الموضوع: سورة الممتحنة
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 4 ربيع الثاني 1434هـ/14-02-2013م, 01:08 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي


قال الله تعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (أولاهن قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين...} [8 / الممتحنة / 60] الآية نسخت بقوله تعالى: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم...} الآية [9 / الممتحنة / 60] وهذا مما نسخ فيه العموم بتفسير الخصوص) [الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 59-60]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (أولاهنّ قوله تعالى {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم} [الممتحنة: 8]
لأهل العلم فيها أربعة أقوالٍ
منهم من قال: هي منسوخةٌ
ومنهم من قال: هي مخصوصةٌ في الّذين آمنوا ولم يهاجروا
ومنهم من قال: هي في حلفاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومن بينه وبينه عهدٌ لم يقضه
ومنهم من قال: هي عامّةٌ محكمةٌ
فممّن قال: هي منسوخةٌ قتادة
قال أبو جعفرٍ: كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله تعالى {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم} [الممتحنة: 8] قال: " نسخها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]
والقول الثّاني قول مجاهدٍ قال:
« {والّذين لم يقاتلوكم في الدّين} الّذين آمنوا وأقاموا بمكّة ولم يهاجروا»
والقول الثّالث قول أبي صالحٍ قال: «هم خزاعة»
وقال الحسن: «هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد منافٍ» {أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم} [الممتحنة: 8] قال: توفّوا لهم بالعهد الّذي بينكم وبينهم
والقول الرّابع: إنّها عامّةٌ محكمةٌ قولٌ حسنٌ بيّنٌ وفيه أربع حججٍ منها: أنّ ظاهر الآية يدلّ على العموم
ومنها: أنّ الأقوال الثّلاثة مطعونٌ فيها،؛ لأنّ قول قتادة إنّها منسوخةٌ قد ردّ عليه؛ لأنّ مثل هذا ليس بمحظورٍ، وأنّ قوله تعالى {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] ليس بعامٍّ لجميع المشركين ولا هو على ظاهره فيكون كما قال قتادة وإنّما هو مثل قوله تعالى {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] ثمّ ثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم القطع في ربع دينارٍ فصاعدًا فصارت الآية لبعض السّرّاق؛ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المبيّن عن اللّه جلّ ثناؤه فكذا {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] قد خرج أهل الكتاب إن أدّوا الجزية، وخرج منه الرّسول بسنّة النّبيّ
صلّى الله عليه وسلّم كما قال أبو وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: كنت عند رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى وافاه رسولان من مسيلمة فقال لهما: «أتشهدان أنّي رسول اللّه؟» فقالا أتشهد أنت أنّ مسيلمة رسول اللّه؟ فقال: «آمنت باللّه وبرسوله لولا أنّ الرّسول لا يقتل لقتلتكما»
ونهى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن قتل العسيف " فهذا كلّه خارجٌ من الآية
وقد علم أنّ المعنى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] على ما أمرتم فلا يمتنع أن يكون ما أمرنا به من الإقساط إليهم وهو العدل فيهم، ومن برّهم أي: الإحسان إليهم بوعظهم، أو غير ذلك من الإحسان ثابتًا
فمن ذلك أنّه قد أجمع العلماء: أنّ العدوّ إذا بعد وجب أن لا يقاتل حتّى يدعى ويعرض عليه الإسلام فهذا من الإحسان إليهم والعدل فيهم
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه، أنّه كان إذا غزا قومًا إلى بلاد الرّوم أمرهم ألا يقاتلوا حتّى يدعوا من عزموا على قتاله إلى الإسلام
فهذا قول مالك بن أنسٍ في كلّ من عزم على قتاله وهو مرويّ عن حذيفة وقول الحسن، والنّخعيّ، وربيعة، والزّهريّ، واللّيث بن سعدٍ أنّه: لا يدعى
من بلغته الدّعوة وهو قول الشّافعيّ، وأحمد، وإسحاق
والقول الثّاني: إنّها مخصوصةٌ في المؤمنين الّذين لم يهاجروا مطعونٌ فيه؛ لأنّ أوّل السّورة {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} [الممتحنة: 1] والكلام متّصلٌ فليس من آمن ولم يهاجر يكون عدوًّا للّه وللمؤمنين
والقول الثّالث يردّ بهذا فصحّ القول الرّابع
وفيه من الحجّة أيضًا أنّ برّ المؤمن من بينه وبينه نسبٌ أو قرابةٌ من أهل الحرب غير منهيّ عنه ولا محرمٌ؛ لأنّه ليس في ذلك تقويةٌ له ولا لأهل دينه بسلاحٍ ولا كراعٍ ولا فيه إظهار عورةٍ للمسلمين
والحجّة الرّابعة: أن تفسير الآية إذا جاء عن صحابيٍّ لم يسع أحدًا مخالفته ولا سيّما إذا كان مع قوله توقيفٌ بسبب نزول الآية
قال أبو جعفرٍ: وقد وجدنا هذا حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال:
حدّثنا إسماعيل بن يحيى، قال: حدّثنا محمّد بن إدريس، عن أنس بن عياضٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء ابنة أبي بكرٍ، قالت: قدمت عليّ أمّي وهي مشركةٌ في عهد قريشٍ إذ عاهدوا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فاستفتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللّه إنّ أمّي قدمت عليّ وهي مشركةٌ أفأصلها؟ قال: «نعم صلّي أمّك»
حدّثنا أحمد بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأصبهانيّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن الحجّاج، قال: حدّثني عبد اللّه بن المبارك، عن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزّبير، عن عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه، قال: " قدمت قتيلة ابنة العزّى بن أسعد على ابنتها أسماء ابنة أبي بكرٍ بهدايا: سمنٍ وتمرٍ وقرظٍ، فأبت أن تقبلها ولم تدخلها منزلها فسألت لها عائشة عن ذلك
فنزلت {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم} [الممتحنة: 8]"
قال أبو جعفرٍ: فقد بان ما قلنا بهذين الحديثين وبما ذكرناه من الحجج ).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 3/66-81]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الأولى قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم} نسخها الله تعالى بما بعدها وهو قوله تعالى {إنّما ينهاكم الله عن الّذين قاتلوكم في الدّين} ونسخ معنى الآيتين بآية السّيف).[الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 176]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} الآية:
قال قتادة: هي منسوخة بقوله تعالى: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}، فهم جميعهم.
وقيل: هي منسوخة بقوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} إلى قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية}.
وقال ابن زيد: نسخها قوله: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} الآية.
وقال مجاهد: هي محكمة غير منسوخة، لكنها مخصوصة يراد بها الذين لم يقاتلوا المؤمنين وآمنوا وأقاموا بمكة ولم يهاجروا.
وقال الحسن: هي محكمة غير مخصوصة نزلت في قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، وهم خزاعة وبنو عبد الحارث بن عبد مناف: أمر الله المسلمين أن يوفوا لهم بالعهد وأن يبروهم.
ومما يدل على أنها محكمة أن قوله تعالى: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ليس بعام في كل مشرك لأن أهل الكتاب من المشركين قبل أن يعطوا الجزية؛ إذ قد وصفهم الله بصفات المشركين في قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} الآية فقال فيها: {من الذين أوتوا الكتاب}، وقال عنهم: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم}، أي واتخذوا المسيح ابن مريم ربا ولا شرك أعظم من اتخاذ رب دون الله، فإذا كانت الآية في قتل المشركين حيث وجدوا غير عامة جاز خروج هذه الآية منها أيضا، فقوله: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} مخصص ومبين بقوله: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} في أهل الكتاب؛ إذ هم من المشركين ومخصص أيضا ومبين بقوله: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} الآية فهي إذا محكمة مخصوصة في قوم آمنوا ولم يهاجروا، أو في قوم لهم عهد على ما ذكرنا، وهي أيضا مخصصة بآية براءة فهي غير منسوخة) [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 431-437]

قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الأولى والثّانية: قوله تعالى: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} الآية وقوله: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين} الآية.
زعم قومٌ أنّ هذا عامٌّ في جميع الكفّار، وأنّه منسوخ بآية السيف.
أخبرنا بن ناصر، قال: بنا ابن أيّوب، قال: أبنا ابن شاذان قال: أبنا أبو بكرٍ النّجّاد، قال: أبنا أبو داود، قال: بنا محمد بن عبيد، قال: بنا محمّد ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} قال نسختها: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقال غيره: معنى الآيتين منسوخٌ بآية السّيف.
قال أبو جعفر ابن جريرٍ الطّبريّ لا وجه
لادّعاء النّسخ، لأنّ برّ المؤمنين للمحاربين سواء كانوا قرابةً أو غير قرابةٍ غير محرّمٍ إذا لم يكن في ذلك تقويةً لهم على الحرب بكراعٍ أو سلاحٍ أو دلالةٍ لهم على عورة
أهل الإسلام. ويدلّ على ذلك - حديث أسماء بنت أبي بكرٍ رضي اللّه عنها "لمّا قدمت عليها أمّها قتيلة بنت عبد العزّى المدينة بهدايا فلم (تقبل) هداياها ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن تدخلها منزلها وتقبل هديّتها وتكرمها وتحسن إليها"). [نواسخ القرآن: 485-491]

قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الأولى والثانية:{لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} وقوله {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين} قال قتادة نسخت بآية السيف وقال ابن جرير لا وجه للنسخ لأن بر المؤمنين للمحاربين إذا لم يكن فيه تقوية على الحرب أو دلالة على الإسلام جائز0). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 56]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة الامتحان: قوله عز وجل: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين..} إلى قوله: {.. إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة: 8]، قال هبة الله: هي منسوخة بما بعدها، وهو قوله عز وجل: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم} الآية [الممتحنة: 9] وهذا كلام ساقط؛ لأن الآية الأولى معناها: جواز الإحسان والبر من المسلمين إلى أقاربهم المشركين الذين لم يقاتلوا ولم يعاونوا من قاتل ولم يخرجوا المسلمين من مكة ولم بساعدوا على ذلك من أراده.والثانية في منع البر والصلة إلى من هو على خلاف الصفة الأولى. فالأولى في قوم والثانية في قوم آخرين، فكيف تكون ناسخة لها.
قال الحسن وغيره في المذكورين في الآية الأولى: هم خزاعة كانوا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه ولم ينقضوا عهدهم، فالآية على هذا محكمة.
وقال مجاهد: هي في الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا، أباح الله للمهاجرين أن يبروهم، والقول الأول أقوى، وهي على هذا أيضا محكمة غير منسوخة.
وقال قتادة وابن زيد: هي منسوخة بآية السيف، ولا يصح ما قالا.
وقد قال جماعة من العلماء: هي محكمة، عامة في كل مسلم بينه وبين مشرك قرابة فبره جائز
) [جمال القراء:1/379]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس