عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 14 محرم 1439هـ/4-10-2017م, 11:33 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

العرضة الأخيرة

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (العرضة الأخيرة
- قال محمد بن سيرين: (كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم في كل شهر رمضان؛ فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه مرتين).

قال: (فيرجى أن تكون قراءتنا هذه على العرضة الأخيرة). رواه سعيد بن منصور عن هشيم عن منصور بن زاذان عن ابن سيرين وهذا إسناد صحيح إلى ابن سيرين.

- وأخرج ابن شبّة في تاريخ المدينة عن عبد الأعلى عن هشام عن ابن سيرين في قصة جمع عثمان وفيه أن محمد بن سيرين قال: فحدثني كثير بن أفلح: أنه كان فيمن يكتب لهم، فكانوا كلما اختلفوا في شيء أخَّروه.
قلت: لم أخروه؟
قال: لا أدري.
قال محمد: فظننت أنا فيه ظنا، ولا تجعلوه أنتم يقينا، ظننت أنهم كانوا إذا اختلفوا في الشيء أخروه حتى ينظروا آخرهم عهداً بالعرضة الأخيرة فكتبوه على قوله).
قال ابن شبّة: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا هشام بنحوه، وزاد: قال محمد: (فأرجو أن تكون قراءتنا هذه آخرتها عهدا بالعرضة الأخيرة).

وهذا الذي قاله ابن سيرين باجتهاده هو المتوجّه؛ لأن ما اتفقوا عليه فلا إشكال فيه؛ فتكون كتابتهم له موافقة للعرضة الأخيرة بإجماعهم، وما اختلفوا فيه فإنَّ تأخيره لأجل أن يجتمعوا له ليكتبوه على وجهه الصحيح وهو ما اقتضته العرضة الأخيرة ولا بدّ، إذ لو كان فيه ما نسخ أو بُدّل لم يكن لهم أن يكتبوه على خلاف العرضة الأخيرة وهم حينئذ متوافرون يشهد بعضهم بصدق بعض.
وإنما كان اختلافهم اختلاف تأريخ واختلاف أحرف لا اختلاف ضبط؛ فاختلاف التاريخ لا بدَّ أن يكون مُعتمدهم فيه ما اقتضته العرضة الأخيرة، وأما اختلاف الأحرف التي يجزئ بعضها عن بعض؛ فقد وقع إجماعهم على ما احتمله رسم المصاحف العثمانية، وترك ما سواها.

- قال البغوي في شرح السنة: (وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: "كانت قراءة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وزيد بن ثابت، والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرءون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه".
وكان على طول أيامه يقرأ مصحف عثمان، ويتخذه إماما)ا.ه.
- وقال: (قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين.
وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت، لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كَتَبَةَ المصاحف رضي الله عنهم أجمعين).
وهذا الأثر عن أبي عبد الرحمن السلمي لم أجده مسنداً، ولعل قوله: (وإنما سميت...) إلخ من كلام البغوي.

- وروى شعبة عن عبد الرحمن بن عابس النخعي أنه قال: حدثنا رجل من همدان من أصحاب عبد الله، وما سماه لنا، قال: لما أراد عبد الله أن يأتي المدينة جمع أصحابه، فقال: (والله إني لأرجو أن يكون قد أصبح اليوم فيكم مِن أفضلِ ما أصبح في أجنادِ المسلمين من الدين والفقهِ والعلمِ بالقرآن، إنَّ هذا القرآنَ أُنزلَ على حُروف، والله إن كان الرجلان ليختصمان أشدَّ ما اختصما في شيء قط، فإذا قال القارئ: هذا أقرأني، قال: "أحسنت"
وإذا قال الآخر، قال: "كلاكما محسن"، فأقرأنا: [إن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار]، واعتبروا ذلك بقول أحدكم لصاحبه: كذب وفجر، وبقوله إذا صدقه: صدقت وبررت.
إن هذا القرآن لا يختلف ولا يستشِنُّ ولا يَتْفَهُ لكثرة الرد، فمن قرأه على حرف فلا يدعْه رغبةً عنه، ومن قرأه على شيء من تلك الحروف التي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يدعه رغبة عنه، فإنه من يجحد بآية منه يجحد به كله، فإنما هو كقول أحدكم لصاحبه: اعجل، وحيَّ هلا، والله لو أعلم رجلا أعلم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم مني لطلبته، حتى أزداد علمه إلى علمي، إنه سيكون قوم يميتون الصلاة، فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم تطوعا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعارَض بالقرآن في كلّ رمضان، وإني عرضت في العام الذي قبض فيه مرتين، فأنبأني أني محسن، وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة). رواه أحمد وابن الضريس ورجاله ثقات معروفون إلا الهمداني الذي أبهمه ابن عابس؛ ورواه عمر بن شبة والبيهقي في شعب الإيمان من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن زبيد بن الحارث اليامي عن عبد الرحمن بن عابس به.
وقد صحب ابنَ مسعود جماعة من الهمدانيين منهم مسروق بن الأجدع ومرة الطيب وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل، وهؤلاء من الأئمة الثقات ومن خاصة أصحاب ابن مسعود؛ وقد يكون المبهم من غيرهم؛ فلا يجزم بحاله، وإن كان قوله بأنه من أصحاب ابن مسعود يشعر بشيء من التزكية مع قرينة كونه من الخاصة الذين جمعهم ابن مسعود، وأكثر ما تضمنه هذا الأثر عن ابن مسعود له شواهد صحيحة.
وقد رواه ابن جرير من طريق عليّ بن أبي عليّ عن علقمة عن ابن مسعود؛ هكذا موصولاً، لكن عليّ بن أبي عليّ هو اللَّهبي القرشي من ولد أبي لهب منكر الحديث.
والشاهد فيه قوله: (وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعارَض بالقرآن في كلّ رمضان، وإني عرضت في العام الذي قبض فيه مرتين، فأنبأني أني محسن).
وهذه الزيادة لها شواهد:
- منها ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام من طريق أيوب، عن ابن سيرين، قال: نبئت أن ابن مسعود، قال: «لو أعلم أنَّ أحدا تبلغنيه الإبل أحدث عهدا بالعرضة الأخيرة مني لأتيته، أو لتكلفت أن آتيه».
- ومنها: ما رواه الإمام أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد والنسائي في الكبرى والحاكم وغيرهم من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أيّ القراءتين تعدون أول؟
قالوا: قراءة عبد الله.
قال: لا، بل هي الآخرة، كان يعرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عام مرة؛ فلما كان العام الذي قبض فيه عرض عليه مرتين، فشهد عبد الله؛ فعلم ما نُسخ وما بُدِّل).
وقد صححه الحاكم وابن حجر، وأعلّه بعضهم بعنعة الأعمش وقد وصف بالتدليس، ولا أرى لهذا الإعلال موجباً؛ إذ لا نكارة في المتن ولا مخالفة توجب المصير إلى إعلاله بهذه العلة، والأعمش من القراء الكبار، وقوله في هذا الباب حجة.
وهذه الآثار متوافقة غير مختلفة يقوّي بعضها بعضاً.
وتفسيرها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد كلّ عرضة يعارضه بها جبريل القرآن يعارض قرّاء أصحابه فيثبتون ما اقتضاه ذلك العرض من الترتيب والإثبات.
فلما كان في العام الذي قبض فيه كان ابن مسعود ممن عارضه النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن.

وقد توهَّم أناسٌ أن العرضة الأخيرة على قراءة زيد وأن قراءة ابن مسعود هي القراءة الأولى وشبهتهم في ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث ابن مسعود إلى العراق معلّماً فكان في العراق بقية خلافة عمر وشطر خلافة عثمان وقد توفي سنة 32هـ وأن زيد بن ثابت كان في المدينة وهو الذي ولاه عثمان كتابة المصاحف وقد علموا أن عثمان جمع الناس على حرف واحد فظنوا أن قراءة ابن مسعود هي القراءة الأولى وأن قراءة زيد هي القراءة الثانية.
وهذا الوهم قديم وقد ردّه ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدّم من رواية أبي ظبيان.
- وقال مسدد بن مسرهد – كما في المطالب العالية وإتحاف الخيرة-: ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن إبراهيم أن ابن عباس سمع رجلا يقول: الحرف الأول؛ فقال ابن عباس: ما الحرف الأول؟!
فقال له الرجل: يا ابن عباس، إن عمر بعث ابن مسعود معلماً إلى أهل الكوفة، فحفظوا من قراءته فغيَّر عثمان القراءة فهم يدعونه: "الحرف الأول".
فقال ابن عباس: إن جبريل كان يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كل رمضان مرة، وإنه عارضه في السنة التي قبض فيها مرتين، وإنه لآخر حرف عرض به النبي صلى الله عليه وسلم جبريل".
- وروى إبراهيم بن مهاجر البجلي عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: أي القراءتين كانت أخيرا، قراءة عبد الله أو قراءة زيد؟
قال: قلنا: قراءة زيد
قال: لا، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان يعرض القرآن على جبرائيل كل عام مرة، فلما كان في العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين، وكانت آخر القراءة قراءة عبد الله). رواه أحمد والبزار والطحاوي والحاكم.
وإبراهيم بن مهاجر ليّن الحديث لا يحتجّ به إذا تفرّد أو خالف لكنَّه معتبر الحديث في الشواهد والمتابعات، وروايته هنا موافقة لما روي في هذا الباب.

قال أبو جعفر الطحاوي: (والاختلاف في هاتين القراءتين في هذا الحرف من أيسر الاختلاف ; لأنا إذا صححنا ما روي في العين التي تغرب فيها الشمس استحق بذلك الحمأ والحرارة جميعا فكانتا من صفاتها وكان من قرأ حامية وصفها بإحدى صفاتها ومن قرأ حمئة وصفها بصفتها الأخرى , وذلك واسع غير ضيق على أحد ممن روى قراءة من هاتين القراءتين).
وقد تقدّم قول ابن مسعود: (فمن قرأه على حرف فلا يدعْه رغبةً عنه، ومن قرأه على شيء من تلك الحروف التي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يدعه رغبة عنه، فإنه من يجحد بآية منه يجحد به كله، فإنما هو كقول أحدكم لصاحبه: اعجل، وحيَّ هلا).
وأبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله الذي ترجع إليه أكثر أسانيد القراءات أخذ القراءة على أبيّ وعثمان وعليّ وابن مسعود وزيد بن ثابت.
وأقرأَ الناس في المسجد الأعظم في الكوفة أربعين سنة، فكانت قراءتهم واحدة ليس فيها من الخلاف إلا نحو ما هو معروف اليوم لدى القراء.
وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عيينة، عن ابن جريج وعن ابن سيرين [هكذا بالعطف] عن عَبيدة قال: «القراءة التي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه هي القراءة التي يقرؤها الناس اليوم فيه».

قال ابن الجزري: (القراءات التي تواترت عندنا عن عثمان وعنه [أي عن عليّ بن أبي طالب] وعن ابن مسعود وأبيّ وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم لم يكن بينهم فيها إلا الخلاف اليسير المحفوظ بين القراء)ا.هـ.

وقد تقدّم قوله: (كانت قراءة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وزيد بن ثابت، والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرءون قراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه)ا.ه.
وهو القائل: (حدثني الذين كانوا يقرءوننا عثمان وابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر فلا يجاوزنها إلى عشر أخرى، حتى يتعلموا ما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا)ا.هـ.

وقال الذهبي في معرفة القراء الكبار: (وقال عبد الواحد بن أبي هاشم: حدثنا محمد بن عبيد الله المقرئ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن، حدثنا أبي حدثنا حفص بن عمر عن عاصم بن بهدلة وعطاء بن السائب، ومحمد بن أبي أيوب الثقفي، وعبد الله بن عيسى بن أبي ليلى، أنهم قرءوا على أبي عبد الرحمن، وذكروا أنه أخبرهم أنه قرأ على عثمان رضي الله عنه عامَّة القرآن، وكان يسأله عن القرآن وكان وليَ الأمرَ فشقَّ عليه، وكان يسأله عن القرآن فيقول: إنك تشغلني عن أمر الناس؛ فعليك بزيد بن ثابت؛ فإنه يجلس للناس ويتفرَّغ لهم ولست أخالفه في شيء من القرآن)ا.هـ.
وروى حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: « عُرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضات؛ فيقولون: إن قراءتنا هذه هي العرضة الأخيرة». رواه البزار والروياني والحاكم واللفظ له وصححه ووافقه الذهبي، وحسَّن الحافظ ابن حجر إسناده.


والمقصود أن قراءة زيد وقراءة ابن مسعود وقراءات غيرهما من الذين أخذت عنهم القراءة واشتهرت من قراء الصحابة رضي الله عنهم كانت على العرضة الأخيرة وأن الخلاف بينهما خلاف أحرف فقط؛ فإنَّ العرضة الأخيرة لم تنسخ الأحرف.
ومن قراء الصحابة من كان يقرأ على حرف، ومنهم من يقرأ على أكثر من ذلك؛ كما دلّ عليه قول ابن مسعود المتقدم.
ومما يدلّ على ذلك أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه من حديث حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر: « أُبيّ أقرؤنا، وإنا لندع من لحن أبيّ، وأبيّ يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أتركه لشيء ».
ولحن أبيّ لُغَته وطريقته في القراءة؛ وهي بعض الأحرف التي قرأ بها مما علّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما ساغ لعمر أن يدع من لحن أبيّ لأنَّ هذه الأحرف يجزئ بعضها عن بعض كما تقدّم بيانه، ومن أظهر الأمثلة على ذلك اختلاف قراءة زيد بن ثابت ومن معه في (التابوت) فكان زيد يقرؤها (التابوه) وقرّاء المهاجرين القرشيين يقرؤونها (التابوت)؛ فرفع اختلافهم إلى عثمان رضوان الله عليه، فقال: «اكتبوه التابوت، فإنه لسان قريش» ؛ فكتبوها بالتاء اختياراً لا ردّا لقراءة زيد.

وقد فُسّر قول عمر (وإنا لندع من لحن أبيّ) أي مما يقرأ به مما نسخت تلاوته، وهو معنى صحيح يوافق ما تقدّم ولا يخالفه؛ لأنَّ قول عمر (وإنا لندع) يشعر بأنَّ عمل قراء الصحابة على ترك القراءة بما نسخت تلاوته وأنهم لم يتابعوا أبيَّ بن كعب في قراءته لما نُسخت تلاوته، وأنَّ ما عليه عمر وجماعة القراء هو السنة المتَّبعة الموافقة للعرضة الأخيرة). [جمع القرآن:53 - 62]


رد مع اقتباس