلبته عنه، تقول أفكته آفكه إفكا، والإفك الكذب إنما سمّي لأنه صرف عن الحق، والمؤتفكات الرياح التي تأتي من جهات على غير قصد واحد). [معاني القرآن: 2/196-197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام} من الصدق وفعيل في كلام العرب للتكثير كما، يقال: سكيت وقال جل وعز: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه}
ومن هذا قيل: لأبي بكر رضي الله عنه صديق
ويروى أنه إنما قيل له: صديق؛ لأنه لما أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى بيت المقدس، فقال: إن كان قال فقد صدق). [معاني القرآن: 2/343-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {كانا يأكلان الطعام}
في معناه قولان:
أحدهما: كناية عن إتيان الحاجة كما يكنى عن الجماع بالغشيان وما أشبهه.
وقيل: كانا يتغذيان كما يتغذى سائر الناس فكيف يكون إلها من لا يعيش إلا بأكل الطعام). [معاني القرآن: 2/344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز ذكره: {انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} أي قد بينا لهم العلامات وأوضحنا الأمر فمن أين يصرفون
يقال: أفكه، يأفكه إذا صرفه). [معاني القرآن: 2/344-345]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي من أين ينصرفون عن الحق ويعدلون.
ويقال: أرض مأفوكة: إذا حُرمت المطر والنبات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُؤْفَكُونَ}: يصدون عن الحق). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) )
تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرا وضلّوا عن سواء السّبيل (77)
أهواء جمع هوى، وهوى النفس مقصور لأنه مثل الفرق وفعل جمعه أفعال، وتأويله لا تتبعوا شهواتهم لأنهم آثروا الشهوات على البيان والبرهان.
وما في القرآن من ذكر اتباع الهوى مذموم نحو قوله:
(ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل اللّه)
وقوله: (واتّبع هواه فتردى) وقوله: (وما ينطق عن الهوى).
ومعنى (وأضلّوا كثيرا) الكثير اتبعوهم.
(وضلّوا عن سواء السّبيل).
أي ضلوا بإضلالهم عن قصد السبيل). [معاني القرآن: 2/197-198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق} الغلو التجاوز قال أبو عبيد كما فعلت الخوارج أخرجهم الغلو إلى أن كفروا أهل الذنوب قال ويبين لك هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية والمروق هو الغلو بعينه لأن السهم يتجاوز الرمية). [معاني القرآن: 2/345]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني اليهود وقال غيره لأنهم اتبعوا شهواتهم وطلبوا دوام رياستهم وآثروا ذلك على الحق والهوى في القرآن مذموم والعرب لا تستعمله إلا في الشر فأما في الخير فيستعملون الشهوة والنية والمحبة). [معاني القرآن: 2/345-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأضلوا كثيرا} قال ابن أبي نجيح يعني المنافقين وقال غيره ضلوا باتباعهم إياهم). [معاني القرآن: 2/346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وضلوا عن سواء السبيل} أي قصده). [معاني القرآن: 2/346]

تفسير قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78)
تأويل لعنوا بوعدوا من رحمة اللّه.
(على لسان داوود وعيسى ابن مريم)
جاء في التفسير أن قوما اجتمعوا على منكر، فأتاهم داود عليه السلام ينهاهم عنه، فاستأذن عليهم فقالوا نحن قرود وما نفقه ما تقول، فقال كونوا قردة، فمسخهم الله قردة، وأن قوما اجتمعوا على عيسى يسبّونه في أمّه ويرجمونه فسأل الله أن يجعلهم خنازير فصاروا خنازير، وذلك لعنهم على لسان داود وعيسى.
وجائز أن يكون داود وعيسى أعلما أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبي وأنهما لعنا من كفر به.
وقوله؛ (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).
أي ذلك اللعن بمعصيتهم واعتدائهم.
و " ذلك " الكاف فيه للمخاطبة، واللام في ذلك كسرت لالتقاء السّاكنين.
ولم يذكر الكوفيون كسر هذه اللام في شيء من كتبهم ولا عرفوه، وهذه من الأشياء التي كان ينبغي أن يتكلموا فيها، إذ كان " ذلك " إشارة إلى كل متراخ عنك، إلا أن تركهم الكلام أعود عليهم من تكلّمهم إذ كان أول ما نطقوا به في فعل قد نقض سائر العربية، وقد بيّنّا ذلك قديما). [معاني القرآن: 2/198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قال أبو مالك الذين لعنوا على لسان داود مسخوا قردة والذين لعنوا على لسان عيسى صلى الله عليه وسلم مسخوا خنازير وروي عن ابن عباس أنه قال الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بعد نزول المائدة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول ما وقع النقص في بني إسرائيل أن أحدهم كان يرى أخاه على المعصية فينهاه ثم لا يمنعه ذلك من الغد أن يكون أكيله وشريبه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض وأنزل فيهم القرآن {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}
ثم قال صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا). [معاني القرآن: 2/346-348]

تفسير قوله تعالى: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79)
أي لبئس سيئا فعلهم، واللام دخلت للقسم والتوكيد وقد بيّنّا لم فتحت، وسائر الحروف التي جاءت يعني لم فتحت وكسرت ولم يبين
الكوفيون شيئا من ذلك). [معاني القرآن: 2/199]

تفسير قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ترى كثيرا منهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون (80)
(أن سخط اللّه عليهم)
(أن) يجوز أن يكون نصبا على تأويل بئس الشيء ذلك لأن سخط اللّه عليهم، أي لأن أكسبهم السّخطة، ويجوز أن يكون " أن " في موضع رفع على إضمار هو، كأنّه قيل هو أن سخط اللّه عليهم، كما تقول نعم الرجل).[معاني القرآن: 2/199]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} قال مجاهد يعني المنافقين). [معاني القرآن: 2/348]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) )


رد مع اقتباس