عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 18 محرم 1439هـ/8-10-2017م, 06:24 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الباب التاسع: فتنة الوقف في القرآن

مقدّمة في آثار فتنة القول بخلق القرآن:

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مقدّمة في آثار فتنة القول بخلق القرآن:
كان بدء المحنة في سنة 218هـ ، ورفعت عام 233هـ؛ لكن رفع المحنة لم يكن رفعا للفتنة

فقد أوقف امتحان العلماء في مسألة القول بخلق القرآن، لكن بقي من المعتزلة قضاة ومفتون وخطباء ولهم مجالس وحلقات، وكتب ومصنفات يبثون فيها شبهاتهم، ويلقنونها تلاميذهم، وكان لهم تمكّن في بعض البلدان؛ بسبب اتصالهم ببعض الولاة، وكانوا يعتمدون في إثارة شبهاتهم وتقرير مذاهبهم على ما فُتنوا به من علم الكلام؛ فضلوا به وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل.
والخليفة المتوكّل على الله لمّا أمر برفع المحنة لم يعزل قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد بل أقرّه على منصبه مع كراهة الخليفة لمذهبه في القرآن، ولما أصيب أحمد بن أبي دؤاد بالفالج في جمادى الآخرة سنة 233هـ ؛ ولى مكانه ابنه أبا الوليد محمّد، وبقي في هذا المنصب إلى سنة 237هـ .
ثمّ إن الخليفة غضب عليه وعلى أبيه فعزله وضيّق عليه وحبسه في ديوان الخراج وصادر منه أموالاً طائلة وضياعاً، ثم أحدرهم إلى بغداد، وبقوا فيها حتى مات أبو الوليد في شهر ذي الحجة سنة 239هـ ، ومات أبوه بعده بعشرين يوماً في أوّل سنة 240هـ.
ولعلّ هذا من أسباب بقاء بعض من حبس في المحنة من أهل السنة إلى سنة 237هـ بعد الأمر برفع المحنة بأربع سنين.
والمقصود أنّ بطانة الخليفة المتوكّل قد بقي فيها من الجهمية بقيّة؛ حتى إنّهم كانوا يرفعون إلى المتوكّل بأسماء من يريدون توليتهم القضاء ممن هو على شاكلتهم أو يداهنهم.

وكان المتوكّل بعد أن رفعت المحنة يستشير الإمام أحمد فيمن يرفع إليه بتوليتهم القضاء؛ فكان ينهى عن تولية أهل البدع.
وكتب المتوكل مرة كتاباً إلى الإمام أحمد مع عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان وهو ابن وزيره؛ يسأله عن جماعة ممن يريد توليتهم القضاء؛ فكان أكثرهم من الجهمية؛ فبيّن الإمام أحمد حالهم واحداً واحداً ثم قال في خاتمة جوابه لأمير المؤمنين: (أهل البدع والأهواء لا ينبغي أن يُستعان بهم في شيء من أمور المسلمين، مع ما عليه رأي أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - من التمسك بالسنة والمخالفة لأهل البدع)

والمقصود أنّ فتنة القول بخلق القرآن بقيت وولّدت فتناً أخرى كثيرة في الأمة طال أمدها؛ وانتشر أثرها، واتّسع خطرها، وكانت من أعظم أسباب نشأة الفرق، وظهور النحل.

وكانت الردود بين أهل السنة والمعتزلة قائمة على أشدّها، والشبه خطّافة، والأهواء لا تنضبط.
وكان أئمة أهل السنة إنما يردّون على المعتزلة وغيرهم بالكتاب والسنة، ولا يتعاطون علم الكلام في الرد عليهم، ولا يتشاغلون به؛ فسلموا بذلك من فتن كثيرة.
ثم نشأ أقوام أرادوا الردّ على المعتزلة والانتصار لأهل السنة بالحجج المنطقية والطرق الكلامية؛ فخاضوا فيما نهاهم عنه أهل العلم؛ ووقعوا في بدع أخرى، وخرجوا بأقوال محدثة مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة.
فأنتج كلّ ذلك فتناً عظيمة من أهمّها: فتنة الوقف، وفتنة اللفظ، وجرى بسببهما محن ومواقف يطول وصفها، وظهرت نحل وأهواء لم تكن تعرف من قبل: فظهرت بدعة ابن كلاب والقلانسي وأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي وغيرهم.
وسنتناول أهمّ هذه الفتن بالدراسة وبيان ما ينبغي لطالب علم التفسير معرفته من أسباب اختلاف الفرق في القرآن، وأصول نشأة تلك الفرق، وموقف أئمة أهل السنة منها، وحجج أهل السنة في الرد عليهم، ومنهجهم في معاملتهم؛ لأنّ هذا مما لا يحسن بالمفسّر جهله). [الإيمان بالقرآن:87 - 89]


رد مع اقتباس