عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1431هـ/31-10-2010م, 05:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 12 إلى 30]


({كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} )

تفسير قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" {وأصحاب الرّسّ} " المعدن وكل ركية لم تطو قال الجعدي:
سبقت إلى فرطٍ ناهلٍ... تنابلةً يحفرون الرّساسا). [مجاز القرآن: 2/223]

تفسير قوله تعالى: (وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ( {كلّ كذّب الرّسل فحقّ وعيد (14)}
أي فحقت عليه كلمة العذاب والوعيد للمكذبين للرسل، وكذلك قوله:
({فأنذرتكم نارا تلظّى (14) لا يصلاها إلّا الأشقى (15) الّذي كذّب وتولّى (16) }). [معاني القرآن: 5/43]

تفسير قوله تعالى: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أفعيينا بالخلق الأوّل...}.
يقول: كيف نعيا عندهم بالبعث ولم نعي بخلقهم أولا؟ ثم قال: {بل هم في لبسٍ مّن خلقٍ جديدٍ}، أي هم في ضلال وشك). [معاني القرآن: 3/77]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({أفعيينا بالخلق الأوّل بل هم في لبسٍ مّن خلقٍ جديدٍ}
وقال: {بل هم في لبسٍ} لأنك تقول: لبست عليه لبساً). [معاني القرآن: 4/20]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أفعيينا بالخلق الأوّل}!؟ أي أفعيينا بإبداء الخلق، فنعيا بالبعث، وهو: الخلق الثاني؟!.
{بل هم في لبسٍ} أي في شك {من خلقٍ جديدٍ} أي من البعث). [تفسير غريب القرآن: 418]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفعيينا بالخلق الأوّل بل هم في لبس من خلق جديد (15)}
هذا تقرير لأنهم اعترفوا بأن اللّه - عزّ وجلّ - الخالق، وأنكروا البعث؛ فقال: {أفعيينا بالخلق الأوّل)} يقال: عييت بالأمر إذا لم تعرف وجهه.
وأعييت إذا تعبت.
[معاني القرآن: 5/43]
وقوله عزّ وجلّ: {بل هم في لبس من خلق جديد}.
أي بل هم في لبس من البعث). [معاني القرآن: 5/44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فِي لَبْسٍ}: أي شك من البعث). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 238]

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه...}.
الهاء لما، وقد يكون ما توسوس أن تجعل الهاء للرجل الذي توسوس به ـ تريد ـ توسوس إليه وتحدثه). [معاني القرآن: 3/77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" {أقرب إليه من حبل الوريد }" وريداه في حلقه والحبل حبل العاتق قال الشاعر:
كأن وريديه رشاء خلب

فأضافه إلى الوريد كما أضاف الحبل إلى العاتق). [مجاز القرآن: 2/223-224]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}
وقال: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} يقول: أملك به وأقرب إليه في المقدرة عليه). [معاني القرآن: 4/20]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}. و«الوريدان»: عرقان بين الحلقوم والعلباوين. والحبل هو: الوريد، فأضيف إلى نفسه: لاختلاف لفظي اسميه). [تفسير غريب القرآن: 418]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد (16)}
أي نعلم ما يخفي وما يكنه في نفسه.
{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)}
والوريد عرق في باطن العنق، وهما وريدان، قال الشاعر:
كأن وريداه رشاءا خلب
يعني من ليف). [معاني القرآن: 5/44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَبْلِ الْوَرِيدِ} : أي الحبل الوريد مثل صلاة الأولى والوريد هو عرق بين الحلقوم والعلباوين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 238]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ...}.
يقال: قعيد، ولم يقل: قعيدان. حدثنا الفراء قال: وحدثني حبان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قعيد عن اليمين وعن الشمال يريد ـ قعود، فجعل القعيد جمعا، كما تجعل الرسول للقوم والاثنين. قال الله تعالى: {إنّا رسول ربّ العالمين} لموسى وأخيه، وقال الشاعر:

ألكني إليها، وخير الرسول =أعلمهم بنواحي الخبر
فجعل الرسول للجمع، فهذا وجه، وإن شئت جعلت القعيد واحداً اكتفى به من صاحبه، كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا، وأنت بما = عندك راضٍ، والرأي مختلف
ومثله قول الفرزدق:
إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى =وأبى، وكان وكنت غير غدور
[معاني القرآن: 3/77]
ولم يقل: غدورين). [معاني القرآن: 3/78]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إذ يتلقّى المتلقّيان عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ}
وقال: {عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ} ولم يقل "عن اليمين قعيدٌ وعن الشّمال قعيد". ذكر احدهما واستغنى كما قال: {يخرجكم طفلاً} فاستغنى بالواحد عن الجمع كما قال: {فإن طبن لكم عن شيءٍ مّنه نفساً} ). [معاني القرآن: 4/20]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إذ يتلقّى المتلقّيان} أي يتلقيان القول ويكتبانه، يعني: الملكين. {عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ} أراد: قعيدا من كل جانب. فأكتفي بذكر واحد: إذ كان دليلا على الآخر.
و«قعيد» بمعنى قاعد، كما يقال: «قدير» بمعنى قادر.
ويكون بمنزلة «أكيل وشريب، [ونديم]»، أي مؤاكل ومشارب
[تفسير غريب القرآن: 418]
[ومنادم]. كذلك: «قعيد» أي مقاعد). [تفسير غريب القرآن: 419]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال عز وجل: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} [الإسراء: 7]. أراد: بعثناهم ليسوءوا وجوهكم، فحذفها، لأنه قال قبل: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} [الإسراء: 5]. فاكتفى بالأول من الثاني، إذ كان يدل عليه.
وكذلك قوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17]. فاكتفى بذكر الثاني من الأول). [تأويل مشكل القرآن: 218] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجتمع شيئان فيجعل الفعل لأحدهما، أو تنسبه إلى أحدهما وهو لهما:
كقوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11].
وقوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62].
وقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].
وقال: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17] أراد: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد.
وقال الشاعر:
إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسـ = ـود ما لم يعاص كان جنونا
[تأويل مشكل القرآن: 288]
وقال آخر:
نحن بما عندنا وأنت بما عنـ = ـدك راضٍ والرأي مختلف).
[تأويل مشكل القرآن: 289] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {إذ يتلقّى المتلقّيان عن اليمين وعن الشّمال قعيد (17)}
{المتلقيان} كاتباه الموكلان به، يتلقيان ما يعمله فيثبتانه.
المعنى عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فدل أحدهما على الآخر، فحذف المدلول عليه، ومثله قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عن..=. دك راض والرّأي مختلف
أي نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راض، ومثله أيضا:
رماني بأمر كنت منه ووالدي..=. بريئا ومن أجل الطّوىّ رماني
المعنى رماني بأمر كنت منه بريئا، ووالدي بريئا منه). [معاني القرآن: 5/44]

تفسير قوله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله {ما يلفظ من قول إلّا لديه رقيب عتيد (18)}
{عتيد} أي ثابت لازم). [معاني القرآن: 5/45]

تفسير قوله تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وجاءت سكرة الموت بالحقّ...} وفي قراءة عبد الله: سكرة الحق بالموت، فإن شئت أردت {بالحق} أنه الله عز وجل، وإن شئت جعلت السكرة هي الموت، أضفتها إلى نفسها كأنك قلت: جاءت السكرة الحقّ بالموت، وقوله: {سكرة الموت بالحقّ} يقول: بالحق الذي قد كان غير متبين لهم من أمر الآخرة، ويكون الحق هو الموت، أي جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت). [معاني القرآن: 3/78]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({وجاءت سكرة الموت بالحقّ ذلك ما كنت منه تحيد (19)}
أي جاءت السكرة التي تدل الإنسان على أنه ميت.
{بالحقّ} أي بالموت الذي خلق له.
وقال بعضهم: وجاءت سكرة الحق بالموت، ورويت عن أبي بكر رحمه اللّه والمعنى واحد، وقيل الحق ههنا اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 5/45]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تحيد} أي: تجور وتفر عنه). [ياقوتة الصراط: 478]

تفسير قوله تعالى: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 21 - 29].
السائق هاهنا: قرينها من الشياطين، سمّي سائقا، لأنه يتبعها وإن لم يحثّها ويدفعها. وكان رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، يسوق أصحابه، أي يكون وراءهم.
والشّهيد: الملك الشاهد عليها بما عملت). [تأويل مشكل القرآن: 423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {وجاءت كلّ نفس معها سائق وشهيد (21)}
قيل في التفسير سائق يسوقها إلى محشرها، و {شهيد} يشهد عليها بعملها وقيل: و {شهيد} هو العمل نفسه). [معاني القرآن: 5/45]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فبصرك اليوم حديدٌ...}.
يقول: قد كنت تكذب، فأنت اليوم عالم نافذ البصر، والبصر ها هنا: هو العلم ليس بالعين). [معاني القرآن: 3/78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فبصرك اليوم حديدٌ} أي حاد، كما يقال: حافظ وحفيظ). [تفسير غريب القرآن: 419]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قول الله عز وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 35-40].
هذا مثل ضربه الله لقلب المؤمن، وما أودعه بالإيمان والقرآن من نوره فيه. فبدأ فقال:
[تأويل مشكل القرآن: 327]
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، أي بنوره يهتدي من في السموات والأرض.
ثم قال: {مَثَلُ نُورِهِ}، يعني في قلب المؤمن. كذلك قال المفسّرون. وكان أبيّ يقرأ: الله نور السموات والأرض مثل نور المؤمن، روى ذلك عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر الرّازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية.
كمشكاةٍ، وهي: الكوّة غير النافذة.
فيها مصباحٌ، أي سراج المصباح في قنديل، القنديل كأنه من شدة بياضه وتلألئه، كوكب درّي، يتوقّد ذلك المصباح بزيت من شجرة لا شرقيّةٍ، أي لا بارزة للشمس كلّ النهار ولا غربيّةٍ لا مستترة في الظلّ كلّ النهار. ولكنها شرقية غربية تصيبها الشمس في بعض النهار، والظلّ في بعض النهار. وإذا كان كذلك فهو أنضر لها، وأجود لحملها، وأكثر لنزلها، وأصفى لدهنها.
{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ} يسرج به من شدة صفائه. وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: {نُورٌ عَلَى نُورٍ}، يعني نور المصباح على نور الزّجاجة والدّهن، {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} ثم قال:
[تأويل مشكل القرآن: 328]
هذا المصباح في بيوتٍ، يعني المساجد. وذكر أهلها فقال: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، يريد أن القلوب يوم القيامة تعرف أمره يقينا فتتقلّب عما كانت عليه من الشك والكفر، وأن الأبصار يومئذ ترى ما كانت مغطّاة عنه فتتقلّب عمّا كانت عليه. ونحوه قوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22]). [تأويل مشكل القرآن: 329] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (يقول الله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} في الدنيا. {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ}
أي: أريناك ما كان مستورا عنك في الدنيا.
{فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} أي: فأنت ثاقب البصر لمّا كشف عنك الغطاء). [تأويل مشكل القرآن: 422]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (22)}
وهذا مثل، المعنى كنت بمنزلة من عليه غطاء وعلى قلبه غشاوة.
{فبصرك اليوم حديد)}
أي فعلمك بما أنت فيه نافذ، ليس يراد بهذا البصر من - بصر العين - كما تقول: فلان بصير بالنحو والفقه، تريد عالما بهما، ولم ترد بصر العين). [معاني القرآن: 5/45]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {حديد} أي: إلى لسان الميزان، ويقال: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد} أي: فرأيك اليوم نافذ). [ياقوتة الصراط:478- 479]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حَدِيدٌ}: أي حاد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 238]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هذا ما لديّ عتيدٌ...}.
رفعت العتيد على أن جعلته خبرا صلته لما، وإن شئت جعلته مستأنفا على مثل قوله: {هذا بعلي شيخٌ}. ولو كان نصبا كان صوابا؛ لأن (هذا، وما) ـ معرفتان، فيقطع العتيد منهما). [معاني القرآن: 3/81]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَقَالَ قَرِينُهُ} يعني: الملك.
{هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} يعني: ما كتبه من عمله، حاضر عندي). [تأويل مشكل القرآن: 422]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد (23)}
{ما} رفع بهذا و {عتيد} صفة لـ {ما} فيمن جعل " {ما} " في مذهب النكرة، المعنى هذا شيء لدي عتيد.
ويجوز أن يكون رفعه على وجهين غير هذا الوجه، على أن يرفع {عتيد} بإضمار، كأنك قلت: هذا شيء لديّ هو عتيد ويجوز أن ترفعه على أنه خبر بعد خبر، كما تقول هذا حلو حامض، فيكون المعنى هذا شيء لديّ عتيد.
ويجوز أن يكون رفعه على البدل من " {ما} "، فيكون المعنى هذا عتيد). [معاني القرآن: 5/45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} أي ما عندي حاضر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 238]

تفسير قوله تعالى: (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ...}.
العرب تأمر الواحد والقوم بما يؤمر به الاثنان، فيقولون للرجل: قوما عنا، وسمعت بعضهم: ويحك! ارحلاها وازجرها، وأنشدني بعضهم:
فقلت لصاحبي لا تحبسانا = بنزع أصوله، واجتزّ شيحا
قال: ويروى: واجدزّ يريد: واجتز، قال: وأنشدني أبو ثروان:
وإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر = وإن تدعاني أحم عرضاً ممنّعاً
ونرى أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرّفقة، أدنى ما يكونون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ألا ترى الشعراء أكثر شيء، قيلا: يا صاحبيّ، يا خليلي، فقال امرؤ القيس:
[معاني القرآن: 3/78]
خليليّ، مرّا بي على أم جندب = نقضّي لبانات الفؤاد المعذب
ثم قال:
ألم تر أني كلما جئت طارقا = وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
فقال: ألم تر، فرجع إلى الواحد، وأول كلامه اثنان، قال: وأنشدني آخر:
خليليّ قوما في عطالة فانظرا = أناراً ترى من نحو بابين أو برقا
وبعضهم: أنارا نرى). [معاني القرآن: 3/79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن تأمر الواحد والاثنين والثلاثة فما فوق أمرك الاثنين: فتقول: افعلا.
قال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: 24]، والخطاب لخزنة جهنم، أو زبانيتها.
قال الفراء: والعرب تقول: ويلك ارحلاها وازجراها، وأنشد لبعضهم:
فقلت لصاحبي لا تحبسانا = بنزع أصوله واجتزّ شيحا
قال الشاعر:

فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر = وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا
[تأويل مشكل القرآن: 291]
قال الفراء: ونرى أصل ذلك أنّ الرّفقة أدنى ما تكون: ثلاثة نفر، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ألا ترى أنّ الشعراء أكثر شيء قيلا: يا صاحبيّ، ويا خليليّ.
وقال غير الفراء: قال النبي، صلّى الله عليه وسلم: «((الواحد شيطان والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب))».
وتوعّد معاوية روح بن زنباع فاعتذر روح
[تأويل مشكل القرآن: 292]
فقال معاوية خلّيا عنه:
إذا الله سنّى عقد شيء تيسّرا
وقوله: سنّى: أي فتح.
قالوا: وأدنى ما يكون الآمر والنّاهي بين الأعوان اثنان، فجرى كلامهم على ذلك، ووكّل الله، عز وجل، بكل عبد ملكين، وأمر في الشهادة بشاهدين). [تأويل مشكل القرآن: 293]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} يقال: هو قول الملك، ويقال: قول الله جل ذكره). [تأويل مشكل القرآن: 422]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألقيا في جهنّم كلّ كفّار عنيد (24)}
أي عند عن الحق، وقوله: {ألقيا}، الوجه عندي - واللّه أعلم – أن يكون أمر الملكين، لأن {ألقيا} للاثنين،، وقال بعض النحويين: إن العرب
[معاني القرآن: 5/45]
تأمر الواحد بلفظ الاثنين، فتقول قوما واضربا زيدا يا رجل، ورووا أن الحجاج كان يقول: يا حرسي اضربا عنقه، وقالوا: إنما قيل ذلك لأن أكثر ما يتكلم به العرب فيمن تأمره بلفظ الاثنين، نحو:
خليلي مرا بي على أمّ جندب قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وقال محمد بن يزيد: هذا فعل مثنى توكيدا كأنّه لمّا قال ألقيا ناب عن قوله ألق ألق، وكذلك عنده قفا معناه عنده قف قف، فناب عن فعلين فبنى.
وهذا قول صالح وأنا اعتقد أنه أمر الاثنين، واللّه أعلم). [معاني القرآن: 5/46]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما أطغيته} يقوله الملك الذي كان يكتب السيئات للكافر، وذلك أن الكافر قال: كان يعجلني عن التوبة، فقال: ما أطغيته يا رب، ولكن كان ضالا). [معاني القرآن: 3/79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قال قرينه ربّنا ما أطغيته}. مفسر في كتاب [تأويل المشكل]). [تفسير غريب القرآن: 419]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {قَالَ قَرِينُهُ} من الشياطين: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}.
وهذا مثل قوله سبحانه: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] يعني: قرناءهم. والعرب تقول: زوّجت البعير بالبعير، إذا قرنت أحدهما بالآخر. ومنه قوله: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: 54] أي: قرنّاهم بهن.
ثم قال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} [الصافات: 27 - 31] يعني: نحن وأنتم ذائقون العذاب، وقد تقدم تفسير هذا.
قال الله تعالى: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [ق: 28] يعني: المجرمين وقرناءهم من الشياطين {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 28- 29]. أي: لا يغيّر عن جهته، ولا يحرّف، ولا يزاد فيه ولا ينقص، لأنّي أعلم كيف ضلّوا وكيف أضللتموهم.
{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 29] ). [تأويل مشكل القرآن: 423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال قرينه ربّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد (27)}
المعنى إنما طغى وهو بضلاله وإنما دعوته فاستجاب، كما قال: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلّا أن دعوتكم فاستجبتم لي)} ). [معاني القرآن: 5/46]


تفسير قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال الله تعالى: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [ق: 28] يعني: المجرمين وقرناءهم من الشياطين {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق: 28] ). [تأويل مشكل القرآن: 423]

تفسير قوله تعالى: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قال الله تبارك وتعالى: {ما يبدّل القول لديّ...}. أي: ما يكذب عندي لعلمه عز وجل بغيب ذلك). [معانى القران:3/79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 28- 29]. أي: لا يغيّر عن جهته، ولا يحرّف، ولا يزاد فيه ولا ينقص، لأنّي أعلم كيف ضلّوا وكيف أضللتموهم.
{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 29]). [تأويل مشكل القرآن: 423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلّام للعبيد (29)}
أي من عمل حسنة فله عشر أمثالها، ومن عمل سيئة - فلا يجزى إلّا مثلها). [معاني القرآن: 5/46]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد (30)}
وقرئت {يوم يقول لجهنّم}
نصب {يوم} على وجهين:
على معنى ما يبدل القول لديّ في ذلك اليوم.
وعلى معنى أنذرهم يوم نقول لجهنم، كما قال: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر}.
[معاني القرآن: 5/46]
وقوله عزّ وجلّ: {هل امتلأت}
أي: أم لم تمتلئ، وإنما السؤال توبيخ لمن أدخلها، وزيادة في مكروهه.
ودليل على تصديق قوله: {لأملأنّ جهنّم منك وممّن تبعك منهم أجمعين}
فأمّا قوله: {وتقول هل من مزيد}
ففيه وجهان عند أهل اللغة:
أحدهما أنها تقول ذلك بعد امتلائها فتقول: {هل من مزيد}
أي هل بقي في موضع لم يمتلئ، أي قد امتلأت.
ووجه آخر: تقول: هل من مزيد تغيظا على من عصى كما قال عزّ وجلّ: {سمعوا لها تغيّظا وزفيرا}
فأمّا قولها هذا ومخاطبتها فاللّه - عز وجل - جعل فيها ما به تميز وتخاطب، كما جعل فيما خلق أن يسبح بحمده، وكما جعل في النملة أن قالت: {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم}
وقد زعم قوم أنها امتلأت فصارت صورتها صورة من لو ميّز لقال: {هل من مزيد}
كما قال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني..=. مهلا رويدا قد ملأت بطني
وليس هناك قول.
وهذا ليس يشبه ذاك، لأن الله عزّ وجلّ قد أعلمنا أن المخلوقات تسبح وأننا لا نفقه تسبيحها، فلو كان إنما هو أن يدل على أنها مخلوقة كنا نفقه تسبيحها). [معاني القرآن: 5/47]


رد مع اقتباس