عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 5 ربيع الأول 1440هـ/13-11-2018م, 03:27 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم سلى تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأمره بالإعراض عن هؤلاء الكفرة، وما في الآية من موادعتهم منسوخ بآية السيف، وقوله تعالى: {ولم يرد إلا الحياة الدنيا} معناه لا يصدق بغيرها، وسعيه وعمله إنما هو لدنياه.
وقوله تعالى: {ذلك مبلغهم من العلم} معناه: هنا انتهى تحصيلهم من المعلومات، وذلك أن المعلومات منها ما هي معقولات نافعة في الآخرة، ومنها ما هي أمور فانية وأشخاص بائدة كالفلاحة وكثير من الصنائع وطلب الرياسة على الناس بالمخرقة، وكلها معلومات ولها علم، ومبلغ علم الكفرة إنما هو في هذه الدنياويات.
وقوله تعالى: {إن ربك هو أعلم} الآية ... متصل في معنى التسلية بقوله تعالى: {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا}، وقوله تعالى: {إن ربك هو أعلم الآية} ... وعيد للكفار ووعد للمؤمنين، وأسند الضلالة والهدى إليهم بكسبهم وإن كان الجميع خلقا له واختراعا،
واللام في قوله: "ليجزي" متعلقة بقوله تعالى: "ضل"، وبقوله تعالى: "اهتدى"، فكأنه تعالى قال: ليصير أمرهم جميعا إلى أن يجزي، وقوله تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض} اعتراض بين الكلامين، وقال بعض النحويين: اللام متعلقة بما في المعنى من التقدير، لأن تقديره: ولله ما في السماوات وما في الأرض يضل من يشاء ويهدي من يشاء ليجزي. والنظر الأول أقل تكلفا من هذا الإضمار، وقال قوم: اللام متعلقة بقوله تعالى في أول السورة: {إن هو إلا وحي يوحى} وهذا بعيد. و"الحسنى" هي الجنة، ولا حسنى دونها). [المحرر الوجيز: 8/ 119-120]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى * أفرأيت الذي تولى * وأعطى قليلا وأكدى * أعنده علم الغيب فهو يرى * أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى}
قوله تعالى: "الذين" نعت لـ "الذين" المتقدم قبله، و"يجتنبون" معناه: يدعون جانبا، وقرأ جمهور القراء والناس: "كبائر الإثم"، وقرأ ابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وعيسى، وحمزة، والكسائي: "كبير الإثم" على الإفراد الذي يراد به الجمع، وهذا كقوله تعالى: {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم}، وكقوله تعالى: {وحسن أولئك رفيقا}.
واختلف الناس في الكبائر، ما هي؟ فذهب الجمهور إلى أنها السبع الموبقات التي وردت في الأحاديث، وقد مضى القول في ذكرها واختلاف الأحاديث فيها في سورة [النساء]، وتحرير القول في الكبائر أنها كل معصية يوجد فيها حد في الدنيا وتوعد بنار في الآخرة، أو لعنة ونحو هذا خاص بها، فهي كثيرة العدد، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما -حين قيل له: أسبع هي؟- فقال: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع، وقال زيد بن أسلم: كبير الإثم هنا يراد به الكفر. و"الفواحش" هي المعاصي المذكورة، وقوله تعالى: "إلا اللمم" هو استثناء يصح أن يكون متصلا، وإن قدرته منقطعا ساغ ذلك.
واختلف الناس في معنى "اللمم"، فقال ابن عباس، وابن زيد: معناه: ما ألموا به من الشرك والمعاصي في الجاهلية قبل الإسلام، قال الثعلبي، عن ابن عباس، وزيد بن ثابت، وزيد بن أسلم، وأبيه: إن سبب الآية أن الكفار قالوا للمسلمين: قد كنتم بالأمس تعملون أعمالنا، فنزلت الآية، فهي مثل قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف}، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: معناه: إلا ما ألموا من المعاصي، الفلتة والسقطة دون دوام، ثم يتوبون منه، ذكر الطبري عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال: في اللمة من الزنا والسرقة وشرب الخمر ثم لا يعود، وهذا كالذي قبله، فكأن هذا التأويل يقتضي الرفق بالناس في إدخالهم في الوعد بالحسنى; إذ الغالب في المؤمنين مواقعة المعاصي، وعلى هذا أنشدوا -وقد تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم-:
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما
وقال أبو هريرة، وابن عباس، والشعبي، وغيرهم: اللمم: صغار الذنوب التي بين الحدين الدنيا والآخرة، وهي ما لا حد فيه ولا وعيد مختصا بها مذكورا لها، وإنما يقال صغار بالإضافة إلى غيرها، وإلا فهي بالإضافة إلى الناهي عنها كبائر كلها، ويعضد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى لا محالة، فزنى العين النظر، وزنى اللسان النطق، والفرج يكذب ذلك أو يصدقه، فإن تقدم فرجه فهو زان، وإلا فهو اللمم"، وروي أن هذه الآية نزلت في نبهان التمار، فالناس لا يتخلصون من مواقعة هذه الصغائر، ولهم -مع ذلك- الحسنى إذا اجتنبوا التي هي في نفسها كبائر، وتظاهر العلماء في هذا القول وكثر المائل إليه، وذكر الطبري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: اللمم ما دون الشرك، وهذا عندي لا يصح عن عبد الله بن عمرو، وذكر المهدوي عن ابن عباس، والشعبي: اللمم ما دون الزنى، وقال نفطويه: اللمم ما ليس بمعتاد، وقال الرماني: اللمم الهم بالذنب وحديث النفس به دون أن يواقع، وحكى الثعلبي عن سعيد بن المسيب أنه ما خطر على القلب، وذلك هو لمة الشيطان، قال الزهراوي: وقيل اللمم نظرة الفجأة، وقاله الحسن بن الفضل. ثم أنس تعالى بعد هذا بقوله: {إن ربك واسع المغفرة}.
قوله تعالى: {هو أعلم بكم} الآية. روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها نزلت بسبب قوم من اليهود كانوا يعظمون أنفسهم، ويقولون للطفل إذا مات عندهم: هذا صديق عند الله تعالى، ونحو هذا من الأقاويل المتوهمة، فنزلت الآية فيهم ثم هي بالمعنى عامة جميع البشر. وحكى الثعلبي عن الكلبي ومقاتل أنها نزلت في قوم من المؤمنين فخروا بأعمالهم. وقوله تعالى: {هو أعلم بكم} قال مكي بن أبي طالب في المشكل: معناه: هو عالم بكم، وقال جمهور أهل المعاني: بل هو التفضيل بالإطلاق، أي هو أعلم من الموجودين جملة، والعامل في "إذ" هو "أعلم"، وقال بعض النحاة: العامل فيه فعل مضمر تقديره: اذكروا إذ، والمعنى الأول أبين; لأن تقديره: فإذا كان علمه قد أحاط بكم وأنتم في هذه الأحوال ووقع بكم التخفي فأحرى أن يقع بكم وأنتم تغفلون وتجترحون.
والإنشاء من الأرض يراد به خلق آدم عليه السلام، ويحتمل أن يراد به إنشاء الغذاء، و"أجنة" جمع جنين، وقوله تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم} ظاهره النهي عن أن يزكي أحد نفسه، ويحتمل أن يكون نهيا عن أن يزكي بعض الناس بعضا وإذا كان هذا فإنما ينهى عن تزكية السمعة والمدح للدنيا والقطع بالتزكية، ومن ذلك الحديث في عثمان بن مظعون عند موته، وأما تزكية الإمام والقدوة أحدا ليؤتم به أو ليتهمم الناس بالخير فجائز، وقد زكى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أبا بكر وغيره رضي الله عنهم، وكذلك تزكية الشهود في الحقوق جائز للضرورة إليها، وأصل التزكية إنما هو التقوى، والله تعالى هو أعلم بتقوى الناس منكم). [المحرر الوجيز: 8/ 120-124]

رد مع اقتباس