عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 07:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن وتفصيلا لكلّ شيءٍ وهدًى ورحمةً لعلّهم بلقاء ربّهم يؤمنون (154) وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون (155)}
قال ابن جريرٍ: {ثمّ آتينا موسى الكتاب} تقديره: ثمّ قل -يا محمّد -مخبرًا عنّا بأنّا آتينا موسى الكتاب، بدلالة قوله: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}
قلت: وفي هذا نظر، وثم هاهنا إنّما هي لعطف الخبر بعد الخبر، لا للتّرتيب هاهنا، كما قال الشّاعر:
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ....... ثمّ قد ساد قبل ذلك جده
وهاهنا لمّا أخبر اللّه تعالى عن القرآن بقوله: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه} عطف بمدح التّوراة ورسولها، فقال: {ثمّ آتينا موسى الكتاب} وكثيرًا ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتّوراة، كقوله تعالى: {ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمةً وهذا كتابٌ مصدّقٌ لسانًا عربيًّا} [الأحقاف: 12]، وقوله [في] أوّل هذه السّورة: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورًا وهدًى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا} [الآية:91]، وبعدها {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ} الآية [الأنعام: 92]، وقال تعالى مخبرًا عن المشركين: {فلمّا جاءهم الحقّ من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى}، قال تعالى: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنّا بكلٍّ كافرون} [القصص: 48]، وقال تعالى مخبرًا عن الجنّ أنّهم قالوا: {قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ} [الأحقاف: 30].
وقوله تعالى: {تمامًا على الّذي أحسن وتفصيلا}؛ أي: آتيناه الكتاب الّذي أنزلناه إليه تمامًا كاملًا جامعًا لجميع ما يحتاج إليه في شريعته، كما قال: {وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ ... الآية} [الأعراف: 145].
وقوله: {على الّذي أحسن} أي: جزاءً على إحسانه في العمل، وقيامه بأوامرنا وطاعتنا، كقوله: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرّحمن: 60]، وكقوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إمامًا قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين} [البقرة: 124]، وقوله: {وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}[السّجدة: 24].
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن}، يقول: أحسن فيما أعطاه اللّه.
وقال قتادة: من أحسن في الدّنيا تمّم له ذلك في الآخرة.
واختار ابن جرير أن تقديره الكلام: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا} على إحسانه. فكأنّه جعل "الّذي" مصدريّةً، كما قيل في قوله تعالى: {وخضتم كالّذي خاضوا} [التّوبة:69] أي: كخوضهم وقال ابن رواحة:
فثبّت الله ما آتاك من حسنٍ ....... في المرسلين ونصرًا كالّذي نصروا
وقال آخرون: الّذي هاهنا بمعنى "الّذين".
قال ابن جريرٍ: وقد ذكر عن عبد اللّه بن مسعودٍ: أنّه كان يقرؤها: "تمامًا على الّذين أحسنوا".
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: {تمامًا على الّذي أحسن} قال: على المؤمنين والمحسنين، وكذا قال أبو عبيدة. قال البغويّ: والمحسنون: الأنبياء والمؤمنون، يعني: أظهرنا فضله عليهم.
قلت: كما قال تعالى: {قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي} [الأعراف: 144]، ولا يلزم اصطفاؤه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم خاتم الأنبياء والخليل، عليهما السّلام لأدلّةٍ أخر.
قال ابن جريرٍ: وروى أبو عمرو بن العلاء عن يحيى بن يعمر أنّه كان يقرؤها. {تمامًا على الّذي أحسن} رفعًا، بتأويل: "على الّذي هو أحسن"، ثمّ قال: وهذه قراءةٌ لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربيّة وجهٌ صحيحٌ.
وقيل: معناه: تمامًا على إحسان اللّه إليه زيادةً على ما أحسن اللّه إليه، حكاه ابن جريرٍ، والبغوي.
ولا منافاة بينه وبين القول الأوّل، وبه جمع ابن جريرٍ كما بيّنّاه، وللّه الحمد.
وقوله: {وتفصيلا لكلّ شيءٍ وهدًى ورحمةً} فيه مدحٌ لكتابه الّذي أنزله اللّه عليه، {لعلّهم بلقاء ربّهم يؤمنون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 368-369]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون} فيه الدّعوة إلى اتّباع القرآن ووصفه بالبركة لمن اتّبعه وعمل به في الدنيا والآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 369]

تفسير قوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين (156) أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم وهدًى ورحمةٌ فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه وصدف عنها سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون (157)}
قال ابن جريرٍ: معناه: وهذا كتابٌ أنزلناه لئلّا يقولوا: {إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}
يعني: لينقطع عذرهم، كما قال تعالى: {ولولا أن تصيبهم مصيبةٌ بما قدّمت أيديهم فيقولوا ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك ونكون من المؤمنين} [القصص:47].
وقوله: {على طائفتين من قبلنا} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: هم اليهود والنّصارى وكذا قال مجاهدٌ، والسّدّيّ، وقتادة، وغير واحدٍ.
وقوله: {وإن كنّا عن دراستهم لغافلين} أي: وما كنّا نفهم ما يقولون؛ لأنّهم ليسوا بلساننا، ونحن مع ذلك في شغلٍ وغفلةٍ عمّا هم فيه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 370]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم} أي: وقطعنا تعلّلكم أن تقولوا: لو أنّا أنزل علينا ما أنزل عليهم لكنّا أهدى منهم فيما أوتوه، كقوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءهم نذيرٌ ليكوننّ أهدى من إحدى الأمم فلمّا جاءهم نذيرٌ ما زادهم إلا نفورًا} [فاطر:42]، وهكذا قال هاهنا: {فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم وهدًى ورحمةٌ} يقول: فقد جاءكم من اللّه على لسان محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم النّبيّ العربيّ قرآنٌ عظيمٌ، فيه بيانٌ للحلال والحرام، وهدًى لما في القلوب، ورحمةٌ من اللّه بعباده الّذين يتّبعونه ويقتفون ما فيه.
وقوله: {فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه وصدف عنها} أي: لم ينتفع بما جاء به الرّسول، ولا اتّبع ما أرسل به، ولا ترك غيره، بل صدف عن اتّباع آيات اللّه، أي: صرف النّاس وصدّهم عن ذلك قاله السّدّيّ.
وعن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وقتادة: {وصدف عنها} أعرض عنها.
وقول السّدّيّ هاهنا فيه قوّةٌ؛ لأنّه قال: {فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه وصدف عنها} كما تقدّم في أوّل السّورة: {وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم} [الآية: 26]، وقال تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب} [النّحل: 88]، وقال في هذه الآية الكريمة: {سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون}
وقد يكون المراد فيما قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة: {فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه وصدف عنها} أي: لا آمن بها ولا عمل بها، كقوله تعالى: {فلا صدّق ولا صلّى ولكن كذّب وتولّى} [القيامة: 32، 31]، ونحو ذلك من الآيات الدّالّة على اشتمال الكافر على التّكذيب بقلبه، وترك العمل بجوارحه، ولكنّ المعنى الأوّل أقوى وأظهر، والله [تعالى] أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 370-371]


رد مع اقتباس