عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 15 جمادى الأولى 1434هـ/26-03-2013م, 08:51 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى اللّه المؤمنين القتال وكان اللّه قويًّا عزيزًا}.
يقول تعالى ذكره: {وردّ اللّه الّذين كفروا} به وبرسوله من قريشٍ وغطفان {بغيظهم} يقول: بكربهم وغمّهم، بفوتهم ما أمّلوا من الظّفر، وخيبتهم ممّا كانوا طمعوا فيه من الغلبة {لم ينالوا خيرًا} يقول: لم يصيبوا من المسلمين مالاً ولا إسارًا {وكفى اللّه المؤمنين القتال} بجنودٍ من الملائكة والرّيح الّتي بعثها عليهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا} الأحزاب.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا} وذلك يوم أبي سفيان والأحزاب، ردّ اللّه أبا سفيان وأصحابه بغيظهم لم ينالوا خيرًا {وكفى اللّه المؤمنين القتال} بالجنود من عنده والرّيح الّتي بعث عليهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني يزيد بن رومان {وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا} أي قريشٌ وغطفان.
- حدّثني الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ابن أبي ذئبٍ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ، عن عبد الرّحمن بن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن أبيه، قال: حبسنا يوم الخندق عن الصّلاة، فلم نصلّ الظّهر ولا العصر، ولا المغرب ولا العشاء، حتّى كان بعد العشاء بهويٍّ وكفينا، وأنزل اللّه: {وكفى اللّه المؤمنين القتال وكان اللّه قويًّا عزيزًا} فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلالاً، فأقام الصّلاة، وصلّى الظّهر، فأحسن صلاتها، كما كان يصلّيها في وقتها، ثمّ صلّى العصر كذلك، ثمّ صلّى المغرب كذلك، ثمّ صلّى العشاء كذلك، جعل لكلّ صلاةٍ إقامةً، وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف {فإن خفتم فرجالاً أو ركبانًا}.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا ابن أبي فديكٍ، قال: حدّثنا ابن أبي ذئبٍ، عن المقبريّ، عن عبد الرّحمن بن أبي سعيدٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: حبسنا يوم الخندق، فذكر نحوه.
وقوله: {وكان اللّه قويًّا عزيزًا} يقول: وكان اللّه قويًّا على فعل ما يشاء فعله بخلقه، فينصر من شاء منهم على من يشاء، ويخذل من شاء أن يخذله، لا يغلبه غالبٌ؛ {عزيزًا} يقول: هو شديدٌ انتقامه ممّن انتقم منه من أعدائه.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وكان اللّه قويًّا عزيزًا} قويًّا في أمره، عزيزًا في نقمته). [جامع البيان: 19/69-71]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا قال يعني الأحزاب). [تفسير مجاهد: 517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن مردويه عن ابن عباس قال: انزل الله في شأن الخندق وذكر نعمه عليهم وكفايته إياهم عدوهم بعد سوء الظن ومقالة من تكلم من أهل النفاق {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها} وكانت الجنود التي أتت المسلمين، أسد، وغطفان، وسليما، وكانت الجنود التي بعث الله عليهم من الريح الملائكة فقال {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} فكان الذين جاؤهم من فوقهم بني قريظة والذين جاؤهم من أسفل منهم قريشا وأسدا وغطفان فقال: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (11) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} يقول: معتب بن قشير ومن كان معه على رأيه {وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي} يقول أوس بن قيظي ومن كان معه على مثل رأيه {ولو دخلت عليهم من أقطارها} إلى {وإذا لا تمتعون إلا قليلا} ثم ذكر يقين أهل الايمان حين أتاهم الاحزاب فحصروهم وظاهرهم بنو قريظة فاشتد عليهم البلاء فقال: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب} إلى {إن الله كان غفورا رحيما} قال: وذكر الله هزيمة المشركين وكفايته المؤمنين فقال: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم} ). [الدر المنثور: 11/739-740] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا.
أخرج الفريابي، وابن ابي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ورد الله الذين كفروا بغيظهم} قال الأحزاب). [الدر المنثور: 12/13]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله تعالى عنه قي قوله {ورد الله الذين كفروا بغيظهم} قال أبو سفيان وأصحابه {لم ينالوا خيرا} قال لم يصيبوا من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ظفرا وكفى الله المؤمنين القتال انهزموا بالريح من غير قتال). [الدر المنثور: 12/13]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله وكفى {الله المؤمنين القتال} قال بالجنود من عنده والريح التي بعث عليه: {وكان الله قويا} في أمره {عزيزا} في نقمته). [الدر المنثور: 12/13-14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال لما كان يوم الأحزاب حصر النّبيّ صلى الله عليه وأصحابه بضعة عشرة ليلة حتى خلص إلى كل امرى ء منهم الكرب وحتى قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم اللهم أني أنشدك عهدك ووعدك الله إنك إن تشأ لا تعبد فبينما هم على ذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي وكان يأمنه الفريقان جميعا فخذل بين الناس فانطلق الأحزاب منهزمين من غير قتال فذلك قوله {وكفى الله المؤمنين} القتال). [الدر المنثور: 12/14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه قال لما كان يوم الأحزاب ردهم الله {بغيظهم لم ينالوا خيرا} فقال النّبيّ من يحمي أعراض المسلمين قال كعب رضي الله عنه أنا يا رسول الله قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أنا يا رسول الله فقال إنك تحسن الشعر فقال حسان أنا يا رسول الله فقال نعم اهجهم أنت فإنه سيعينك عليهم روح القدس). [الدر المنثور: 12/14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ هذا الحرف {وكفى الله المؤمنين القتال} بعلي بن أبي طالب). [الدر المنثور: 12/14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه وأحمد، وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت يوم الخندق أقفو الناس فاذا أنا بسعد بن معاذ ورماه رجل من قريش يقال له ابن العرقة بسهم فأصاب أكحله فقطعه فدعا الله سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تقرعيني من قريظة وبعث الله الريح على المشركين {وكفى الله المؤمنين القتال} ولحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد رضي الله عنه في المسجد قالت: فجاء جبريل عليه السلام - وان على ثناياه نقع الغبار - فقال: أوقد وضعت السلاح لا والله ما وضعت الملائكة السلاح بعد أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لامته وأذن في الناس بالرحيل: أن يخرجوا فأتاهم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء عليهم فقيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ فنزلوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فأتى به على حمار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احكم فيهم فقال: اني أحكم فيهم، أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم قال: فلقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله). [الدر المنثور: 12/18-19]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى من صياصيهم قال من حصونهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/115]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {صياصيهم} [الأحزاب: 26] : «قصورهم»). [صحيح البخاري: 6/116]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ صياصيهم قصورهم وصله الفريابيّ من طريق بن أبي نجيحٍ عنه قوله معروفًا في الكتاب ثبت هذا للنّسفيّ وحده وقد أخرج عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة عن بن جريجٍ قال قلت لعطاءٍ في هذه الآية إلّا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا فقال هو إعطاء المسلم الكافر بينهما قرابةٌ صلةً له). [فتح الباري: 8/517]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد صياصيهم قصورهم
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 26 الأحزاب {من صياصيهم} قال قصورهم). [تغليق التعليق: 4/282]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ: صياصيهم: قصورهم
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب} (الأحزاب: 26) ، (صياصيهم: قصورهم) وهو جمع صيصة وهي ما يحصن به، ومنه قيل لقرن الثور: صيصية. قوله: (وأنزل الّذين ظاهروهم) ، يعني الّذين عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وهم بنو قريظة). [عمدة القاري: 19/115]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله: ({صياصيهم}) هي (قصورهم) وحصونهم جمع صيصة يقال لكل ما يمتنع به ويتحصن صيصة ومنه قيل لقرن الثور ولشوكة الديك صيصة والصياصي أيضًا شوكة الحاكة وتتخذ من حديد. قال دريد بن الصمة:
كوقع الصياصي في النسيج الممدد). [إرشاد الساري: 7/292]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول الله عز وجل: {صياصيهم} قال: هي الحصون). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 103]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرّعب فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا (26) وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضًا لم تطئوها وكان اللّه على كلّ شيءٍ قديرًا}.
يقول تعالى ذكره: وأنزل اللّه الّذين أعانوا الأحزاب من قريشٍ وغطفان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، وذلك هو مظاهرتهم إيّاهم، وعنى بذلك بني قريظة، وهم الّذين ظاهروا الأحزاب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقوله {من أهل الكتاب} يعني: من أهل التّوراة، وكانوا يهودًا.
وقوله: {من صياصيهم} يعني: من حصونهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب} قال: قريظة، يقول: أنزلهم من صياصيهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب} وهم بنو قريظة، ظاهروا أبا سفيان وراسلوه، فنكثوا العهد الّذي بينهم وبين نبيّ اللّه. قال: فبينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند زينب بنت جحشٍ يغسل رأسه، وقد غسلت شقّه، إذ أتاه جبرائيل صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: عفا اللّه عنك، ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلةً، فانهض إلى بني قريظة، فإنّي قد قطعت أوتارهم، وفتحت أبوابهم، وتركتهم في زلزالٍ وبلبالٍ؛ قال: فاستلأم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ سلك سكّة بني غنمٍ، فاتّبعه النّاس وقد عصب حاجبه بالتّراب؛ قال: فأتاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فحاصروهم وناداهم: يا إخوة القردة، فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فحّاشًا، فنزلوا على حكم ابن معاذٍ، وكان بينهم وبين قومه حلفٌ، فرجوا أن تأخذه فيهم هوادةٌ، وأومأ إليهم أبو لبابة أنّه الذّبح، فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرّسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريّهم، وأنّ عقارهم للمهاجرين دون الأنصار، فقال قومه وعشيرته: آثرت المهاجرين بالعقار علينا؛ قال: فإنّكم كنتم ذوي عقّارٍ، وإنّ المهاجرين كانوا لا عقار لهم. وذكر لنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كبّر وقال: قضى فيكم بحكم اللّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لمّا أصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انصرف عن الخندق راجعًا إلى المدينة والمسلمون، ووضعوا السّلاح، فلمّا كانت الظّهر أتى جبريل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن ابن شهابٍ الزّهريّ: معتجرًا بعمامةٍ من إستبرقٍ، على بغلةٍ عليها رحاله، عليها قطيفةٌ من ديباجٍ؛ فقال: أقد وضعت السّلاح يا رسول اللّه؟ قال: نعم، قال جبريل: ما وضعت الملائكة السّلاح بعد، ما رجعت الآن إلاّ من طلب القوم، إنّ اللّه يأمرك يا محمّد بالسّير إلى بني قريظة، وأنا عامدٌ إلى بني قريظة، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مناديًا، فأذّن في النّاس: إنّ من كان سامعًا مطيعًا فلا يصلّينّ العصر إلاّ في بني قريظة، وقدّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه برايته إلى بني قريظة وابتدرها النّاس، فسار عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه حتّى إذا دنا من الحصون، سمع منها مقالةً قبيحةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منهم، فرجع حتّى لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالطّريق، فقال: يا رسول اللّه، لا عليك ألاّ تدنو من هؤلاء الأخابث، قال: لم؟ أظنّك سمعت لي منهم أذًى، قال: نعم يا رسول اللّه. قال: لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئًا، فلمّا دنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من حصونهم قال: يا إخوان القردة، هل أخزاكم اللّه وأنزل بكم نقمته؟، قالوا: يا أبا القاسم، ما كنت جهولاً؛ ومرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أصحابه بالصّورين قبل أن يصل إلى بني قريظة، فقال: هل مرّ بكم أحدٌ؟ فقالوا: يا رسول اللّه، قد مرّ بنا دحية بن خليفة الكلبيّ على بغلةٍ بيضاء عليها رحاله عليها قطيفة ديباجٍ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ذاك جبرائيل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرّعب في قلوبهم، فلمّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني قريظة؛ نزل على بئرٍ من آبارها في ناحيةٍ من أموالهم يقال لها: بئر أنا، فتلاحق به النّاس، فأتاه رجالٌ من بعد العشاء الآخرة، ولم يصلّوا العصر لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يصلّينّ أحدٌ العصر إلاّ في بني قريظة، فصلّوا العصر بعد العشاء الآخرة فما عابهم اللّه بذلك في كتابه ولا عنّفهم به رسوله.
- والحديث عن محمّد بن إسحاق، عن أبيه، عن معبد بن كعب بن مالكٍ الأنصاريّ، قال: وحاصرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خمسًا وعشرين ليلةً حتّى جهدهم الحصار، وقذف اللّه في قلوبهم الرّعب. وقد كان حييّ بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريشٌ وغطفان وفاءً لكعب بن أسدٍ بما كان عاهده عليه؛ فلمّا أيقنوا بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غير منصرفٍ عنهم حتّى يناجزهم، قال كعب بن أسدٍ لهم: يا معشر يهود، إنّه قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإنّي عارضٌ عليكم خلالاً ثلاثًا، فخذوا أيّها؛ قالوا: وما هنّ؟ قال: نبايع هذا الرّجل ونصدّقه، فواللّه لقد تبيّن لكم إنّه لنبيّ مرسلٌ، وإنّه الّذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التّوراة أبدًا، ولا نستبدل به غيره؛ قال: فإذا أبيتم هذه عليّ، فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثمّ نخرج إلى محمّدٍ وأصحابه رجالاً مصلّتين بالسّيوف، ولم نترك وراءنا ثقلاً يهمّنا حتّى يحكم اللّه بيننا وبين محمّدٍ، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئًا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنتّخذنّ النّساء والأبناء، قالوا: نقتل هؤلاء المساكين، فما خير العيش بعدهم؛ قال: فإذا أبيتم هذه عليّ، فإنّ اللّيلة ليلة السّبت، وإنّه عسى أن يكون محمّدٌ وأصحابه قد أمنوا، فانزلوا لعلّنا أن نصيب من محمّدٍ وأصحابه غرّةً. قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا إلاّ من قد علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك؟ قال: ما بات رجلٌ منكم منذ ولدته أمّه ليلةً واحدةً من الدّهر حازمًا، قال: ثمّ إنّهم بعثوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوفٍ، وكانوا من حلفاء الأوس، نستشيره في أمرنا؛ فأرسله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فلمّا رأوه قام إليه الرّجال، وجهش إليه النّساء والصّبيان يبكون في وجهه، فرقّ لهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمّدٍ؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنّه الذّبح؛ قال أبو لبابة: فواللّه ما زالت قدماي حتّى عرفت أنّي قد خنت اللّه ورسوله؛ ثمّ انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى ارتبط في المسجد إلى عمودٍ من عمده وقال: لا أبرح مكاني حتّى يتوب اللّه عليّ ممّا صنعت، وعاهد اللّه لا يطأ بني قريظة أبدًا ولا يراني اللّه في بلدٍ خنت اللّه ورسوله فيه أبدًا. فلمّا بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خبره، وأبطأ عليه، وكان قد استبطأه، قال: أما إنّه لو كان جاءني لاستغفرت له. أما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالّذي أطلقه من مكانه حتّى يتوب اللّه عليه، ثمّ إنّ ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، وهم نفرٌ من بني هذيلٍ ليسوا من بني قريظة، ولا النّضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عمّ القوم، أسلموا تلك اللّيلة الّتي نزلت فيها قريظة على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وخرج في تلك اللّيلة عمرو بن سعدى القرظيّ، فمرّ بحرس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعليه محمّد بن مسلمة الأنصاريّ تلك اللّيلة؛ فلمّا رآه قال: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدى؛ وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: لا أغدر بمحمّدٍ أبدًا، فقال محمّد بن مسلمة حين عرفه: اللّهمّ لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثمّ خلّى سبيله؛ فخرج على وجهه حتّى بات في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة تلك اللّيلة، ثمّ ذهب، فلا يدرى أين ذهب من أرض اللّه إلى يومه هذا؛ فذكر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شأنه، فقال: ذاك رجلٌ نجّاه اللّه بوفائه، قال: وبعض النّاس كان يزعم أنّه كان أوثق برمةً فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأصبحت رمّته ملقاةً، ولا يدرى أين ذهب، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلك المقالة، فاللّه أعلم. فلمّا أصبحوا، نزلوا على حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتواثبت الأوس، فقالوا: يا رسول اللّه إنّهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت، وقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع، وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه، فسأله إيّاهم عبد اللّه بن أبيّ ابن سلولٍ، فوهبهم له؛ فلمّا كلّمته الأوس، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجلٌ منكم؟ قالوا: بلى، قال: فذاك إلى سعد بن معاذٍ، وكان سعد بن معاذٍ قد جعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في خيمة امرأةٍ من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعةٌ من المسلمين. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قال لقومه حين أصابه السّهم بالخندق: اجعلوه في خيمة رفيدة حتّى أعوده من قريبٍ، فلمّا حكّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بني قريظة، أتاه قومه فاحتملوه على حمارٍ، وقد وطئوا له بوسادةٍ من أدمٍ، وكان رجلاً جسيمًا، ثمّ أقبلوا معه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهم يقولون: يا أبا عمرٍو أحسن في مواليك، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولاّك ذلك لتحسن فيهم؛ فلمّا أكثروا عليه، قال: قد آن لسعدٍ أن لا تأخذه في اللّه لومة لائمٍ، فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل، فنعى إليهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد عن معاذٍ من كلمته الّتي سمع منه؛ فلمّا انتهى سعدٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمين، قال: قوموا إلى سيّدكم، فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عمرٍو، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولاّك مواليك لتحكم فيهم، فقال سعدٌ: عليكم بذلك عهد اللّه وميثاقه، إنّ الحكم فيهم كما حكمت، قال: نعم، قال: وعلى من ههنا في النّاحية الّتي فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو معرضٌ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إجلالاً له، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: نعم، قال سعدٌ: فإنّي أحكم فيهم أن تقتل الرّجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذّراريّ والنّساء.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: فحدّثني محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرّحمن بن عمرو بن سعد بن معاذٍ، عن علقمة بن وقّاصٍ اللّيثيّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لقد حكمت فيهم بحكم اللّه من فوق سبعة أرقعةٍ ثمّ استنزلوا، فحبسهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في دار ابنة الحارث، امرأةٌ من بني النّجّار. ثمّ خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى سوق المدينة، الّتي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثمّ بعث إليهم، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرسالاً، وفيهم عدوّ اللّه حييّ بن أخطب، وكعب بن أسدٍ رأس القوم، وهم ستّ مئةٍ أو سبع مئةٍ، والمكثر منهم يقول: كانوا من الثّمان مائة إلى التّسع مائة، وقد قالوا لكعب بن أسدٍ وهم يذهب بهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أرسالاً: يا كعب، ما ترى ما يصنع بنا؟ فقال كعبٌ: أفي كلّ موطنٍ لا تعقلون؟ ألا ترون الدّاعي لا ينزع، وإنّه من يذهب به منكم فما يرجع، هو واللّه القتل؛ فلم يزل ذلك الدّأب حتّى فرغ منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأتي بحييّ بن أخطب عدوّ اللّه، وعليه حلّةٌ له فقّاحيّةٌ قد شقّقها عليه من كلّ ناحيةٍ كموضع الأنملة أنملةٍ أنملةٍ لئلاّ يسلبها؛ مجموعةٌ يداه إلى عنقه بحبلٍ، فلمّا نظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أما واللّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنّه من يخذل اللّه يخذل؛ ثمّ أقبل على النّاس، فقال: أيّها النّاس، إنّه لا بأس بأمر اللّه، كتاب اللّه وقدره، وملحمةٌ قد كتبت على بني إسرائيل، ثمّ جلس فضربت عنقه؛ فقال جبل بن جوّالٍ الثّعلبيّ:
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه = ولكنّه من يخذل اللّه يخذل
لجاهد حتّى أبلغ النّفس عذرها = وقلقل يبغي العزّ كلّ مقلقل
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير، عن عروة بن الزّبير، عن عائشة، قالت: لم يقتل من نسائهم إلاّ امرأةٌ واحدةٌ، قالت: واللّه إنّها لعندي تحدّث معي وتضحك ظهرًا، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقتل رجالهم بالسّوق، إذ هتف هاتفٌ باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا واللّه. قالت: قلت: ويلك ما لك؟ قالت: أقتل؟ قلت: ولم؟ قالت: حدثٌ أحدثته؛ قالت: فانطلق بها، فضربت عنقها، فكانت عائشة تقول: ما أنسى عجبي منها، طيب نفسٍ، وكثرة ضحكٍ، وقد عرفت أنّها تقتل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني زيد بن رومان، {وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم} والصّياصي: الحصون والآطام الّتي كانوا فيها {وقذف في قلوبهم الرّعب}.
- حدّثنا عمرو بن مالكٍ النكريّ، قال: حدّثنا وكيع بن الجرّاح، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، {من صياصيهم} قال: من حصونهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {من صياصيهم} يقول: أنزلهم من صياصيهم، قال: قصورهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {من صياصيهم} أي من حصونهم وآطامهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم} قال: الصّياصي: حصونهم الّتي ظنّوا أنّها مانعتهم من اللّه تبارك وتعالى.
وأصل الصّياصي: جمع صيصةٍ؛ يقال: وعنى بها ههنا: حصونهم؛ والعرب تقول لطرف الجبل: صيصةٌ؛ ويقال لأصل الشّيء: صيصةٌ؛ يقال: جزّ اللّه صيصة فلانٍ: أي أصله؛ ويقال لشوك الحاكة: صياصي، كما قال الشّاعر:
كوقع الصّياصي في النّسيج الممدّد
وهي شوكتا الدّيك
وقوله: {وقذف في قلوبهم الرّعب} يقول: وألقى في قلوبهم الخوف منكم {فريقًا تقتلون} يقول: تقتلون منهم جماعةً، وهم الّذين قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منهم حين ظهر عليهم {وتأسرون فريقًا} يقول: وتأسرون منهم جماعةً، وهم نساؤهم وذراريّهم الّذين سبوا.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فريقًا تقتلون} الّذين ضربت أعناقهم {وتأسرون فريقًا} الّذين سبوا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني يزيد بن رومان، {فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا} أي قتل الرّجال وسبي الذّراريّ والنّساء، {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} يقول: وملّككم بعد مهلكهم أرضهم، يعني مزارعهم ومغارسهم {وديارهم} يقول: ومساكنهم {وأموالهم} يعني سائر الأموال غير الأرض والدّور). [جامع البيان: 19/71-82]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب يعني قريظة من صياصيهم يعني من قصورهم). [تفسير مجاهد: 517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريق * وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها وكان الله على كل شيء قديرا
أخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب} قال قريظة {من صياصيهم} قال قصورهم). [الدر المنثور: 12/14-15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ضي الله عنهما في قوله {من صياصيهم} قال حصونهم). [الدر المنثور: 12/15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب} قال هم بنو قريظة ظاهروا أبا سفيان وراسلوه ونكثوا العهد الذي بينهم وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم فبينما النّبيّ صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش يغسل رأسه وقد غسلت شقه إذ أتاه جبريل عليه السلام فقال عفا الله عنك ما وضعت الملائكة عليهم السلام سلاحها منذ أربعين ليلة فانهض إلى بني قريظة فإني قد قطعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم وناداهم يا إخوة القردة فقالوا يا أبا القاسم ما كنت فحاشا فنزلوا على حكم سعد بن معاذ وكان بينهم وبين قومه حلف فرجوا أن تأخذه فيهم مودة فأومأ إليهم أبو لبابة فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول} فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقال قومه وعشيرته آثر المهاجرين بالأعقار علينا فقال إنكم كنتم ذوي أعقار وإن المهاجرين كانوا لا أعقار لهم فذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه كبر وقال مضى فيكم بحكم الله). [الدر المنثور: 12/15-16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وقذف في قلوبهم الرعب} قال بصنيع جبريل عليه السلام {فريقا تقتلون} قال الذين ضربت أعناقهم وكانوا أربعمائة مقاتل فقتلوا حتى أتوا على آخرهم {وتأسرون فريقا} قال: الذين سبوا وكانوا فيها سبعمائة سبي). [الدر المنثور: 12/16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن سعيد بن جبير قال: كان يوم الخندق بالمدينة فجاء أبو سفيان بن حرب ومن تبعه من قريش ومن تبعه من كنانة وعيينة بن حصن ومن تبعه من غطفان وطليحة ومن تبعه من بني أسد وأبو الأعور ومن تبعه من بني سليم وقريظة كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوا ذلك وظاهروا المشركين فأنزل الله فيهم {وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم} فأتى جبريل عليه السلام ومعه الريح فقال حين سرى جبريل عليه السلام: ألا أبشروا ثلاثا، فأرسل الله عليهم فهتكت القباب وكفأت القدور ودفنت الرجال وقطعت الاوتاد فانطلقوا لا يلوي أحد على أحد فأنزل الله {إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها} ). [الدر المنثور: 12/17-18]

تفسير قوله تعالى: (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى وأرضا لم تطئوها قال مكة.
قال معمر وقال الحسن فارس والروم). [تفسير عبد الرزاق: 2/115]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني يزيد بن رومان، {فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا} أي قتل الرّجال وسبي الذّراريّ والنّساء، {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} يقول: وملّككم بعد مهلكهم أرضهم، يعني مزارعهم ومغارسهم {وديارهم} يقول: ومساكنهم {وأموالهم} يعني سائر الأموال غير الأرض والدّور.
وقوله: {وأرضًا لم تطئوها} اختلف أهل التّأويل فيها، أيّ أرضٍ هي؟ فقال بعضهم: هي الرّوم وفارس ونحوها من البلاد الّتي فتحها اللّه بعد ذلك على المسلمين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وأرضًا لم تطئوها} قال: قال الحسن: هي الرّوم وفارس، وما فتح اللّه عليهم.
وقال آخرون: هي مكّة.
وقال آخرون: بل هي خيبر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني يزيد بن رومان {وأرضًا لم تطئوها} قال: خيبر.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {وأورثكم أرضهم وديارهم} قال: قريظة والنّضير أهل الكتاب، {وأرضًا لم تطئوها} قال: خيبر.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّه أورث المؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أرض بني قريظة وديارهم وأموالهم، وأرضًا لم يطئوها يومئذٍ ولم تكن مكّة ولا خيبر، ولا أرض فارس والرّوم ولا اليمن، ممّا كانوا وطئوه يومئذٍ، ثمّ وطئوا ذلك بعد، وأورثهموه اللّه، وذلك كلّه داخلٌ في قوله {وأرضًا لم تطئوها} لأنّه تعالى ذكره لم يخصّص من ذلك بعضًا دون بعضٍ.
وقوله: {وكان اللّه على كلّ شيءٍ قديرًا} يقول تعالى ذكره: وكان اللّه على أن أورث المؤمنين ذلك، وعلى نصره إيّاهم، وغير ذلك من الأمور قدرةً، لا يتعذّر عليه شيءٌ أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيءٍ حاول فعله). [جامع البيان: 19/82-83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} قال: قريظة والنضير أهل الكتاب {وأرضا لم تطؤوها} قال: خيبر، فتحت بعد قريظة). [الدر المنثور: 12/16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وأرضا لم تطؤوها} قال: كنا نحدث أنها مكة وقال الحسن رضي الله عنه: هي أرض الروم وفارس وما فتح عليهم). [الدر المنثور: 12/17]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وأرضا لم تطؤوها} قال: يزعمون أنها خيبر ولا أحسبها إلا كل أرض فتحها الله على المسلمين أو هو فاتحها إلى يوم القيامة). [الدر المنثور: 12/17]


رد مع اقتباس