عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 03:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 34 إلى 45]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا َيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه...}
ولم يقل: ينفقونهما. فإن شئت وجّهت الذهب والفضة إلى الكنوز فكان توحيدها من ذلك. وإن شئت اكتفيت بذكر أحدهما من صاحبه؛ كما قال: {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها} فجعله للتجارة، وقوله: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً} فجعله - والله أعلم - للإثم، وقال الشاعر في مثل ذلك:


نحن بما عندنا وأنت بما عنـ = دك راضٍ والرأي مختلف
ولم يقل: راضون، وقال الآخر:

إني ضمنت لمن أتاني ما جنى =وأبى وكان وكنت غير غدور
ولم يقل: غدورين، وذلك لاتفاق المعنى يكتفى بذكر الواحد. وقوله: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} إن شئت جعلته من ذلك: مما اكتفى ببعضه من بعض، وإن شئت جعلت الله تبارك وتعالى في هذا الموضع ذكر لتعظيمه، والمعنى للرسول صلى الله عيه وسلم؛ كما قال: {وإذ تقول للّذي أنعم اللّه عليه وأنعمت عليه} ألا ترى أنك قد تقول لعبدك: قد أعتقك الله وأعتقتك، فبدأت بالله تبارك وتعالى تفويضا إليه وتعظيما له، وإنما يقصد قصد نفسه). [معاني القرآن: 1/434]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها} صار الخبر عن أحدهما، ولم يقل (ولا ينفقونهما) والعرب تفعل ذلك، إذا أشركوا بين اثنين قصروا فخبّروا عن أحدهما استغناءً بذلك وتخفيفاً، لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه ودخل معه في ذلك الخبر، قال:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله..=. فإنّي وقيّارٌ بها لغريب
وقال:

نحن بما عندنا وأنت بما..=. عندك راض والرأي مختلف
وقال حسّان بن ثابت:
إن شرخ الشّباب والشّعر الأسـ .=.. ود ما لم يعاص كان جنونا
ولم يقل يعاصيا وقال جرير:
ما كان حينك والشقّاء لينتهي..=. حتى أزورك في مغار محصدٍ
لم يقل لينتهيا). [مجاز القرآن: 1/257-258]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيراً مّن الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ * يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}
وقال: {يكنزون الذّهب والفضّة} ثم قال: {يحمى عليها في نار جهنّم} فجعل الكلام على الآخر. وقال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما = عندك راضٍ والرأي مختلف).
[معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيرا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذاب أليم}
{والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذاب أليم}
أكثر التفسير إنما هو للمشركين، وقد قيل إنها فيمن منع الزكاة من أهل القبلة لأن من أدى من ماله زكاته فقد أنفق في سبيل الله ما يجب من ماله.
وقوله: {ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره}.
دخلت إلا، ولا جحد في الكلام، وأنت لا تقول ضربت إلا زيدا، لأن الكلام غير دال على المحذوف.
وإذا قلت: {ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره}.
فالمعنى يأبى اللّه كل شيء إلا أن يتم نوره وزعم بعض النحويين أن في " يأبى " طرفا من الجحد، والجحد والتحقيق ليسا بذي أطراف، وآلة الجحد لا، وما، ولم، ولن، وليس، فهذه لا أطراف لها. ينطق بها على حالها، ولا يكون الإيجاب جحدا ولو جاز هذا على أن فيه طرفا من الجحد لجاز: كرهت إلا أخاك، ولا دليل ههنا على
المكروه، ما هو ولا من هو، فكرهت مثل أبيت، إلا أن أبيت الحذف مستعمل وقوله: {ولا ينفقونها في سبيل اللّه}.
فقال: {الذهب والفضة} ولم يقل ولا ينفقونهما في سبيل اللّه، فإنما جاز ذلك لأن المعنى يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون المكنوز في سبيل الله.
ويجوز أن يكون محمولا على الأموال، فيكون: {ولا ينفقونها}، ولا ينفقون الأموال، ويجوز أن يكون: ولا ينفقونها. ولا ينفقون الفضة، وحذف الذهب لأنه داخل في الفضّة كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما.=.. عندك راض والرأي مختلف.
يريد نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض.
فحذف " راضون " فكذلك يكون المعنى:
والذين يكنزون الذهب ولا ينفقونه في سبيل اللّه، والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه). [معاني القرآن: 2/444-445]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله}
يجوز أن يكون المعنى ولا ينفقون الكنوز لأن الكنوز تشتمل
على الذهب والفضة ههنا
ويجوز أن يكون لأحدهما كما قال والله ورسوله أحق أن يرضوه
وفي هذه الآية أقوال
روى عكرمة عن ابن عباس وعطية ونافع عن ابن عمر أنهما قالا ما أديت زكاته فليس بكنز
ويقوي ذلك أن ابن جريج روى عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت شره عنك
وقيل إن هذه الآية نزلت في المشركين
وقال أبو هريرة من خلف عشرة آلاف جعلت صفائح وعذب بها حتى ينقضي الحساب
وقال أبو أمامة من خلف بيضاء أو صفراء كوي بها مغفورا له أو غير مغفور له وإن حله السيف من ذلك
وروى موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس عن مالك ابن أوس بن الحدثان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة لا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة
وقال معاوية نزلت في أهل الكتاب فرد عليه أبو ذر وقال نزلت فينا وفيهم
وحديث ابن عمر في هذا حسن على توقيه وهو جيد الإسناد رواه مالك وأيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر
وقد روي أيضا عن عمر أنه قال ليس كنزا ما أديت زكاته
وكذلك قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إلا أنه قال أراها منسوختا لقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} وليس في الخبر ناسخ ولا منسوخ
وروى أبو زبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا أتى له بماله فأحمي عليه في نار جهنم فتكوى به جنباه وجبهته وظهره حتى يحكم الله بين عباده)) وذكر الحديث). [معاني القرآن: 3/202-205]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) )

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم...}
جاء التفسير: في الاثني عشر. وجاء {فيهن}: في الأشهر الحرم؛ وهو أشبه بالصواب - والله أعلم - ليتبين بالنهي فيها عظم حرمتها؛ كما قال: {حافظوا على الصّلوات} ثم قال: {والصّلاة الوسطى} فعظّمت، ولم يرخص في غيرها بترك المحافظة. ويدلّك على أنه للأربعة - والله أعلم - قوله: (فيهن) ولم يقل (فيها). وكذلك كلام العرب لما بين الثلاثة إلى العشرة تقول: لثلاث ليال خلون، وثلاثة أيام خلون إلى العشرة، فإذا جزت العشرة قالوا: خلت، ومضت. ويقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة (هنّ) و(هؤلاء) فإذا جزت العشرة قالوا (هي، وهذه) إرادة أن تعرف سمة القليل من الكثير. ويجوز في كل واحد ما جاز في صاحبه؛ أنشدني أبو القمقام الفقعسيّ:
أصبحن في قرحٍ وفي داراتها = سبع ليال غير معلوفاتها
ولم يقل: معلوفاتهن وهي سبع، وكل ذلك صواب، إلا أن المؤثر ما فسّرت لك. ومثله: {وقال نسوةٌ في المدينة} فذكّر الفعل لقلّة النسوة ووقوع (هؤلاء) عليهن كما يقع على الرجال. ومنه قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} ولم يقل: انسلخت، وكلٌّ صواب. وقال الله تبارك وتعالى: {إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك} لقلّتهن ولم يقل (تلك) ولو قيلت كان صوابا). [معاني القرآن: 1/435]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {المشركين كافّةً...}
يقول: جميعا. والكافّة لا تكون مذكّرة ولا مجموعة على عدد الرجال فتقول: كافّين، أو كافّات للنسوة، ولكنها {كافّة} بالهاء والتوحيد في كل جهة؛ لأنها وإن كانت على لفظ (فاعلة) فإنها في مذهب مصدر؛ مثل الخاصّة، والعاقبة، والعافية. ولذلك لم تدخل فيها العرب الألف واللام لأنها آخر الكلام مع معنى المصدر. وهي في مذهب قولك: قاموا معا وقاموا جميعا؛ ألا ترى أن الألف واللام قد رفضت في قولك: قاموا معا، وقاموا جميعا، كما رفضوها في أجمعين وأكتعين وكلهم إذ كانت في ذلك المعنى. فإن قلت: فإن العرب قد تدخل الألف واللام في الجميع، فينبغي لها أن تدخل في كافة وما أشبهها، قلت: لأن الجميع على مذهبين، أحدهما مصدر، والآخر اسم، فهو الذي شبّه عليك. فإذا أردت الجميع الذي في معنى الاسم جمعته وأدخلت فيه الألف واللام؛ مثل قوله: {وإنا لجميعٌ حاذرون}، وقوله: {سيهزم الجمع ويولّون الدّبر} وأما الذي في معنى معا وكافّة فقولك للرجلين: قاما جميعا، وللقوم: قاموا جميعا، وللنسوة: قمن جميعا، فهذا في معنى كلّ وأجمعين، فلا تدخله ألفا ولاما كما لم تدخل في أجمعين). [معاني القرآن: 1/436]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الدّين القيّم} مجازه: القائم أي المستقيم، خرج مخرج سيّد، وهو من ساد يسود بمنزلة قام يقوم.
{وقاتلوا المشركين كافّةً} أي عامة، يقال: جاءوني كافة، أي جميعاً). [مجاز القرآن: 1/258]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم
خلق السّماوات والأرض منها أربعةٌ حرمٌ} ثم قال: {ذلك الدّين القيّم} أي الحساب الصحيح والعدد المستوي. والأربعة الحرم: ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم، ورجب الشهر الأصم.
وقال قوم: هي الأربعة الأشهر التي أجلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلم، المشركين فقال: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ}. وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. واحتجوا بقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [سورة التوبة آية: 5]، وأنكروا أن يكون رجب منها. وكانت العرب تعظم رجب، وتسمّيه منصل الأسنّة ومنصل الألّ، لأنهم كانوا ينزعون الأسنة فيه والألّ وهي الحراب. ويسمونه أيضا: شهر اللّه الأصم، لأنهم كانوا لا يحاربون فيه لأنه محرم عليه. ولا يسمع فيه تداعي القبائل أو قعقعة السلاح. قال الأعشى:
تداركه في منصل الألّ بعد ما مضى غير دأداء وقد كاد يذهب
وقال حميد بن ثور يصف إبلا:
رعينا المرار الجون من كلّ مذنب شهور جمادي كلها والمحرّما
يريد بالمحرم رجبا.
وأما قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} فإنما عني الثلاثة منها، لأنها متوالية، لا أنّه جعل فيها شوّالا وأخرج رجبا.
ويقال: إن الأربعة الأشهر التي أجّلها رسول اللّه المشركين من عشر ذي الحجة إلى عشر ربيع الآخر، وسماها حرما لأن اللّه حرم فيها قتالهم وقتلهم). [تفسير غريب القرآن: 184-186]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ عدّة الشّهور عند اللّه اثنا عشر شهرا في كتاب اللّه يوم خلق السّماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدّين القيّم فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
أعلم اللّه جلّ وعزّ: أن عدة شهور المسلمين، الذين تعبّدوا بأن يجعلوا لسنتهم - اثنا عشر شهرا، على منازل القمر، فجعل حجهم وأعيادهم
وصلاتهم في أعبادهم هذا العدد، فالحج والصوم يكون مرة في الشتاء ومرة في الصيف، وفي فصول الأزمان على قدر الشهور ودوران السنين، وكانت أعياد أهل الكتاب ومتعبّداتهم في سنتهم يعملون فيها على أن السنة ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوما وبعض يوم، على هذا يجري أمر النصارى واليهود.
فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن سني المسلمين على الأهلّة.
وقوله: {منها أربعة حرم}
الأربعة الحرم: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة.
{فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم}.
قيل في الأربعة، وقيل في الاثني عشر. فمن قال في الأربعة قال: أراد تعظيم شأن المعاصي - كما قال جلّ وعزّ: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ}
فالفسوق لا يجوز في حج ولا غيره، ولكنه عزّ وجلّ عرف الأيام التي تكون فيها المعاصي أكثر إثما وعقابا.
وقوله: {وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة}.
فـ " كافّة " منصوب على الحال، وهو مصدر على فاعله كما قالوا العاقبة والعافية. وهو في موضع قاتلوا المشركين محيطين بهم باعتقاد مقاتلتهم.
وهذا مشتق من كفّة الشيء، وهي حرفه، وإنما أخذ من أن الشيء إذا انتهى إلى ذلك كفّ عن الزيادة، ولا يجوز أن يثنّى ولا يجمع، ولا يقال قاتلوهم كافّات ولا كافّين، كما أنك إذا قلت: قاتلوهم عامّة لم تثنّ ولم تجمع، وكذلك خاصّة.
هذا مذهب النحويين.
وقوله عزّ وجلّ: {واعلموا أنّ اللّه مع المتقين}.
تأويله أنه ضامن لهم النصر). [معاني القرآن: 2/445-447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم}
الأربعة الحرم المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة
ثم قال جل وعز: {ذلك الدين القيم}
الدين ههنا الحساب أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوفى
وعن ابن عباس {ذلك الدين القيم} قال القضاء القيم
وقال أبو عبيدة أي القائم: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} [آية: 36]
أكثر أهل التفسير على أن المعنى فلا تظلموا في الأربعة أنفسكم وخصها تعظيما كما قال فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران
عن ابن عباس فلا تظلموا فيهن أنفسكم في الاثني عشر
وروى قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال فيهن كلهن). [معاني القرآن: 3/205-207]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والأربعة الحُرمُ} ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب. وجعل قوم شوالا منها، وأخرجوا رجبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر...}
كانت العرب في الجاهلية إذا أرادوا الصدر عن منىً قام رجل من بني كنانة يقال له (نعيم بن ثعلبة) وكان رئيس الموسم، فيقول: أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ولا يردّ لي قضاء. فيقولون: صدقت، أنسئنا شهرا، يريدون: أخّر عنّا حرمة المحرم
واجعلها في صفر، وأحلّ المحرم، فيفعل ذلك. وإنما دعاهم إلى ذاك توالى ثلاثة أشهر حرم لا يغيرون فيها، وإنما كان معاشهم من الإغارة، فيفعل ذلك عاما، ثم يرجع إلى المحرم فيحرّمه ويحلّ صفرا، فذلك الإنساء. تقول إذا أخرت الرجل بدينه: أنسأته، فإذا زدت في الأجل زيادة يقع عليها تأخير قلت: قد نسأت في أيامك وفي أجلك، وكذلك تقول للرجل: نسأ الله في أجلك؛ لأن الأجل مزيد فيه. ولذلك قيل للّبن (نسأته) لزيادة الماء فيه، ونسئت المرأة إذا حبلت أي جعل زيادة الولد فيها كزيادة الماء في اللبن، وللناقة: نسأتها، أي زجرتها ليزداد سيرها. والنسيء المصدر، ويكون المنسوء مثل القتيل والمقتول.
وقوله: {يضلّ به الّذين كفروا} قرأها ابن مسعود {يضلّ به الذين كفروا} وقرأها زيد بن ثابت {يضلّ} يجعل الفعل لهم، وقرأ الحسن البصري (يضلّ به الذين كفروا)، كأنه جعل الفعل لهم يضلّون به الناس وينسئونه لهم.
وقوله: {لّيواطئوا عدّة} يقول: لا يخرجون من تحريم أربعة). [معاني القرآن: 1/436-437]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} كانت النسأة في الجاهلية، وهم بنو فقيم من كنانة اجتبروا لدينهم ولشدتهم في دينهم في الجاهلية، إذا اجتمعت العرب
في ذي الحجة للموسم وأرادوا أن يؤخروا ذا الحجة في قابل لحاجة أو لحرب، نادى مناد: إن المحرم في صفر وكانوا يسمون المحرّم وصفر الصفرين، والمحرّم صفر الأكبر، وصفر المحرم الأصغر فيحلون المحرم ويحّرمون صفر، فلا يفعلون ذلك كل عام، حتى إذا حج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة الذي يكون فيه الحج قال: " إن الزمان قد استدار وعاد كهيئته، فاحفظوا العدد) فينصرف الناس بذلك إلى منازلهم.
{ليواطوا} مجازه: ليوافقوا من وطئت، قال ابن مقبل:

ومنهلٍ دعس آثار المطيّ به.=.. يأتي المخارم عرنينا فعرنينا
واطأته بالسّرى حتى تركت به=ليل التمّام ترى أعلامه جونا).
[مجاز القرآن: 1/258-260]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاماً ويحرّمونه عاماً لّيواطئوا عدّة ما حرّم الله فيحلّوا ما حرّم الله زيّن لهم سوء أعمالهم واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
وقال: {إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر} وهو التأخير. وتقول "أنسأته الدّين" إذا جعلته إليه يؤخره هو. و:"نسأت عنه دينه" أي: أخرته عنه. وإنما قلت: "أنسأته الدّين" لأنك تقول: "جعلته له يؤخّره" و"نسأت عنه دينه" "فأنا أنّسؤه" أي: أؤخّره. وكذلك "النّساء في العمر" يقال: "من سرّه النّساء في العمر"، ويقال "عرق النّسا" غير مهموز.
وقال: {لّيواطئوا} لأنها من "واطأت" ومثله {هي أشدّ وطاءً} أي: مواطأة، وهي المواتاة وبعضهم قال {وطءا} أي: قياما). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إنما النسيء}: النسيء التأخير والنسأة قوم من كنانة كانوا يؤخرون الشهور الحرم.
{ليواطئوا}: الموافقة، يقال واطأ في الشعر إذا جعل بيتين على قافية واحدة). [غريب القرآن وتفسيره:163- 164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( والنّسيء نسء الشهور وهو تأخيرها. وكانوا يؤخرون تحريم المحرم منها سنة ويحرمون غيره مكانه لحاجتهم إلى القتال فيه ثم يردونه إلى التحريم في سنة أخرى. كأنهم يستنسئون ذلك ويستقرضونه.
{ليواطؤا} أي ليوافقوا {عدّة ما حرّم اللّه} يقول: إذا حرموا من الشهور عدد الشهور المحرمة لم [يبالوا] أن يحلّوا الحرام ويحرّموا الحلال). [تفسير غريب القرآن: 186]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما النّسيء زيادة في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاما ويحرّمونه عاما ليواطئوا عدّة ما حرّم اللّه فيحلّوا ما حرّم اللّه زيّن لهم سوء أعمالهم واللّه لا يهدي القوم الكافرين}
النسيء - هذا - تأخير الشيء، وكانوا يحرمون القتال في المحرم فإذا عزموا على أن يقاتلوا فيه جعلوا صفرا كالمحرم، وقاتلوا في المحرم وأبدلوا صفرا منه، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن ذلك زيادة في الكفر.
{ليواطئوا عدّة ما حرّم اللّه}.
فيجعلوا صفرا كالمحرم في العدة، ويقولوا: إن هذه أربعة بمنزلة أربعة.
والمواطأة المماثلة والاتفاق على الشيء). [معاني القرآن: 2/447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنما النسيء زيادة في الكفر}
النسيء التأخير ومنه نسأ الله في أجلك
ثم قال جل وعز: {يضل به الذين كفروا}
قال الزهري وقتادة والضحاك وأبو وائل والشعبي كانوا ربما أخروا تحريم المحرم إلى صفر
قال قتادة وكانوا يسمونها الصفرين
وقال مجاهد كان لهم حساب يحسبون فربما قالوا لهم الحج في هذه السنة في المحرم فيقبلون منهم
ودل على هذا قوله: {ولا جدال في الحج} أي إنه في ذي الحجة
قال أبو جعفر وأبين ما في هذا ما حدثناه بكر بن سهل قال نا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال كان جنادة بن
أمية يوافي الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فينادي ألا إن أبا ثمامة لا يخاب ولا يعاب ألا وإن صفر العام الأول العام حلال فيحله للناس ويحرم صفرا عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قول الله جل وعز: {إنما النسيء زيادة في الكفر} الآية قال والنسيء تركهم المحرم عاما وعاما يحرمونه
وقرأ الحسن يضل به الذين كفروا يعني بالذين كفروا الحساب الذين يقولون لهم هذا
ويروى عن عبد الله بن مسعود يضل به الذين كفروا أي يضل به الذين يقبلون من الحساب
ويحتج لمن قال بالقول الأول بقوله جل وعز: {يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله} أي ليوافقوا فيحرموا أربعة كما حرم الله جل وعز أربعة). [معاني القرآن: 3/207-209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{النَّسِيءُ} التأخير، كانوا يؤخرون تحريم المحرم من أشهر المحرم سنة، ويحرمون غيره لحاجتهم إلى القتال فيه، ثم يردونه إلى المحرم في سنة أخرى كأنه استقراض.
{لِيُوَاطِئُوا} أي ليوافقوا العدة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {النَّسِيء}: التأخير
{المواطأة}: الموافقة). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم...}
معناه والله أعلم: {تثاقلتم} فإذا وصلتها العرب بكلام أدغموا التاء في الثاء؛ لأنها مناسبة لها، ويحدثون ألفا لم يكن؛ ليبنوا الحرف على الإدغام في الابتداء والوصل. وكأن إحداثهم الألف ليقع بها الابتداء، ولو حذفت لأظهروا التاء لأنها مبتدأة،
والمبتدأ لا يكون إلا متحركا. وكذلك قوله: {حتى إذا ادّاركوا فيها جميعاً}، وقوله: {وازّيّنت} المعنى - والله أعلم -: تزينت، و{قالوا اطّيّرنا} معناه: تطيرنا. والعرب تقول: {حتى إذا اداركوا} تجمع بين ساكنين: بين التاء من تداركوا وبين الألف من إذا. وبذلك كان يأخذ أبو عمرو بن العلاء ويردّ الوجه الأوّل، وأنشدني الكسائي:
تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا = عذب المذاق إذا ما اتّابع القبل).
[معاني القرآن: 1/437-438]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثّاقلتم إلى الأرض}، انفروا: اخرجوا واغزوا، ومحاز: {أثاقلتم}: مجاز افتعلتم من التثاقل فأدغمت التاء في الثاء فثقلت وشددت؛ إلى الأرض أي أخلدتم إليها فأقمتم وابطأتم). [مجاز القرآن: 1/260]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلاّ قليلٌ}
وقال: {اثّاقلتم إلى الأرض} لأنه من "تثاقلتم" فأدغم التاء في الثاء فسكنت فأحدث لها ألفاً ليصل إلى الكلام بها). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اثّاقلتم إلى الأرض} أراد تثاقلتم فأدغم التاء في الثاء، وأحدث الألف ليسكن ما بعدها. وأراد: قعدتم ولم تخرجوا [وركنتم] إلى المقام). [تفسير غريب القرآن: 186]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلّا قليل}
الإجماع في الروايات أن هذا كان في غزوة تبوك، وذلك أن الناس خرجوا فيه على ضيقة شديدة شاقة.
وقوله عزّ وجلّ: {اثّاقلتم إلى الأرض}.
المعنى تثاقلتم، إلا أن التاء أدغمت في التاء، فصارت ثاء ساكنة.
فابتدئت بألف الوصل - الابتداء -.
وفي {اثّاقلتم إلى الأرض} عندي غير وجه.
منها أن معناه تثاقلتم إلى الإقامة بأرضكم، ومنها اثّاقلتم إلى شهوات الدنيا.
وقوله: {أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة}.
أي أرضيتم بنعيم الحياة الدنيا من نعيم الآخرة
{فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلّا قليل}.
أي ما يتمتع به في الدنيا قليل عندما يتمتع به أولياء اللّه في الجنة). [معاني القرآن: 2/447-448]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض}
قال مجاهد في غزوة تبوك أمروا بالخروج في شدة الحر وقد طابت الثمار وقالوا إلى الظلال
ثم قال جل وعز: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} [آية: 38] أي أرضيتم بنعيم الحياة الدنيا من نعيم الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل
والمتاع المنفعة والنعيم). [معاني القرآن: 3/209]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إلّا تنفروا يعذّبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضرّوه شيئا واللّه على كلّ شيء قدير}
هذا وعيد شديد في التخلف عن الجهاد، وأعلم انه يستبدل لنصر دينه ونبيه قوما غير مثاقلين عن النصر إلى أعدائه إذ أعلمهم اللّه عزّ وجل أنهم إن تركوا نصره فلن يضره ذلك شيئا كما لم يضرره إذ كان بمكة لا ناصرين له.
فقال عز وجل:
{إلّا تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الّذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللّه معنا فأنزل اللّه سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها وجعل كلمة الّذين كفروا السّفلى وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيز حكيم (40)}
وكان المشركون قد أجمعوا على قتله - صلى الله عليه وسلم - فمضى هو وأبو بكر الصديق هاربا منهم في الليل، وترك عليا على فراشه ليروا شخصه على الفراش فلا يعلمون وقت مضيّه، وأطلعا أسماء بنت أبي بكر على مكانهما في الغار، ومر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمامة، وهي شجرة صغيرة ضعيفة فأمر أبا بكر أن يأخذها معه، فلما صارا إلى الغار، أمر أبا بكر فجعلها على باب الغار، ثم سبق أبو بكر إلى دخول الغار فانبطح فيه، وألقى نفسه، فقال رسول اللّه: لم فعلت ذلك؟
فقال: لأنّ هذه الغيران تكون فيها الهوامّ المؤذية والسباع فأحببت إن كان فيها شيء أن أقيك بنفسي يا رسول اللّه.
ونظر أبو بكر إلى جحر في الغار فسدّه برجله، وقال إن خرج منه ما يؤذي وقيتك منه.
فلما أصبح المشركون اجتازوا بالغار فبكى أبو بكر الصديق فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يبكيك؟
فقال: أخاف أن تقتل فلا يعبد اللّه بعد اليوم.
فقال له رسول اللّه: {لا تحزن إنّ اللّه معنا} أي إنّ الله تعالى يمنعهم منا وينصرنا،
فقال: أهكذا يا رسول اللّه: قال نعم فرقأ دمع أبو بكر وسكن.
وقال المشركون حين اجتازوا بالغار: لو كان فيه أحد لم تكن ببابه هذه الثمامة.
{فأنزل اللّه سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها}.
أيده بملائكة يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه.
وقوله: {سكينته عليه}.
يجوز أن تكون الهاء التي في عليه لأبي بكر، وجائز أن تكون ترجع على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن اللّه جل ثناؤه ألقى في قلبه ما سكن به وعلم أنهم غير واصلين إليه.
فأعلم الله أنهم إن تركوا نصره، نصره كما نصره في هذه الحال.
وثاني اثنين منصوب على الحال.
المعنى فقد نصره الله أحد اثنين.
أي نصره منفردا إلا من أبي بكر - رضي الله عنه -). [معاني القرآن: 2/448-449]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وجعل كلمة الّذين كفروا السّفلى...}
فأوقع {جعل} على الكلمة، ثم قال: {وكلمة اللّه هي العليا} على الاستئناف، ولم ترد بالفعل. وكلمة الذين كفروا الشرك بالله، وكلمة الله قول {لا إله إلا الله}. ويجوز {وكلمة الله هي العليا} ولست أستحبّ ذلك لظهور الله تبارك وتعالى؛ لأنه لو نصبها - والفعل فعله - كان أجود الكلام أن يقال: "وكلمته هي العليا"؛ ألا ترى أنك تقول: قد أعتق أبوك غلامه، ولا يكادون يقولون: أعتق أبوك غلام أبيك. وقال الشاعر في إجازة ذلك:
متى تأت زيدا قاعدا عند حوضه =لتهدم ظلما حوض زيد تقارع
فذكر زيدا مرّتين ولم يكن عنه في الثانية، والكناية وجه الكلام). [معاني القرآن: 1/438]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ الله معنا} أي ناصرنا وحافظنا). [مجاز القرآن: 1/260]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إلاّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الّذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللّه معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنودٍ لّم تروها وجعل كلمة الّذين كفروا السّفلى وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيزٌ حكيمٌ}
وقال: {وكلمة اللّه هي العليا} لأنه لم يحمله على {جعل} وحمله على الابتداء.
وقال: {ثاني اثنين} وكذلك {ثالث ثلاثةٍ} وهو كلام العرب. وقد يجوز "ثاني واحدٍ" و"ثالث اثنين" وفي كتاب الله {ما يكون من نّجوى ثلاثةٍ إلاّ هو رابعهم ولا خمسةٍ إلاّ هو سادسهم} وقال: {ثلاثةٌ رّابعهم كلبهم} و{خمسةٌ سادسهم كلبهم} و{سبعةٌ وثامنهم كلبهم} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأنزل اللّه سكينته عليه} السكينة: السكون والطمأنينة.
{عليه} قال قوم: على أبي بكر واحتجوا بأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، كان مطمئنا يقول لصاحبه: {لا تحزن إنّ اللّه معنا}، والمذعور صاحبه، فأنزل اللّه السكينة.
{وأيّده} أي قواه بملائكة. قال الزهري: الغار في جبل يسمى «ثورا» ومكثا فيه ثلاثة أيام). [تفسير غريب القرآن: 186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار}
قال الزهري خرج هو وأبو بكر ودخلا غارا في جبل ثور فأقاما فيه ثلاثا
والمعنى فقد نصره الله ثاني اثنين أي نصره الله منفردا إلا من أبي بكر رضي الله عنه
وقوله جل وعز: {فأنزل الله سكينته عليه}
يجوز أن تكون تعود على أبي بكر والأشبه على قول أهل النظر أن تكون تعود على أبي بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت عليه السكينة وهي السكون والطمأنينة لأنه جل وعز أخبر عنه أنه قال: {لا تحزن إن الله معنا} وسأذكر هذا في الإعراب على غاية الشرح). [معاني القرآن: 3/209-210]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والسكينة} الطمأنينة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 97]

تفسير قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {انفروا خفافاً وثقالاً...}
يقول: لينفر منكم ذو العيال والميسرة، فهؤلاء الثقال. والخفاف: ذوو العسرة وقلّة العيال. ويقال: {انفروا خفافاً}: نشاطا {وثقالا} وإن ثقل عليكم الخروج). [معاني القرآن: 1/439]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خيرٌ لّكم إن كنتم تعلمون}
وقال: {انفروا خفافاً وثقالاً} في هذه الحال. إن شئت {انفروا} في لغة من قال "ينفر" وإن شئت {انفروا} ). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {انفروا خفافاً وثقالًا} أي لينفر منكم من كان مخفا ومثقلا. و«المخف»: يجوز أن يكون: الخفيف الحال: ويكون: الخفيف الظهر من العيال. و«المثقل: يجوز أن يكون: الغني. [ويجوز أن يكون الكثير العيال].
ويجوز أن يكون [المعنى] شبابا وشيوخا. واللّه أعلم بما أراد. وقد ذهب المفسرون إلى نحو مما ذهبنا إليه). [تفسير غريب القرآن: 187]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقال جلّ وعزّ: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللّه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}
فقيل {خفافا وثقالا} أي موسرين ومعسرين.
وقيل {خفافا وثقالا} خفت عليكم الحركة أو ثقلت، وقيل ركبانا ومشاة، وقيل أيضا شبابا وشيوخا.
ويروى أن ابن أمّ مكتوم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أعليّ أن أنفر، فقال نعم، حتى أنزل اللّه عزّ وجلّ: {ليس على الأعمى حرج} ). [معاني القرآن: 2/449]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {انفروا خفافا وثقالا}
في معنى هذا أقوال منها:
أن أنس بن مالك روى أن أبا طلحة تأولها شبابا وشيوخا
وقال المقداد لا أجدني إلا مخفا أو مثقلا
وقال الحسن في العسر واليسر
وروى سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي ملك الغفاري قال أول ما نزل من سورة براءة انفروا خفافا وثقالا
وقال أبو الضحى كذلك أيضا
ثم نزل أولها وآخرها
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد انفروا خفافا وثقالا قال فيه الثقيل وذو الحاجة والضيعة والشغل وأنزل الله عز وجل: {انفروا خفافا وثقالا}
وروى سفيان عن منصور في قوله: {انفروا خفافا وثقالا} قال مشاغيل وغير مشاغيل
وقال قتادة ومذهب الشافعي ركبانا ومشاة
وقال قتادة نشاطا وغير نشاط
وقال زيد بن أسلم المثقل الذي له عيال والمخف الذي لا عيال له
وهذا حين كان أهل الإسلام قليلا ثم نزل وما كان المؤمنون لينفروا كافة
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة
والمعنى انفروا على كل الأحوال
ومن أجمع هذه الأقوال قول الحسن
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد الكناني بالأنبار قال نا نصر بن علي قال أخبرني أبي قال نا شعبة عن منصور بن
زاذان عن الحسن انفروا خفافا وثقالا قال في العسر واليسر
وقول أبي طلحة حسن لأن الشاب تخف عليه الحركة والشيخ تثقل عليه). [معاني القرآن: 3/210-213]

تفسير قوله تعالى: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الشّقّة} السفر البعيد، يقال: إنك لبعيد الشّقّة، قال الأّخوص الرّياحي وحمل أبوه حمالة فظلع فقدما البصرة فبادر أباه فقال: إنا من تعرفون
وأبناء السبيل وجئنا من شقة ونسأل في حق وتنطوننا ويجزيكم الله. فقام أبوه ليخطب فقال: يا إياك، إني قد كفيتك، وليس بنداء إنما هي ياء التنبيه. إياك كف، كقولك: إياك وذاك، فقال معاوية للأخوص: وكيف غلبت الأبيرد وهو أسن منك؟ قال: إن قوافي علائق وأنبازي قلائد، فقال معاوية: قاتلك الله جِنِّي بر ونكَتَ بالقضيب في صدره). [مجاز القرآن: 1/260-261]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({الشقة}: السفر يقال إن فلانا لبعيد الشقة). [غريب القرآن وتفسيره: 164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الشّقّة}: السّفر). [تفسير غريب القرآن: 187]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتّبعوك ولكن بعدت عليهم الشّقّة وسيحلفون باللّه لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم واللّه يعلم إنّهم لكاذبون}
العرض كل ما عرض لك من منافع الدنيا، فالمعنى: لو كانت غنيمة قريبة، أي لو كان ما دعوا إليه غنما، وسفرا قاصدا أي سهلا قريبا لاتبعوك لكن بعدت عليهم الشّقّة.
أي بعدت عليهم الغاية التي تقصدها. وكان هذا حين دعوا إلى غزوة تبوك، فثقل عليهم الخروج. إلى نواحي الشام). [معاني القرآن: 2/449-450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك}
العرض ما يعرض من منافع الدنيا أي لو كانت غنيمة قريبة وسفرا قاصدا أي سهلا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة والشقة الغاية التي يقصد إليها). [معاني القرآن: 3/213]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {الشقة} السفرة البعيدة الشاقة). [ياقوتة الصراط: 242]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الشُّقَّةُ}: بعد السفر). [العمدة في غريب القرآن: 148]

تفسير قوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({عفا الله عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين}
وقال: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} لأنه استفهام أي: "لأيّ شيء"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين}
أي حتى يتبين لك من ينافق ممن يصحّح. ثم أعلمه جل وعلا أن
علامة النفاق في ذلك الوقت الاستئذان في التخفف عن الجهاد فقال:
{لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليم بالمتّقين (44) }). [معاني القرآن: 2/450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}
أي حتى يتبين من نافق ومن لم ينافق
قال مجاهد هؤلاء قوم قالوا نستأذن في الجلوس فإن أذن
لنا جلسنا وإن لم يؤذن لنا جلسنا
وقال قتادة نسخ هذه الآية بقوله في سورة النور: {فإن استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} ). [معاني القرآن: 3/213-214]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا يستأذنك الّذين يؤمنون...}
أي {لا يستأذنك} بعد غزو تبوك في جهادٍ {الّذين يؤمنون} به.
ثم قال: {إنّما يستأذنك} بعدها {الّذين لا يؤمنون} ). [معاني القرآن: 1/441]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليم بالمتّقين}
موضع {أن} نصب.
المعنى لا يستأذنك هؤلاء في أن يجاهدوا، ولكن " في " حذفت فأفضى الفعل فنصب " أن ".
قال سيبويه، ويجوز أن يكون موضعها جرا، لأن حذفها ههنا إنما جاز مع ظهور " أن " فلو أظهرت المصدر لم تحذف في " لا يستأذنك القوم الجهاد " حتى تقول في الجهاد ويجوز لا يستأذنك القوم أن يجاهدوا). [معاني القرآن: 2/450]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم بين أن أمارة الكفر الاستئذان في التخلف فقال تعالى: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم} ). [معاني القرآن: 3/214]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون)
وأعلم اللّه جل ثناؤه أنّ من ارتاب وشكّ في اللّه وفي البعث فهو كافر}. [معاني القرآن: 2/450]


رد مع اقتباس