عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 03:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 18]

(بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) )

تفسير قوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {براءةٌ مّن اللّه ورسوله...}
مرفوعة، يضمر لها {هذه}ومثله قوله: {سورةٌ أنزلناها}. وهكذا كل ما عاينته من اسم معرفة أو نكرة جاز إضمار {هذا}و{هذه} فتقول إذا نظرت إلى رجل: جميلٌ والله، تريد: هذا جميل.
والمعنى في قوله {براءة}أن العرب كانوا قد أخذوا ينقضون عهودا كانت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت عليه آيات من أوّل براءة، أمر فيها بنبذ عهودهم إليهم، وأن يجعل الأجل بينه وبينهم أربعة أشهر. فمن كانت مدّته أكثر من أربعة أشهر حطّه إلى أربعة. ومن كانت مدّته أقلّ من أربعة أشهر رفعه إلى أربعة. وبعث في ذلك أبا بكر وعليا رحمهما الله، فقرأها عليّ على الناس). [معاني القرآن: 1/420]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {براءةٌ من اللّه ورسوله} أي تبرؤ من اللّه ورسوله إلى من كان له عهد من المشركين). [تفسير غريب القرآن: 182]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : قوله جلّ وعزّ: {براءة من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين}
سئل أبيّ بنّ كعب: ما بال براءة لم تفتتح بـ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
فقال: لأنها نزلت في آخر ما نزل من القرآن، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر في أول كل سورة بـ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم: ولم يأمر في سورة براءة بذلك فضمّت إلى سورة الأنفال لشبهها بها.
يعني أن أمر العهود مذكور في سورة الأنفال وهذه نزلت بنقض العهود فكانت ملتبسة بالأنفال في الشبه.
قال أبو إسحاق: أخبرنا بعض أصحابنا عن صاحبنا أبي العباس محمد ابن يزيد المبرد أنّه قال: لم تفتتح ب " بسم اللّه الرّحمن الرّحيم "، لأن " بسم اللّه " افتتاح للخير. وأول { براءة } وعيد ونقض عهود، فلذلك لم تفتتح بـ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم.
و{براءة} نزلت في سنة تسع من الهجرة، وافتتحت مكة في سنة ثمان.
وولّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاب بن أسيد للوقوف بالناس في الموسم فاجتمع في
تلك السنة في الموقف ومعالم الحج وأسبابه المسلمون والمشركون، فلما كان في سنة تسع ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق الوقوف بالناس وأمر بتلاوة براءة، وولى تلاوتها عليا وقال في ذلك: لن يبلّغ عني إلا رجل مني، وذلك لأن العرب جرت عادتها في عقد عقودها ونقضها أن يتولى ذلك على القبيلة رجل منها، فكان جائزا أن يقول العرب إذا تلي عليها نقض. العهد من الرسول: هذا خلاف ما نعرف فينا في نقض العهود، فأزاح رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - هذه العلّة، فتليت براءة في الموقف:
{براءة من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين)}
أي قد برئ من إعطائهم العهود والوفاء لهم، ذلك أن نكثوا.
{براءة}مرتفعة على وجهين أحدهما على خبر الابتداء، على معنى هذه الآيات براءة من الله ورسوله، وعلى الابتداء، يكون الخبر {إلى الذين عاهدتم} لأن براءة موصولة بـ من، وصار كقولك: القصد إلى زيد، والتبرؤ إليك، وكلاهما جائز حسن، يقال برئت في الرجل والدين براءة،. وبرئت من المرض وبرأت أيضا برءا، وقد رووا برأت ابرؤ بروءا، ولم نجد فيما لامه همزة فعلت أفعل، نحو قرأت أقرا، وهنأت البعير أهنؤه.
وقد استقصى العلماء باللغة هذا فلم يجدوه إلا في هذا الحرف ويقال بريت القلم - وكل شيء نحته - أبريه بريا، غير مهموز، وكذلك براة السير غير مهموز، والبرة حلقة من حديد في أنف الناقة، فإذا كانت من شعر فهي خزامة.
والذي في أنف البعير من خشب يقال له الخشاش، يقال أبريت الناقة أبريها براء إذا جعلت لها برة.
ولا يقال إلا بالألف أبريت، ومن الخزامة خزمت - بغير ألف – وكذلك من الخشاش خششت، والبرة الخلخال من هذا، وتجمع البرة برين والبري). [معاني القرآن: 2/427-429]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال أبو جعفر ومعنى {براءة} تبرؤ {من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر}
أي فيقال لهم سيحوا في الأرض أي اذهبوا وجيئوا آمنين أربعة أشهر ثم لا أمان لكم بعدها
قال مجاهد وقتادة الأربعة الأشهر عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر
وقال الزهري هن شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم). [معاني القرآن: 3/180-181]

تفسير قوله تعالى: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ...}
يقول: تفرقوا آمنين أربعة أشهر مدّتكم). [معاني القرآن: 1/420]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {براءةٌ من الله ورسوله إلى الّذين عاهدتم} ثم خاطب شاهداً فقال: {فسيحوا في الأرض} مجازه: سيروا وأقبلوا وأدبروا، والعرب تفعل هذا، قال عنترة:

شطّت مزار العاشقين فأصبحت.=.. عسراً علىّ طلابك ابنة مخرم).
[مجاز القرآن: 1/252]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ} أي اذهبوا آمنين أربعة أشهر أو أقل [من كانت مدة عهده إلى أكثر من أربعة أشهر أو أقل] فإن أجله أربعة أشهر). [تفسير غريب القرآن: 182]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : وقوله: ( {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين}أي اذهبوا؛ وأقبلوا وأدبروا أربعة أشهر.
{واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه}
أي وإن أجّلتم هذه الأربعة الأشهر فلن تفوتوا اللّه (وأنّ اللّه مخزي الكافرين).
الأجود فتح {أنّ } على معنى اعلموا أن الله مخزي الكافرين، ويجوز
كسرها على معنى الاستئناف، وهذا ضمان من الله عزّ وجلّ بنصره المؤمنين على الكافرين). [معاني القرآن: 2/429]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال عز وجل: {واعلموا أنكم غير معجزي الله} [آية: 2] أي وإن أجلتم هذا الأجل سينصر المسلمون عليكم). [معاني القرآن: 3/181]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} أي فاذهبوا آمنين هذه المدة، من كان عهده أكثر أو أقل. والأربعة أشهر هن أربعة أشهر من بعد يوم النحر، ويقال: أشهر السماحة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 95]

تفسير قوله تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأذانٌ مّن اللّه ورسوله...}
تابع لقوله {براءة}. وجعل لمن لم يكن له عهد خمسين يوما أجلا. وكل ذلك من يوم النحر). [معاني القرآن: 1/420]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأذانٌ من الله} مجازه: وعلم من الله وهو مصدر واسم من قولهم: آذنتهم أي أعلمتهم، يقال أيضاً: {أذينٌ وإذنٌ} ). [مجاز القرآن: 1/252]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وأذان مّن اللّه ورسوله إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريءٌ مّن المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خيرٌ لّكم وإن تولّيتم فاعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وبشّر الّذين كفروا بعذابٍ أليمٍ}
قال: {وأذان مّن اللّه ورسوله} {أنّ اللّه بريءٌ مّن المشركين} أي: بأنّ الله بريء وكذلك {وأنّ اللّه مخزي الكافرين} أي: بأن الله). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وأذان من الله ورسوله}: أذنهم أعلمهم). [غريب القرآن وتفسيره: 161]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأذانٌ من اللّه ورسوله} أي إعلام. ومنه أذان الصلاة إنما هو إعلام بها. يقال: آذنتهم إذانا فأذنوا إذنا. والأذن اسم بمني منه.
{الحجّ الأكبر} يوم النّحر. وقال بعضهم: يوم عرفة. وكانوا يسمون العمرة: الحجّ الأصغر). [تفسير غريب القرآن: 182]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وأذان من اللّه ورسوله إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن تولّيتم فاعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وبشّر الّذين كفروا بعذاب أليم}
عطف على {براءة} ومعناه: وإعلان من الله ورسوله، يقال آذنته بالشيء إذا أعلمته به.
{إلى النّاس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللّه بريء من المشركين}.
قيل يوم الحج الأكبر هو يوم عرفة، والحج الأكبر الوقوف بعرفة.
وقيل الحج الأصغر العمرة.
والإجماع أنّه من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج.
وقال بعضهم إنما سمي يوم الحج الأكبر لأنه اتفقت فيه أعياد أهل الملّة، كان اتفق في ذلك اليوم عيد النصارى واليهود والمجوس وهذا لا يسمى به يوم الحج الأكبر، لأنه أعياد غير المسلمين، إنما فيها تعظم كفر باللّه، فليست من الحج الأكبر في شيء.
إجماع المسلمين على أن الوقوف بعرفة أكبر الحجّ). [معاني القرآن: 2/429-430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر}
الأذان الإعلام
روى شعبة عن الحكم عن يحيى بن الجزار قال خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى العيد راكبا على دابة فلقيه رجل فقال له وأخذ بلجامه ما {يوم الحج الأكبر} فقال
هو يومك الذي أنت فيه خل عنها
وكذلك روي الحديث عن علي
وروى شعبة عن سليمان بن عبد الله بن سنان قال سمعت المغيرة بن شعبة يخطب على المنبر وهو يقول يوم الحج الأكبر يوم النحر
وروى سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن شداد قال الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة
وقال عبد الملك بن عمير سألت عبد الله بن أبي أوفى عن يوم الحج الأكبر فقال يوم تهرق فيه الدماء ويحلق فيه الشعر
وروى حماد بن يزيد عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم الحج الأكبر يوم النحر وكذلك قال ابن عمر
وروى غير سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال هو يوم عرفة
وروى ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه قال هو يوم عرفة
وكذا قال مجاهد
وقال ابن سيرين الحج الأكبر العام الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم اتفق فيه حج الملل
قال أبو جعفر وأولاها القول الأول لجلة من قاله
ويدلل على صحته حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن
أذن يوم النحر بمنى ألا يحج بعد هذا العام مشرك
وأيضا فإن عرفات قد يأتيها الناس ليلا وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أي يوم أحرم قالوا يوم الحج الأكبر قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا
فدل على أنه يوم النحر لأن منى من الحرم وليست عرفات منه، وقول يجوز ابن سيرين غلط لأن المسلمين والمشركين حجوا قبل ذلك بعام ونودي فيهم أن لا يحج بعد ذلك مشرك
وقد يجوز أن يكون النداء كان بمنى وعرفات فيصح القولان). [معاني القرآن: 3/181-184]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ} أي إعلام
{الْحَجِّ الأَكْبَرِ} يوم النحر عند مالك وأصحابه، وقيل: يوم عرفة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 95]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَأَذَانٌ}: إعلام). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ} وكذلك: واقعد له على كل مرصد، والمراصد: الطرق، قال عامر بن الطّفيل:
ولقد علمت وما إخال سواءه... أن المنيّة للفتى بالمرصد). [مجاز القرآن: 1/253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولم يظاهروا عليكم أحداً} أي لم يعينوه، والظهير: العون.
{فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم} يريد: وإن كانت أكثر من أربعة أشهر. هؤلاء بنو ضمرة خاصة). [تفسير غريب القرآن: 182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأمان: عهد، قال الله تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [تأويل مشكل القرآن: 447]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إلّا الّذين عاهدتم من المشركين ثمّ لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين}
{الذين} في موضع نصب، أي وقعت البراءة من المعاهدين الناقضين للعهود.
{إلّا الّذين عاهدتم من المشركين ثمّ لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم}.
أي ليسوا داخلين في البراءة ما لم ينقضوا العهود). [معاني القرآن: 2/430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا}
وقرأ عطاء بن سنان ثم لم ينقضوكم شيئا
يقال إن هذا مخصوص يراد به بنو ضمرة خاصة ثم قال فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم أي وإن كانت أكثر من أربعة أشهر
وقوله جل وعز: {وخذوهم} أي أسروهم ويقال للأسير أخيذ {واحصروهم} أي احبسوهم). [معاني القرآن: 3/185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} أي وإن كانت أكثر من
أربعة أشهر، وهذا في بني ضمرة خاصة). [تفسير المشكل من غريب القرآن:95 -96]

تفسير قوله تعالى: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم...}
عن الذين أجلهم خمسون ليلة. {فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم} ومعنى الأشهر الحرم: المحرّم وحده. وجاز أن يقول: الأشهر الحرم للمحرم وحده لأنه متّصل بذي الحجة وذي القعدة وهما حرام؛ كأنه قال: فإذا انسلخت الثلاثة). [معاني القرآن: 1/421]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم...}
في الأشهر الحرم وغيرها في الحلّ والحرم.
وقوله: {واحصروهم} وحصرهم أن يمنعوا من البيت الحرام.
وقوله: {واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ} يقول: على طرقهم إلى البيت؛ فقام رجل من الناس حين قرئت {براءة} فقال: يا ابن أبي طالب، فمن أراد منا أن يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأمر بعد انقضاء الأربعة فليس له عهد؟ قال عليّ: بلى، لأن الله تبارك وتعالى قد أنزل:
{وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه}). [معاني القرآن: 1/421]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} فجمع على أدنى العدد لأن معناها "الأربعة" وذلك أن "الأشهر" إنما تكون إذا ذكرت معها "الثلاثة" إلى "العشرة" فإذا لم تذكر "الثلاثة" إلى "العشرة" فهي "الشّهور".
وقال: {واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ} وألقى "على". وقال الشاعر:
نغالى اللّحم للأضياف نيئاً = ونبذله إذا نضج القدور
أراد: نغالى باللحم). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({مرصد}: طريق، والمراصد الطرق). [غريب القرآن وتفسيره: 161]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} وآخرها المحرّم.
{فاقتلوا المشركين} يعني من لم يكن له عهد.
{وخذوهم} أي أسروهم. والأسير: أخيذ.
{واحصروهم} احبسوهم. والحصر: الحبس {كلّ مرصدٍ} أي كل طريق يرصدونكم به). [تفسير غريب القرآن: 183]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ويكون بمعنى: الحبس والأسر، قال الله تعالى: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} [يوسف: 78] أي: احبسه.
وقال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ} أي: ائسروهم {وَاحْصُرُوهُمْ} أي: احبسوهم.
ويقال للأسير: أخيذ). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفور رحيم}
أي اقتلوا هؤلاء الذين نقضوا العهد، ونقض عهدهم وأحلوا هذه المدة.
ويقال إن الأربعة الأشهر كانت عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيعا الأول، وعشرا من ربيع الآخر، لأن البراءة وقعت في يوم عرفة، فكان هذا الوقت ابتداء الأجل.
{واقعدوا لهم كلّ مرصد}.
قال أبو عبيدة: المعنى كل طريق.
قال أبو الحسن الأخفش " على " محذوفة.
المعنى اقعدوا لهم على كل مرصد وأنشد:
نغالي اللّحم للأضياف نيئا... ونرخصه إذا نضج القدير
المعنى نغالي باللحم، فحذف الباء ههنا، وكذلك حذف (على).
قال أبو إسحاق: كل مرصد ظرف، كقولك ذهبت مذهبا.
وذهبت طريقا، وذهبت كل طريق. فلست تحتاج أن تقول في هذا إلا ما تقوله في الظروف مثل خلف وأمام وقدام.
وقوله: {فإخوانكم في الدّين}.
أي إن تابوا وآمنوا فهم مثلكم، قد درأ عنهم إيمانهم وتوبتهم إثم كفرهم ونكثهم العهود). [معاني القرآن: 2/431]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَرْصَدٍ} أي طريق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَرْصَدٍ}: طريق). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): ( {وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه}.
يقول: ردّه إلى موضعه ومأمنه.
وقوله: {وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك} في موضع جزم وإن فرق بين الجازم والمجزوم بـ {أحد}. وذلك سهل في {إن} خاصّة دون حروف الجزاء؛ لأنها شرط وليست باسم، ولها عودة إلى الفتح فتلقى الاسم والفعل وتدور في الكلام فلا تعمل، فلم يحفلوا أن يفرقوا بينها وبين المجزوم بالمرفوع والمنصوب. فأما المنصوب فمثل قولك: إنّ أخاك ضربت ظلمت. والمرفوع مثل قوله: {إن امرؤٌ هلك ليس له ولدٌ} ولو حوّلت {هلك} إلى {إن يهلك} لجزمته، وقال الشاعر:
فان أنت تفعل فللفاعليـ =ن أنت المجيزين تلك الغمارا
ومن فرق بين الجزاء وما جزم بمرفوع أو منصوب لم يفرق بين جواب الجزاء وبين ما ينصب بتقدمة المنصوب أو المرفوع؛ تقول: إن عبد الله يقم يقم أبوه، ولا يجوز أبوه يقم، ولا أن تجعل مكان الأب منصوبا بجواب الجزاء. فخطأ أن تقول: إن تأتني زيدا تضرب. وكان الكسائيّ يجيز تقدمة النصب في جواب الجزاء، ولا يجوّز تقدمة المرفوع، ويحتجّ بأن الفعل إذا كان للأول عاد في الفعل راجع ذكر الأول، فلم يستقم إلغاء الأوّل. وأجازه في النصب؛ لأن المنصوب لم يعد ذكره فيما نصبه، فقال: كأن المنصوب لم يكن في الكلام. وليس ذلك كما قال؛ لأن الجزاء له جواب بالفاء. فإن لم يستقبل بالفاء استقبل بجزم مثله ولم يلق باسم،
إلا أن يضمر في ذلك الاسم الفاء. فإذا أضمرت الفاء ارتفع الجواب في منصوب الأسماء ومرفوعها لا غير. واحتجّ بقول الشاعر:
وللخيل أيّامٌ فمن يصطبر لها =ويعرف لها أيامها الخير تعقب
فجعل (الخير) منصوبا بـ (تعقب). (والخير) في هذا الموضع نعت للأيام؛ كأنه قال: ويعرف لها أيامها الصالحة تعقب. ولو أراد أن يجعل (الخير) منصوبا بـ (تعقب) لرفع (تعقب) لأنه يريد: فالخير تعقبه). [معاني القرآن: 1/421-423]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لاّ يعلمون}
وقال: {وأن أحدٌ مّن المشركين استجارك} فابتدأ بعد {أن}، وأن يكون رفع أحداً على فعل مضمر أقيس الوجهين لأن حروف المجازاة لا يبتدأ بعدها. إلا أنهم قد قالوا ذلك في "أن" لتمكنها وحسنها إذا وليتها الأسماء وليس بعدها فعل مجزوم في اللفظ كما قال الشاعر
* عاود هراة وأن معمورها خربا *
وقال الآخر:
لا تجزعي أن منفساً أهلكته = وأذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
وقد زعموا أن قول الشاعر:

أتجزع أن نفسٌ أتاها حمامها = فهلاّ الّتي عن بين جنبيك تدفع
لا ينشد إلاّ رفعاً وقد سقط الفعل على شيء من سببه. وهذا قد ابتدئ بعد "أن" وإن شئت جعلته رفعا بفعل مضمر). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون}
المعنى إن طلب منك أحد منهم أن تجيره من القتل إلى أن يسمع كلام اللّه {فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه}.
{ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون}.
أي الأمر ذلك، أي وجب أن يعرفوا وأن يجازوا بجهلهم وبما يتبينون الإسلام.
وأما الإعراب في أحد مع " إن " فالرفع بفعل مضمر الذي ظهر يفسره.
المعنى وإن استجارك أحد.
ومن زعم أنه يرفع أحدا بالابتداء فخطأ.
لأن الجزاء لا يتخطى ما يرفع بالابتداء ويعمل فيما بعده.
فلو أظهرت المستقبل لقلت: إن أحد يقم أكرمه ولا يجوز إن يقم أحد زيد يقم. لا يجوز أن ترفع زيدا بفعل مضمر الذي ظهر يفسّره ويجزم.
وإنما جاز في " إن، لأن " إن، يلزمها الفعل.
وجواب الجزاء يكون بالفعل وغيره.
ولا يجوز أن تضمر وتجزم بعد المبتدأ.
لأنك تقول ههنا إن تأتني فزيد يقوم، فالموضع موضع ابتداء.
وإنما يجوز الفصل في باب " إن " لأن " إن " أمّ الجزاء، ولا تزول عنه إلى غيره، فأما أخواتها فلا يجوز ذلك فيها إلا في الشعر.
قال عدي بن زيد:
فمتى واغل يزرهم يحيوه... وتعطف عليه كأس السّاقي). [معاني القرآن: 2/431-432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}
أي استجارك من القتل حتى يسمع كلام الله فأجره). [معاني القرآن: 3/185]

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إلاّ الّذين عاهدتّم...}
استثناء في موضع نصب. وهم قوم من بني كنانة كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر.
قال الله تبارك وتعالى: {فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم}؛ يقول: لا تحطّوهم إلى الأربعة). [معاني القرآن: 1/421]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه...}
على التعجب؛ كما تقول: كيف يستبقى مثلك؛ أي لا ينبغي أن يستبقى. وهو في قراءة عبد الله (كيف يكون للمشركين عهد عند الله ولا ذمة) فجاز دخول (لا) مع الواو لأن معنى أوّل الكلمة جحد، وإذا استفهمت بشيء من حروف الاستفهام فلك أن تدعه استفهاما، ولك أن تنوي به الجحد. من ذلك قولك: هل أنت إلاّ كواحد منّا؟! ومعناه: ما أنت إلا واحد منا، وكذلك تقول: هل أنت بذاهب؟ فتدخل الباء كما تقول: ما أنت بذاهب. وقال الشاعر:
يقول إذا اقلولي عليها وأقردت =ألا هل أخو عيشٍ لذيذٍ بدائم
وقال الشاعر:
فاذهب فأيّ فتى في الناس أحرزه =من يومه ظلمٌ دعجٌ ولا جبل
[معاني القرآن: 1/423]
فقال: ولا جبل، للجحد وأوّله استفهام ونيّته الجحد؛ معناه ليس يحرزه من يومه شيء. وزعم الكسائي أنه سمع العرب تقول: أين كنت لتنجو مني، فهذه اللام إنما تدخل لـ {ما} التي يراد بها الجحد؛ كقوله: {ما كانوا ليؤمنوا}، {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}). [معاني القرآن: 1/424]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين}
وقال: {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين} فهذا استثناء خارج من أول الكلام. و{الذين} في موضع نصب). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {كيف يكون للمشركين عهد عند اللّه وعند رسوله إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين}
{إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام}.
أي ليس العهد إلا لهؤلاء الذين لم ينكثوا.
فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم).
أي ما أقاموا على الوفاء بعهدهم، وموضع " الذين " نصب بالاستثناء). [معاني القرآن: 2/432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم}
أي فما أقاموا على العهد ولم ينقضوه فأوفوا لهم). [معاني القرآن: 3/185]

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كيف وإن يظهروا عليكم...}
اكتفى بـ {كيف} ولا فعل معها؛ لأن المعنى فيها قد تقدّم في قوله: {كيف يكون للمشركين عهدٌ} وإذا أعيد الحرف وقد مضى معناه استجازوا حذف الفعل؛ كما قال الشاعر:
وخبرتماني أنما الموت في القرى =فكيف وهذي هضبةٌ وكثيب
وقال الحطيئة:
فكيف ولم أعلمهم خذلوكم =في معظمٍ ولا أديمكم قدّوا
وقال آخر:
* فهل إلى عيش يا نصاب وهل *
فأفرد الثانية لأنه يريد بها مثل معنى الأوّل). [معاني القرآن: 1/424-425]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}
وقال: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم} فأضمر كأنه [قال] "كيف لا تقتلونهم" والله أعلم). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إلا ولا ذمة} (الإل): العهد وقال بعضهم القرابة {والذمة} الأمان ومنه سمي المعاهد ذميا لأنه أعطي الأمان. ومنه في الحديث " ويسعى بذمتهم أدناهم"). [غريب القرآن وتفسيره: 161]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و {الإلّ}: العهد، ويقال: القرابة، ويقال: اللّه جل ثناؤه.
و{الذمة}: العهد). [تفسير غريب القرآن: 183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلّا ولا ذمّة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}
وحذف مع كيف جملة " يكون لهم عهد " لأنه قد ذكر قبل ذلك.
قال الشاعر يرثي أخا له مات:
وخبرتماني أنما الموت بالقرى.=.. فكيف وهاتا هضبة وقليب
أي فكيف مات وليس بقرية. ومثله قول الحطيئة:
وكيف ولم أعلمهمو خذلوكمو.=.. على معظم ولا أديمكمو قدّوا
أي فكيف تلومونني على مدح قوم، وتذمونهم، واستغنى عن ذكر " ذلك " مع ذكر كيف، لأنه قد جرى في القصيدة ما يدل على ما أضمر.
قال أبو عبيدة الإل: العهد، والذّمّة ما يتذمم منه، وقال غيره: الذمة: العهد، وقيل في الإل غير قول.
قيل: الإل: القرابة، وقيل: الإل: الحلف، وقيل: الإل: العهد، وقيل الإل اسم من أسماء اللّه، وهذا عندنا ليس بالوجه لأن أسماء اللّه جلّ وعز معروفة معلومة كما سمعت في القرآن وتليت في الأخبار قال الله جلّ وعزّ:
{وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها}.
فالداعي يقول: يا اللّه، يا رحمن، يا ربّ، يا مؤمن، يا مهيمن.
[معاني القرآن: 2/433]
ولم يسمع " يا إلّ في الدعاء.
وحقيقة " الإلّ " عندي على ما توحيه اللغة تحديد الشيء فمن ذلك: الإلّة: الحربة، لأنّها محدّدة، ومن ذلك: إذن مؤلّلة، إذا كانت محدّدة.
والأل يخرج في جميع ما فسر من العهد والجوار على هذا، وكذلك القرابة، فإذا قلت في العهد بينهما إلّ فمعناه جواز يحاد الإنسان، وإذا قلته في القرابة فتأويله القرابة الدانية التي تحادّ الإنسان). [معاني القرآن: 2/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {كيف وإن يظهروا عليكم}
معناه كيف يكون لهم عهد {وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة}
روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ألإل الله جل وعز
وروى ابن جريج عن مجاهد قال الإل العهد
وقال أبو عبيدة الإل العهد والذمة التذمم
وقال قتادة الحلف والذمة العهد
وقال الضحاك الإل القرابة والذمة العهد
قال أبو جعفر وهذا أحسنها والأصل في هذا أنه يقال أذن موللة أي محددة والألة الحربة فإذا قيل للعهد إل فمعناه أنه قد حدد وإذا قيل للقرابة فمعناه إن أحدهما يحاد صاحبه ويقاربه وأنشد أهل اللغة:
لعمرك إن إلك من قريش = كإل السقب من رأل النعام
فأما ما روي عن أبي مجلز ومجاهد أن الإل الله جل وعز فغير معروف لأن أسماء الله جل وعز معروفة والذمة العهد
قول معروف ومنه أهل الذمة إنما هم أهل العهد وتذممت أن أفعل استحييت فصرت بمنزلة من عليه عهد). [معاني القرآن: 3/186-188]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إلا ولا ذمة} فالإل: الله - عز وجل، والذمة: العهد). [ياقوتة الصراط: 241]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والإلَ} العهد، ويقال: القرابة. {والذمة} العهد. وقيل: الإلَ هو الله جل ذكره). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الإِل}: العهد {الذِمَّةً}: الأمان). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) )

تفسير قوله تعالى: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّة} مجاز الإلّ: العهد والعقد واليمين، ومجاز الذمة التذمم ممن لا عهد له، والجميع ذمم؛ {يرقبوا} أي يراقبوا.
{وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} أي أداموها في مواقيتها، وأعطوا زكاة أموالهم). [مجاز القرآن: 1/253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الإلّ هو: الله تعالى. قال مجاهد في قوله سبحانه: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} ويعني الله عز وجل. ومنه (جبر إلّ) في قراءة من قرأه بالتشديد.
ويقال للرحم: إلّ كما اشتق لها الرّحم من الرّحمن.
وقال حسّان:
لعمركَ إِنَّ إِلَّكَ فِي قُرَيْشٍ = كإِلِّ السَّقْبِ مِن رَأْلِ النَّعَامِ
أي: رَحِمُكَ فِيهم، وقُرْبَاكَ مِنْهُمْ.
ومن ذهب بالإلِّ في قوله تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا} إلى الرَّحِم، فهو وجهٌ حَسَن.
كما قال الشاعر:
دَعَوْا رَحِمًا فِينَا وَلا يَرْقُبونَهَا = وَصَدَّتْ بأَيدِيهَا النِّسَاءُ عَنِ الدَّمِ
يريد: أن المشركين لم يكونوا يرقبون في قراباتهم من المسلمين رحما، وقد قال الله تعالى لنبيه عليه السلام: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23].
قال ابن عباس: يريد لا أسألكم على ما أتيتكم به من الهدى أجرا إلا أن تودّوني في القرابة منكم. وكانت لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، ولادات كثيرة في بطون قريش. وقال الله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128].
قال ابن عباس: قالت قريش: يسألنا أن نودّه في القرابة وهو يشتم آلهتنا ويعيبها؟! فأنزل الله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: 47].
ويقال للعهد: {إلّ}، لأنّه بالله يكون). [تأويل مشكل القرآن: 449-450]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة...}
ثم قال: {فإخوانكم في الدّين} معناه: فهم إخوانكم. يرتفع مثل هذا من الكلام بأن يضمر له اسمه مكنيّا عنه. ومثله {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم} أي فهم إخوانكم. وفي قراءة أبيّ {إن تعذّبهم فعبادك} أي فهم عبادك). [معاني القرآن: 1/425]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإخوانكم في الدّين} مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، كقولك: فهم إخوانكم). [مجاز القرآن: 1/253]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}
أي فهم مثلكم قد غفر لهم نقضهم العهد وكفرهم). [معاني القرآن: 3/188]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإن نكثوا أيمانهم} مجازه: إن نقضوا أيمانهم، وهي جميع اليمين من الحلف). [مجاز القرآن: 1/253]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وإن نّكثوا أيمانهم مّن بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون}
وقال: {وإن نّكثوا أيمانهم مّن بعد عهدهم} قال: {فقاتلوا أئمّة الكفر} فجعل الهمزة ياء لأنها في موضع كسر وما قبلها مفتوح ولم يهمز لاجتماع الهمزتين. ومن كان من رأيه جمع الهمزتين همز). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وأن نكثوا أيمانهم}: نقضوا). [غريب القرآن وتفسيره: 162]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - جلّ وعزّ -: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون}
أي رؤساء الكافرين، وقادتهم، لأن الإمام متبع.
وهذه الآية توجب قتل الذميّ إذا أظهر الطعن في الإسلام لأن العهد معقود عليه بألّا يطعن، فإذا طعن فقد نكث.
وقوله: {أئمّة الكفر} فيها عند النحويين لغة واحدة: أيمة بهمزة وياء والقراء يقرأون {أئمّة} بهمزتين، وأيمة بهمزة وياء فأما النحويون فلا يجيزون اجتماع الهمزتين ههنا، لأنهما لا يجتمعان في كلمة، ومن قرأ أئمة - بهمزتين - فينبغي أن يقرأ يا بني أأدم، والاجتماع أن آدم فيه همزة واحدة.
فالاختلاف راجع إلى الإجماع، إلا أن النحويين يستصعبون هذه المسألة.
ولهم فيها غير قول:
يقولون إذا فضلنا رجلا في الإمامة: هذا أومّ من هذا ويقول بعضهم أيمّ من هذا، فالأصل في اللغة أأممة لأنه جمع إمام، مثل مثال وأمثلة، ولكن
الميمين لما اجتمعتا أدغمت الأولى في الثانية وألغيت حركتها على الهمزة.
فصار أئمة، فأبدل النحويون من الهمزة الياء.
ومن قال: هذا أيمّ من هذا جعل هذه الهمزة كلما تحركت أبدل منها قال أبو إسحاق: والذي قال: (هذا أومّ من هذا) كانت عنده أصلها أأم.
فلم يمكنه أن يبدل منها ألفا لاجتماع السّاكنين، فجعلها واوا مفتوحة، لأنه قال: إذا جمعت آدم قلت أوادم.
وهذا هو القياس الذي جعلها ياء.
قال: قد صارت الياء في أئمة بدلا لازما.
وهذا مذهب الأخفش، والأول مذهب المازني.
قال أبو إسحاق وأظنه أقيس الوجهين، أعني: هذا أومّ من هذا، فأما أئمة باجتماع الهمزتين، فليس من مذاهب أصحابنا، إلا ما يحكى عن ابن إسحاق فإنه كان يحب اجتماعهما وليس ذلك عندي جائزا، لأن هذا الحرف في أئمة قد وقع فيه التضعيف والإدغام، فلما أدغم وقعت علة في الحرف.
وطرحت حركته على الهمزة فكان تركها دليلا على أنها همزة قد وقع عليها حركة ما بعدها، وعلى هذا القياس يجوز: هذا أأمّ من هذا والذي بدأنا به هو الاختيار من أن لا تجتمع همزتان.
وقوله: {إنّهم لا أيمان لهم}.
وتقرأ {لا إيمان لهم} فمن قرأ: {لا أيمان لهم} بالفتح فقد وصفهم بالنكث في العهد، وهو أجود القراءتين، ومن قرأ " لا إيمان لهم " فقد وصفهم بالردة، أي لا إسلام لهم، ويجوز أن يكون نفى عنهم الإيمان لأنهم لم يؤمنوا، كما تقول: لا علم لفلان.
ويجوز أن يكون لا أيمان لهم إذا كنتم أنتم آمنتموهم، فنقضوا هم عهدكم، فقد بطل الأمان الذي أعطيتموهم، أي لا إيمان لهم: على " آمنت إيمانا على المصدر ".
{لعلّهم ينتهون}.
أي ليرجى منهم الانتهاء والنكث: النقض في كل شي). [معاني القرآن: 2/434-436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم} أي نقضوا وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أي رؤساءه
وقيل هذا يوجب القتل على من طعن في الإسلام وإن كان له عهد لأن ذلك ينقض عهده
ثم قال جل وعز: {إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون}
روي عن عمار بن ياسر أنه قال أي لا عهد لهم وقرأ
الحسن لا إيمان لهم
قال أبو جعفر وقراءته تحتمل معنيين
أحدهما لا إسلام لهم على النفي كما تقول لا علم له
والمعنى الآخر أي يكون مصدرا من قولك آمنته إيمانا أي لا تؤمنوهم ولكن اقتلوهم). [معاني القرآن: 3/188-189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَّكَثُواْ}: نقضوا). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وهم بدءوكم أوّل مرّةٍ...}
ذلك أن خزاعة كانوا حلفاء للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وكانت الديل بن بكر حلفاء لبني عبد شمس، فاقتتلت الديل وخزاعة، فأعانت قريش الديل على خزاعة، فذلك قوله: {بدءوكم} أي قاتلوا حلفاءكم). [معاني القرآن: 1/425]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ألا تقاتلون قوماً نّكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرّسول وهم بدءوكم أول مرّةٍ أتخشونهم فاللّه أحقّ أن تخشوه إن كنتم مّؤمنين}
وقال: {وهمّوا بإخراج الرّسول} لأنك تقول "هممت بكذا" و"أهمّني كذا"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الوليجة}: كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة، والرجل يدخل في القوم ليس منهم فهو وليجة). [غريب القرآن وتفسيره: 162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (إن الخفيفة: تكون بمعنى {ما}...، وقالوا أيضا: وتكون بمعنى إذ، كقوله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 129]، أي إذ كنتم. وقوله: {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 13].
وقوله: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278].
وهي عند أهل اللغة {إن} بعينها، لا يجعلونها في هذه المواضع بمعنى (إذ) ويذهبون إلى أنه أراد: من كان مؤمنا لم يهن ولم يدع إلى السّلم، ومن كان مؤمنا لم يخش إلا الله، ومن كان مؤمنا ترك الرّبا). [تأويل مشكل القرآن: 552-553] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرّسول وهم بدءوكم أوّل مرّة أتخشونهم فاللّه أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين}
هذا على وجه التوبيخ، ومعناه الحضّ على قتالهم، وقيل في قوله:
{وهم بدءوكم أوّل مرّة}.
أنهم كانوا قاتلوا حلفاء الرسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {أتخشونهم}.
معناه أتخشون أن ينالكم من قتالهم مكروه.
{فاللّه أحقّ أن تخشوه}.
أي فمكروه عذاب اللّه أحق أن يخشى.
{إن كنتم مؤمنين} أي مصدقين بعقاب اللّه وثوابه). [معاني القرآن: 2/436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وهم بدؤكم أول مرة}
قال مجاهد قاتلوا حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أتخشونهم أي أتخشون عاقبتهم فالله أحق أن تخشوه أي تخشوا عاقبته ثم وعدهم النصر وذلك من علامات النبوة فقال قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين فدل بهذا على أن غيظهم كان قد اشتد
قال مجاهد يعني خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 3/189- 190]

تفسير قوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم...}
ثم جزم ثلاثة أفاعيل بعده يجوز في كلهن النصب والجزم والرفع.
ورفع قوله: {ويتوب الله} لأن معناه ليس من شروط الجزاء؛ إنما هو استئناف؛ كقولك للرجل: ايتني أعطك، وأحبّك بعد، وأكرمك، استئناف ليس بشرط للجزاء. ومثله قول الله تبارك وتعالى: {فإن يشأ الله يختم على قلبك} تمّ الجزاء ها هنا، ثمّ استأنف فقال: {ويمح اللّه الباطل ويحقّ الحقّ بكلماته}). [معاني القرآن: 1/426]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)
(ويشف صدور قوم مؤمنين}.
فيه دليل أنه اشتد غضبهم للّه عزّ وجلّ، فوعد اللّه في هذه الآية النصر.
وفيها دليل على تثبيت النبوة، لأنه قال عزّ وجلّ: {قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}.
فوعدهم اللّه النصر ووفّى به، ودل على صدق ما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 2/436]

تفسير قوله تعالى: (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب اللّه على من يشاء واللّه عليم حكيم}
{ويتوب اللّه على من يشاء}
ليس بجواب لقوله: {قاتلوهم} ولكنه مستأنف، لأن {يتوب} ليس من جنس ما يجاب به {قاتلوهم} ). [معاني القرآن: 2/437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويتوب الله على من يشاء}
وهذا منقطع مما قبله). [معاني القرآن: 3/190]

تفسير قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أم حسبتم...}
من الاستفهام الذي يتوسّط في الكلام فيجعل بـ {أم} ليفرق بينه وبين الاستفهام المبتدأ الذي لم يتّصل بكلام. ولو أريد به الابتداء لكان إمّا بالألف وإما بـ {هل} كقوله: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر} وأشباهه.
وقوله: {ولم يتّخذوا من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين وليجةً} والوليجة: البطانة من المشركين يتّخذونهم فيفشون إليهم أسرارهم، ويعلمونهم أمورهم. فنهوا عن ذلك). [معاني القرآن: 1/426]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وليجةً} كل شئ أدخلته في شئ ليس منه فهو وليجة، والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم، ومجازه يقول: فلا تتخذوا ولياً ليس من المسلمين دون الله ورسوله، ومنه قول طرفة بن العبد:
فإن القوا في يتّلجن موالجاً... تضايق عنها أن تولجّه الإبر
ويقال للكناس الذي يلج فيه الوحش من الشجر دولجٌ وتولج، وقال:
متخذاً منها إياداً دولجا
{ولم يخش إلاّ الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} عسى ها هنا واجبة من الله). [مجاز القرآن: 1/254]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الوليجة}: البطانة من غير المسلمين، وأصله من الولوج.
وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين وخليطا وودّا). [تفسير غريب القرآن: 183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ولم يتّخذوا من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة واللّه خبير بما تعملون}
الله جلّ وعزّ قد علم قبل أمرهم بالقتال من يقاتل ممن لا يقاتل ولكنه كان يعلم ذلك غيبا، فأراد العلم الذي يجازي عليه لأنه جلّ وعزّ إنما يجازي على ما عملوا.
وسورة " براءة " كانت تسمّى الحافرة، لأنها حفرت عن قلوب المنافقين.
وذلك أنه لما فرض القتال تبين المنافق من غيره، ومن يوالي المؤمنين ممن يوالي أعداءهم فقال جلّ وعزّ:
{أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ولم يتّخذوا من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة}.
و{الوليجة}: البطانة، وهي مأخوذة من ولج الشيء يلج إذا دخل.
أي ولم يتخذوا بينهم وبين الكافرين دخيلة مودة). [معاني القرآن: 2/437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم حسبتم أن تتركوا} وذلك أنهم لما أمروا بالقتال تبين نفاق المنافقين
ثم قال جل وعز: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم}
وقد علم ذلك علم غيب وإنا تقع المجازاة على العلم المشاهد
ثم قال جل وعز: {ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة}
الوليجة البطانة من ولج يلج ولوجا إذا دخل فالمعنى دخيلة مودة من دون الله ورسوله). [معاني القرآن: 3/190-191]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وليجة} الوليجة: الرجل يدخل على المؤمنين، فيقول: أنا منكم، ويدخل على المنافقين ويقول: أنا منكم، ويدخل على اليهود فيسهل عليهم أمر اليهودية، وجمعه: ولائج). [ياقوتة الصراط: 241]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الوليجة} البطانة من غير المسلمين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الوَلِيجَةً}: إدخال الشيء في الشيء). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله...}
وهو يعني المسجد الحرام وحده. وقرأها مجاهد وعطاء بن أبي رباح: (مسجد الله). وربما ذهبت العرب بالواحد إلى الجمع، وبالجمع إلى الواحد؛ ألا ترى الرجل على البرذون فتقول: قد أخذت في ركوب البراذين، وترى الرجل كثير الدراهم
فتقول: إنه لكثير الدرهم. فأدّى الجماع عن الواحد، والواحد عن الجمع. وكذلك قول العرب: عليه أخلاق نعلين وأخلاق ثوب؛ وأنشدني أبو الجرّاح العقيليّ:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق =شراذمٌ يضحك منه التوّاق
). [معاني القرآن: 1/426-427]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النّار هم خالدون}
{شاهدين} حال. المعنى ما كانت لهم عمارة المسجد الحرام في حال إقرارهم بالكفر.
{أولئك حبطت أعمالهم}.
أي كفرهم قد أذهب ثواب أعمالهم). [معاني القرآن: 2/437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله}
هكذا قرأ ابن عباس وهو اختيار أبي عمرو واحتج بقوله تعالى: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}
ومن قرأ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله فتحتمل قراءته معنيين
أحدهما: أن يكون لجميع المساجد
والآخر: أن يراد به المسجد الحرام خاصة وهذا جائز فيما كان من أسماء الجنس كما يقال قد صار فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا
والقراءة مساجد أصوب لأنه يحتمل المعنيين وقد أجمعوا على قراءة قوله: {إنما يعمر مساجد الله} على الجمع). [معاني القرآن: 3/191]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة ولم يخش إلّا اللّه فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}
ولم يذكر الرسول في هذا، لأن فيه دليلا بقوله وأقام الصلاة التي أتى بتحديدها الرسول.
{ولم يخش إلّا اللّه}.
تأويله لم يخف في باب الدين إلا اللّه.
{فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}.
عسى واجبة من اللّه). [معاني القرآن: 2/437-438]


رد مع اقتباس