عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:09 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) }

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن}، قال من أحسن في الدنيا تمم الله ذلك له في الآخرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 221-222]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن وتفصيلاً لكلّ شيءٍ}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ثمّ آتينا موسى الكتاب}، ثمّ قل بعد ذلك يا محمّد: آتى ربّك موسى الكتاب. فترك ذكر (قل)، إذ كان قد تقدّم في أوّل القصّة ما يدلّ على أنّه مرادٌ فيها، وذلك قوله: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربّكم عليكم}، فقصّ ما حرّم عليهم وأحلّ، ثمّ قال: ثمّ قل: آتينا موسى، فحذف (قل) لدلالة قوله: (قل) عليه، وأنّه مرادٌ في الكلام.
وإنّما قلنا ذلك مرادٌ في الكلام، لأنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم لا شكّ أنّه بعث بعد موسى بدهرٍ طويلٍ، وأنّه إنّما أمر بتلاوة هذه الآيات على من أمر بتلاوتها عليه بعد مبعثه، ومعلومٌ أنّ موسى أوتي الكتاب من قبل أمر اللّه محمّدًا بتلاوة هذه الآيات على من أمر بتلاوتها عليه، و(ثمّ) في كلام العرب حرفٌ يدلّ على أنّه ما بعده من الكلام والخبر بعد الّذي قبلها.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {تمامًا على الّذي أحسن}.
فقال بعضهم: معناه: تمامًا على المحسنين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {تمامًا على الّذي أحسن} قال: على المؤمنين.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {تمامًا على الّذي أحسن}: المؤمنين والمحسنين.
وكأنّ مجاهدًا وجّه تأويل الكلام ومعناه إلى أنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر عن موسى أنّه آتاه الكتاب فضيلةً على ما آتى المحسنين من عباده.
فإن قال قائلٌ: فكيف جاز أن يقال: {على الّذي أحسن} فيوحّد (الّذي)، والتّأويل على الّذين أحسنوا؟
قيل: إنّ العرب تفعل ذلك خاصّةً في الّذي وفي الألف واللاّم إذا أرادت به الكلّ والجميع، كما قال جلّ ثناؤه: {والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ}، وكما قالوا: أكثر الّذي هم فيه في أيدي النّاس.
وقد ذكر عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّه كان يقرأ ذلك: (تمامًا على الّذين أحسنوا)، وذلك من قراءته كذلك يؤيّد قول مجاهدٍ.
وإذا كان المعنى كذلك، كان قوله: (أحسن) فعلاً ماضيًا، فيكون نصبه لذلك.
وقد يجوز أن يكون (أحسن) في موضع خفضٍ، غير أنّه نصب، إذ كان (أفعل)، وأفعل لا يجري في كلامها.
فإن قيل: فبأيّ شيءٍ خفض؟
قيل: ردًّا على (الّذي)، إذ لم يظهر له ما يرفعه. فيكون تأويل الكلام حينئذٍ: ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي هو أحسن، ثمّ حذف (هو)، وجاور (أحسن) (الّذي)، فعرّف بتعريفه، إذ كان كالمعرفة من أجل أنّ الألف واللاّم لا يدخلانه، (والّذي) مثله، كما تقول العرب: مررت بالّذي خيرٍ منك وشرٍّ منك، وكما قال الرّاجز:
إنّ الزّبيريّ الّذي مثل الحلم ....... مسّى بأسلابكم أهل العلم
فأتبع (مثل) (الّذي) في الإعراب. ومن قال ذلك لم يقل: مررت بالّذي عالمٍ، لأنّ (عالمًا) نكرةٌ (والّذي) معرفةٌ، ولا تتبع نكرةٌ معرفةً.
وقال آخرون: معنى ذلك: تمامًا على الّذي أحسن موسى فيما امتحنه اللّه به في الدّنيا من أمره ونهيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن} فيما أعطاه اللّه.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن} قال: من أحسن في الدّنيا تمّم اللّه له ذلك في الآخرة.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن} يقول: من أحسن في الدّنيا تمّت عليه كرامة اللّه في الآخرة.
وعلى هذا التّأويل الّذي تأوّله الرّبيع يكون (أحسن) نصبًا، لأنّه فعلٌ ماضٍ، و(الّذي) بمعنى (ما)، وكان الكلام حينئذٍ: ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على ما أحسن موسى، أي آتيناه الكتاب لأتمّم له كرامتي في الآخرة تمامًا على إحسانه في الدّنيا في عبادة اللّه والقيام بما كلّفه به من طاعته.
وقال آخرون في ذلك: معناه: ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على إحسان اللّه إلى أنبيائه وأياديه عندهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن} قال: تمامًا من اللّه وإحسانه الّذي أحسن إليهم وهداهم للإسلام، وآتاهم ذلك الكتاب تمامًا لنعمته عليه وإحسانه.
و{أحسن} على هذا التّأويل أيضًا في موضع نصبٍ على أنّه فعلٌ ماضٍ. (والّذي) على هذا القول والقول الّذي قاله الرّبيع بمعنى: (ما).
وذكر عن يحيى بن يعمر أنّه كان يقرأ ذلك: (تمامًا على الّذي أحسن) رفعًا، بتأويل: على الّذي هو أحسن.
- حدّثني بذلك أحمد بن يوسف قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا الحجّاج، عن هارون، عن أبي عمرو بن العلاء، عن يحيى بن يعمر.
قال أبو جعفرٍ: وهذه قراءةٌ لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربيّة وجهٌ صحيحٌ، لخلافها ما عليه الحجّة مجمعةٌ من قراءة الأمصار.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب قول من قال: معناه: ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا لنعمنا عنده على الّذي أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا، لأنّ ذلك أظهر معانيه في الكلام، وأنّ إيتاء موسى كتابه نعمةٌ من اللّه عليه ومنّةٌ عظيمةٌ، فأخبر جلّ ثناؤه أنّه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عملٍ وحسن طاعةٍ.
ولو كان التّأويل على ما قاله ابن زيدٍ كان الكلام: ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسنّا، أو: ثمّ آتى اللّه موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن. وفي وصفه جلّ ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب ثمّ صرفه الخبر بقوله: (أحسن) إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين، الدّليل الواضح على أنّ القول غير القول الّذي قاله ابن زيدٍ.
وأمّا ما ذكر عن مجاهدٍ من توجيهه (الّذي) إلى معنى الجميع فلا دليل في الكلام يدلّ على صحّة ما قال من ذلك، بل ظاهر الكلام بالّذي اخترنا من القول أشبه. وإذا تنوزع في تأويل الكلام كان أولى معانيه به أغلبه على الظّاهر، إلاّ أن يكون من العقل أو الخبر دليلٌ واضحٌ على أنّه معنيّ به غير ذلك.
وأمّا قوله: {وتفصيلاً لكلّ شيءٍ} فإنّه يعني: وتبيينًا لكلّ شيءٍ من أمر الدّين الّذي أمروا به.
فتأويل الكلام إذن: ثمّ آتينا موسى التّوراة تمامًا لنعمنا عنده وأيادينا قبله، تتمّ به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربّه وقيامه بما كلّفه من شرائع دينه، وتبيينًا لكلّ ما لقومه وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم.
- كما حدّثني بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وتفصيلاً لكلّ شيءٍ} فيه حلاله وحرامه). [جامع البيان: 9/ 673-678]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهدًى ورحمةً لعلّهم بلقاء ربّهم يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره: آتينا موسى الكتاب تمامًا وتفصيلاً لكلّ شيءٍ، {وهدًى} يعني بقوله (وهدًى): تقويمًا لهم على الطّريق المستقيم، وبيانًا لهم سبل الرّشاد لئلاّ يضلّوا. {ورحمةً} يقول: ورحمةً منّا بهم ورأفةً، لننجيهم من الضّلالة وعمى الحيرة.
وأمّا قوله: {لعلّهم بلقاء ربّهم يؤمنون} فإنّه يعني: إيتائي موسى الكتاب تمامًا لكرامة اللّه موسى على إحسان موسى، وتفصيلاً لشرائع دينه، وهدًى لمن اتّبعه ورحمةً لمن كان منهم ضالًّا، لينجّيه اللّه به من الضّلالة، وليؤمن بلقاء ربّه إذا سمع مواعظ اللّه الّتي وعظ بها خلقه فيه، فيرتدع عمّا هو عليه مقيمٌ من الكفر به، وبلقائه بعد مماته، فيطيع ربّه، ويصدّق بما جاءه به نبيّه موسى عليه السّلام). [جامع البيان: 9/ 679]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن وتفصيلًا لكلّ شيءٍ وهدًى ورحمةً لعلّهم بلقاء ربّهم يؤمنون (154)}
قوله تعالى: {ثم آتينا موسى الكتاب}.
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، أنبأ عمران أبو العوّام القطّان عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «وأنزل التّوراة لستٍّ مضين من رمضان».
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ ثنا ابن أبي مريم ثنا المفضل ابن فضالة حدّثني أبو صخرٍ: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن}، قال: اللّه هو الّذي أحسن، آتى محمّدًا الكتاب من عنده تمامًا لما قد كان من إحسانه إليه، يقول:
ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على أنّ الّذي أتمّ ذلك له، فاللّه الّذي أحسن.
قوله: {تمامًا}.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن}، قال: تمامًا من اللّه عزّ وجلّ وإحسانه الّذي أحسن إليهم وهداهم للإسلام، آتاهم ذلك الكتاب تمامًا لنعمه عليهم وإحسانه.
قوله تعالى: {على الّذي أحسن}.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: {تمامًا على الّذي أحسن}، قال: على المؤمنين.
- حدثنا الحسن ابن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن قتادة، في قوله: {ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن}، قال: من أحسن في الدّنيا تمّم اللّه ذلك له في الآخرة.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع: وأمّا قوله: {تمامًا على الّذي أحسن}، يقول: أحسن فيما أعطاه اللّه.
قوله: {وتفصيلاً}.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنا العبّاس بن الوليد ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة: قوله: وتفصيلاً لكلّ شيءٍ أي: تبيانًا لكلّ شيءٍ، وفيه حلاله وحرامه.
- ذكر عبد الرّحمن بن عمر رستة ثنا ابن مهديّ عن محمّد بن مسلمٍ عن خصيفٍ عن مجاهدٍ: لمّا ألقى موسى الألواح بقي الهدى والرّحمة، وذهب التّفصيل.
قوله تعالى: {لكلّ شيء}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: {لكلّ شيءٍ}، قال: ما أمروا به وما نهوا عنه.
قوله: {وهدًى}.
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا الثّوريّ عن بيانٍ عن الشّعبيّ في قوله: {هدًى}، قال: من الضّلالة.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: وأمّا قوله: {هدى}، قال: نورٌ.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: {هدى}، قال: تبيانٌ.
قوله: {ورحمةً لعلّهم بلقاء ربّهم يؤمنون}.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع عن أبي العالية، في قوله: {ورحمةً}، قال: القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1423-1424]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال حدثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد تماما على الذي أحسن يعني على المؤمن). [تفسير مجاهد: 227-228]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {تماما على الذي أحسن}، قال: على المؤمنين المحسنين.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر في قوله: {تماما على الذي أحسن}، قال: تماما لما قد كان من إحسانه إليه.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {تماما على الذي أحسن}، قال: تماما لنعمه عليهم وإحسانه إليهم.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {تماما على الذي أحسن}، قال: من أحسن في الدنيا تمم الله ذلك له في الآخرة، وفي لفظ: تمت له كرامة الله يوم القيامة، وفي قوله: {وتفصيلا لكل شيء}؛ أي تبيانا لكل شيء وفيه حلاله وحرامه.
- وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن هرون قال: قراءة الحسن تماما على المحسنين.
- وأخرج ابن الأنباري عن هرون قال: في قراءة عبد الله تماما على الذين أحسنوا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وتفصيلا لكل شيء}، قال: ما أمروا به وما نهوا عنه.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لما ألقى موسى الألواح لفي الهدى والرحمة وذهب التفصيل). [الدر المنثور: 6/ 260-262]

تفسير قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ}: وهذا القرآن الّذي أنزلناه إلى نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم كتابٌ أنزلناه مباركٌ. {فاتّبعوه} يقول: فاجعلوه إمامًا تتّبعونه وتعملون بما فيه أيّها النّاس. {واتّقوا} يقول: واحذروا اللّه في أنفسكم أن تضيّعوا العمل بما فيه، وتتعدّوا حدوده، وتستحلّوا محارمه.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ} وهو القرآن الّذي أنزله اللّه على محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام. {فاتّبعوه} يقول: فاتّبعوا حلاله، وحرّموا حرامه.
وقوله: {لعلّكم ترحمون} يقول: لترحموا فتنجوا من عذاب اللّه وأليم عقابه). [جامع البيان: 10/ 5]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون (155)}
قوله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ}.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو عميرٍ ثنا مهديّ بن إبراهيم الرّمليّ عن مالك بن أنسٍ عن ربيعة قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى أنزل القرآن وترك فيه موضعًا للسّنّة، وسنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّنّة وترك فيها موضعًا للرأي.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد ثنا بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة: قوله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ}، وهو القرآن الّذي أنزله اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله: {فاتّبعوه}.
- وبه عن قتادة: قوله: فاتّبعوه يقول: فاتّبعوا حلاله.
قوله: {واتّقوا لعلّكم ترحمون}.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ ثنا شيبان عن قتادة: قوله: {واتّقوا} يقول: واتّقوا ما حرّم، وهو هذا القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1424-1425]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك}، قال: هو القرآن الذي أنزله الله على محمد، {فاتبعوه واتقوا} يقول: فاتبعوا ما أحل فيه واتقوا ما حرم.
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وابن الضريس ومحمد بن نصر والطبراني عن ابن مسعود قال: إن هذا القرآن شافع مشفع وما حل مصدق من جعله أماما قاده إلى الجنة ومن جعل خلفه ساقه إلى النار.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن الضريس عن أبيه عن جده سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يمثل القرآن يوم القيامة رجلا فيؤتى الرجل قد حمله فخالف أمره فيقف له خصما فيقول: يا رب حملته إياي فبئس حاملي تعدى حدودي وضيع فرائضي وركب معصيتي وترك طاعتي فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال: فشأنك فيأخذ بيده فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار ويؤتى بالرجل الصالح قد كان حمله وحفظ أمره فيتمثل له خصما دونه فيقول: يا رب حملته إياي فحفظ حدودي وعمل بفرائضي واجتنب معصيتي واتبع طاعتي فما يزال يقذف له بالحجج حتى يقال له: شأنك به فيأخذ بيده فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق ويعقد عليه تاج الملك ويسقيه كأس الخمر».
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن الضريس عن أبي موسى الأشعري قال: إن هذا القرآن كائن لكم ذكرا وكائن عليكم وزرا فتعلموه واتبعوه فإنكم إن تتبعوا القرآن يورد بكم رياض الجنة وإن يتبعكم القرآن يزج في أقفائكم حتى يوردكم إلى النار). [الدر المنثور: 6/ 262-263]

تفسير قوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين}.
اختلف أهل العربيّة في العامل في (أن) الّتي في قوله: {أن تقولوا}، وفي معنى هذا الكلام، فقال بعض نحويّي البصرة: معنى ذلك: ثمّ آتينا موسى الكتاب تمامًا على الّذي أحسن كراهية أن تقولوا: إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا.
وقال بعض نحويّي الكوفة: بل ذلك في موضع نصبٍ بفعلٍ مضمرٍ قال: ومعنى الكلام: فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون، اتّقوا أن تقولوا. قال: ومثّله بقول اللّه: {أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}.
وقال آخرون منهم: هو في موضع نصبٍ. قال: ونصبه من مكانين: أحدهما (أنزلناه لئلاّ يقول: إنّما أنزل الكتاب على). والآخر من قوله: {اتّقوا} قال: ولا يصلح في موضع أن كقوله: {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا}.
وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب قول من قال: نصب (أن) لتعلّقها بالإنزال، لأنّ معنى الكلام: وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ لئلاّ تقولوا: إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا.
فأمّا الطّائفتان اللّتان ذكرهما اللّه، وأخبر أنّه إنّما أنزل كتابه على نبيّه محمّدٍ، لئلاّ يقول المشركون: لم ينزل علينا كتابٌ فنتّبعه، ولم نؤمر ولم ننه، فليس علينا حجّةٌ فيما نأتي ونذر، إذ لم يأت من اللّه كتابٌ ولا رسولٌ، وإنّما الحجّة على الطّائفتين اللّتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا، فإنّهما اليهود والنّصارى.
وكذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أن تقولوا، إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}: وهم اليهود والنّصارى.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أن تقولوا، إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}: اليهود والنّصارى، نخاف أن تقوله قريشٌ.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} قال: اليهود والنّصارى، قال: أن تقول قريشٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {أن تقولوا، إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}: وهم اليهود والنّصارى.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}: أما الطّائفتان: فاليهود والنّصارى.
وأمّا {وإن كنّا عن دراستهم لغافلين}، فإنّه يعني: أن تقولوا: وقد كنّا عن تلاوة الطّائفتين الكتاب الّذي أنزلت عليهم غافلين، لا ندري ما هي، ولا نعلم ما يقرءون، وما يقولون، وما أنزل إليهم في كتابهم، لأنّهم كانوا أهله دوننا، ولم نعن به، ولم نؤمر بما فيه، ولا هو بلساننا، فيتّخذوا ذلك حجّةً. فقطع اللّه بإنزاله القرآن على نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم حجّتهم تلك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وإن كنّا عن دراستهم لغافلين} يقول: وإن كنّا عن تلاوتهم لغافلين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وإن كنّا عن دراستهم لغافلين}: أي عن قراءتهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإن كنّا عن دراستهم لغافلين} قال: الدّراسة: القراءة والعلم، وقرأ: {ودرسوا ما فيه} قال: علموا ما فيه، لم يأتوه بجهالةٍ.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإن كنّا عن دراستهم لغافلين} يقول: وإن كنّا عن قراءتهم، لغافلين، لا نعلم ما هي). [جامع البيان: 10/ 5-8]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين (156)}
قوله تعالى: {أن تقولوا}.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} اليهود والنّصارى. خاف أن تقوله قريشٌ.
قوله تعالى: {إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}، وهم اليهود والنّصارى.
قوله: {وإن كنّا عن دراستهم لغافلين}.
- وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: وإنّ كنّا عن دراستهم لغافلين، يقول: إن كنّا عن تلاوته لغافلين. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج ثنا عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: وإن كنّا عن دراستهم لغافلين قال: الدّراسة: القراءة والعلم. وقرأ: ودرسوا ما فيه، قال: علموا ما فيه، لم يأتوه بجهالةٍ. وقرأ: وليقولوا درست، علمت.
قوله: {لغافلين}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: وإن كنّا عن دراستهم لغافلين قال: إن كنّا عن قراءتهم لغافلين، لا نعلم ما هي). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1425]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا قال يعني اليهود والنصارى يعني لئلا تقوله قريش). [تفسير مجاهد: 228]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}، قال: اليهود والنصارى خاف أن تقوله قريش.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {على طائفتين من قبلنا}، قال: هم اليهود والنصارى {وإن كنا عن دراستهم} قال: تلاوتهم). [الدر المنثور: 6/ 263-264]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)}

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث} [الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت}[الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا} [الأنعام: 145] : مهراقًا، {صدف} [الأنعام: 157] : " أعرض). [صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: صدف أعرض قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {ثمّ هم يصدفون}؛ أي يعرضون يقال صدف عنّي بوجهه أي أعرض وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة في قوله يصدفون أي يعرضون عنها). [فتح الباري: 8/ 290]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وبه عن ابن عبّاس قوله:{وصدف عنها} يقول أعرض عنها). [تغليق التعليق: 4/ 210]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (صدف أعرض
أشار به إلى قوله: {فمن أظلم ممّن كذب بآيات الله وصدف عنها}الآية. وفسّر: صدف. بقوله أعرض، وعن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة، صدف عنها أعرض عنها. أي: عن آيات الله تعالى، وقال السّديّ: أي صدف عن اتّباع آيات الله أي: صرف النّاس وصدهم عن ذلك، وقال بعضهم: قوله: (صدف) أعرض قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {ثمّ هم يصدقون} [الأنعام: 46] أي يعرضون قلت البخاريّ لم يذكر إلاّ لفظ صدف وإن كان معنى يصدقون كذلك فلا بلاد من رعاية المناسبة). [عمدة القاري: 18/ 221]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله: ({صدف}) أي (أعرض) عن آيات الله). [إرشاد الساري: 7/ 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم وهدًى ورحمةٌ}.
يقول تعالى ذكره: وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ، لئلاّ يقول المشركون من عبدة الأوثان من قريشٍ: إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، أو لئلاّ يقولوا: {لو أنّا أنزل علينا الكتاب} كما أنزل على هاتين الطّائفتين من قبلنا، فأمرنا فيه ونهينا، وبيّن لنا فيه خطأ ما نحن فيه من صوابه. {لكنّا أهدى منهم}: أي لكنّا أشدّ استقامةً على طريق الحقّ واتّباعًا للكتاب، وأحسن عملاً بما فيه من الطّائفتين اللّتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا. يقول اللّه: {فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم}، يقول: فقد جاءكم كتابٌ بلسانكم عربيّ مبينٌ، حجّةً عليكم واضحةً بيّنةً من ربّكم. {وهدًى} يقول: وبيانٌ للحقّ، وفرقانٌ بين الصّواب والخطأ. {ورحمةٌ} لمن عمل به واتّبعه.
- كما حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم}، يقول: قد جاءكم بيّنةٌ لسانٌ عربيّ مبينٌ، حين لم تعرفوا دراسة الطّائفتين، وحين قلتم: لو جاءنا كتابٌ لكنّا أهدى منهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {أو تقولوا لو أنّا أنزل، علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم}: فهذا قول كفّار العرب، {فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم وهدًى ورحمةٌ}). [جامع البيان: 10/ 9]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه وصدف عنها سنجزي الّذين يصدفون}.
يقول جلّ ثناؤه: فمن أخطأ فعلاً وأشدّ عدوانًا منكم أيّها المشركون، المكذّبون بحجج اللّه وأدلّته وهي آياته. {وصدف عنها}، يقول: وأعرض عنها بعد ما أتته، فلم يؤمن بها ولم يصدّق بحقيقتها.
- وأخرج جلّ ثناؤه الخبر بقوله: {فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه} مخرج الخبر عن الغائب، والمعنيّ به المخاطبون به من مشركي قريشٍ.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله: {وصدف عنها} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وصدف عنها} يقول: أعرض عنها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يصدفون عن آياتنا}: يعرضون عنها، والصّدف: الإعراض.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وصدف عنها}: أعرض عنها {سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون}: أي يعرضون.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وصدف عنها}: فصدّ عنها.
وقوله: {سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب}.
يقول: سيثيب اللّه الّذين يعرضون عن آياته وحججه ولا يتدبّرونها ولا يتعرّفون حقيقتها فيؤمنوا بما دلّتهم عليه من توحيد اللّه وحقّيّة نبوّة نبيّه وصدق ما جاءهم به من عند ربّهم {سوء العذاب} يقول: شديد العقاب، وذلك عذاب النّار الّتي أعدّها اللّه لكفرة خلقه به. {بما كانوا يصدفون} يقول: يفعل اللّه ذلك بهم جزاءً بما كانوا يعرضون عن آياته في الدّنيا فلا يقبلون ما جاءهم به نبيّهم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 10/ 10-11]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم وهدًى ورحمةٌ فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه وصدف عنها سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون (157)}
قوله: {أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب}
- وبه عن السّدّيّ، قوله: {لو أنّا أنزل علينا الكتاب}، قال: اليهود والنّصارى.
قوله: {لكنّا أهدى منهم}.
الوجه الأول:
- وبه عن السّدّيّ، قوله: لكنّا أهدى منهم، قال: حين قلتم: لو جاءنا الكتاب لكنّا أهدى منهم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنا العبّاس ثنا يزيد ثنا سعيدٌ عن قتادة: قوله: {أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم}، وهذا قول كفّار العرب.
قوله: {فقد جاءكم بيّنةٌ من ربكم ... الآية}.
أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: {فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم}، يقول: قد جاءكم بيّنةٌ لسانٌ عربيٌّ مبينٌ، حين لم تعرفوا دراسة الطّائفتين.
قوله: {وصدف عنها}.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وصدف عنها}، يقول: أعرض عنها. وروي عن مجاهدٍ والسّدّيّ وعطاءٍ الخراسانيّ نحو ذلك.
قوله: {سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب ... الآية}.
حدّثنا محمّد بن يحيى أنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة: قوله: {سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا} يعرضون). [تفسير القرآن العظيم: 5/1426]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم}، قال: هذا قول كفار العرب.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فقد جاءكم بينة من ربكم}، يقول: قد جاءتكم بينة لسان عربي مبين حين لم يعرفوا دراسة الطائفتين.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وصدف عنها}، قال: أعرض عنها
- وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله: {يصدفون}، قال: يعرضون). [الدر المنثور: 6/ 264-265]


رد مع اقتباس