عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 17 ذو القعدة 1435هـ/11-09-2014م, 10:37 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: لا أقسم بيوم القيامة (1) ولا أقسم بالنّفس اللّوّامة (2) أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه (3) بلى قادرين على أن نسوّي بنانه (4) بل يريد الإنسان ليفجر أمامه (5) يسئل أيّان يوم القيامة (6) فإذا برق البصر (7) وخسف القمر (8) وجمع الشّمس والقمر (9) يقول الإنسان يومئذٍ أين المفرّ (10) كلاّ لا وزر (11) إلى ربّك يومئذٍ المستقرّ (12) ينبّؤا الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر (13) بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ (14) ولو ألقى معاذيره (15)
قرأ جمهور السبعة: «لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة» وقرأ ابن كثير والحسن بخلاف عنه والأعرج «لأقسم بيوم القيامة ولأقسم بالنفس»، فأما القراءة الأولى فاختلف في تأويلها فقال ابن جبير: «لا» استفتاح كلام بمنزلة ألا وأنشدوا على ذلك [المتقارب]
فلا وأبيك ابنة العامري = لا يعلم القوم أني أفر
وقال أبو علي الفارسي: «لا» صلة زائدة كما زيدت في قوله لئلّا يعلم أهل الكتاب [الحديد: 29] ويعترض هذا بأن هذه في ابتداء كلام. ولا تزاد «لا» وما نحوها من الحروف إلا في تضاعيف كلام.
فينفصل عن هذا بأن القرآن كله كالسورة الواحدة وهو في معنى الاتصال فجاز فيه هذا، وقال الفراء: «لا» نفي لكلام الكفار وزجر لهم ورد عليهم، ثم استأنف على هذه الأقوال الثلاثة قوله: أقسم، ويوم القيامة أقسم الله به تنبيها منه لعظمه وهوله. وقوله تعالى: «ولا أقسم بالنفس اللوامة» القول في «لا» على نحو ماتقدم، وأما القراءة الثانية فتحتمل أمرين. إما أن تكون اللام دخلت على فعل الحال. التقدير لأنا أقسم فلا تلحق لأن النون نون التوكيد إنما تدخل في الأكثر لتفرق بين فعل الحال والفعل المستقبل فهي تلزم المستقبل في الأكثر، وإما أن يكون الفعل خالصا للاستقبال فكأن الوجه والأكثر أن تلحق النون إما الخفيفة وإما الثقيلة، لكن قد ذكر سيبويه أن النون قد تسقط مع إرادة الاستقبال وتغني اللام عنها. كما تسقط اللام وتغني النون عنها وذلك في قول الشاعر: [الكامل]
وقتيل مرة أثأرن فإنه = فرغ وإن قتيلهم لم يثأر
المراد لأثارن، وأما قوله «ولا أقسم بالنفس اللوامة» فقيل «لا» نافية، وإن الله تعالى أقسم بيوم القيامة، ونفى أن يقسم بالنفس اللوامة نص عليه الحسن، وقد ذهب هذا المذهب قوم ممن قرأ «لا أقسم ولأقسم»، وذلك قلق وهو في القراءة الثانية أمكن وجمهور المتأولين على أن الله تعالى أقسم بالأمرين). [المحرر الوجيز: 8/ 469-471]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف الناس في النفس اللّوّامة ما معناه، فقال الحسن هي اللّوّامة لصاحبها في ترك الطاعة ونحوه، فهي على هذا ممدوحة، ولذلك أقسم الله تعالى بها، وقال ابن عباس: هي الفاجرة الجشعة اللّوّامة لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا وأعراضها فهي على هذا ذميمة وعلى هذا التأويل يحسن نفي القسم بها والنفس في الآية اسم جنس لنفوس البشر، وقال ابن جبير ما معناه: إن القسم بها هي اسم الجنس لأنها تلوم على الخير وعلى الشر، وقيل المراد نفس آدم لأنها لم تزل اللائمة له على فعله الذي أخرجه من الجنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالأمارة بالسوء، فإنها لوامة في الطرفين مرة تلوم على ترك الطاعة، ومرة تلوم على فوت ما تشتهي، فإذا اطمأنت خلصت وصفت). [المحرر الوجيز: 8/ 471]

تفسير قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: أيحسب الإنسان تقرير وتوبيخ، والإنسان اسم جنس وهذه أقوال كانت لكفار قريش فعليها هو الرد، وقرأ جمهور الناس: «نجمع عظامه» بالنون ونصب الميم من العظام، وقرأ قتادة «أن لن يجمع عظامه» بالياء ورفع الميم من العظام، ومعنى ذلك في القيامة وبعد البعث من القبور، وقرأ أبو عمرو بإدغام العين). [المحرر الوجيز: 8/ 471-472]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم قال تعالى: بلى وهي إيجاب ما نفي، وبابها أن تأتي بعد النفي والمعنى بل يجمعها قادرين بنصب قادرين على الحال. وقرأ ابن أبي عبلة «قادرون» بالرفع، وقال القتبي: نسوّي بنانه معناه نتقنها سوية، والبنان: الأصابع، فكأن الكفار لما استبعدوا جمع العظام بعد الفناء والإرمام، قيل لهم إنما تجمع ويسوى أكثرها تفرقا وأدقها أجزاء وهي عظام الأنامل ومفاصلها، وهذا كله عند البعث، وقال ابن عباس وجمهور المفسرين: نسوّي بنانه معناه نجعلها في حياته هذه بضعة أو عظما واحدا كخف البعير لا تفاريق فيه، فكأن المعنى قادرين لأن في الدنيا على أن نجعلها دون تفرق، فتقل منفعته بيده، فكأن التقدير بلى نحن أهل أن نجمعها قادرين على إزالة منفعة بيده، ففي هذا توعد ما، والقول الأول أحرى مع رصف الكلام، ولكن على هذا القول جمهور العلماء). [المحرر الوجيز: 8/ 472]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: بل يريد الإنسان ليفجر أمامه قال بعض المتأولين: الضمير في أمامه عائد على الإنسان، ومعنى الآية أن الإنسان إنما يريد شهواته ومعاصيه ليمضي فيها أبدا قدما راكب رأسه ومطيع أمله ومسوفا بتوبته، قاله مجاهد والحسن وعكرمة وابن جبير والضحاك والسدي، وقال السدي: المعنى ليظلم على قدر طاقته، وقال الضحاكالمعنى يركب رأسه في طلب الدنيا دائما، وقوله تعالى: ليفجر أمامه تقديره لكن يفجر، وقال ابن عباس ما يقتضي أن الضمير في أمامه عائد على يوم القيامة، والمعنى أن الإنسان هو في زمن وجوده أمام يوم القيامة وبين يديه، ويوم القيامة خلفه فهو يريد شهواته ليفجر في تكذيبه بالبعث وغير ذلك بين يدي يوم القيامة، وهو لا يعرف قدر الضرر الذي هو فيه، ونظيره قوله تعالى: ليفجر قول قيس بن سعد
أردت لكيما يعرف الناس أنها = سراويل قيس والوفود شهود
وبل في أول الآية هي إضراب على معنى الترك لا على معنى إبطال الكلام الأول، وقد تجيء بل لإبطال القول الذي قبلها). [المحرر الوجيز: 8/ 472-473]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وسؤال الكافر أيّان يوم القيامة هو على معنى التكذيب والهزء كما تقول لمحدث بأمر تكذبه متى يكون هذا؟ وأيّان لفظة بمعنى متى، وهي مبينة لتضمنها معنى الاستفهام فأشبهت الحروف المتضمنة للمعاني. وكان حقها أن تبنى على السكون، لكن فتحت النون لالتقاء الساكنين الألف وهي). [المحرر الوجيز: 8/ 473]


رد مع اقتباس