عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 06:25 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما * إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا * والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}
هذه الآية شرف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وذكر منزلته منه، وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء في أمر زوجاته، ونحو ذلك.
وقوله: "يصلون"، قالت فرقة: الضمير فيه لله وللملائكة، وهذا قول من الله تعالى شرف به ملائكته، فلا يصحبه الاعتراض الذي جاء في قول الخطيب عند النبي صلى الله عليه وسلم: "من أطاع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضل"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت"، قالوا: لأنه ليس لأحد من البشر أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير واحد، ولله أن يفعل من ذلك ما شاء. وقالت فرقة: في الكلام حذف تقديره: إن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون، ودل الظاهر من القول على ما ترك، وليس في الآية اجتماع في ضمير، وذلك جائز للبشر فعله، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت" لهذا المعنى، وإنما قاله لأن الخطيب وقف على "ومن يعصهما" وسكت سكتة، ومما يؤيد هذا أن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم في مصنف أبي داود: "فجمع ذكر الله تعالى مع رسوله في ضمير"، ومما يؤيد القول الأول أن في كتاب مسلم: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله"، وهذا يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه وقال له: "بئس الخطيب أنت" أصلح له بعد ذلك جميع كلامه; لأن فصل ضمير اسم الله تعالى من ضمير غيره أولى لا محالة، فقال له. "بئس الخطيب أنت" لموضع خطأه في الوقف، وحمله على الأولى في فصل الضميرين. وإن كان جمعهما جائزا.
وقراءة الجمهور: "وملائكته" بنصب التاء عطفا على المكنون، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما بالرفع عطفا على الموضع قبل دخول "إن"، وفي هذا نظر.
وصلاة الله تعالى رحمة منه وبركة، وصلاة الملائكة دعاء وتعظيم، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يصح تركها، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه، وقال عليه الصلاة والسلام: "أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود".
وصفتها ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام في كتاب الطبري، ومن طريق ابن عباس رضي الله عنهما، أنه لما نزلت هذه الآية قال له قوم من الصحابة; هذا السلام عليك يا رسول الله قد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وارحم محمدا وآل محمد كما رحمت إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد"، وفي بعض الروايات زيادة ونقص، هذا معناه.
وقرأ الحسن: "يا أيها الذين آمنوا فصلوا عليه"، وهذه الفاء تقوي معنى الشرط، أي: صلى الله فصلوا أنتم، كما تقول: أعطيتك فخذ، وفي حرف عبد الله: "صلوا عليه كما صلى الله عليه وسلموا تسليما"). [المحرر الوجيز: 7/ 144-145]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} الآية، قال الجمهور معناه: بالكفر ونسبة الصاحب والولد والشريك إليه، ووصفه بما لا يليق به، وفي الحديث (قال الله: شتمني عبدي فقال: إن لي ولدا، وكذبني فقال: إنه لن يبعث)، وقال عكرمة: معناه بالتصوير والتعريض لفعل ما لا يفعله إلا الله بنحت الصور وخلقها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المصورين"، وقالت فرقة: ذلك على حذف مضاف، تقديره: يؤذون أولياء الله.
وإذاية الرسول صلى الله عليه وسلم هي بما يؤذيه من الأقوال في غير معنى واحد، من الأفعال أيضا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في الذين طعنوا عليه حين اتخذ صفية بنت حيي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والطعن في تأمير أسامة إذاية له أيضا.
وقوله: [لعنوا] معناه: أبعدوا من كل خير). [المحرر الوجيز: 7/ 145-146]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وإذاية المؤمنين والمؤمنات هي أيضا بالأفعال والأقوال القبيحة والبهتان والكذب الفاحش المختلق، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما لأبي بن كعب: إني قرأت البارحة هذه الآية ففزعت منها والذين يؤذون المؤمنين الآية، والله إني لأضربهم وأنهرهم، فقال له أبي: لست منهم يا أمير المؤمنين، إنما أنت معلم ومقوم، وذكر أبو حاتم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ: "إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات"، ثم قال لأبي رضي الله عنه: كيف تقرأ هذه الآية؟ فقرأها كما قرأها عمر رضي الله عنه). [المحرر الوجيز: 7/ 147]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}
لما كانت عادة العربيات التبذل في معنى الحجبة، وكن يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعيا إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكر فيهن، أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهن بإدناء الجلابيب ليقع تسترهن، فيكف عن معارضتهن من كان غزلا أو شابا.
وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصعدات لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن، ونزلت الآية بسبب ذلك.
و"الجلباب": ثوب أكبر من الخمار، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وابن مسعود رضي الله عنه أنه الرداء. واختلف الناس في صورة إدنائه، فقال ابن عباس، وعبيدة السلماني: ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها، وقال ابن عباس أيضا، وقتادة: وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه.
وقوله تعالى: {ذلك أدنى أن يعرفن}، أي: على الجملة بالفرق حتى لا يختلطن بالإماء، فإذا عرفن لم يقابلن بأذى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرية، وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى تعلم من هي، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة قد تقنعت قنعها الدرة محافظة على زي الحرائر.
وباقي الآية ترجية ولطف وحظ على التوبة وتطميع في رحمة الله، وفيها تأنيس للنساء في ترك الجلابيب قبل هذا الأمر المشروع).[المحرر الوجيز: 7/ 147-148]

رد مع اقتباس