عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 12:47 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون * فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون}
المعنى: فإن أعرضت قريش والعرب الذين دعوتهم إلى الله تعالى عن هذه الآيات البينات، فأعلمهم بأنك تحذرهم أن يصيبهم من العذاب الذي أصاب الأمم التي كذبت كما تكذب هي الآن، وقرأ جمهور الناس: "صاعقة مثل صاعقة"، وقرأ النخعي، وأبو عبد الرحمن، وابن محيصن: "صعقة مثل صعقة"، فأما هذه القراءة الأخيرة، ففيها المعنى بين; لأن الصعقة: الهلاك للإنسان، وأما الأولى، فالمعروف في الصاعقة أنها الوقعة الشديدة من صوت الرعد، وهي تكون معها في الأحيان قطعة نار، فشبهت هنا وقعة العذاب بها; لأن عادا لم تعذب إلا بريح، وإنما هذا تشبيه واستعارة، وبالوقعة فسر هنا الصاعقة قتادة وغيره. وخص عادا وثمودا بالذكر لوقوف قريش على بلادها في اليمن وفي الحجر في طريق الشام). [المحرر الوجيز: 7/ 469]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {من بين أيديهم}، أي: قد تقدموا في الزمن واتصلت نذارتهم إلى أعمار عاد وثمود، وبهذا الاتصال قامت الحجة، وقوله تعالى: {ومن خلفهم}، أي: جاءهم رسول بعد اكتمال أعمارهم وبعد تقدم وجودهم في الزمن، فلذلك قال تعالى: {ومن خلفهم}، وجاء من مجموع العبارة إقامة الحجة عليهم في أن الرسالة والنذارة عمتهم خبرا ومباشرة، ولا يتوجه أن يجعل ومن خلفهم عبارة عما أتى بعدهم في الزمان; لأن ذلك لا يلحقهم منه تقصير، وأما الطبري رحمه الله تعالى، فقال: إن الضمير في قوله تعالى: {ومن خلفهم} عائد على الرسل، والضمير في قوله تعالى: {من بين أيديهم} على الأمم، وتابعه الثعلبي، وهذا غير قوي; لأنه يفرق الضمائر ويشعب المعنى.
و"أن" في قوله تعالى: {ألا تعبدوا إلا الله} نصب على إسقاط الخافض، التقدير: "بأن"، و"تعبدوا" مجزوم على النهي، ويتوجه أن يكون منصوبا على أن تكون "لا" نافية، وفيه بعد، وكان من تلك الأمم إنكار بعثة البشر واستدعاء الملائكة، وهذه أيضا كانت من مقالاتقريش، وقولهم: {فإنا بما أرسلتم به كافرون} ليس على جهة الإقرار بأنهم أرسلوا بشيء، وإنما معناه: على زعمكم ودعواكم).[المحرر الوجيز: 7/ 469-470]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم وصف حالة القوم، وأن عادا طلبوا التكبر ووضعوا أنفسهم فيه بغير حق، بل بالكفر والمعاصي، وغوتهم قوتهم وعظم أبدانهم والنعم عليهم، فقالوا - على جهة التقرير -: من أشد منا قوة؟ أي: لا أحد أشد منا قوة، فعرض الله تعالى بقوله: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة}، وهذا بين في العقل، فإن الموجد للشيء المخترع له المذهب متى شاء هو أقوى منه، وأخبر تبارك وتعالى عنهم بجحودهم لآياته المنصوبة للنظر والمنزلة من عنده; إذ لفظ الآية يعم ذلك).[المحرر الوجيز: 7/ 470]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون * وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون * ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون}
روي في الحديث أن الله تعالى أمر خزنة الريح، ففتحوا على عاد منها مقدار حلقة الخاتم، ولو فتحوا مقدار منخر الثور، لهلكت الدنيا، وروي أن الريح كانت ترفع العير بأوقارها فتطيرها، حتى تطرحها في البحر، وقال جابر بن عبد الله، والتيمي: حبس عنهم المطر ثلاثة أعوام، وإذا أراد الله بقوم شرا، حبس عنهم المطر، وأرسل عليهم الريح. واختلف الناس في الصرصر، فقال قتادة، والسدي، والضحاك: هو مأخوذ من الصر وهو البرد، والمعنى: ريحا باردة لها صوت، وقال مجاهد: صرصر: شديدة السموم عليهم، وقال الطبري وجماعة من المفسرين: هو من صرصر إذا صوت صوتا يشبه الصاد والراء، وكذلك يجيء صوت الريح في كثير من الأوقات بحسب ما تلقى.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والأعرج، والنخعي وعيسى: "نحسات" بسكون الحاء، وهو جمع نحس، يقال: يوم نحس وقوم نحس، فهو مصدر يوصف به أحيانا ويضاف إليه "اليوم" أحيانا، وعلى الصفة به جمع في هذه الآية، واحتج أبو عمرو لهذه القراءة بقوله تعالى: {يوم نحس مستمر}، وقال النخعي: نحسات وليست بنحسات بكسر الحاء، وقرأ الباقون، وأبو جعفر، وشيبة، وأبو رجاء، وقتادة، والجحدري، والأعمش: "نحسات" بكسر الحاء، وهي جمع لنحس على وزن حذر، فهو صفة لليوم مأخوذ من النحس، وقال الطبري: نحس ونحس لغتان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله
وليس كذلك، بل اللغة الواحدة تجمعهما، أحدهما مصدر والآخر من أمثلة اسم الفاعل، وأنشد الفراء:
أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم ... طيا وبهراء قوم نصرهم نحس
وقالت فرقة: إن "نحسات" بالسكون مخففة من "نحسات" بالكسر، والمعنى في هذه اللفظة: مشائيم، من النحس المعروف، قاله مجاهد، وقتادة، والسدي. وقال الضحاك: معناه: شديدة، أي شديدة البرد حتى كان البرد عذابا لهم، قال أبو علي: وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد:
كأن سلافة عرضت لنحس ... يحيل شفيفها الماء الزلالا
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "نحسات" معناه: متتابعات، وكانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء.
و"عذاب الخزي في الدنيا": الهلاك بسبب الكفر ومخالفة أمر الله تعالى، ولا خزي أعظم من هذا، إلا ما في الآخرة من الخلود في النار). [المحرر الوجيز: 7/ 470-472]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس: "وأما ثمود" بغير صرف، وهذا على إرادة القبيلة، وقرأ يحيى بن وثاب، والأعمش، وبكر بن حبيب: "وأما ثمود" بالتنوين والإجراء، وهذا على إرادة الحي، وبالصرف كان الأعمش، ويحيى بن وثاب يقرءان في جميع القرآن، إلا في قوله تعالى: {وآتينا ثمود الناقة} لأنه في المصحف بغير ألف. وقرأ ابن أبي إسحاق، والأعرج - بخلاف - والأعمش، وعاصم: "ثمود" بالنصب، وهذا على إضمار فعل يدل عليه قوله تعالى: {فهديناهم}، وتقديره عند سيبويه: مهما يكن من شيء فهدينا ثمود هديناهم، والرفع عنده أوجه، وروي عن ابن أبي إسحاق، والأعمش: (ثمودا) منونة منصوبة، وروى الفضل عن عاصم الوجهين.
وقوله تعالى: {[فهديناهم]} معناه: بينا لهم، قاله ابن عباس، وقتادة، والسدي، وابن زيد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ليس الهدى هنا بمعنى الإرشاد، وهذا كما هي الآن شريعة الإسلام مبينة لليهود والنصارى المختلطين بنا، ولكنهم يعرضون ويشتغلون بالضد، فذلك استحباب العمى على الهدى. وقوله تعالى: {فاستحبوا العمى على الهدى} عبارة عن تكسبهم في العمى، وإلا فهو بالاختراع لله تعالى، ويدلك على أنها إشارة إلى تكسبهم قوله تعالى: {بما كانوا يكسبون}. وقوله تعالى: {العذاب الهون} وصف بالمصدر، والمعنى: الذي معه هوان وإذلال،
ثم قرن تعالى بذكرهم ذكر من آمن واتقى ونجا به ليبين الفرق).[المحرر الوجيز: 7/ 472-473]

رد مع اقتباس