عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:27 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النّساء الآية. معناه: العدل التام على الإطلاق المستوي في الأفعال والأقوال والمحبة والجماع وغير ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ثم يقول: «اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» يعني ميله بقلبه، وكان عمر ابن الخطاب يقول: اللهم قلبي فلا أملكه، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل. وروي أن هذه الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وميله بقلبه إلى عائشة، فوصف الله تعالى حالة البشر، وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض الأزواج دون بعض، ونشاطهم إليهن وبشرهم معهن، ثم نهى عن «الميل كل الميل»، وهو أن يفعل فعلا يقصده من التفضيل وهو يقدر أن لا يفعله، فهذا هو كلّ الميل، وإن كان في أمر حقير، فكأن الكلام فلا تميلوا النوع الذي هو كل الميل وهو المقصود من قول أو فعل، وقوله تعالى فتذروها كالمعلّقة أي لا هي أيم ولا ذات زوج، وهذا تشبيه بالشيء المعلق من شيء لأنه لا على الأرض استقر، ولا على ما علق منه انحمل، وهذا مطرد في قولهم في المثل: أرض من المركب بالتعليق، وفي عرف النحويين في تعليق الفعل، ومنه في حديث أم زرع قول المرأة: زوجي العشنق، إن انطلق أطلق، وإن أسكت أعلق، وقرأ أبيّ بن كعب «فتذروها كالمسجونة» وقرأ عبد الله بن مسعود «فتذروها كأنها معلقة» ثم قال تعالى وإن تصلحوا وتتّقوا أي وإن تلتزموا ما يلزمكم من العدل فيما تملكون فإنّ اللّه كان غفوراً رحيماً لما لا تملكونه متجاوزا عنه، وقال الطبري: معنى الآية، غفورا لما سلف منكم من الميل كل الميل قبل نزول الآية.
قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: فعلى هذا فهي مغفرة مخصصة لقوم بأعيانهم، واقعوا المحظور في مدة النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء في التي قبل وإن تحسنوا وفي هذه وإن تصلحوا لأن الأول في مندوب إليه، وهذه في لازم، لأن الرجل له هنالك أن لا يحسن وأن يشح ويصالح بما يرضيه، وفي هذه ليس له أن يصلح، بل يلزمه العدل فيما يملك). [المحرر الوجيز: 3/38-40]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وإن يتفرّقا يغن اللّه كلاًّ من سعته وكان اللّه واسعاً حكيماً (130) وللّه ما في السّماوات وما في الأرض ولقد وصّينا الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإيّاكم أن اتّقوا اللّه وإن تكفروا فإنّ للّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه غنيًّا حميداً (131) وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وكفى باللّه وكيلاً (132) إن يشأ يذهبكم أيّها النّاس ويأت بآخرين وكان اللّه على ذلك قديراً (133)
الضمير في قوله يتفرّقا للزوجين اللذين تقدم ذكرهما، أي إن شح كل واحد منهما فلم يتصالحا لكنهما تفرقا بطلاق فإن الله تعالى يغني كل واحد منهما عن صاحبه بفضله ولطائف صنعه، في المال والعشرة، والسعة وجود المرادات والتمكن منها، وذهب بعض الفقهاء المالكيين إلى أن التفرق في هذه الآية هو بالقول، إذ الطلاق قول، واحتج بهذه على قول النبي صلى الله عليه وسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» إذ مذهب مالك في الحديث أنه التفرق بالقول لا بالبدن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا حجة في هذه الآية، لأن إخبارها إنما هو من افتراقهما بالأبدان، وتراخي المدة بزوال العصمة، و «الإغناء» إنما يقع في ثاني حال، ولو كانت الفرقة في الآية الطلاق لما كان للمرأة فيها نصيب يوجب ظهور ضميرها في الفعل، وهذه نبذة من المعارضة في المسألة، و «الواسع» معناه: الذي عنده خزائن كل شيء). [المحرر الوجيز: 3/40]

رد مع اقتباس