عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:02 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}


قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معشر، عن محمّد بن كعب - في قوله عزّ وجلّ: {أومن كان ميتًا فأحييناه} - يقول: أو من كان كافرًا فهديناه). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 86]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها}.
وهذا الكلام من اللّه جلّ ثناؤه يدلّ على نهيه المؤمنين برسوله يومئذٍ عن طاعة بعض المشركين الّذين جادلوهم في أكل الميتة بما ذكرنا عنهم من جدالهم إيّاهم به، وأمره إيّاهم بطاعة مؤمنٍ منهم كان كافرًا فهداه جلّ ثناؤه لرشده ووفّقه للإيمان، فقال لهم: إطاعة من كان ميتًا يقول: من كان كافرًا. فجعله جلّ ثناؤه لانصرافه عن طاعته، وجهله بتوحيده وشرائع دينه، وتركه الأخذ بنصيبه من العمل للّه بما يؤدّيه إلى نجاته، بمنزلة الميّت الّذي لا ينفع نفسه بنافعةٍ ولا يدفع عنها من مكروه نازلةٍ، {فأحييناه} يقول: فهديناه للإسلام، فأنعشناه، فصار يعرف مضارّ نفسه ومنافعها، ويعمل في خلاصها من سخط اللّه وعقابه في معاده، فجعل إبصاره الحقّ تعالى ذكره بعد عماه عنه، ومعرفته بوحدانيّته وشرائع دينه بعد جهله بذلك، حياةً وضياءً يستضيء به، فيمشي على قصد السّبيل ومنهج الطّريق في النّاس. {كمن مثله في الظّلمات} لا يدري كيف يتوجّه وأيّ طريقٍ يأخذ لشدّة ظلمة اللّيل وإضلاله الطّريق، فكذلك هذا الكافر الضّالّ في ظلمات الكفر لا يبصر رشدًا ولا يعرف حقًّا، يعني في ظلمات الكفر. يقول: أفطاعة هذا الّذي هديناه للحقّ، وبصّرناه الرّشاد كطاعة من مثله مثل من هو في الظّلمات متردّدٌ لا يعرف المخرج منها، في دعاء هذا إلى تحريم ما حرّم اللّه وتحليل ما أحلّ، وتحليل هذا ما حرّم اللّه وتحريمه ما أحلّ؟.
وقد ذكر أنّ هذه الآية نزلت في رجلين بأعيانهما معروفين، أحدهما مؤمنٌ، والآخر كافرٌ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل فيهما، فقال بعضهم: أمّا الّذي كان ميتًا فأحياه اللّه فعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، وأمّا الّذي مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها: فأبو جهل بن هشامٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: أخبرنا سليمان بن أبي هوذة، عن شعيبٍ السّرّاج، عن أبي سنانٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس}، قال: عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، {كمن مثله في الظّلمات} قال: أبو جهل بن هشامٍ.
وقال آخرون: بل الميت الّذي أحياه اللّه عمّار بن ياسرٍ رضي اللّه عنه، وأمّا الّذي مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها: فأبو جهل بن هشامٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن بشر بن تيمٍ، عن رجلٍ، عن عكرمة: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} قال: نزلت في عمّار بن ياسرٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، عن بشرٍ، عن تيمٍ، عن عكرمة: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس}: عمّار بن ياسرٍ. {كمن مثله في الظّلمات}: أبو جهل بن هشامٍ.
وبنحو الّذي قلنا في الآية قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أومن كان ميتًا فأحييناه} قال: ضالًّا فهديناه، {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} قال: هدًى، {كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها} قال: في الضّلالة أبدًا.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أومن كان ميتًا فأحييناه}: هديناه، {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات}: في الضّلالة أبدًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ: {أومن كان ميتًا فأحييناه}، قال: ضالًّا فهديناه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {أومن كان ميتًا فأحييناه} يعني: من كان كافرًا فهديناه، {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} يعني بالنّور: القرآن، من صدّق به وعمل به، {كمن مثله في الظّلمات} يعني بالظّلمات: الكفر والضّلالة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} يقول: الهدى يمشي به في النّاس يقول: فهو الكافر يهديه اللّه للإسلام يقول: كان مشركًا فهديناه، {كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {أومن كان ميتًا فأحييناه}: هذا المؤمن معه من اللّه نورٌ وبيّنةٌ يعمل بها ويأخذ وإليها ينتهي: كتاب اللّه. {كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها}: وهذا مثل الكافر في الضّلالة متحيّرٌ فيها متسكّعٌ، لا يجد مخرجًا ولا منفذًا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} يقول: من كان كافرًا فجعلناه مسلمًا وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس وهو الإسلام، يقول: هذا كمن هو في الظّلمات، يعني الشّرك.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس}، قال: الإسلام الّذي هداه اللّه إليه. {كمن مثله في الظّلمات}: ليس من أهل الإسلام. وقرأ: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور}، قال: والنّور يستضيء به ما في بيته ويبصره، وكذلك الّذي آتاه اللّه هذا النّور يستضيء به في دينه ويعمل به في نوره كما يستضيء صاحب هذا السّراج. قال: {كمن مثله في الظّلمات} لا يدري ما يأتي، ولا ما يقع عليه). [جامع البيان: 9/ 532-536]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: كما خذلت هذا الكافر الّذي يجادلكم أيّها المؤمنون باللّه ورسوله في أكل ما حرّمت عليكم من المطاعم عن الحقّ، فزيّنت له سوء عمله، فرآه حسنًا ليستحقّ به ما أعددت له من أليم العقاب، كذلك زيّنت لغيره ممّن كان على مثل ما هو عليه من الكفر باللّه وآياته ما كانوا يعملون من معاصي اللّه، ليستوجبوا بذلك من فعلهم ما لهم عند ربّهم من النّكال.
وفي هذا أوضح البيان على تكذيب اللّه الزّاعمين أنّ اللّه فوّض الأمور إلى خلقه في أعمالهم فلا صنع له في أفعالهم، وأنّه قد سوّى بين جميعهم في الأسباب الّتي بها يصلون إلى الطّاعة والمعصية، لأنّ ذلك لو كان كما قالوا، لكان قد زيّن لأنبيائه وأوليائه من الضّلالة والكفر نظير ما زيّن من ذلك لأعدائه وأهل الكفر به. وزيّن لأهل الكفر به من الإيمان به نظير الّذي زيّن منه لأنبيائه وأوليائه. وفي إخباره جلّ ثناؤه أنّه زيّن لكلّ عاملٍ منهم عمله ما ينبئ عن تزيين الكفر والفسوق والعصيان، وخصّ أعداءه وأهل الكفر بتزيين الكفر لهم والفسوق والعصيان، وكرّه إليهم الإيمان به والطّاعة). [جامع البيان: 9/ 536-537]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها كذلك زيّن للكافرين ما كانوا يعملون (122)}
قوله تعالى: {أومن كان ميتا}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{أومن كان ميتا}، يعني كان كافرًا ضالا.
وروي عن مجاهدٍ والسّدّيّ وأبي سنانٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن رافعٍ أبو الحجر ثنا شعيب بن العلاء قال أبو محمّدٍ- يعني يكنّى بأبي هريرة- عن أبي سنانٍ عن الضّحّاك في قوله:
{أومن كان ميتا فأحييناه} قال: عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يونس بن عبد الأعلى، أنا عبد اللّه بن وهبٍ أنا خالد ابن حميدٍ، عمّن من حدّثه، عن زيد بن أسلم أنّه قال في قول اللّه:
{أومن كان ميتا فأحييناه} فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «اللّهمّ أعزّ الإسلام بأبي جهل بن هشامٍ أو بعمر بن الخطّاب». قال: وكانا ميتين في ضلالتهما، فأحيا اللّه عمر بالإسلام، وأعزّه، وأقرّ أبا جهلٍ في ضلالته وموته، قال: ففيهما أنزلت هذه الآية.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن بشر ابن تيمٍ عن رجلٍ عن عكرمة:
{أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} قال: نزلت في عمّار بن ياسرٍ.
قوله: {فأحييناه}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{أومن كان ميتا فأحييناه}، يعني فهديناه.
وروي عن مجاهدٍ والسّدّيّ وأبي سنان نحو ذلك.
قوله: {وجعلنا له نورًا}
- وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس} يعني بالنّور: القرآن، من صدّق به وعمل به.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عباس: قوله:
{أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} قال: يقول: الهدى يمشي به في النّاس، وهو الكافر يهديه اللّه إلى الإسلام. يقول: كان مشركًا فهديناه. وروي عن مجاهدٍ نحو قول عطيّة.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} وهو الإسلام.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة: قوله: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} هذا المؤمن، معه من اللّه بيّنةٌ بها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي، وهو كتاب اللّه.
قوله: {يمشي به في النّاس}
- حدّثنا أبي حدّثنا عبيد اللّه بن حمزة ثنا يحيى بن الضّريس عن أبي سنانٍ الشّيبانيّ في قوله: {وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس}، قال: يعمل به في النّاس: قال: نزلت في عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه.
قوله: {كمن مثله في الظلمات}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {كمن مثله في الظّلمات}، يعني بالظّلمات الكفر والضّلالة.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ:
قوله: {كمن مثله في الظّلمات} قال: في الضّلالة أبدًا. وروي عن عمر بن عبد العزيز نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثني أبي ثنا عمرو بن رافعٍ ثنا شعيب بن العلاء عن أبي سنانٍ عن الضّحّاك: قوله: {كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها} قال: أبو جهل بن هشامٍ. وروي عن عكرمة وزيد بن أسلم وأبي سنانٍ نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قوله: كمن مثله في الظّلمات قال: لا يدري ما يأتي وما يقع عليه.
قوله: {ليس بخارجٍ منها}
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا عبّاس بن الوليد النّرسيّ ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة: قوله: كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها قال: مثل الكافر في ضلالته، متحيّرٌ فيها متسكّعٌ فيها لا يجد منها مخرجًا ولا منفذا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1381-1383]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {أومن كان ميتا فأحييناه}، قال: ضالا فهديناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس فهو الإيمان كمن مثله في الظلمات يعني في الضلال ليس بخارج منها أبدا). [تفسير مجاهد: 222-223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس: {أو من كان ميتا فأحييناه}
قال: كان كافرا ضالا فهديناه {وجعلنا له نورا} هو القرآن {كمن مثله في الظلمات} الكفر والضلالة.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {أو من كان ميتا}، قال: ضالا، {فأحييناه}: فهديناه، {وجعلنا له نورا يمشي به في الناس}: قال: هدى، {كمن مثله في الظلمات}، قال: في الضلالة أبدا.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس}، قال: نزلت في عمار بن ياسر
- وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس}، قال: عمر بن الخطاب {كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}، يعني أبا جهل بن هشام.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم في قوله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات}، قال: أنزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل بن هشام كانا ميتين في ضلالتهما فأحيا الله عمر بالإسلام وأعزه وأقر أبا جهل في ضلالته وموته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فقال: اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {أو من كان ميتا فأحييناه}، قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، {كمن مثله في الظلمات}؛ قال: أبو جهل بن هشام.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان {أو من كان ميتا فأحييناه}، قال: نزلت في عمر بن الخطاب.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} قال: هذا المؤمن معه من الله بينه وبها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي وهو كتاب الله: {كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} قال: مثل الكافر في ضلالته متحير فيها متسكع فيها لا يجد منها مخرجا ولا منفذا.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} قال: القرآن). [الدر المنثور: 6/ 192-194]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) }

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلاّ بأنفسهم وما يشعرون}.
يقول جلّ ثناؤه: وكما زيّنّا للكافرين ما كانوا يعملون، كذلك جعلنا بكلّ قريةٍ عظماءها مجرميها، يعني: أهل الشّرك باللّه والمعصية له، {ليمكروا فيها} بغرورٍ من القول أو بباطلٍ من الفعل بدين اللّه وأنبيائه. {وما يمكرون}: أي ما يحيق مكرهم ذلك {إلاّ بأنفسهم}، لأنّ اللّه تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدّهم عن سبيله. وهم لا يشعرون يقول: لا يدرون ما قد أعدّ اللّه لهم من أليم عذابه، فهم في غيّهم وعتوّهم على اللّه يتمادون.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أكابر مجرميها} قال: عظماءها.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {أكابر مجرميها} قال: عظماءها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: نزلت في المستهزئين. قال ابن جريجٍ: عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن عكرمة: {أكابر مجرميها} إلى قوله: {بما كانوا يمكرون} بدين اللّه وبنبيّه عليه الصّلاة والسّلام وعباده المؤمنين.
والأكابر: جمع أكبر، كما الأفاضل: جمع أفضل. ولو قيل: هو جمع كبيرٍ، فجمع أكابر، لأنّه قد يقال أكبر، كما قيل: {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً} [الكهف]، واحدهم الخاسر لكان صوابًا. وحكي عن العرب سماعًا: الأكابرة والأصاغرة، والأكابر والأصاغر بغير الهاء على نيّة النّعت، كما يقال: هو أفضل منك. وكذلك تفعل العرب بما جاء من النّعوت على (أفعل) إذا أخرجوها إلى الأسماء، مثل جمعهم الأحمر والأسود: الأحامر والأحامرة، والأساود والأساودة، ومنه قول الشّاعر:
إنّ الأحامرة الثّلاثة أهلكت ....... مالي وكنت بهنّ قدمًا مولعا
الخمر واللّحم السّمين أديمه ....... والزّعفران فلن أزال مبقّعا

وأمّا المكر: فإنّه الخديعة والاحتيال للممكور به بالقدر ليورّطه الماكر به مكروهًا من الأمر). [جامع البيان: 9/ 537-538]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلّا بأنفسهم وما يشعرون (123)}
قوله تعالى: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: أكابر مجرميها قال: سلطانًا، شرارها، فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب، وهو قوله: وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها.
- حدّثنا حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: أكابر مجرميها قال: عظماؤها.
قوله تعالى: {ليمكروا فيها، وما يمكرون إلا بأنفسهم ... الآية}.
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان قال: كلّ مكرٍ في القرآن فهو عملٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1383]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {أكابر مجرميها} قال عظماؤها). [تفسير مجاهد: 223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها} قال: نزلت في المستهزئين.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: {جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها}، قال: سلطنا شرارها فعصوا فيها فإذا ذلك أهلكناهم بالعذاب.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {أكابر مجرميها}، قال: عظماؤها). [الدر المنثور: 6/ 194]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا جاءتهم آيةٌ قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه اللّه أعلم حيث يجعل رسالته}.
يقول تعالى ذكره: وإذا جاءت هؤلاء المشركين الّذين يجادلون المؤمنين بزخرف القول فيما حرّم اللّه عليهم ليصدّوا عن سبيل اللّه {آيةٌ} يعني: حجّةٌ من اللّه على صحّة ما جاءهم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من عند اللّه وحقيقته، قالوا لنبيّ اللّه وأصحابه: {لن نؤمن} يقول: يقولون: لن نصدّق بما دعانا إليه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من الإيمان به، وبما جاء به من تحريم ما ذكر أنّ اللّه حرّمه علينا، {حتّى نؤتى} يعنون: حتّى يعطيهم اللّه من المعجزات مثل الّذي أعطى موسى من فلق البحر، وعيسى من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص. يقول تعالى ذكره: {اللّه أعلم حيث يجعل رسالته} يعني بذلك جلّ ثناؤه: أنّ آيات الأنبياء والرّسل لم يعطها من البشر إلاّ رسولٌ مرسلٌ، وليس العادلون بربّهم الأوثان والأصنام منهم فيعطوها. يقول جلّ ثناؤه: فأنا أعلم بمواضع رسالاتي ومن هو لها أهلٌ، فليس لكم أيّها المشركون أن تتخيّروا ذلك عليّ أنتم، لأنّ تخيّر الرّسول إلى المرسل دون المرسل إليه، واللّه أعلم إذا أرسل رسالةً بموضع رسالاته). [جامع البيان: 9/ 539]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، معلّمه ما هو صانعٌ بهؤلاء المتمرّدين عليه: سيصيب يا محمّد الّذي اكتسبوا الإثم بشركهم باللّه وعبادتهم غيره {صغارٌ}، يعني: ذلّةٌ وهوانٌ.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه} قال: الصّغار: الذّلّة.
وهو مصدرٌ من قول القائل: صغر يصغر صغارًا وصغرًا، وهو أشدّ الذّلّ.
وأمّا قوله: {صغارٌ عند اللّه} فإنّ معناه: سيصيبهم صغارٌ من عند اللّه، كقول القائل: سيأتيني رزقي عند اللّه، بمعنى: من عند اللّه، يراد بذلك: سيأتيني الّذي لي عند اللّه. وغير جائزٍ لمن قال: (سيصيبهم صغارٌ عند اللّه) أن يقول: (جئت عند عبد اللّه) بمعنى: جئت من عند عبد اللّه، لأنّ معنى (سيصيبهم صغارٌ عند اللّه): سيصيبهم الّذي عند اللّه من الذّلّ بتكذيبهم رسوله فليس ذلك بنظير (جئت من عند عبد اللّه).
وقوله: {وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون} يقول: يصيب هؤلاء المكذّبين باللّه ورسوله المستحلّين ما حرّم اللّه عليهم من الميتة مع الصّغار، عذابٌ شديدٌ بما كانوا يكيدون للإسلام وأهله بالجدال بالباطل والزّخرف من القول غرورًا لأهل دين اللّه وطاعته). [جامع البيان: 9/ 540]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذا جاءتهم آيةٌ قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه اللّه أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون (124)}
قوله عزّ وجلّ: {وإذا جاءتهم آيةٌ} إلى قوله: {رسالته}
- ذكر عن محمّد بن منصورٍ الجوّاز ثنا سفيان عن ابن أبي حسين قال: أبصر رجلٌ ابن عبّاسٍ وهو يدخل من باب المسجد، فلمّا نظر إليه راعه فقال: من هذا؟ قالوا: ابن عبّاسٍ، ابن عمّ رسول اللّه. قال: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته.
قوله عزّ وجلّ: {سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: سيصيب الّذين أجرموا صغارٌ عند اللّه والصغار والذلة.
قوله: {وعذابٌ شديدٌ بما كانوا يمكرون}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، في قوله: عذاب قال: نكالٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1383-1384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ ابن جريج :{وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} وذلك أنهم قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى ما دعاهم إليه من الحق: لو كان هذا حقا لكان فينا من هو أحق أن يأتي به من محمد {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31]، أما قوله تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}.
- أخرج أحمد عن ابن مسعود قال: إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئا فهو عند الله سيء.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي حسن قال: أبصر رجل ابن عباس وهو يدخل من باب المسجد فلما نظر إليه راعه فقال: من هذا قالوا: ابن عباس بن عم رسول الله، قال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {سيصيب الذين أجرموا} قال: أشركوا {صغار} قال: هوان
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {صغار} قال: ذلة.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله :{بما كانوا يمكرون} قال: بدين الله ونبيه وعباده المؤمنين). [الدر المنثور: 6/ 194-196]


رد مع اقتباس