عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:21 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يسئلونك عن السّاعة ... الآية}، قال قتادة بن دعامة المراد يسألونك كفار قريش، وذلك أن قريشا قالت يا محمد إنّا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة، قال ابن عباس: المراد بالآية اليهود، وذلك أن جبل بن أبي قشير وسمويل بن زيد قالا له إن كنت نبيا فأخبرنا بوقت الساعة فإنّا نعرفها فإن صدقت آمنا بك، والساعة القيامة موت كل شيء كان حينئذ حيا وبعث الجميع، هو كله يقع عليه اسم الساعة واسم القيامة، وأيّان معناه متى وهو سؤال عن زمان ولتضمنها الوقت بنيت، وقرأ جمهور الناس «أيان» بفتح الهمزة، وقرأ السلمي «إيان» بكسر الهمزة، ويشبه أن يكون أصلها أي آن وهي مبنية على الفتح، وقال الشاعر: [الرجز]
أيان يقضي حاجتي أيانا ....... أما ترى لفعلها إبانا
قال أبو الفتح وزن «أيان» بفتح الهمزة فعلان وبكسرها فعلان، والنون فيهما زائدة، ومرساها رفع بالابتداء والخبر، أيّان ومذهب المبرد أن مرساها مرتفع بإضمار فعل ومعناه مثبتها ومنتهاها، مأخوذة من أرسى يرسي، ثم أمر الله عز وجل بالرد إليه والتسليم لعلمه، ويجلّيها معناه يظهرها والجلاء البينة الشهود وهو مراد زهير بقوله: [الوافر]:
... ... ... ... = يمين أو نفار أو جلاء
وقوله: {ثقلت في السّماوات والأرض}؛
قال السدي ومعمر عن بعض أهل التأويل: معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها، قال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض، كما تقول خيف العدو في بلد كذا وكذا، وقال قتادة وابن جريج: معناه ثقلت على السماوات والأرض أنفسها لتفطر السماوات وتبدل الأرض ونسف الجبال، ثم أخبر تعالى خبرا يدخل فيه الكل أنها لا تأتي إلا بغتة أي فجأة دون أن يتقدم منها علم بوقتها عند أحد من الناس، وبغتةً مصدر في موضع الحال.
وقوله تعالى: {يسئلونك كأنّك حفيٌّ عنها ... الآية}؛
قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: المعنى يسألونك عنها كأنك حفي أي متحف ومهتبل، وهذا ينحو إلى ما قالت قريش إنّا قرابتك فأخبرنا، وقال مجاهد أيضا والضحاك وابن زيد: معناه كأنك حفي في المسألة عنها والاشتغال بها حتى حصلت علمها، وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم «كأنك حفي بها»، لأن حفي معناه مهتبل مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما يسأل عنه، وقد يجيء حفيٌّ وصفا للسؤال ومنه قول الشاعر: [الطويل]

فلمّا التقينا بين السيف بيننا ....... لسائلة عنا حفي سؤالها
ومن المعنى الأول الذي يجيء فيه حفيٌّ وصفا للسائل قول الآخر: [الطويل]
سؤال حفي عن أخيه كأنه ....... بذكرته وسنان أو متواسن
ثم أمره ثانية بأن يسلم العلم تأكيدا للأمر وتهمما به إذ هو من الغيوب الخمسة التي في قوله عز وجل: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزّل الغيث} [لقمان: 34]، وقيل العلم الأول علم قيامها والثاني علم كنهها وحالها، وقوله: ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون قال الطبري: معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلم البشر). [المحرر الوجيز: 4/ 103-106]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرًّا إلاّ ما شاء اللّه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السّوء إن أنا إلاّ نذيرٌ وبشيرٌ لقومٍ يؤمنون (188) هو الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملاً خفيفاً فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشّاكرين (189)}
هذا أمر في أن يبالغ في الاستسلام ويتجرد من المشاركة في قدرة الله وغيبه وأن يصف نفسه لهؤلاء السائلين بصفة من كان بها فهو حري أن لا يعلم غيبا ولا يدعيه، فأخبر أنه لا يملك من منافع نفسه ومضارها إلا ما سنى الله له وشاء ويسر، وهذا الاستثناء منقطع، وأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لعمل بحسب ما يأتي ولاستعد لكل شيء استعداد من يعلم قدر ما يستعد له، وهذا لفظ عام في كل شيء، وقد خصص الناس هذا فقال ابن جريج ومجاهد: «لو كنت أعلم أجلي لاستكثرت من العمل الصالح». وقالت فرقة: أوقات النصر لتوخيتها، وحكى مكي عن ابن عباس أن معنى لو كنت أعلم السنة المجدبة لأعددت لها من المخصبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وألفاظ الآية تعم هذا وغيره، وقوله: {وما مسّني}؛ يحتمل وجهين وبكليهما قيل؛
أحدهما أن ما معطوفة على قوله: {لاستكثرت}؛ أي ولما مسني السوء.
والثاني أن يكون الكلام مقطوعا تم في قوله: لاستكثرت من الخير وابتدأ يخبر بنفي السوء عنه وهو الجنون الذي رموه به.
قال مؤرج السدوسي: السّوء الجنون بلغة هذيل، ثم أخبر بجملة ما هو عليه من النذارة والبشارة، ولقومٍ يؤمنون يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد أنه نذير وبشير لقوم يطلب منهم الإيمان ويدعون إليه، وهؤلاء الناس أجمع، والثاني أن يخبر أنه نذير ويتم الكلام، ثم يبتدئ يخبر أنه بشير للمؤمنين به، ففي هذا وعد لمن حصل إيمانه). [المحرر الوجيز: 4/ 106-107]


رد مع اقتباس