الموضوع: سورة الأحزاب
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 4 ذو القعدة 1433هـ/19-09-2012م, 04:21 PM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي

قوله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن (52)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ):
(الآية الثانية: قوله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل...} الآية [52 / الأحزاب / 33] نسخها الله تعالى بآية قبلها في النظم وهي قوله تعالى: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك...} الآية [50 /
الأحزاب / 33] ).
[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 51]

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّانية
قال جلّ وعزّ: {لا يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ ولو أعجبك حسنهنّ إلّا ما ملكت يمينك} [الأحزاب: 52]
للعلماء في هذه الآية ثمانية أقوالٍ
منهم من قال: هي منسوخةٌ بالسّنّة ومنهم من قال: هي منسوخةٌ بآيةٍ أخرى وكان اللّه عزّ وجلّ قد حظر عليه التّزوّج بعد من كان عنده ثمّ أطلقه له وأباحه بقوله تعالى {ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51]
ومن العلماء من قال الآية محكمةٌ ولم يكن له صلّى الله عليه وسلّم أن يتزوّج سوى من كان عنده ثوابًا من اللّه تعالى لهنّ حين اخترن اللّه ورسوله والدّار الآخرة ومنهم من قال: هي محكمةٌ ولكن لمّا حظر عليهنّ أن يتزوّجن بعد موته حظر عليه أن يتزوّج غيرهنّ
ومنهم من قال المعنى لا يحلّ لك النّساء من بعد هذه الصّفة يعني {إنّا أحللنا لك أزواجك اللّاتي آتيت أجورهنّ} [الأحزاب: 50] الآية
ومنهم من قال: لا يحلّ لك النّساء بعد المسلمات ولا تتزوّج يهوديّةً ولا
نصرانيّةٍ ومنهم من قال: لا تبدّل واحدةً من أزواجك بيهوديّةٍ ولا نصرانيّةٍ
والقول الثّامن: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا قال اللّه تعالى {ما كان على النّبيّ من حرجٍ فيما فرض اللّه له سنّة اللّه في الّذين خلوا من قبل} [الأحزاب: 38] كان له أن يتزوّج من النّساء من شاء بغير عددٍ محظورٍ كما كان للأنبياء قبله صلّى اللّه عليه وعليهم
فالقول الأوّل إنّ الآية منسوخةٌ بالسّنّة يدلّ عليه حديث عائشة رضي اللّه عنها
كما قرئ على عليّ بن سعيد بن بشيرٍ، عن أبي كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن عائشة، قالت: ((ما مات رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى أحلّ له النّساء))
فدلّ هذا الحديث على أنّ عائشة قد كان عندها أنّه حظر عليه صلّى الله عليه وسلّم التّزوّج ثمّ أطلق له وأبيح وكان هذا على قول من أجاز أن ينسخ القرآن بالسّنّة
والقول الثّاني: عن جماعةٍ من جلّة الصّحابة والتّابعين
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا جعفر بن سليمان، قال: حدّثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدّثنا عمر بن أبي بكرٍ الموصليّ، قال حدّثني المغيرة بن عبد الرّحمن، عن أبي النّضر، مولى عمر بن عبيد اللّه عن عبد اللّه بن وهب بن زمعة، عن أمّ سلمة، قالت: " لم يمت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى أحلّ اللّه له أن يتزوّج من النّساء من شاء إلّا ذات محرمٍ وذلك قول اللّه عزّ وجلّ {ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] "
وهذا واللّه تعالى أعلم أولى ما قيل في الآية وهو وقول عائشة واحدٌ في النّسخ
وقد يجوز أن تكون عائشة أرادت أحلّ له ذلك بالقرآن وهو مع هذا قول عليّ بن أبي طالبٍ عليه السّلام، وابن عبّاسٍ، وعليّ بن الحسين، والضّحّاك
وقد عارض بعض الفقهاء الكوفيّين فقال محالٌ أن تنسخ هذه الآية يعني {ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] {لا يحلّ لك النّساء من بعد} [الأحزاب: 52] وهي قبلها في المصحف الّذي أجمع المسلمون عليه وقوّى قول من قال نسخت بالسّنّة لأنّه مذهب بعض الكوفيّين
قال أبو جعفرٍ: وهذه المعارضة لا تلزم وقائلها غالطٌ لأنّ القرآن بمنزلة سورةٍ واحدةٍ كما صحّ عن ابن عبّاسٍ
«أنزل القرآن جملةً واحدةً إلى السّماء الدّنيا في شهر رمضان»
ويبيّن لك أنّ اعتراض هذا لا يلزم قوله عزّ وجلّ {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراجٍ} [البقرة: 240] منسوخةٌ على قول أهل التّأويل لا نعلم بينهم خلافًا بالآية الّتي قبلها {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234]
والقول الثّالث: إنّ المعنى أنّه صلّى الله عليه وسلّم حظر عليه أن يتزوّج على نسائه لأنّهنّ اخترن اللّه جلّ وعزّ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والدّار الآخرة فعوّضن هذا قول الحسن، وابن سيرين، وأبي بكر بن عبد الرّحمن
بن الحارث بن هشامٍ وهذا القول يجوز أن يكون هكذا ثمّ نسخ فإن قال كيف يجوز أن ينسخ ما كان ثوابًا قيل يجوز أن ينسخ ما كان ثوابًا بما هو أعظم منه في الثّواب فيكون هذا نسخٌ وعوضٌ منه أنّهنّ أزواجه في الجنّة فهذا أعظم خطرًا وأجلّ مقدارًا كما قال حذيفة لامرأته:
«لا تزوّجي بعدي فإنّ آخر أزواج المرأة زوجها في الجنّة» ولذلك حظر على نساء النّبيّ أن يتزوّجن بعده
والقول الرّابع أنّه لمّا حرّم عليهنّ أن يتزوّجن بعده حرّم عليه أن يتزوّج غيرهنّ قول أبي أمامة بن سهل بن حنيفٍ
والقول الخامس: إنّ المعنى لا يحلّ لك النّساء من بعد هذه الصّفة قول أبي رزينٍ وهو يروى عن
أبيّ بن كعبٍ وهو اختيار محمّد بن جريرٍ
والقول السّادس: إنّ المعنى لا يحلّ لك النّساء من بعد المسلمات قول مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة
قال مجاهدٌ: «لئلّا تكون كافرةٌ أمًّا للمؤمنين. هذا القول يبعد لأنّه يقدّره من بعد المسلمات ولم يجر للمسلمات ذكرٌ»
والقول السّابع: إنّه حرّم عليه أن يبدّل بعض نسائه بيهوديّةٍ أو نصرانيّةٍ أبعد من ذلك لأنّ نصّ القرآن {ولا أن تبدّل بهنّ من أزواجٍ} [الأحزاب: 52] وليس في القرآن ولا أن تبادل
وحكى ابن زيدٍ عن العرب، أنّها كانت تبادل بأزواجها يقول أحدهم خذ
زوجتي وأعطني زوجتك وهذا غير معروفٍ عند النّاقلين لأفعال العرب
والقول الثّامن: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان له حلالٌ أن يتزوّج من شاء من النّساء ثمّ نسخ ذلك قول محمّد بن كعبٍ القرظيّ قال:
وكذا كانت الأنبياء قبله عليه السّلام، تزوّج سليمان عليه السّلام سبعمائة امرأةٍ حرّةٍ وكان له ثلاثمائة مملوكةٍ فذلك ألفٌ وكان لداود عليه السّلام مائة امرأةٍ منهنّ أمّ سليمان امرأة أورياء بن حنانٍ
وقال عمر مولى غفرة: " لمّا قالت اليهود ما لمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم شغلٌ إلّا التّزوّج فحسدوه على ذلك فأنزل اللّه جلّ وعزّ {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم
ملكًا عظيمًا} [النساء: 54] كان لسليمان عليه السّلام ألف امرأةٍ منها سبعمائة حرّةٍ وكان لداود عليه السّلام مائة امرأةٍ ).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/582-593]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّانية قوله تعالى {لا يحلّ لك النساء من بعد} وهي من أعاجيب القرآن المنسوخ نسخها الله بآية قبلها في النّظم وهي قوله تعالى {يا أيّها النّبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك} الآية). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 144]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} الآية.
قيل : إنها منسوخة بالسنّة، أطلق الله للنّبيّ بالوحي إليه، أن يتزوّج من شاء بعد نزول هذه الآية.
قال زيد بن أسلم: تزوّج النبيّ ميمونة ومليكة بنت كعب، وصفيّة بنت حييّ وجويريّة بنت الحارث بعدما نزلت هذه الآية.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما مات النبي عليه السلام حتى أحلّ الله له النّساء.
وقيل: هي منسوخةٌ بالقرآن بقوله: {ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51]، وهو مرويٌّ عن علي عليه السلام وابن عباس، - وهو قول الضحاك -.
فيكون هذا - على هذا القول - ممّا نسخ فيه الأوّل الآخر في التلاوة في سورةٍ واحدةٍ كنسخ الحول في العدّة بأربعة أشهرٍ وعشرًا، وهو قبله في التلاوة وفي سورة واحدة وهو نذرٌ قليل في القرآن.
وقد قال الحسن وابن سيرين: الآية محكمةٌ، وقد حرّم الله على نبيّه عليه السلام أن يتزوّج على نسائه لأنّهنّ اخترن الله ورسوله والدّار الآخرة فخورين في الدنيا بهذا. وهذا قولٌ حسنٌ وهو ظاهر النّصّ المقطوع على غيبه وما روى عن الأخبار لا يقطع على غيبه، لأنه ليس بإخبار تواتر، وإذا كان كذلك، فلا يزيل ما يقطع على غيبه ما لا يقطع على غيبه، وقد مضى نحو هذا.
وقد قال أبو أمامة بن سهل: لما حرّم الله عليهنّ أن يتزوجن بعده حرم عليه أن يتزوج عليهنّ.
وعن ابن عباس أيضًا أنه قال: نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بعد نسائه الأول شيئًا. فالآية محكمةٌ أيضًا على هذين القولين، وكذلك قال قتادة، قال: لما اخترن الله ورسوله والدّار الآخرة، قصره الله عليهنّ، وقصرهنّ عليه، فقال: {لا يحلّ لك النّساء من بعد}، أي من بعد التسع اللواتي مات عنهنّ.
وقد قال أبيّ بن كعب: إن معنى {ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج}: ليس لك أن تطلّقهنّ بعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولكن لك أن تتزوّج عليهنّ من شئت.
وقيل: من بعد هذه الصفة. وقيل من بعد هذه التسمية التي قدمت.
وقيل من بعد هذا السبب المتقدم الذكر.
وقال مجاهد وابن جبير: إنما حرّم الله عليه نكاح الكوافر من أهل الكتاب، ومعنى "من بعد"، أي: من بعد المسلمات لئلا تكون كافرةٌ أمًّا للمؤمنين.
وقيل: إن الآية ناسخةٌ لما أبيح للنبيّ صلى الله عليه وسلم من تزويجه من شاء من النساء بقوله: {ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي} [الأحزاب: 51] الآية، ولقوله: {إنّا أحللنا لك أزواجك} [الأحزاب: 50] وهو قول محمد بن كعب القرظي). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 383-388]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّالثة: قوله تعالى: {لا يحلّ لك النّساء من بعد}.
اختلف المفسّرون فيها على قولين:
أحدهما: أنّها منسوخةٌ بقوله: {إنّا أحللنا لك أزواجك} وهذا مرويٌّ عن عليٍّ وابن عبّاسٍ وعائشة وأمّ سلمة وعليّ بن الحسين والضّحّاك.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين قال: أبنا البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل قال أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال:
بنا عمران بن محمّدٍ الأنصاريّ، قال: بنا أبو عاصم قال: ابنا بن جريجٍ عن عطاءٍ عن عائشة قالت: "ما مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أحلّ
(له) أن ينكح ما شاء" قال أبو سلمان الدّمشقيّ: يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات.
والقول الثّاني: أنّها محكمةٌ، ثمّ فيها قولان:
أحدهما: إنّ اللّه تعالى (أثاب) نساءه حين اخترنه بأن قصره، عليهنّ فلم يحلّ له غيرهنّ، ولم ينسخ هذا.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال. أبنا أحمد بن الحسين، قال: أبنا البرمكيّ، قال. بنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: ذكر محمّد بن مصفّى أنّ يوسف بن السّفر حدّثهم عن الأوزاعيّ، عن عثمان بن عطاءٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {لا يحلّ لك النّساء من بعد} قال: حبسه اللّه عليهنّ كما حبسهنّ عليه.
قال أبو بكرٍ: وبنا إسحاق بن إبراهيم، قال: بنا حجاج، قال: بنا (حمّادٌ) عن عليّ بن زيدٍ عن الحسن، {لا يحلّ لك النّساء من بعد} قال: قصره اللّه على نسائه (التّسع) اللاتي مات عنهنّ، وهذا قول ابن سيرين وأبي أمامة (بن سهلٍ) وأبي بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث والسّدّيّ.
والثّاني: أنّ المراد بالنّساء هاهنا، الكافرات ولم يجز له أن يتزوّج بكافرةٍ قاله: مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، وجابر بن زيدٍ).[نواسخ القرآن: 428-433]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثالثة: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} قيل: نسخت بقوله {إنّا أحللنا لك أزواجك} وقيل محكمة ثم فيها قولان:
أحدهما إن الله أثاب نساء من اخترنه بأن قصره عليهنّ فلم يحلّ له غيرهن ولم ينسخ هذا.
والثاني أن المراد بالنساء ها هنا الكافرات قاله مجاهد).
[المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ:47-48]

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ):
(وقوله عز وجل:
{لا تحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك} الآية [الأحزاب: 52] زعم القوم أنه منسوخ واختلفوا في ناسخه: فقال قوم: نسخت بالسنة، رووا عن عائشة وأم سلمة: (ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء) وأخبار الآحاد لا تنسخ القرآن؛ لأن القرآن العزيز مقطوع به، وخبر الواحد ليس كذلك، فكيف يزال ما قطع به بما (له)[1] يقطع به.
وقد بينت أنه لا تعارض، فلا ينسخ المتقدم المتأخر، ولا المتأخر المتقدم.

وقد قال الحسن وابن سيرين: إنها محكمة، وحرم الله على نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على نسائه؛ لأنهن اخترن الله ورسوله فجوزين في الدنيا بهذا، وهو قول حسن، وهو الذي يشهد به القرآن، وإن كان ابن عباس رضي الله عنه قد روي عنه أنها منسوخة بما تقدم، فقد روي عنه أنها محكمة، وقال: نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بعد نسائه الأول شيئا، وكذلك قال قتادة: لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة قصره الله عليهن وقصرهن عليه، فقال عز وجل:
{لا تحل لك النساء من بعد} أي: من بعد التسع اللواتي مات عنهن، وقال أبي بن كعب: ({ولا أن تبدل بهن من أزواج}معناه: ليس لك أن تطلقهن بعد أن اخترن الله ورسوله).
وقيل: الناسخ قوله عز وجل: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك} الآية [الأحزاب: 50] قالوا: وهي من الأعاجيب، نسخها بآية قبلها في النظم، وقيل: نسخت بقوله عز وجل قبلها: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي من تشاء} الآية [الاحزاب: 51] وهذا القول إنما يقوله من قاله ظنا، ألا ترى اختلاف القولين في الناسخ ما هو، وإنما حملهم على ذلك ما ظنوه من التعارض ولا تعارض؛ لأن قوله عز وجل: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} الآية [الأحزاب: 50] لا يعارض قوله سبحانه: {لا يحل لك النساء من بعد} ولا قوله عز وجل: {ترجي من تشاء منهن}؛ لأن قوله عز وجل: {إنا أحللنا لك} وقوله تعالى: {ترجي من تشاء منهن} نزل في نسائه اللاتي كن في عصمته، فكيف يكون ذلك ناسخا لقوله: {لا يحل لك النساء من بعد} وهذا في هذا الطرف كقول من قال في الطرف الآخر: بل {لا يحل لك النساء من بعد} ناسخ لما تقدم في الآيتين.
وقيل: معنى {من بعد} أي من بعد هذه القصة والسبب المتقدم الذكر.
وقال مجاهد وابن جبير: إنما حرم عليه نكاح الكتابيات؛ لأنهن كوافر لئلا يكن أمهات للمؤمنين، ومعنى {من بعد} أي من بعد المسلمات، أي من بعد نكاحهن).[جمال القراء: 1/349-350]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين



[1] لعل الصواب: لم.


رد مع اقتباس