عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18 محرم 1435هـ/21-11-2013م, 04:45 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

ألفات أوائل الأفعال

قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ):
(
وإنما بدأنا بها من قبل ألفات الأسماء لأن الأصول فيها أبين وأقرب على المتعلمين من ألفات الأسماء.
اعلم أن ألفات الأفعال تنقسم على ستة أقسام: ألف وصل وألف أصل وألف قطع وألف المخبر عن نفسه وألف الاستفهام وألف ما لم يسم فاعله.
فأما ألف الأصل فإنها تبتدأ في الماضي بالفتح وتعرفها بأن تجدها فاء من الفعل ثابتة في المستقبل.
وأما ألف الوصل فإنك تعرفها بسقوطها من الدرج وبفتح أول المستقبل وهي مبنية على ثالث المستقبل إن كان الثالث مكسورًا كسرت، وإن كان مضمومًا ضمت وإن كانت مفتوحًا كسرت [أيضًا].
وأما ألف القطع فإنك تعرفها بضم أول المستقبل.
وأما ألف المخبر عن نفسه فإنك تعرفها إذا حسُن بعد الفعل الذي هي فيه «أنا» وكان مستقبلاً.
وأما ألف الاستفهام فإنك تعرفها بمحنتين إذا جاءت بعدها «أم» أو حسن في موضعها «هل».
وأما ألف ما لم يسم فاعله فإنها تكون في أربعة أمثلة: في «افعل واستفعل وافتعل وانفعل» وقد تكون في «فعل» كقولك: «أخذ وأمر وأكل» وليست لازمة لجميع هذا البناء، تقول في ألف الأصل: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} [النحل: 1] فتبتدئها في الماضي [بالفتح] وتجدها فاء من الفعل، وذلك أن وزن أتى من الفعل «فعل» فالألف بحذاء الفاء. وتقول في المستقبل «يأتي» فتجدها ثابتة فيه. وكذلك «أكل وأمر وأبق» الألف فيهن أصلية لأنها فاء من الفعل، وذلك أن «أكل» على وزن «فعل» فالألف بحذاء الفاء.
وتقول في المستقبل «يأكل ويأمر ويأبق» فتجد الألف ثابتة في المستقبل.
وأما ألف الوصل فهي الألف في قوله: {اهدنا الصراط} [الفاتحة: 6] تستدل على أنها ألف وصل بسقوطها في الدرج، وذلك أنك تقول في الدرج: (نستعين اهدنا) فلا تجد ألفًا. فإن قال قائل: فما الضمة التي في النون في (نستعين)؟ فقل: هي علامة الرفع، وذلك أن الفعل المستقبل مرفوع بالحرف الذي في أوله في قول الكسائي فـ«نستعين» مرفوع بالنون التي في أوله، والضمة علامة الرفع. وتقول في المستقبل «يهدي» فتجد أوله مفتوحًا، فهذا يدلك على أن الألف في «اهدنا» ألف وصل. فإن قال قائل: لم أدخلتها في الابتداء وأسقطتها في الدرج فقل: وجدت الحرف الذي بعدها ساكنًا وهو الهاء في «اهدنا» والضاد في «اضرب» والعرب لا تبتدئ بساكن فأدخلت ألفًا يقع بها الابتداء، وحذفتها في الدرج لأن الذي بعدها اتصل لدي قبلها فلم تكن بي حاجة إلى إدخالها. وكذلك إن قال قائل: لم سميتها ألف وصل؟ فقل: لأني إذا وصلت الكلام قبل ما بعدها بما قبلها وسقطت من اللفظ. فإن قال: لم أثبتها في الخط وأسقطتها من اللفظ؟ فقل أثبتها في الخط لأن الكتاب وضع على السكوت على كل حرف، والابتداء بما بعده تثبت في الخط كما ثبتت إذا ابتدئ بها. فإن قال قائل: أي شيء تلقب ألف الوصل، أتلقبها ألفا أم همزة؟ فقل: اختلف النحويون في هذا، فقال الكسائي والفراء وسيبويه: في ألف وصل، والحجة لهم في هذا أن صورتها صورة الألف فلقيت ألفًا لهذا المعنى، وقال الأخفش: هي ألف ساكنة لا حركة لها كسرت في قوله: (اهدنا الصراط) وما أشبهه لسكونها وسكون الحرف الذي بعدها وقال: ضموها في قوله: {اقتلوا يوسف} [يوسف: 9] وفي قوله: {ادخلوا عليهم الباب} [المائدة: 23] لأنهم كرهوا أن يكسروها وبعدها التاء في قوله: (اقتلوا) مضمومة، والخاء في (ادخلوا) مضمومة فينتقلوا من كسر إلى ضم، فضموها بضم الذي بعدها. قال أبو بكر: وهذا غلط لأنها إذا كانت عنده ساكنة لا حركة لها فمحال أن يدخلها الابتداء لأن العرب لا تبتدئ بساكن، فلا يجوز أن يدخل الابتداء حرفًا ينوي به السكون. وقال قطرب في ألف {اهدنا الصراط} و{اضرب بعصاك} [الأعراف: 160]. وما أشبهها هي همة كثرت فتركت. قال أبو بكر: وهذا غلط أيضًا لأن الهمزة إذا كانت في أول حرف ثم وصلت بشيء قبلها كان مهموزة في الوصل كما تهمز في الابتداء، من ذلك قوله تعالى: {وأخذتم على ذلكم إصري} [آل عمران: 81] فالهمزة في (إصري) ثابتة في الابتداء والوصل، فيجب عليه أن يهمز ألف (اهدنا) في الوصل والابتداء إن كانت عنده همزة، فإن قال قائل: لم كسرت الألف في (اهدنا)؟ فقل: لأنها مبنية على ثالث المستقبل وهو الدال في «يهدي». فإن قال: لم بنيتها على الثالث ولم تبنها على الأول ولا على الثاني ولا على الرابع؟ فقل: لأن الأول زائد، والزائد لا يبني عليه،
والثاني ساكن، والساكن لا يبتدأ به، والرابع لا يثبت على إعراب واحد لأنه يكون في الرفع مضمومًا وفي النصب مفتوحًا وفي الجزم ساكنًا. وذلك أنك تقول في الرفع: أنت تضرب، فتضم الباء، وتقول في النصب أنت لن تضرب فتفتح الباء. وتقول في الجزم: أنت لم تضرب، فتسكن الباء، فلما يثبت الرابع على إعراب واحد لم تبن الألف عليه وبنيت على الثالث إذ كان إعرابه لا يتغير. وكذلك تبتدئ بالكسر قوله: {فقلنا اضربوه ببعضها} [البقرة: 72] {اضربوه}، {أن اضرب بعصاك الحجر} [الشعراء: 63] (اضرب)، {بالذي هو خير اهبطوا مصرا} [البقرة: 61] (اهبطوا)، {ربنا اكشف عنا العذاب} [الدخان: 12] تبتدئ، (اكشف)، {ربنا اطمس على أموالهم} [يونس: 88] تبتدئ (اطمس) ومثل {اكشف عنا العذاب}، {اصرف عنا عذاب جهنم} [الفرقان: 65] {ابن لي صرحا} [غافر: 36]، {اقذفيه في اليم} [طه: 39] تبتدئ هذا وما أشبهه بالكسر لأن ثالث المستقبل مكسور. وذلك أنك تقول: ضرب يضرب، هبط يهبط، صرف يصرف بني يبني، طمس يطمس، فتجد الثالث مكسورًا.
وتبتدئ أيضًا بالكسر قوله: {استعينوا بالله واصبروا} [الأعراف: 128] {استعينوا بالصبر والصلاة} [البقرة: 153] وكذلك: {استحوذ عليهم الشيطان} [المجادلة: 19] وكذلك: {استكبروا} [الأعراف: 75] لأن الألف مبنية على عين الفعل وهي الباء في (يستكبر)، والواو في «يستحوذ» وذلك
أنك تقول: يستكبر ويستحوذ، فتجد الباء والواو مكسورتين وهما بحذاء العين في يستفعل، فكسرت الألف بناء على عين الفعل، فإن قال قائل: كيف جاز للألف في «استكبر»، و«استحوذ» أن تُبنى على الباء في «يستكبر» والواو في «يستحوذ» وهما خامستان؟ وال: قد زعمت أن الألف تُبنى على الثالث. فيقال له: الباء في يستكبر وإن كانت خامسة في اللفظ فهي ثانية في التقدير، وذلك أن أصول الحروف الفاء والعين واللام، وما سوى هؤلاء الثلاثة الأحرف فزائد لا يلتفت إليه، فلما قلنا: «يستكبر» و«يستحوذ» وجدنا وزنه من الفعل «يستفعل» فالكاف في «يستكبر» والحاء في «يستحوذ» بحذاء الفاء، والباء في «يستكبر» والواو في «يستحوذ» بحذاء العين، فعليهما يقع البناء، ولا يلتفت إلى السين والتاء لأنهما زائدتان. فكل ما أتاك من هذا الجنس فابن الألف فيه على عين الفعل ولا تلتفت إلى الزائد، من ذلك قوله تعالى: {اعتدوا منكم في السبت} [البقرة: 65] كسرت الألف بناء على عين الفعل وهي الدال في «يعتدي» ولم يلتفت إلى الياء لأنها زائدة. وكذلك {اقتربت الساعة} [القمر: 1] بكسر الألف بناء على العين وهي الراء في «اقترب». وكذلك {اقترب للناس حسابهم} [الأنبياء: 1] {انبعث أشقاها} [الشمس: 12] بكسر الألف بناء على العين وهي العين في «ينبعث» فإن قال قائل: على أي شيء تبني ألف في قوله: (واستعينوا) [البقرة: 45] قيل له: على العين وهي الواو المكسورة في الأصل، وذلك أن الأصل في «نستعين» نستعون، فاستثقلوا الكسرة في الواو فنقلوها إلى العين فصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها، فالألف مبنية على الواو المكسورة التي صارت ياء. وكذلك {استكبارًا في الأرض} [فاطر: 43] تبتدئ الألف بالكسر بناء على العين وهي الباء في «يستكبر». وكذلك {فما اسطاعوا أن يظهروه} [الكهف: 97] تبتدئ (اسطاعوا) بكسر الألف بناء على العين وهي الواو المكسورة في الأصل، وذلك أن الأصل في المستقبل «يستطوع» فاستثقلوا الكسرة في الواو فنقلوها إلى الطاء فصارت الواو ياء الانكسار ما قبلها وحذفوا التاء من «يستطيع» كما حذفوها من «استطاع»، قال الحطيئة:
والشعر لا يسطيعه من يظلمه = يريد أن يعربه فيعجمه
فكسرت الألف في «استطاعوا» بناء على الواو المكسورة التي صارت ياء. وكذلك: {استغفروا ربكم} [هود: 3] تُبنى الألف على الفاء في يستغفر وكذلك: {إذا السماء انفطرت} [الانفطار: 1] تبتدئ (انفطرت) بالكسر لأن الألف مبنية على العين وهي الطاء في تنفطر. وكذلك: {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] تبتدئ (انشقت) بالكسر. وتبتدئ أيضًا بالكسر: {اقضوا إلي ولا تنظرون} [يونس: 71] وكذلك: {وقال الملك ائتوني به} [يوسف: 50] تبتدئ {ائتوني به}. {ثم ائتوا صفا} [طه: 64] (ائتوا صفا) بكسر الألف لأنها مبنية على العين وهي التاء في «يأتي» والضاد في «يقضي» فإن قال [قائل] لم ابتدأتها بالكسر والضاد مضمومة في (اقضوا) وهي الثالث. والتاء مضمومة في
(ائتوا) وهي الثالث؟ قيل له: الأصل في التاء الكسر، والدليل على ذلك أنا نقول للرجل: أنت يا رجل، اقضي يا رجل، ونقول للاثنين ائتيا يا رجلان، اقضيا يا رجلان، فتجد التاء والضاد مكسورتين في فعل الواحد والاثنين فبنينا الألف عليها، وكان الأصل في الجمع «ائتيوا اقضيوا» فاستثقلوا الضمة في الياء فنقلوها إلى التاء والضاد وأسقطوا الياء لسكونها وسكون واو الجمع. فإن قال: فلم ابتدأت الألف في (انشقت) بالكسر ونحن نقول في المستقبل «تنشق» فلا تجد فيه حرفًا مكسورًا؟ قيل له: كان الأصل في «تنشق» تنشقق، على وزن تنفعل، فاستثقلوا الجمع بين قافين متحركتين لأن العرب لا تجمع بين حرفين متحركين من جنس واحد فأسقطوا حركة القاف الأولى وأدغموها في القاف الثانية فصارتا قافًا مشددة. وكان الأصل في قولهم: ايت يا رجل إات يا رجل إاتوا يا رجال، فجعلوا الهمزة الساكنة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وذلك أن العرب تجعل الهمزة ياء إذا انكسر ما قبلها وكانت ساكنة، ويجعلونها ألفًا إذا سكنت وانفتح ما قبلها ويجعلونها واوًا إذا سكنت وانضم ما قبلها. فأما الهمزة التي سكنت وانكسر ما قبلها فقولك: الذيب، كان الأصل فيه: الذئب فأبدلوا من الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وإنما حكمنا على الذئب بالهمز لأنه مأخوذ من تذآب الريح وهو مجيئها من كله وجه قال ذو الرمة:
نبات يشئزه ثأد ويسهره = تذؤب الريح والوسواس والهضب
فمعنى «يشئزه» يشخصه ويقلقه، والثأد الندى، وتذؤب الريح تجيئها من كل وجه، والهضب الدفعات من المطر، وقال ذو الرمة أيضًا:
غدا كأن به جنا تذاءبه = من كل أقطاره يخشى ويرتقب
فمعناه: كأنه به جنا تأخذه من كل وجه.
وأما الهمزة التي جعلت ألفا لانفتاح ما قبلها فقوله: {آمن الرسول} [البقرة: 285] كان الأصل فيه «أأمن الرسول» فجعلوا الهمزة الساكنة ألفًا لانفتاح ما قبلها، وذلك أنها إذا سكنت ضعفت فتغلب الحركة عليها. وكذلك: {يا بني آدم} [الأعراف: 26] كان الأصل فيه «أأدم» فجعلوا الهمزة الساكنة ألفًا لانفتاح ما قبلها.
وأما الهمزة التي سكنت وانضم ما قبلها فقولك «هو يومن» كان الأصل فيه «يؤمن» فجعلت الهمزة الساكنة واوًا لانضمام ما قبلها.
فإن قال قائل: إذا قلنا في الدرج (لقاءنا ائت) [يونس: 15] فما هذه الهمزة؟ قيل له: هذه الهمزة هي الساكنة التي في
«إلت» وهي عين الفعل وألف الوصل ساقطة. وقد أجاز الكسائي أن تثبت الهمزتين في الابتداء، فأجاز للمبتديء أن يقول: {إئت بقرآن} [يونس: 15] بهمزتين أخبرنا بها إدريس عن خلف عن الكسائي. قلت: وهذا قبيح لأن العرب لا تجمع بين همزتين، الثانية منهما ساكنة، ومع هذا فإن أبا العباس حدثنا عن سلمة بن عاصم عن الفراء أنه قال العرب لا تنطق بهمزة ساكنة إلا بنو تميم فإنهم يهمزون الذئب والكأس والرأس وقوله عز وجل: {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} [المزمل: 19] هذه الهمزة هي همزة وألف «اتخذ» ساقطة لأنها ألف وصل، وكان الأصل في «شاء» «شيأ» فجعلوا الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. وكذلك: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت} [فصلت: 39] هذه الهمزة همزة الماء، وألف «اهتزت» ساقطة لأنها ألف وصل، وكان الأصل فيه «فإذا أنزلنا عليها الموه» فجعلوا الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأبدلوا من الهاء همزة لقرب مخرجها منها وذلك أن أقصى مخارج الحلق للهاء والهمزة. وقوله عز وجل: {إذا شاء أنشره} [عس: 22] قرأ أبو عمرو: (ثم إذا شا أنشره) بهمزة واحدة، والهمزة الثانية في قراءة أبي عمرو همزة «أنشره» وهمزة «شاء» ساقطة اكتفاءً بالهمزة الثانية منها. وإنما ثبتت الألف في «أنشره» لأنها ألف قطع، والدليل على هذا أنك تقول: أنشر ينشر، فتجد أول المستقبل مضمومًا، وسنبين ألف القطع بعد هذا إن شاء الله.
وإذا كان ثالث المستقبل مضمومًا ضممت الألف في الابتداء كقوله: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] تبتدئ: اعبدوا، بالضم لأنها مبنية على ثالث المستقبل وهو الباء في «يعبد» وكذلك: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله} [الأحزاب: 41] تبتدئ: اُذكروا، بالضم بناء على الثالث وهو الكاف في «يذكر»، وكذلك: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا} [البقرة: 34] تبتدئ اُسجدوا. وكذلك: {ادخلوا عليهم الباب} [المائدة: 23] {ادع لنا ربك} [البقرة: 69] {اقتلوا يوسف} [يوسف: 9] {انقص منه قليلا} [المزمل: 3] {اسكن أنت وزوجك} [البقرة: 35] {اشكر لي ولوالديك} [لقمان: 14] {احشروا الذين ظلموا} [الصافات: 22]
{انظر أنى يؤفكون} [المائدة: 75] {اركض برجلك} [ص: 42] {اخلفني في قومي} [الأعراف: 142] {ادخلي الصرح} [النمل: 44] {ادخلوا الأرض المقدسة} [المائدة: 21]، {انصرني بما كذبون} [المؤمنون: 26] {انفخوا حتى إذا جعله نارا} [الكهف: 96]
وقوله جل ثناؤه: {ألا يسجدوا} [النمل: 25] اختلف القراء فيها، فكان نافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة يقرؤن: (ألا يسجدوا) بتثقيل «ألا». وكان أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وأبو جعفر وحميد والكسائي يقرؤون: (ألا يا اسجدوا) بتخفيف «ألا». فمن قرأ (ألا يسجدوا) بتثقيل «ألا» وقف «ألا». فمن قرأ (ألا يسجدوا) بتثقيل «ألا» وقف «ألا» وابتدأ: (يسجدوا). ومن قرأ «ألا» بالتخفيف وقف «ألا يا» وابتدأ: (اسجدوا) بالضم لأن الألف مبنية على الثالث وهو الجيم في «يسجدوا» ومعنى هذه القراءة: «ألا يا هؤلاء اسجدوا» فحذفوا هؤلاء وأبقوا
«يا» كما قال المرقش:
ألا يا اسلمي لا صرم لي اليوم فاطما = ولا أبدًا ما دام وصلك دائما
وقال الأخطل:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر = وإن كان حيانا عدى آخر الدهر
وقال الآخر: أنشدني المفضل: قال أبو بكر: وأنشدناه
أبو العباس:
ألا يا اسلمي قبل الفراق ظعينا = تحية من أمسى إليك حزينا
تحية من لا قاطع حبل واصل = ولا صارم قبل الفراق قرينا
وقال العجاج:
يا دار سلمي يا اسلمي ثم اسلمي = بسمسم أو عن يمين سمسم
وقال ذو الرمة:
ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى = ولا ال منهلا بجرعانك القطر
وقال الكميت:
ألا يا اسلمي يا ترب أسماء من ترب = ألا يا اسلمي حييت عني وعن صحبي
أراد في جميع هذه الأبيات: ألا يا هذه اسلمي: فحذف
«هذه» وترك «يا». وقال الآخر:
يا لعنة الله والأقوام كلهم = والصالحين على سمعان من جار
أراد: يا هؤلاء لعنة الله، فحذف «هؤلاء». وأنشد الفراء:
وقالت ألا يا اسمع نعظك بخطة = فقلت: سميعا فانطقي وأصيبي
أراد: وقالت ألا يا هذا، فحذف «هذا»، وأنشد الفراء أيضًا:
يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم = أم الهنيبر من زيند لها وارى
أراد: يا هؤلاء قاتل الله، وقال أبو نخيلة:
أمسلم يا اسمع يا ابن كل خليفة = ويا سائس الدنيا ويا جبل الأرض
أراد: يا هذا اسمع، فحذف «هذا».
قال أبو بكر: فإن قال قائل لم حذفوا ألف «يا» من المصحف في قوله: (ألا يا اسجدوا)؟ قيل له: العرب تحذف ألف «يا» من الكتاب. من ذلك أنهم كتبوا {يقوم اعبدوا} [الأعراف: 59] بحذف الألف وإنما جاز حذف الألف من «يا» لأن «يا» تدعي بها الأسماء ولا تدعي بها الأفعال، فحذفوا الألف لكثرة الاستعمال.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: الاختيار (ألا) بالتشديد لأنها في بعض التفسير: وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا. قال:
والتخفيف وجه حسن، إلا أن فيه انقطاع الخبر الذي كان من أمر سبأ وقومها ثم يرجع بعد إلى ذكرهم. قال: والقراءة الأولى خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع في وسطه.
وقال الفراء: الاختيار التخفيف لأنها سجدة أمرنا بها ولو كانت القراءة بالتثقيل لم يكن فيه أمر بسجود لأن المعنى: وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا. فهذا خبر عن أولئك وليس فيه دليل على الأمر بالسجود. وهي في قراءة عبد الله: (هلا تسجدوا) بالتاء. وفي قراءة أبي: (ألا تسجدون لله الذي يعلم سركم وما تعلنون). فهذا يدل على التخفيف لأن قولك: «ألا تقوم» بمنزلة قولك: «قم». وقال الفراء: حدثنا الكسائي عن عيسى بن عمر قال: ما كنت أسمع المشيخة يقرؤونها إلا بالتخفيف على نية الأمر. وحكى الفراء عن العرب: ألا يا ارحمونا، ألا يا تصدقوا علينا، بمعنى: ألا يا هؤلاء افعلوا هذا.
وقوله تعالى: {وإذا قيل انشزوا فانشزوا} [المجادلة: 11] اختلف القراء فيها، فكان ابن كثير والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائي يقرؤونها: (وإذا قيل انشزوا فانشزوا) بكسر الشين. فمن قرأ بهذه القراءة ابتدأ: (انشزوا) بكسر الألف لأنها مبنية على الثالث، وهو الشين في «ينشز». وكان أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم يقرؤونها: (انشزوا فانشزوا) بضم الشين. فمن قرأ بهذه القراءة ابتدأ: (انشزوا) بالضم لأن الألف مبنية على الثالث وهو الشين في «ينشز». وإذا كان ثالث المستقبل مفتوحا ابتدأت الألف بالكسر كقوله: {اذهب أنت وربك} [المائدة: 24] كسرت الألف لأن الثالث مفتوح وهو الهاء في «يذهب». وكذلك: {أن اصنع الفلك} [المؤمنون: 27] تبتدئ (اصنع) بكسر الألف
لأنها مبنية على الكسر لفتح الثالث، وذلك أنك تقول: «يصنع» فتجد النون مفتوحة. وكذلك: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف: 89] تبتدئ (افتح) بكسر الألف لأن الثالث مفتوح، وهو التاء في «يفتح». وكذلك: {اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها} [هود: 41] كسرت الألف لأن الثالث مفتوح وهو الكاف في «يركب». وكذلك {ائذن لي ولا تفتني} [التوبة: 49]، {اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا} [الفرقان: 36]، {اذهبوا بقيمصي هذا} [يوسف: 93]، {اجعل على كل جبل منهن جزءا} [البقرة: 260]، {اجعلني على خزائن الأرض} [يوسف: 55]، {اعملوا على مكانتكم} [الأنعام: 135]، {يا أرض ابلعي ماءك} [هود: 44] بالكسر لأن الثالث مفتوح وهو اللام في «يبلع»، والماضي «بلع» بكسر اللام. وكذلك: {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] تبتدئ (اقرأ) بالكسر لأن الثالث مفتوح وهو الراء في «يقرأ».
فإن قال قائل: هلا فتحت اللام إذا كان الثالث مفتوحًا كما تكسرها إذا كان الثالث مكسورًا وتضمها إذا كان الثالث مضمومًا؟ فقل: كرهت أن أفتحها فيلتبس الأمر بالخبر، وذلك أني لو قلت في الأمر: اذهب يا رجل، أصنع يا رجل، لالتبس بقولي في الخبر: أنا أذهب، أنا أصنع، فكسرناها لما بطل فيها الفتح لأن الكسر أخو الفتح، وذلك أن الحركات ثلاث: فتحة وكسرة وضمة. فالفتحة أخف الحركات ثم الكسرة تليها. والضمة أثقل الحركات، فحركت الألف بالكسر لما كانت الكسرة تقرب من الفتحة، وتبتدئ أيضًا بالكسر قوله: {اثاقلتم إلى الأرض} [التوبة: 38] {اداركوا فيها جميعا} [الأعراف: 28] لأن عين الفعل مفتوحة وهي القاف في «يثاقل» والراء في «يدارك». وذلك أن وزن يثاقل ويدارك يتفاعل، فالقاف في يثاقل بحذاء العين، والراء في يدارك بحذاء العين. وكذلك: {قالوا اطيرنا بك وبمن معك} [النمل: 47] تبتدئ: (اطيرنا) بكسر الألف لأن عين الفعل مفتوحة وهي الياء في «يطير» ومثله: {بل ادارك علمهم في الآخرة} [النمل: 66] تبتدئ (ادارك) بكسر الألف لأن عين الفعل مفتوحة وهي الراء في «يدارك». وكان الأصل في هذا «حتى إذا تداركوا» فأدغموا التاء في الدال، فصارت دالاً ساكنة، فلم يصلح الابتداء بساكن فأدخلوا ألفًا يقع بها الابتداء. وكذلك (قالوا اطيرنا) كان الأصل فيه: «قالوا تطيرنا» (في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) كان الأصل فيه «تثاقلتم» (بل ادارك) كان الأصل فيه «تدارك».
128- حدثني أبي قال: حدثنا أبو منصور قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن هارون قال: في حرف أبي بن كعب: (أم تدارك علمهم) وقال الفراء: أنشدني الكسائي:
تولي الضجيع إذا ما استاقها خصرا = عذب المذاق إذا ما اتابع القبل
أرادك إذا ما تتابع القبل، فأدغم التاء الأولى في الثانية فسكنت فلم يصلح الابتداء بساكن فأدخل ألفًا يقع الابتداء بها.
وقال الفراء: روي عن بعض القراء أنه كان يقرأ: (قالوا اطيرنا بك)، (حتى إذا اداركوا فيها جميعا) بالجمع بين ساكنين، والحجة له في هذا أن الطاء والدال الأوليين أصلهما الحركة، وذلك أن الأصل فيهما: «قالوا تطيرنا، حتى إذا تداركوا» فلما كان أصلهما الحركة لم يعاملا معاملة الساكن الحقيقي السكون.
وتبتدئ ألف القطع بالفتح كقوله تعالى: {ربنا أفرغ علينا صبرا} [البقرة: 250] تبتدئ: (أفرغ) بالفتح لأن الألف فيه ألف قطع، والدليل على هذا أنك تقول: «أفرغ يفرع» فتجد أول المستقبل مضمومًا. وكذلك: {أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} [الإسراء: 80] والدليل على أنها ألف قطع أنك تقول: «أدخل يدخل»، «وأخرج يخرج» فتجد أول المستقبل مضمومًا. وكذلك:
{يا سماء أقلعي} [هود: 44] تبتبديء: (أقلعي) بالقطع والفتح لأنك تقول: «أقلع يقلع» وكذلك: {أنزل علينا مائدة من السماء} [المائدة: 114] {أسمع بهم وأبصر} [مريم: 38] {أمسك عليك زوجك} [الأحزاب: 37]، {ألهاكم التكاثر} [التكاثر: 1] هؤلاء ألفات القطع لأنك تقول «أنزل ينزل وأسمع يُسمع، وأبصر يُبصر، وألهى يُلهي». وكذلك: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} [غافر: 11] (أكرمن) و(أهانن) [الفجر: 15ن 16]، {أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7] هؤلاء ألفات القطع أيضًا لأنك تقول أحيا يحيي، أمات يُميت، أكرم يُكرم، أهان يُهين، أنعم يُنعم.
وكان أبو جعفر محمد بن سعدان وغيره يقولون: هؤلاء ألفات أصل. قال أبو بكر: وهذا غلط لأن أصول الأسماء والأفعال ثلاثة: فاء وعين ولام. وكل ما زاد على هؤلاء الثلاثة فهو زائد ليس بأصلي. فإذا قلنا: أفرغ وأكرم،
فوزنه من الفعل «أفعل» فالألف ليست فاء ولا عينًا ولا لامصا. ولا ينبغي أن تسمى أصلية. وتبتدئ {رب أرني} [الأعراف: 142] بالفتح (أرني) لأنها ألف قطع، والدليل على ذلك أنك تقول: «أرى يُري» فتجد أول المستقبل مضمومًا.
وقوله عز وجل {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون} [غافر: 46] اختلف القراء فيه فكان أبو جعفر وشيبة ونافع ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي يقرؤونها: (أدخلوا) بفتح الألف في الوصل والابتداء، فمن قرأ بهذه القراءة ابتدأ: (أدخلوا) بفتح الألف لأنها ألف قطع، الدليل على هذا أنك تقول: «أدخل يُدخل» فتجد أول المستقبل مضمومًا، وتنصب
(آل فرعون) بوقوع الفعل عليهم، كما تقول «أدخل زيدًا الدار». وكان عاصم وأبو عمرو يقرآن: (ويوم تقوم الساعة ادخلوا) بحذف الألف في الوصل، فمن قرأ بهذه القراءة ابتدأ: (ادخلوا) بضم الألف بناء على ثالث المستقبل، وهو الخاء في «يدخل» وتنصب (آل فرعون) على النداء كأنك قلت: «ادخلوا يا آل فرعون».
واعلم أن ألف القطع إذا كانت في المصادر ابتدئت بالكسر كقوله {ويخرجكم إخراجا} [نوح: 18] الألف في «إخراج» ألف قطع لأنك تقول: «أخرج يخرج» فتجد أول المستقبل مضمومًا. وكذلك: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} [الحج: 25] الألف في «إلحاد» ألف قطع لأنك تقول: «ألحد يلحد» فتجد أول المستقبل مضمومًا.
فإن قال قائل: لم صارت ألف القطع مكسورة في المصدر؟ فقل: كرهوا أن يفتحوها فيلتبس المصدر بالجمع وذلك أنهم لو قالوا في المصدر: «أخراج وألحاد» لالتبس الجمع كقولك «أبيات وأثواب وأجمال». والدليل على هذا أيضًا أنهم لو ابتدؤوا [فقالوا]: «أخراج» لالتبس بجمع «خرج» فكسروا الألف ليفرقوا بين المصدر والجمع.
وأما ألف المخبر عن نفسه فإنك تعرفها بأن يحسن بعد الفعل الذي هي فيه «أنا» ويكون الفعل مستقبلاً كقوله تعالى: {قل هذه سبيل أدعو إلى الله على بصيرة} [يوسف: 108] هذه ألف المخبر عن نفسه لأنك تقول: «أدعو أنا غدا» فتجد الفعل يحسن بعده «أنا» وهو مستقبل. وكذلك: {رب أرني أنظر إليك} [الأعراف: 143] الألف في (أنظر) ألف المخبر عن نفسه لأنك تقول: «أنظر أنا غدا» فتجده يحسن بعده «أنا» وهو مستقبل. وكذلك {آتوني أفرغ عليه قطرا} [الكهف: 96] الألف في (أفرغ) ألف المخبر عن نفسه لأنك تقول «أفرغ أنا غدا».
فإن قال [قائل]: فلم فتحت الألف في قوله: (أدعو إلى الله) وضمتها في (أفرغ) وكلتاهما ألف المخبر عن نفسه؟ فقل: إذا كان الماضي على أقل من أربعة أحرف أو أكثر من أربعة أحرف، فألف المخبر [عن نفسه] مفتوحة، وإذا كان الماضي على أربعة أحرف فألف المخبر مضمومة. فالذي تفتح فيه الألف لأن الماضي على أقل من أربعة [أحرف] قوله: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} [الأنعام: 151] الألف في (أتل) ألف المخبر عن نفسه لأنك تقول: «أتلو أنا غدا» وفتحتها لأن الماضي «تلا» فهو أقل من أربعة [أحرف]. وكذل: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: 152] الألف في «أذكر» ألف المخبر عن نفسه لأنك تقول: «أذكر أنا غدا». وفتحتها لأن الماضي «ذكر». فهو أقل من أربعة [أحرف]. وكذلك: {وأن أتلو القرآن} [النمل: 92] الألف في (أتلو) ألف المخبر عن نفسه. وكذلك: {أجعل بينكم وبينهم ردما} [الكهف: 95]، {حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي} [الكهف: 60]
والذي تفتح فيه ألف المخبر عن نفسه لأن الماضي أكثر من أربعة [أحرف] قوله عز وجل: {استخلصه لنفسي} [يوسف: 54] فتحت الألف لأن الماضي «استخلص» وهو أكثر من أربعة أحرف. وكذلك: {أستجب لكم إن الذين يستكبرون} [غافر: 60] فتحت الألف لأن الماضي «استجاب» فهو أكثر من أربعة.
والذي تضم فيه ألف المخبر عن نفسه لأن الماضي على أربعة [أحرف] قوله: {أفرغ عليه قطرا} [الكهف: 96] ألا ترى أنك تقول في الماضي «أفرغ» فتجده على أربعة أحرف.
129- وقوله: {قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 259] اختلف القراء فيه فحدثني أبي قال: حدثنا أبو منصور قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن هارون قال: في قراءة عبد الله: (قيل اعلم أن الله) على وجه الأمر، وبالجزم قرأ حمزة والكسائي. فمن قرأ بهذه القراءة ابتدأ: (اعلم) بكسر الألف لأنها ألف وصل كسرت لأن ثالث المستقبل مفتوح وهو اللام في «يعلم».وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وأبو عمرو: (قال أعلم) بفتح الألف وقطعها لأنها ألف المخبر عن نفسه.
وذلك أنك تقول: «أعلم أنا غدا» فتجد الفعل يحسن بعده «أنا» وهو مستقبل وتقول في الماضي «علم» فتجده على أقل أربعة. فهذا يدلك على فتحها، وألف المخبر عن نفسه في ما لم يسم فاعله لا تكون إلا مضمومة قلت حروف الماضي أو كثرت كقولك: «أكرم، وأضرب، واستخلص».
وقوله تعالى {قال أتوني} [الكهف: 96] اختلف الفراء فيه. فكان أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو والكسائي يقرؤون: (آتوني) بالمد، على معنى أعطوني، فعلى هذا المذهب تبتدئ (آتوني) بالمد لأنها ألف قطع، الدليل على ذلك أنك تقول «آتي يؤتي» فتجد أول المستقبل مضمومًا.
وكان عاصم والأعمش وحمزة يقرؤون: (قال ائتوني) بلا مد. ففي هذا وجهان: أحدهما أن يكون من «المجيء» فتبتدئ: «ايتوني» بكسر الألف لأنها ألف وصل مبنية على ثالث المستقبل وهو التاء في «يأتي» فيكون المعنى: «ايتوني بقطر»، أي: جيئوني به، فتسقط الباء من «القطر» كما تقول: «تعلقت الخطام» بمعنى: تعلقت بالخطام، أنشد الفراء قال: أنشدني الكسائي:
تعلقت هندا ناشئا ذات مئزر = وأنت قد فارقت لم تدر ما الحلم
أراد: تعلقت بهند فأسقط الباء، وأنشد الفراء:
نغالي اللحم للأضياف نيئا = ونرخصه إذا نضج القدور
أراد: نغالي باللحم فأسقط الباء. وقال الله جل وعلا، وهو أدق قليلا، {وإذا كالوهم أو وزنوهم} [المطففين: 3] فمعناه: وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، فأسقط اللام، وقال أسراء: أنشدني القاسم، يعني ابن معن:
قالت حذام فأنصتوها = فإن القول ما قالت حذام
أراد: فأنصتوا لها، فحذف اللام. قال الفراء: وأنشدني المفضل
إن كنت أزمعت الفراق فإنما = زمت ركابكم بليل مظلم
أراد: إن كنت أزمعت على الفراق، فحذف «على».
وأنشد الفراء أيضًا:
وأيقنت التفرق يوم قالوا = تقسم مال أربد بالسهام
أراد: بالتفرق فحذف الباء. وقال الفراء: أنشدني أبو الجراح:
لقد طرقت رحال القوم ليلى = فأبعد دار مرتحل مزارا
أراد: فأبعد بدار مرتحل، فحذف الباء. والحجة الأخرى لمن قرأ: (قال أتوني) بالقصر أن يكون أراد «قال آتوني» بالمد فترك الهمزة الأولى فرجعت الهمزة الثانية. فعلى هذا يكون المعنى: أعطوني قطرًا. ويكون الابتداء: (آتوني) بالمد، على مذهب القراءة الأولى.
وألف الاستفهام التي تعرف بمجيء «أم» بعدها. قوله تعالى: {أفترى على الله كذبا أم به جنة} [سبأ: 8] هذه ألف الاستفهام، الدليل على ذلك مجيء «أم» بعدها. وكذلك: {أصطفى البنات على البنين} [الصافات: 153] هذه ألف
الاستفهام، الدليل على ذلك قوله: {أم لكم سلطان مبين} [الصافات: 156]
وكذلك: «{اتخذتم عند الله عهدا} [البقرة: 80] الألف ألف استفهام، الدليل على ذلك: {أم تقولون على الله ما لا تعلمون} [البقرة: 80] وكذلك: {أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} [المنافقون: 6] وكذلك: {أستكبرت أم كنت من العالين} [ص: 75] وكان الأصل في هذا «أاستكبرت، أافترى على الله، أاصطفى البنات على البنين، أاستغفرت» فحذف الألف الثانية لأنها ألف وصل.
فإن قال قائل: هلا أتوا بمدة بعد الألف فقالوا: «آفترى، آصطفى» كما قالا: {آلله خير} [النمل: 59]، {الذكرين حرم أم الأنثيين} [الأنعام: 143]، {الآن وقد عصيت قبل} [يونس: 91]؟ فيقال له: كان الأصل في هذا: «أألذكرين،
أله خير، أالآن، فأبدلوا من الألف الثانية مدة ليفرقوا بين الاستفهام والخبر، وذلك أنهم لو قالوا: الله خير بلا مد لالتبس الاستفهام بالخبر». أنشد الفراء:
آلحق أن دار الرباب تباعدت = أو انبت حبل أن قلبك طائر
ولم يحتاجوا إلى هذه المدة في قوله: {افترى على الله} [سبأ: 8] لأن ألف الاستفهام مفتوحة، وألف الخبر مكسورة، وذلك أنك تقول في الاستفهام: «أفترى، أصطفى، أستغفرت» بفتح الألف. وتقول في الخبر: «اصطفى، افترى، استغفرت» فجعلوا الفرق بالفتح والكسر، ولم يحتاجوا إلى فرق آخر.
وقوله: {من الأشرار. أتخذناهم} [ص: 62، 63]
اختلف القراء فيه، فكان ابن كثير والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائي يقرؤونها: (من الأشرار اتخذناهم) بإذهاب الألف في الوصل. فعلى هذا المذهب تبتدئ: (اتخذناهم) بكسر الألف لأنها مبنية على عين الفعل وهي الخاء في «يتخذ».
فإن قال قائل: إذا كانت الألف في (اتخذناهم) ألف وصل على أي شيء ترد «أم»؟ فقل: في هذا وجهان: أحدهما أن تكون «أم» مردودة على قوله: {ما لنا لا نرى رجالا} [ص: 62]. والوجه الآخر أن تكون «أم» نفسها هي الاستفهام، ولا تكون مردودة على شيء، لأن العرب فرقت بين الاستفهام الذي سبقه كلام وبين الاستفهام الذي لم يسبقه كلام، فجعلوا للاستفهام المبتدأ: هل والألف وما أشبه ذلك. وجعلوا للاستفهام المتوسط «أم» ليفرقوا بين الاستفهام المتقدم والمتوسط الدليل على هذا قوله تعالى: {الم. تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين. أم يقولون افتراه} [السجدة: 1، 3]. أتى بـ«أم» ولم يسبقها استفهام لما وصفناه، ومن ذلك قول امرئ القيس:
تروح من الحي أم تبتكر = وماذا يضيرك لو تنتظر
أتى بـ«أم» ولم يسبقها استفهام، فجعلها هي الاستفهام ليفرق بين المتقدم والمتوسط، وكذلك قول الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط = غلس الظلام من الرباب خيالا
قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وابن عامر الشامي وعاصم: (أتخذناهم) بقطع الألف. فمن قرأ بهذه القراءة ابتدأ: (أتخذناهم) بفتح الألف لأنها ألف الاستفهام وتكون «أم» مردودة عليها، والموضع الذي تعرفها فيه تحسُن «هل» في موضعها قوله تعالى: {الم. أحسب الناس أن يتركوا} [العنكبوت: 1، 2] هذه ألف الاستفهام لأنك لو أتيت بـ«هل» لصلح أن تقول: «الم، حل حسب الناس».
وألف ما لم يسم فاعله التي في أول الفعل قوله: {وقد أخرجنا من ديارنا} [البقرة: 246] الألف في «أخرج» ما لم يسم فاعله، ووزن «أخرج» من الفعل .
«أفعل». وكذلك: {أخرجوا من ديارهم وأموالهم} [الحشر: 8].
وأما ألف «استفعل» فقوله: {استجيب له حجتهم داحضة} [الشورى: 16] وكذلك: {استحفظوا من كتاب الله} [المائدة: 44]، {استخلف الذين من قبلهم} [النور: 55]، {استحق عليهم الأوليان} [المائدة: 107] من قرأ: (استحق) ابتدأ بالضم لأنها ألف ما لم يسم فاعله، وهي ألف «استفعل». ومن قرأ: (من الذين استحق) بحذف الألف في الوصل ابتدأ: (استحق) بالكسر لأنها ألف وصل مبنية على عين الفعل وهي القاف المكسورة، وذلك أن الأصل في المستقبل «يستحق» فاستثقلوا الجمع بين حرفين متحركين من جنس واحد فأسقطوا كسرة القاف الأولى بنقلها إلى الحاء، وأدغموها في القاف الثانية فصارتا قافًا مشددة، ومثل هذه المسألة قوله: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت}
[الحج: 5] هذه الهمزة همزة الماء، وألف (اهتزت) ساقطة في الوصل. وإذا ابتدأت (اهتزت) ابتدأت بكسر الألف لأنها مبنية على عين الفعل وهي الزاي المكسورة، وذلك أن الأصل في المستقبل «يهتزز» فأسقطت كسرة الزاي الأولى وأدغمت في الزاي الثانية فصارتا زايا مشددة.
وأما ألف «افتعل» فقوله عز وجل: {ابتلي المؤمنون} [الأحزاب: 11] {اضطر غير باغ} [البقرة: 173] كان في الأصل فيه: «اضطر» فأسقطوا حركة الراء الأولى وأدغموها في الراء الثانية وكذلك: {اجتثت من فوق الأرض} [إبراهيم: 26] ألف (اجتثت) ألف «افتعل» كان الأصل فيها: «اجتثت» فأسقطت حركة التاء الأولى وأدغمت
[إيضاح الوقف والابتداء: 1/198]
في التاء التي بعدها فصارتا تاء مشددة. وكذلك: {فليؤد الذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283] تبتدئ: (اؤتمن) لأنها ألف «افتعل» وكان الأصل فيه: «أأتمن» فجعلت الهمزة الساكنة واوًا لانضمام ما قبلها، وأجاز الكسائي أن يبتدأ: «أأتمن» بهمزتين.
وأما ألف «انفعل» فقولك في الكلام: «انقطع بالرجل». وقد تكون في سوى هؤلاء الأمثلة الأربعة في غير القرآن، فلم نذكره إشفاقًا من الإطالة.
فإن قال قائل: لم صارت ألف ما لم يسم فاعله مضمومة؟ فقل: لأن فعل ما لم يسم فاعله يقتضي اثنين: فاعلاً ومفعولاً. وذلك أنك إذا قلت: «ضرب وشتم» كان الفعل يدل على ضارب ومضروب وشاتم ومشتوم. فضموا أوله لتكون الضمة دالة على اثنين كما قالوا: زيد حيث عمرو. فأعطوا «حيث» الضمة في كل حال لأنها تدل على محلين. وذلك أنك إذا
[إيضاح الوقف والابتداء: 1/199]
قلت: زيد حيث عمرو، فمعناه: زيد في مكان فيه عمرو. وما تضمنت معنى محلين أعطيت الضمة في كل حال. الدليل على قوله تعالى: {ومن حيث خرجت} [البقرة: 149] وقوله: {من حيث لا يعلمون} [الأعراف: 182] دخل الخافض على «حيث» ولم يزل عنها ضمها للعلة التي ذكرناها. وكذلك قالوا: «نحن قمنا» فجعلوا النون في «نحن» مضمومة في كل حال لأن «نحن» تتضمن معنى التثنية والجمع. وذلك أنك تقول «نحن قمنا» مخبرًا عنك وعن آخر قام معك. وتقول نحن قمنا مخبرًا عنك وعن جمع قاموا معك. فلما تضمن معنيين أعطي الضمة.
فكذلك فعل ما لم يُسم فاعله، لما تضمن معنى الفاعل والمفعول جعل أوله مضمومًا في كل حال. فإن قال قائل: لم صار يتضمن معنيين يعطي الضم؟ فقل لأنه يقوى فيُعطى أثقل الحركات. فإن قال لك قائل: زعمت أن ألف المخبر عن نفسه تعرف بأن يحسن «أنا» بعد الفعل وقد وجدنا الألف مكسورة في قوله: {اصطفيتك على الناس} [الأعراف: 144] و«أنا» يحسن بعده، لأنك تقول: اصطفيت أنا؟ فيقال له: إنما تعرف ألف المتكلم بأن يحسن بعد الفعل «أنا» ويكون الفعل مستقبلاً و«اصطفيتك» فعل ماض لا يصلح أن تقول فيه: اصطفيت غدا، فلما كان فعلاً ماضيًا بطل أن تكون الألف فيه ألف المخبر عن نفسه. والألف في «اصطفى» ألف وصل، وهي مكسورة لأنها مبنية على عين الفعل، وهي الفاء في «يصطفي» يُقاس على هذا كل ما يرد من ألفات الأفعال إن شاء الله
). [إيضاح الوقف والابتداء: 1/151-201]


رد مع اقتباس