عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ذكر حال السّعداء الأتقياء وما لهم في مآلهم من الكرامة التّامّة، فقال: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} أي: صدّقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيّرات، وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات {سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} أي: يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا {خالدين فيها أبدًا} أي: بلا زوالٍ ولا انتقالٍ {وعد اللّه حقًّا} أي: هذا وعدٌ من اللّه ووعد اللّه معلومٌ حقيقةً أنّه واقعٌ لا محالة، ولهذا أكّده بالمصدر الدّالّ على تحقيق الخبر، وهو قوله: {حقًّا} ثمّ قال {ومن أصدق من اللّه قيلا} أي: لا أحد أصدق منه قولًا وخبرًا، لا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في خطبته: "إنّ أصدق الحديث كلام اللّه، وخير الهدي هدي محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعةٌ وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلّ ضلالةٍ في النّار"). [تفسير القرآن العظيم: 2/416]
تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا (123) ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرًا (124) ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا (125) وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه بكلّ شيءٍ محيطًا (126)}
قال قتادة: ذكر لنا أنّ المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبيّنا قبل نبيّكم، وكتابنا قبل كتابكم، فنحن أولى باللّه منكم. وقال المسلمون: نحن أولى باللّه منكم نبيّنا خاتم النّبيّين، وكتابنا يقضي على الكتب الّتي كانت قبله فأنزل اللّه: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ [واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا]} الآية. فأفلج اللّه حجّة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان.
وكذا روي عن السّدّيّ، ومسروقٍ، والضّحّاك وأبي صالحٍ، وغيرهم وكذا روى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ أنّه قال في هذه الآية: تخاصم أهل الأديان فقال أهل التّوراة: كتابنا خير الكتب، ونبيّنا خير الأنبياء. وقال أهل الإنجيل مثل ذلك. وقال أهل الإسلام: لا دين إلّا الإسلام. وكتابنا نسخ كلّ كتابٍ، ونبيّنا خاتم النّبيّين، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا. فقضى اللّه بينهم فقال: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} وخيّر بين الأديان فقال: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ [واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا]} إلى قوله: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا}
وقال مجاهدٌ: قالت العرب: لن نبعث ولن نعذّب. وقالت اليهود والنّصارى: {لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة: 111] وقالوا {لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} [البقرة: 80].
والمعنى في هذه الآية: أنّ الدّين ليس بالتّحلّي ولا بالتّمنّي، وليس كلّ من ادّعى شيئًا حصل له بمجرّد دعواه، ولا كلّ من قال: "إنّه هو المحق" سمع قوله بمجرّد ذلك، حتّى يكون له من اللّه برهانٌ؛ ولهذا قال تعالى: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} أي: ليس لكم ولا لهم النّجاة بمجرّد التّمنّي، بل العبرة بطاعة اللّه، واتّباع ما شرعه على ألسنة رسله الكرام؛ ولهذا قال بعده: {من يعمل سوءًا يجز به} كقوله {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره} [الزّلزلة: 7، 8].
وقد روي أنّ هذه الآية لمّا نزلت شقّ ذلك على كثيرٍ من الصّحابة. قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن نمير، حدّثنا إسماعيل، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ قال: أخبرت أنّ أبا بكرٍ قال: يا رسول اللّه، كيف الصّلاح بعد هذه الآية: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} فكل سوءٍ عملناه جزينا به؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "غفر اللّه لك يا أبا بكرٍ، ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللّأواء ؟ " قال: بلى. قال: "فهو ما تجزون به".
ورواه سعيد بن منصورٍ، عن خلف بن خليفة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، به. ورواه ابن حبّان في صحيحه، عن أبي يعلى، عن أبي خيثمة، عن يحيى بن سعيدٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، به. ورواه الحاكم من طريق سفيان الثّوريّ، عن إسماعيل به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، عن زيادٍ الجصّاص، عن عليّ بن زيدٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر قال: سمعت أبا بكرٍ يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "من يعمل سوءًا يجز به في الدّنيا".
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا أحمد بن هشيم بن جهيمة، حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، حدّثنا زياد الجصاص، عن علي بن زيد، عن مجاهدٍ قال: قال عبد اللّه بن عمر: انظروا المكان الّذي به عبد اللّه بن الزّبير مصلوبًا ولا تمرّنّ عليه. قال: فسها الغلام، فإذا ابن عمر ينظر إلى ابن الزّبير فقال: يغفر اللّه لك ثلاثًا، أما واللّه ما علمتك إلّا صوّامًا قوّامًا وصّالًا للرّحم، أما واللّه إنّي لأرجو مع متساوي ما أصبت ألّا يعذّبك اللّه بعدها. قال: ثمّ التفت إليّ فقال: سمعت أبا بكرٍ الصّدّيق يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من يعمل سوءًا في الدّنيا يجز به".
ورواه أبو بكرٍ البزّار في مسنده، عن الفضل بن سهلٍ، عن عبد الوهّاب بن عطاءٍ، به مختصرًا. وقد قال في مسند ابن الزّبير: حدّثنا إبراهيم بن المستمرّ العروفي حدّثنا عبد الرّحمن بن سليم بن حيّان، حدّثني أبي، عن جدّي حيّان بن بسطامٍ، قال: كنت مع ابن عمر، فمرّ بعبد اللّه بن الزّبير وهو مصلوبٌ، فقال: رحمك اللّه أبا خبيب، سمعت أباك -يعني الزّبير-يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من يعمل سوءًا يجز به في الدّنيا والأخرى" ثمّ قال: لا نعلمه يروى عن الزّبير إلّا من هذا الوجه.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا أحمد بن كاملٍ، حدّثنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ، حدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا موسى بن عبيدة، حدثني مولى بن سباع قال: سمعت ابن عمر يحدّث، عن أبي بكرٍ الصّدّيق قال: كنت عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا أبا بكرٍ، هل أقرئك آيةً نزلت عليّ؟ " قال: قلت: بلى يا رسول اللّه. فأقرأنيها فلا أعلم إلّا أنّي وجدت انقصامًا في ظهري حتّى تمطّأت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "مالك يا أبا بكرٍ؟ " قلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، وأيّنا لم يعمل السّوء، وإنّا لمجزيّون بكلّ سوءٍ عملناه؟! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أمّا أنت وأصحابك يا أبا بكرٍ المؤمنون فتجزون بذلك في الدّنيا حتّى تلقوا اللّه، وليس لكم ذنوبٌ، وأمّا الآخرون فيجمع لهم ذلك حتّى يجزوا به يوم القيامة".
وهكذا رواه التّرمذيّ عن يحيى بن موسى، وعبد بن حميدٍ، عن روح بن عبادة، به. ثمّ قال: وموسى بن عبيدة يضعف، ومولى بن سباعٍ مجهولٌ.
[وقال ابن جريرٍ: حدّثنا الغلام، حدّثنا الحسين، حدّثنا الحجّاج، عن ابن جريجٍ، أخبرني عطاء بن أبي رباحٍ قال: لمّا نزلت قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، جاءت قاصمة الظّهر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّما هي المصائب في الدّنيا"].
طريقٌ أخرى عن الصّدّيق: قال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إسحاق العسكريّ، حدّثنا محمّد بن عامرٍ السّعديّ، حدّثنا يحيى بن يحيى، حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن سليمان بن مهران، عن مسلم بن صبيح، عن مسروقٍ قال: قال أبو بكرٍ [الصّدّيق] يا رسول اللّه، ما أشدّ هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} ! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "المصائب والأمراض والأحزان في الدّنيا جزاءٌ".
طريقٌ أخرى: قال ابن جريرٍ: حدّثني عبد اللّه بن أبي زيادٍ وأحمد بن منصورٍ قالا حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثنا عبد الملك بن الحسن الحارثيّ، حدّثنا محمّد بن زيد بن قنفذ عن عائشة، عن أبي بكرٍ قال: لمّا نزلت: {من يعمل سوءًا يجز به} قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، كلّ ما نعمل نؤاخذ به؟ فقال: "يا أبا بكرٍ، أليس يصيبك كذا وكذا؟ فهو كفّارةٌ".
حديثٌ آخر: قال سعيد بن منصورٍ: أنبأنا عبد اللّه بن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، أنّ بكر بن سوادة حدّثه، أنّ يزيد بن أبي يزيد حدّثه، عن عبيد بن عميرٍ، عن عائشة: أنّ رجلًا تلا هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} فقال: إنّا لنجزى بكلّ عمل ؟ هلكنا إذًا. فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "نعم، يجزى به المؤمن في الدّنيا، في نفسه، في جسده، فيما يؤذيه".
طريقٌ أخرى: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا سلمة بن بشيرٍ، حدّثنا هشيم، عن أبي عامرٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول اللّه، إنّي لأعلم أشدّ آيةٍ في القرآن. فقال: "ما هي يا عائشة؟ " قلت: {من يعمل سوءًا يجز به} فقال: "هو ما يصيب العبد المؤمن حتى النّكبة ينكبها".
رواه ابن جريرٍ من حديث هشيمٍ، به. ورواه أبو داود، من حديث أبي عامرٍ صالح بن رستم الخزّاز به.
طريقٌ أخرى: قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أميّة أنّها سألت عائشة عن هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} فقالت: ما سألني عن هذه الآية أحدٌ منذ سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "يا عائشة، هذه مبايعة اللّه للعبد، ممّا يصيبه من الحمّى والنّكبة والشّوكة، حتّى البضاعة فيضعها في كمّه فيفزع لها، فيجدها في جيبه، حتّى إنّ المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر الأحمر من الكير".
طريقٌ أخرى: قال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا أبو القاسم، حدّثنا سريج بن يونس، حدّثنا أبو معاوية، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن زيد بن المهاجر، عن عائشة قالت: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: "إنّ المؤمن يؤجر في كلّ شيءٍ حتّى في الفيظ عند الموت".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسينٌ، عن زائدة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا كثرت ذنوب العبد، ولم يكن له ما يكفّرها، ابتلاه اللّه بالحزن ليكفّرها عنه".
حديثٌ آخر: قال سعيد بن منصورٍ، عن سفيان بن عيينة، عن عمر بن عبد الرّحمن بن محيصن، سمع محمّد بن قيس بن مخرمة، يخبر أنّ أبا هريرة، رضي اللّه عنه، قال: لمّا نزلت: {من يعمل سوءًا يجز به} شقّ ذلك على المسلمين، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "سدّدوا وقاربوا، فإنّ في كلّ ما يصاب به المسلم كفّارةٌ حتّى الشّوكة يشاكها، والنّكبة ينكبها".
وهكذا رواه أحمد، عن سفيان بن عيينة، ومسلمٍ والتّرمذيّ والنّسائيّ، من حديث سفيان بن عيينة، به ورواه ابن مردويه من حديث روحٍ ومعتمرٍ كلاهما، عن إبراهيم بن يزيد عن عبد اللّه بن إبراهيم، سمعت أبا هريرة يقول: لمّا نزلت هذه الآية: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} بكينا وحزنّا وقلنا: يا رسول اللّه، ما أبقت هذه الآية من شيءٍ. قال: "أما والّذي نفسي بيده إنّها لكما نزلت، ولكن أبشروا وقاربوا وسدّدوا؛ فإنّه لا يصيب أحدًا منكم في الدّنيا إلّا كفّر اللّه بها خطيئته، حتّى الشّوكة يشاكها أحدكم في قدمه".
وقال عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ وأبي هريرة: أنّهما سمعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن، حتّى الهمّ يهمّه، إلّا كفّر به من سيّئاته" أخرجاه.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى، عن سعد بن إسحاق، حدّثتني زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رجلٌ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أرأيت هذه الأمراض الّتي تصيبنا؟ ما لنا بها؟ قال: "كفّاراتٌ". قال أبيٌّ: وإن قلّت؟ قال: "وإن شوكةً فما فوقها" قال: فدعا أبيٌّ على نفسه أنّه لا يفارقه الوعك حتّى يموت، في ألّا يشغله عن حجٍّ ولا عمرةٍ، ولا جهادٍ في سبيل اللّه، ولا صلاةٍ مكتوبةٍ في جماعةٍ، فما مسّه إنسانٌ إلّا وجد حرّه، حتّى مات، رضي اللّه عنه. تفرّد به أحمد.
حديثٌ آخر: روى ابن مردويه من طريق حسين بن واقدٍ، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قيل: يا رسول اللّه: {من يعمل سوءًا يجز به}؟ قال: "نعم، ومن يعمل حسنةً يجز بها عشرًا. فهلك من غلب واحدته عشرًا".
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن حميدٍ، عن الحسن: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: الكافر، ثمّ قرأ: {وهل نجازي إلا الكفور} [سبأٍ: 17].
وهكذا روي عن ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ: أنّهما فسّرا السّوء هاهنا بالشّرك أيضًا.
وقوله: {ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: إلّا أن يتوب فيتوب اللّه عليه. رواه ابن أبي حاتمٍ.
والصّحيح أنّ ذلك عامٌّ في جميع الأعمال، لما تقدّم من الأحاديث، وهذا اختيار ابن جريرٍ، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/417-420]
تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ [فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرًا]} لمّا ذكر الجزاء على السّيّئات، وأنّه لا بدّ أن يأخذ مستحقّها من العبد إمّا في الدّنيا -وهو الأجود له -وإمّا في الآخرة -والعياذ باللّه من ذلك، ونسأله العافية في الدّنيا والآخرة، والصّفح والعفو والمسامحة -شرع في بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصّالحة من عباده ذكرانهم وإناثهم، بشرط الإيمان، وأنّه سيدخلهم الجنّة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النّقير، وهو: النّقرة الّتي في ظهر نواة التّمرة، وقد تقدّم الكلام على الفتيل، وهو الخيط الّذي في شقّ النّواة، وهذا النّقير وهما في نواة التّمرة، وكذا القطمير وهو اللّفافة الّتي على نواة التّمرة، الثّلاثة في القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 2/421]

رد مع اقتباس