عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:28 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره إنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيمٍ}.
أقسم ربّنا جلّ ثناؤه للمخاطبين بهذه الآية أنّه أرسل نوحًا إلى قومه منذرهم بأسه، ومخوّفهم سخطه على عبادتهم غيره، فقال لمن كفر منهم: {يا قوم اعبدوا اللّه} الّذي له العبادة، وذلّوا له بالطّاعة واخضعوا له بالاستكانة، ودعوا عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، فإنّه ليس لكم معبودٌ يستوجب عليكم العبادة غيره، فإنّي أخاف عليكم إن لم تفعلوا ذلك {عذاب يومٍ عظيمٍ}، يعني: عذاب يومٍ يعظم فيه بلاؤكم بمجيئه إيّاكم بسخط ربّكم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {غيره}، فقرأ ذلك بعض أهل المدينة والكوفة: (ما لكم من إله غيره) يخفض (غير) على النّعت لإلهٍ.
وقرأ جماعةٌ من أهل المدينة والبصرة والكوفة: {ما لكم من إلهٍ غيره} برفع (غير)، ردّ الهاء على موضع (من) لأنّ موضعها رفعٌ لو نزعت من الكلام لكان الكلام رفعًا، وقيل: ما لكم إلهٌ غير اللّه، فالعرب لمّا وصفت من أنّ المعلوم بالكلام أدخلت (من) فيه أو أخرجت، وأنّها تدخلها أحيانًا في مثل هذا من الكلام وتخرجها منه أحيانًا تردّ ما نعتت به الاسم الّذي عملت فيه على لفظه أحيانًا، وعلى معناه أحيانًا؛ لما وصفت.
وقد زعم بعضهم أنّ (غير) إذا خفضت فعلى كلامٍ واحدٍ، لأنّها نعتٌ لإلهٍ، وأمّا إذا رفعت فعلى كلامين: ما لكم غيره من إلهٍ، وهذا قولٌ يستضعفه أهل العربيّة). [جامع البيان: 10/ 260]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره إنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيمٍ (59)}
قوله تعالى: {لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن الفضل بن أبي سويدٍ، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنسٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«أوّل نبيٍّ أرسل نوحٌ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- وأخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني سلمة بن عليٍّ، عن سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة: أنّ نوحًا بعث من الجزيرة.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة بن الفضل، حدّثني محمّد بن إسحاق قال: كان من حديث نوحٍ وحديث قومه فيما قصّ اللّه على لسان نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وما يذكر أهل الكتاب من أهل التّوراة، وما حفظ من الأحاديث عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، وعن عبيد بن عميرٍ أنّ اللّه بعث نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى اللّه، وقد فشت في الأرض المعاصي، وكثرت فيها الجبابرة، وعتوا على اللّه عتوًّا كبيرًا، وكان نوحٌ فيما يذكر أهل العلم حليمًا صبورًا لم يلق نبيّ من قومه من البلايا أكثر ممّا لقي إلا نبيّ قتل.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي صالحٍ قال: أرسل. بعث.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عبد اللّه بن عمر القرشيّ، ثنا عبّاد بن كليبٍ أبو غسّان اللّيثيّ، ثنا مسلم أبو عبد اللّه العبّادانيّ، عن يزيد الرّقاشيّ قال: إنّما سمّي نوحٌ لطول ما ناح على نفسه.
قوله تعالى: {فقال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره}
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {اعبدوا}؛ أي وحّدوا.
قوله تعالى: {إنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيمٍ}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: عذاب يقول: نكالٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1504-1505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن عساكر عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«أول نبي أرسل نوح».
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم، وابن عساكر عن يزيد الرقاشي قال: إنما سمي نوح عليه السلام نوحا لطول ما ناح على نفسه
- وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: إنما سمي نوحا لأنه كان ينوح على نفسه.
- وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن مقاتل وجويبر، أن آدم حين كبر ورق عظمه قال: يا رب إلى متى أكد وأسعى قال: يا آدم حتى يولد لك ولد مختون، فولد له نوح بعد عشرة أبطن وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاما فكان نوح بن لامك بن متوشلخ بن ادريس وهو أخنوخ بن يرد بن مهلايبل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وكان اسم نوح السكن وإنما سمي نوح السكن لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه فهو أبوهم وإنما سمي نوحا لأنه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله فإذا كفروا بكى وناح عليهم.
- وأخرج ابن عساكر عن وهب قال: كان بين نوح وآدم عشرة آباء وكان بين إبراهيم ونوح عشرة آباء.
- وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق.
- وأخرج ابن عساكر عن نوف الشامي قال: خمسة من الأنبياء من العرب، محمد ونوح وهود وصالح وشعيب عليهم الصلاة والسلام.
- وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس، أن نوحا بعث في الألف الثاني وأن آدم لم يمت حتى ولد له نوح في آخر الألف الأول وكان قد فشت فيهم المعاصي وكثرت الجبابرة وعتوا عتوا كبيرا وكان نوح يدعوهم ليلا ونهارا سرا وعلانية صبورا حليما ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه ويضرب في المجالس ويطرد وكان لا يدع على ما يصنع به أن يدعوهم ويقول: يا رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون فكان لا يزيدهم ذلك إلا فرارا منه حتى إنه ليكلم الرجل منهم فيلف رأسه بثوبه ويجعل أصابعه في أذنيه لكيلا يسمع شيئا من كلامه فذلك قول الله: {جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم} [نوح: 7] ثم قاموا من المجلس فأسرعوا المشي وقالوا: امضوا فإنه كذاب، واشتد عليه البلاء وكان ينتظر القرن بعد القرن والجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلا وهو أخبث من الأول وأعتى من الأول ويقول الرجل منهم: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا فلم يزل هكذا مجنونا وكان الرجل منهم إذا أوصى عند الوفاة يقول لأولاده: احذروا هذا المجنون فإنه قد حدثني آبائي: إن هلاك الناس على يدي هذا، فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم حتى أن كان الرجل ليحمل ولده على عاتقه ثم يقف به وعليه فيقول: يا بني إن عشت ومت أنا فاحذر هذا الشيخ فلما طال ذلك به وبهم {قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [هود: 32].
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن عساكر عن قتادة: أن نوحا بعث من الجزيرة وهودا من أرض الشحر أرض مهرة وصالحا من الحجر ولوطا من سدوم وشعيبا من مدين ومات إبراهيم وآدم وإسحاق ويوسف بأرض فلسطين وقتل يحيى بن زكريا بدمشق.
- وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: كانوا يضربون نوحا حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم، وابن عساكر من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير قال: إن كان نوحا ليضربه قومه حتى يغمى عليه ثم يفيق فيقول: اهد قومي فإنهم لا يعلمون وقال شقيق: قال عبد الله: لقد رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يحكي نبيا من الأنبياء وهو يقول:
«اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».
- وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبيد بن عمير الليثي، نحوه.
- وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: كان قوم نوح يخنقونه حتى تترقى عيناه فإذا تركوه قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم جهلة.
- وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم، وابن ماجة عن ابن مسعود قال كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء قد ضربه قومه وهو يمسح الدم عن جبينه ويقول:
«اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي مهاجر الرقي قال: لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما في بيت من شعر فيقال له: يا نبي الله ابن بيتا، فيقول: أموت اليوم وأموت غدا.
- وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن وهيب بن الورد قال: بنى نوحا بيتا من قصب فقيل له: لو بنيت غير هذا فقال: هذا كثير لمن يموت.
- وأخرج ابن أبي الدنيا والعقيلي، وابن عساكر والديلمي عن عائشة مرفوعا:
«نوح كبير الأنبياء لم يخرج من خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني طعمه وأبقى في منفعته».
وأخرج من أذاه.
- وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن مسعود قال: بعث الله نوحا فما أهلك أمته إلا الزنادقة ثم نبي فنبي والله لا يهلك هذه الأمة إلا الزنادقة
وأخرج أبو الشيخ عن سعد بن حسن قال: كان قوم نوح عليه السلام يزرعون في الشهر مرتين وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها في آخره.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: ما عذب قوم نوح حتى ما كان في الأرض سهل ولا جبل إلا له عامر يعمره وحائز يحوزه.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أن أهل السهل كان قد ضاق بهم وأهل الجبل حتى ما يقدر أهل السهل أن يرتقوا إلى الجبل ولا أهل الجبل أن ينزلوا إلى أهل السهل في زمان نوح. قال: حسوا.
- وأخرج أبو نعيم في الحلية، وابن عساكر عن وهب بن منبه قال: كان نوح أجمل أهل زمانه وكان يلبس البرقع فأصابتهم مجاعة في السفينة فكان نوح إذا تجلى بوجهه لهم شبعوا.
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر عن ابن عباس قال لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي عسفان فقال:
«لقد مر بهذا الوادي هود وصالح ونوح على بكرات حمر خطمها الليف أزرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق».
- وأخرج ابن عساكر عن ابن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى وصام داود نصف الدهر وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر».
- وأخرج البخاري في الأدب المفرد والبزار والحاكم، وابن مردويه والبيهقي والصفات عن عبد الله بن عمرو أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«إن نوحا لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاصر عليك الوصية آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين آمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعن في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء وأنهاك عن الشرك والكبر».
- وأخرج ابن أبي شيبة، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ألا أعلمكم ما علم نوح ابنه قالوا: بلى قال: قال آمرك أن تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فإن السموات لو كانت في كفة لرجحت بها ولو كانت حلقة قصمتها وآمرك بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق وبها يرزق الخلق»). [الدر المنثور: 6/ 435-444]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال الملأ من قومه إنّا لنراك في ضلالٍ مبينٍ}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن جواب مشركي قوم نوحٍ لنوحٍ، وهم الملأ والملأ: الجماعة من الرّجال لا امرأة فيهم أنّهم قالوا له حين دعاهم إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له: {إنّا لنراك} يا نوح {في ضلالٍ مبينٍ}، يعنون: في أمرٍ زائلٍ عن الحقّ، مبينٌ زواله عن قصد الحدّ لمن تأمّله). [جامع البيان: 10/ 261]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال الملأ من قومه إنّا لنراك في ضلالٍ مبينٍ (60)}
قوله تعالى: {قال الملأ من قومه إنّا لنراك}
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: {قال الملأ}؛ يعني الأشراف من قومه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك: {قال الملأ}، يعني الأشراف من قومه). [الدر المنثور: 6/ 444]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال يا قوم ليس بي ضلالةٌ ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين}.
يقول تعالى ذكره: قال نوحٌ لقومه مجيبًا لهم: يا قوم، لم آمركم بما أمرتكم به من إخلاص التّوحيد للّه وإفراده بالطّاعة دون الأنداد والآلهة زوالاً منّي عن محجّة الحقّ وضلالاً لسبيل الصّواب، وما بي ما تظنّون من الضّلال، ولكنّي رسولٌ إليكم من ربّ العالمين بما أمرتكم به من إفراده بالطّاعة والإقرار له بالوحدانيّة والبراءة من الأنداد والآلهة). [جامع البيان: 10/ 261]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال يا قوم ليس بي ضلالةٌ ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين (61)}
قوله تعالى: {قال يا قوم ليس بي ضلالةٌ}
- حدّثني محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة بن الفضل، حدّثني محمّد بن إسحاق، عن من لا يتّهم، عن عبيد بن عميرٍ اللّيثيّ أنّه كان يحدّث أنّه بلغه أنّهم كانوا يبطشون به يعني نوحًا فيخنقونه حتّى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: اللّهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون حتّى إذا تمادوا في المعصية، وعظمت فيهم في الأرض الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشّأن، واشتدّ عليه منهم البلاء، وانتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرنٌ إلا كان أخبث من الّذي كان قبله حتّى كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا، هكذا مجنونًا لا يقبلون منه شيئًا حتّى شكا ذلك من أمرهم نوحٌ عليه الصّلاة والسّلام إلى اللّه عزّ وجلّ وقال: كما قصّ اللّه علينا في كتابه.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، ثنا ابن زيدٍ يعني عبد الرّحمن قال: ما عذّب قوم نوحٍ حقّ ما كان في الأرض سهلٌ ولا جبلٌ إلا له عامرٌ يعمره وحائز يحوزه.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، حدّثني مالكٌ، عن زيد بن أسلم. أنّ أهل السّهل كان قد ضاق بهم وأهل الجبل حتّى ما يقدر أهل السّهل أن يرتقوا إلى الجبل ولا أهل الجبل أن ينزلوا إلى أهل السّهل في زمان نوحٍ قال: حشوا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1505-1506]

تفسير قوله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أبلّغكم رسالات ربّي وأنصح لكم وأعلم من اللّه ما لا تعلمون}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن نبيّه نوحٍ عليه السّلام أنّه قال لقومه الّذين كفروا باللّه وكذّبوه: ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين أرسلني إليكم، فأنا أبلّغكم رسالات ربّي، وأنصح لكم في تحذيري إيّاكم عقاب اللّه على كفركم به وتكذيبكم إيّاي وردّكم نصيحتي. {وأعلم من اللّه ما لا تعلمون}: من أنّ عقابه لا يردّ عن القوم المجرمين). [جامع البيان: 10/ 262]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أبلّغكم رسالات ربّي وأنصح لكم وأعلم من اللّه ما لا تعلمون (62)}
قوله تعالى: {أبلّغكم رسالات ربّي}
- حدّثني محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا بن الفضل حدّثني محمّد بن إسحاق قال: كان من حديث نوحٍ وحديث قومه ممّا يذكر أهل العلم أنّه كان حليمًا صبورًا لم يلق نبيّ من قومه من البلايا أكثر ممّا لقي إلا نبيّ قتل وكان يدعوهم كما قال اللّه: ليلاً ونهارًا، سرًّا وجهارًا بالنّصيحة لهم، فلم يزدهم ذلك منه إلا فرارًا، حتّى إنّه ليكلّم الرّجل منهم فيلفّ رأسه بثوبه، ويجعل أصابعه في أذنيه لئلا يسمع شيئًا من قوله). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1506]

تفسير قوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم على رجلٍ منكم لينذركم ولتتّقوا ولعلّكم ترحمون}.
وهذا أيضًا خبرٌ من اللّه عزّ ذكره عن قيل نوحٍ لقومه أنّه قال لهم إذ ردّوا عليه النّصيحة في اللّه، وأنكروا أن يكون اللّه بعثه نبيًّا، وقالوا له: {ما نراك إلاّ بشرًا مثلنا وما نراك اتّبعك إلاّ الّذين هم أراذلنا بادي الرّأي وما نرى لكم علينا من فضلٍ بل نظنّكم كاذبين}: {أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم} يقول: أوعجبتم أن جاءكم تذكيرٌ من اللّه وعظةٌ، يذكّركم بما أنزل ربّكم على رجلٍ منكم. قيل: معنى قوله: {على رجلٍ منكم} مع رجلٍ منكم، {لينذركم} يقول: لينذركم بأس اللّه، ويخوّفكم عقابه على كفركم به. {ولتتّقوا} يقول: وكي تتّقوا عقاب اللّه وبأسه، بتوحيده وإخلاص الإيمان به والعمل بطاعته. {ولعلّكم ترحمون} يقول: وليرحمكم ربّكم إن اتّقيتم اللّه وخفتموه وحذرتم بأسه.
وفتحت الواو من قوله: {أوعجبتم} لأنّها واو عطفٍ دخلت عليها ألف استفهامٍ). [جامع البيان: 10/ 262]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم على رجلٍ منكم لينذركم ولتتّقوا ولعلّكم ترحمون (63)}
قوله تعالى: {ولعلّكم ترحمون}
- أخبرنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ في قوله: {ولعلّكم ترحمون}؛ لكي ترحمون فلا تعذّبون). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن السدي {أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم} قال: بيان من ربكم). [الدر المنثور: 6/ 444]

تفسير قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فكذّبوه فأنجيناه والّذين معه في الفلك وأغرقنا الّذين كذّبوا بآياتنا إنّهم كانوا قومًا عمين}.
يقول تعالى ذكره: فكذّب نوحًا قومه، إذ أخبرهم أنّه للّه رسولٌ إليهم يأمرهم بخلع الأنداد والإقرار بوحدانيّة اللّه والعمل بطاعته، وخالفوا أمر ربّهم ولجّوا في طغيانهم يعمهون، فأنجاه اللّه في الفلك والّذين معه من المؤمنين به. وكانوا بنوحٍ عليه السّلام ثلاث عشرة.
- فيما حدّثني به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: نوحٌ وبنوه الثّلاثة: سامٌ، وحامٌ، ويافث، وأزواجهم، وستّة أناسيّ ممّن كان آمن به وكان حمل معه في الفلك من كلّ زوجين اثنين، كما قال تبارك وتعالى: {ومن آمن وما آمن معه إلاّ قليلٌ}، والفلك: هو السّفينة.
{وأغرقنا الّذين كذّبوا بآياتنا}؛ يقول: وأغرق اللّه الّذين كذّبوا بحججه ولم يتّبعوا رسله ولم يقبلوا نصيحته إيّاهم في اللّه بالطّوفان. {إنّهم كانوا قومًا عمين} يقول: عمين عن الحقّ.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {عمين}؛ قال: عن الحقّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {قومًا عمين} قال: العمّيّ: العامي عن الحقّ). [جامع البيان: 10/ 263-264]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فكذّبوه فأنجيناه والّذين معه في الفلك وأغرقنا الّذين كذّبوا بآياتنا إنّهم كانوا قومًا عمين (64)}
قوله تعالى: {فكذّبوه فأنجيناه والّذين معه في الفلك}
- حدّثنا أبي، ثنا المؤمّل بن إهابٍ، ثنا زيد بن حبابٍ، ثنا الحسين بن واقدٍ، عن أبي نهيكٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان مع نوحٍ في السّفينة ثمانون رجلاً أحدهم جرهم.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ قال: بلغني، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: كان في سفينة نوحٍ ثمانون رجلا أحدهم جرهمٌ، وكان لسانه عربيًّا.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة قال: فحدّثني محمّد بن إسحاق، عن الحسن بن دينارٍ، عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن عبد اللّه بن العبّاس قال: سمعته يقول: أوّل ما حمل نوحٌ في السّفينة من الدّوابّ الذّرة وآخر ما حمل الحمار، فلمّا دخل الحمار، دخل، صدره فتعلّق إبليس بذنبه فلا تستعل رجلاه، فجعل نوحٌ يقول: ويحك ادخل ينهض فلا يستطيع، حتّى قال نوحٌ: ويحك ادخل وإن كان الشّيطان معك، قال، كلمةً زلّت على لسانه.
قوله تعالى: {وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا}
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا أبو زهيرٍ، عن رجلٍ من أصحابه قال: بلغني أنّ قوم نوحٍ عاشوا في ذلك الغرق أربعين يومًا.
- حدّثني محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة قال حدّثني محمّد بن إسحاق قال: فلقد غرقت الأرض وما فيها وانتهى الماء إلى ما انتهى إليه، وما جاوز الماء ركبته، ودأب الماء حين أرسله خمسين ومائة كما يزعم أهل التّوراة فكان بين أن أرسل اللّه الطّوفان، وبين أن غاض الماء ستّة أشهرٍ وعشر ليالٍ، ولمّا أراد اللّه أن يكفّ ذلك أرسل اللّه ريحًا على وجه الماء فسكن الماء، واشتدّت ينابيع الأرض الغمر الأكبر وأبواب السّماء، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر فكان استواء الفلك على الجوديّ فيما يزعم أهل التّوراة في الشّهر السّابع لسبع عشرة ليلةٍ مضت منه، وفي أوّل يومٍ من الشّهر العاشر رأى رؤوس الجبال، فلمّا مضى بعد ذلك أربعون يومًا فتح نوحٌ عليه الصّلاة والسّلام كوّة الفلك الّتي صنع فيها، ثمّ أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء فلم يرجع إليه، فأرسل الحمامة فرجعت إليه، فلم يجد لرجلها موضعًا فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها، فمكث سبعة أيّامٍ ثمّ أرسلها لتنظر له فرجعت إليه حين أمست وفي فمها ورقة زيتونةٍ، فعلم نوحٌ أنّ الماء قد قلّ، عن وجه الأرض، ثمّ مكث سبعة أيّامٍ ثمّ أرسلها فلم ترجع إليه فعلم نوحٌ أنّ الأرض قد برزت
قوله تعالى: {إنّهم كانوا قومًا عمين}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {إنّهم كانوا قومًا عمين} قال: كفارا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إنّهم كانوا قومًا عمين}؛ قال: عن الحقّ.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ، أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرنا عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه عطاءٍ: {إنّهم كانوا قومًا عمين} فعماة، عن الخير
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدسيّ، ثنا حصين بن نميرٍ، ثنا سفيان بن حسينٍ: {إنّهم كانوا قومًا عمين}؛ قال: أعموا، عن ذلك الشّيء ليسوا عمي إنّما هم عموا عنه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1506-1508]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، في قوله: {إنهم كانوا قوما عمين}؛ قال: يعني عمين عن الحق). [تفسير مجاهد: 239]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس: {إنهم كانوا قوما عمين} قال: كفارا.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد: {إنهم كانوا قوما عمين}؛ قال: عن الحق). [الدر المنثور: 6/ 444-445]


رد مع اقتباس