عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا (135)}
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوّامين بالقسط، أي بالعدل، فلا يعدلوا عنه يمينًا ولا شمالًا ولا تأخذهم في اللّه لومة لائمٍ، ولا يصرفهم عنه صارفٌ، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه.
وقوله: {شهداء للّه} كما قال {وأقيموا الشّهادة للّه} أي: ليكن أداؤها ابتغاء وجه اللّه، فحينئذٍ تكون صحيحةً عادلةً حقًّا، خاليةً من التّحريف والتّبديل والكتمان؛ ولهذا قال: {ولو على أنفسكم} أي: اشهد الحقّ ولو عاد ضررها عليك وإذا سئلت عن الأمر فقل الحقّ فيه، وإن كان مضرة عليك، فإنّ اللّه سيجعل لمن أطاعه فرجًا ومخرجًا من كلّ أمرٍ يضيق عليه.
وقوله: {أو الوالدين والأقربين} أي: وإن كانت الشّهادة على والديك وقرابتك، فلا تراعهم فيها، بل اشهد بالحقّ وإنّ عاد ضررها عليهم، فإنّ الحقّ حاكمٌ على كلّ أحدٍ، وهو مقدّمٌ على كلّ أحدٍ.
وقوله: {إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما} أي: لا ترعاه لغناه، ولا تشفق عليه لفقره، اللّه يتولّاهما، بل هو أولى بهما منك، وأعلم بما فيه صلاحهما.
وقوله {فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا} أي: فلا يحملنّكم الهوى والعصبيّة وبغضة النّاس إليكم، على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل على أيّ حالٍ كان، كما قال تعالى: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى} [المائدة: 8]
ومن هذا القبيل قول عبد اللّه بن رواحة، لمّا بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم، فقال: واللّه لقد جئتكم من عند أحبّ الخلق إليّ، ولأنتم أبغض إليّ من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إيّاه وبغضي لكم على ألّا أعدل فيكم. فقالوا: "بهذا قامت السّماوات والأرض". وسيأتي الحديث مسندًا في سورة المائدة، إن شاء اللّه [تعالى].
وقوله: {وإن تلووا أو تعرضوا} قال مجاهدٌ وغير واحدٍ من السّلف: {تلووا} أي: تحرّفوا الشّهادة وتغيّروها، "واللّيّ" هو: التّحريف وتعمّد الكذب، قال اللّه تعالى: {وإنّ منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب [لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون]} [آل عمران: 78]. و "الإعراض" هو: كتمان الشّهادة وتركها، قال اللّه تعالى: {ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه} [البقرة:283] وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "خير الشّهداء الّذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها". ولهذا توعّدهم اللّه بقوله: {فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا} أي: وسيجازيكم بذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/433]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالا بعيدًا (136)}
يأمر اللّه تعالى عباده المؤمنين بالدّخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه، وليس هذا من باب تحصيل الحاصل، بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه. كما يقول المؤمن في كلّ صلاةٍ: {اهدنا الصّراط المستقيم} [الفاتحة: 6] أي: بصّرنا فيه، وزدنا هدى، وثبّتنا عليه. فأمرهم بالإيمان به وبرسوله، كما قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وآمنوا برسوله} [الحديد: 28].
وقوله: {والكتاب الّذي نزل على رسوله} يعني: القرآن {والكتاب الّذي أنزل من قبل} وهذا جنسٌ يشمل جميع الكتب المتقدّمة، وقال في القرآن: {نزل}؛ لأنّه نزل مفرّقًا منجّمًا على الوقائع، بحسب ما يحتاج إليه العباد إليه في معادهم ومعاشهم، وأمّا الكتب المتقدّمة فكانت تنزل جملةً واحدةً؛ ولهذا قال: {والكتاب الّذي أنزل من قبل} ثمّ قال {ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالا بعيدًا} أي: فقد خرج عن طريق الهدى، وبعد عن القصد كلّ البعد). [تفسير القرآن العظيم: 2/434]

رد مع اقتباس