عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 03:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 19 إلى 33]

(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) )

تفسير قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه...}
ولم يقل: سقاة الحاجّ وعامري... كمن آمن، فهذا مثل قوله: {ولكنّ البرّ من آمن بالله} يكون المصدر يكفي من الأسماء، والأسماء من المصدر إذا كان المعنى مستدلاّ عليه بهما؛ أنشدني الكسائيّ:

لعمرك ما الفتيان إن تنبت اللحى =ولكنما الفتيان كلّ فتى ندي
فجعل خبر الفتيان {أن}. وهو كما تقول: إنما السخاء حاتم، وإنما الشعر زهير). [معاني القرآن: 1/427]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ} أي: أجعلتم صاحب سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، كمن آمن؟!
ويكون يريد: أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن بالله وجهاده؟ كما قال: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 177].
قال الهذلي:
يُمَشَّى بيننا حَانُوتُ خَمْرِ = من الخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ القِطَاطِ
أراد صاحب حانوت خمر، فأقام الحانوت مقامه.
وكذلك قول أبي ذؤيب في صفة الخمر:
تَوَصَّلُ بالرُّكبانِ حِينًا وَتُولِفُ الـ = جِوَارَ وَيُغْشِيهَا الأَمَانَ رِبَابُهَا
اللفظ للخمر والمعنى للخمّار، أي يتوصّل الخمار بالركب ليسير معهم ويأمن بهم.
وكذلك قوله:
أتوها برِبحٍ حاولتْهُ فأَصْبَحَتْ = تُكَفَّتُ قَدْ حُلَّتْ وَسَاغَ شَرَابُهَا
يريد: أتوا صاحبها بربح، فأقامها مقامه.
وقال كثير يذكر الأظعان:
حُزِيَتْ لِي بحَزْمِ فَيْدَةَ تُحْدَى = كاليهوديِّ مِن نَطَاةِ الرِّقَالِ
أراد كنخل اليهوديّ من خيبر، فأقامه مقامها.
ومثله قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق: 17] أي: أهله.
وقال الشاعر:
لهم مجلسٌ صُهْبُ السِّبَالِ أَذِلَّةٌ = سَوَاسِيَةٌ أحرارُها وعبيدُها).
[تأويل مشكل القرآن: 211-212]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
المعنى أجعلتم أهل سقاية الحاجّ وأهل عمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد.
واختلف الناس في تفسير هذه الآية:
فقيل: إنه سأل المشركون اليهود فقالوا نحن سقاة الحاجّ وعمّار المسجد الحرام. أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه؟
فقالت لهم اليهود عنادا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أنتم أفضل.
وقيل إنه تفاخر المسلمون المجاهدون والذين لم يهاجروا ولم يجاهدوا.
فأعلم الله جلّ وعزّ أن المجاهدين والمهاجرين أعظم درجة عند اللّه، فقال:
{الّذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند اللّه وأولئك هم الفائزون (20)} ). [معاني القرآن: 2/438]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر}
والمعنى أجعلتم أهل سقاية الحاج كما قال واسأل القرية
ومن قرأ أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام فهو عنده على غير حذف
قال الشعبي نزلت في علي بن أبي طالب والعباس
وقال الحسن نزلت في علي والعباس وعثمان بن طلحة الحجبي وشيبة
وقال محمد بن سيرين خرج علي بن أبي طالب رحمة الله عليه من المدينة إلى مكة فقال للعباس يا عم ألا تهاجر ألا تمضي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا أعمر البيت وأحجبه فنزلت:
{أجعلتم سقاية الحاج} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 3/192-193 ]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الّذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا...}
ثم قال: {أعظم درجةً عند اللّه} فموضع الذين رفع بقوله: "أعظم درجة". ولو لم يكن فيه {أعظم} جاز أن يكون مردودا بالخفض على قوله {كمن آمن}. والعرب تردّ الاسم إذا كان معرفة على {من} يريدون التكرير. ولا يكون نعتا لأن {من} قد تكون معرفة، ونكرة، ومجهولة، ولا تكون نعتا؛ كما أن {الذي} قد يكون نعتا
للأسماء؛ فتقول: مررت بأخيك الذي قام، ولا تقول: مررت بأخيك من قام. فلمّا لم تكن نعتا لغيرها من المعرفة لم تكن المعرفة نعتا لها؛ كقول الشاعر:
لسنا كمن جعلت إيادٍ دارها =تكريت تنظر حبّها أن تحصدا
إنما أراد تكرير الكاف على إياد؛ كأنه قال: لسنا كإياد). [معاني القرآن: 1/427-428 ]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند اللّه وأولئك هم الفائزون}
{درجة} منصوب على التمييز، المعنى أعظم من غيرهم درجة.
{وأولئك هم الفائزون}.
والفائز الذي يظفر بأمنيته من الخير). [معاني القرآن: 2/438 -439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أعظم درجة عند الله}
أي من غيرهم أي أرفع منزلة من سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام والجهاد، هم الفائزون بالجنة الناجون من النار والفايز الذي ظفر بأمنيته). [معاني القرآن: 3/193]

تفسير قوله تعالى: (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يبشّرهم ربّهم برحمة منه ورضوان وجنّات لهم فيها نعيم مقيم}
أي يعلمهم في الدنيا ما لهم في الآخرة). [معاني القرآن: 2/439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان}
أي يعلمهم في الدنيا ولهم في الآخرة). [معاني القرآن: 3/193]

تفسير قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) )

تفسير قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) )

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرةٍ...}
نصبت المواطن لأن كلّ جمع كانت فيه ألف قبلها حرفان وبعدها حرفان فهو لا يجري؛ مثل صوامع، ومساجد، وقناديل، وتماثيل، ومحاريب. وهذه الياء بعد الألف لا يعتدّ بها؛ لأنها قد تدخل فيما ليست هي منه، وتخرج ممّا هي منه، فلم يعتدّوا بها؛ إذ لم تثبت كما ثبت غيرها. وإنما منعهم من إجرائه أنه مثال لم يأت عليه شيء من الأسماء المفردة، وأنه غاية للجماع؛ إذا انتهى الجماع إليه فينبغي له ألاّ يجمع. فذلك أيضا منعه من الانصراف؛ ألا ترى أنك لا تقول: دراهمات، ولا دنانيرات، ولا مساجدات. وربّما اضطرّ إليه الشاعر فجمعه. وليس يوجد في الكلام ما يجوز في الشعر. قال الشاعر:
* فهنّ يجمعن حدائداتها *
فهذا من المرفوض إلا في الشعر.
ونعت {المواطن} إذا لم يكن معتلاّ جرى. فلذلك قال: {كثيرةٍ}.
[قوله: {ويوم حنينٍ} وحنين وادٍ بين مكة والطائف. وجرى {حنين} لأنه اسم لمذكّر. وإذا سمّيت ماء أو واديا أو جبلا باسم مذكّر لا علّة فيه أجريته. من ذلك حنين، وبدر، وأحد، وحراء، وثبير، ودابق، وواسط. وإنما سمّى واسطا بالقصر الذي بناه الحجّاج بين الكوفة والبصرة. ولو أراد البلدة أو اسما مؤنّثا لقال: واسطة. وربما جعلت العرب واسط وحنين وبدر، اسما لبلدته التي هو بها فلا يجرونه؛ وأنشدني بعضهم:
نصروا نبيّهم وشدّوا أزره =بحنين يوم تواكل الأبطال
وقال الآخر:
ألسنا أكرم الثّقلين رجلا= وأعظمه ببطن حراء نارا
فجعل حراء اسما للبلدة التي هو بها، فكان مذكرا يسمى به مؤنّث فلم يجر. وقال آخر:

لقد ضاع قوم قلّدوك أمورهم =بدابق إذ قيل العدوّ قريب
رأوا جسدا ضخما فقالوا مقاتل =ولم يعلموا أن الفؤاد نخيب
ولو أردت ببدر البلدة لجاز أن تقول مررت ببدر يا هذا). [معاني القرآن: 1/428-429]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لقد نصركم الله في مواطن كثيرةٍ ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مّدبرين}
وقال: {في مواطن كثيرةٍ} لا تنصرف. وكذلك كل جمع ثالث حروفه ألف وبعد الألف حرف ثقيل أو اثنان خفيفان فصاعدا فهو لا ينصرف في المعرفة ولا النكرة نحو "محاريب" و"تماثيل" و"مساجد" وأشباه ذلك إلا أن يكون في آخره الهاء فإن كانت في آخره الهاء انصرف في النكرة نحو "طيالسة" و"صياقلة". وإنما منع العرب من صرف هذا الجمع أنه مثال لا يكون للواحد ولا يكون إلا للجمع والجمع أثقل من الواحد. فلما كان هذا المثال لا يكون إلا للأثقل لم يصرف. وأما الذي في آخره الهاء فانصرف لأنها منفصلة كأنها اسم على حيالها. والانصراف إنما يقع في آخر الاسم فوقع على الهاء فلذلك انصرف فشبه بـ"حضرموت" و"حضرموت" مصروف في النكرة). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين}
أي وفي حنين، أي ونصركم في يوم حنين، وحنين: اسم واد بين مكة والطائف.
وقوله: {في مواطن كثيرة} أي في أمكنة، كقولك في مقامات.
تقول استوطن فلان بالمكان إذا أقام فيه.
وزعم بعض النحويين أن {مواطن} لم ينصرف ههنا لأنه جمع.
وأنها لا تجمع.
قال أبو إسحاق: وإنما لم تجمع لأنها لا تدخل عليها الألف والتاء، لا نقول مواطنات، ولا حدائدات إلا في شعر، وإنما سمع قول الخليل أنه جمع لا يكون عنى مثال الواحد، وتأويله عند الخليل أن الجموع أبدا تتناهى إليه فليس بعده جمع، لو كسرت أي جمعت على التكسير أقوال، فقلت أقاويل لم يتهيأ لك أن تكسر أقاويل، ولكنك قد تقول أقاويلات.
قال الشاعر:
فهنّ يعلكنّ حدائداتها
وإنما لم ينصرف {مواطن} عند الخليل لأنه جمع وأنه ليس على مثال.
الواحد ومعنى ليس على مثال الواحد، أي ليس في ألفاظ الواحد ما جاء على لفظه وأنه لا يجمع كما يجمع الواحد جمع تكسير.
ومعنى الآية أن اللّه جلّ وعزّ أعلمهم أنّه ليس بكثرتهم يغلبون وأنهم إنما يغلبون بنصر اللّه إياهم فقال جلّ وعزّ:
{ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا}.
يروى أنهم كانوا اثني عشر ألفا في ذلك اليوم، وقال بعضهم: كانوا عشرة آلاف فأعجبوا بكثرتهم، فجعل الله عقوبتهم على إعجابهم بالكثرة - وقولهم: " لن نغلب اليوم من قلّة بأن رعّبهم حتى ولّوا مدبرين، فلم يبق مع رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب، ثم أنزل اللّه عليهم السكينة حتى عادوا وظفروا فأراهم اللّه في ذلك اليوم من آياته ما زادهم تبيينا بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {إنّما يعمر مساجد اللّه}.
وقرئت مسجد اللّه، فمن قرأ (مسجد اللّه) عنى به المسجد الحرام ودخل معه غيره، كما تقول: ما أسهل على فلان إنفاق الدّرهم والدينار، أي هذا الجنس سهل عليه إنفاقه.
ويجوز أن يكون مساجد الله يعني به المسجد الحرام، كما تقول إذا
ركب الرجل الفرس، قد صار فلان يركب الخيل، فعلى هذا تجري الأسماء التي تعبّر عن الأجناس). [معاني القرآن: 2/439-441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة}
أي في أماكن ومنه استوطن فلان المكان أي أقام به). [معاني القرآن: 3/194]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم}
أي ونصركم يوم حنين
قال قتادة حنين اسم ماء بين مكة والطائف قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار وألفين من الطلقاء فقال رجل لن تغلبوا اليوم فتفرق أكثرهم ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فأجيب ونصر فأعلمهم الله جل وعز أنهم لم يغلبوا من كثرة وإنما يغلبون بأن ينصرهم الله). [معاني القرآن: 3/194]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بما رحبت} أي: اتسعت، يقال منه: فعل يفعل فعلا). [ياقوتة الصراط: 242]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أنزل الله سكينته} مجازه مجاز فعليه من السكون، قال أبو عريف الكليبيّ:
لله قبرٌ غالها ماذا يجنّ... لقد أجنّ سكينةً ووقارا). [مجاز القرآن: 1/254 -255]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سكنيته}: من السكون). [غريب القرآن وتفسيره: 162]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَكِينَتَهُ}: التثبيت والنصر). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما المشركون نجسٌ...}
لا تكاد العرب تقول: نجس إلا وقبلها رجس. فإذا أفردوها قالوا: نجس لا غير؛ ولا يجمع ولا يؤنث. وهو مثل دنف. ولو أنّث هو ومثله كان صوابا؛ كما قالوا: هي ضيفته وضيفه، وهي أخته سوغه وسوغته، وزوجه وزوجته.
وقوله: {إذ أعجبتكم كثرتكم}. قال يومئذ رجل من المسلمين: والله لا نغلب، وكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون يؤمئذ عشرة آلاف، وقال بعض الناس: اثني عشر ألفا، فهزموا هزيمة شديدة.
وهو قوله: {وضاقت عليكم الأرض بما رحبت} والباء هاهنا بمنزلة في؛ كما تقول: ضاقت عليكم الأرض في رحبها وبرحبها. ... وحدثني المفضل عن أبي إسحاق قال قلت للبراء بن عازب: يا أبا عمارة أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ قال: نعم والله حتى ما بقي معه منا إلا رجلان: أبو سفيان بن الحرث آخذا بلجامه، والعباس بن عبد المطلب عند ركابه آخذا بثفره، قال فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم كما قال لهم يوم بدر: شاهت الوجوه،
أنا النبي لا كذب = أنا ابن عبد المطلب
قال: فمنحنا الله أكتافهم). [معاني القرآن: 1/430]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن خفتم عيلةً...}
يعني فقرا. وذلك لمّا نزلت: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} خاف أهل مكة أن تنقطع عنهم الميرة والتجارة. فأنزل الله عز وجل: {وإن خفتم عيلةً}. فذكروا أن تبالة وجرش أخصبتا، فأغناهم الله بهما وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). [معاني القرآن: 1/430]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّما المشركون نجسٌ} متحرك الحروف بالفتحة، ومجازه: قذر، وكل نتنٍ وطفسٍ نجسٌ.
{وإن خفتم عيلةٌ} وهي مصدر عال فلانٌ أي افتقر فهو يعيل، وقال:
وما يدري الفقير متى غناه... وما يدري الغنىّ متى يعيل). [مجاز القرآن: 1/255]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلةً فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إنّ اللّه عليمٌ حكيمٌ}
وقال: {وإن خفتم عيلةً} وهو "الفقر" تقول: "عال" "يعيل" "عيلةً" أي: "افتقر". و"أعال" "إعالةً": إذا صار صاحب عيال. و"عال عياله" و"هو يعولهم" "عولاً" و"عيالةً". وقال "{ذلك أدنى ألاّ تعولوا} أي: ألاّ تعولوا العيال. و"أعال الرجل" "يعيل" إذا صار ذا عيال). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وإن خفتم عيلة}: العيلة الفقر والحاجة، يقال قد عال الرجل يعيل عيلة. ومنه {ووجدك عائلا فأغنى}). [غريب القرآن وتفسيره: 162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّما المشركون نجسٌ} أي قذر.
{وإن خفتم عيلةً} أي فقرا بتركهم الحمل إليكم التجارات.
{فسوف يغنيكم اللّه من فضله}). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء إنّ اللّه عليم حكيم}
يقال لكل مستقذر نجس، فإذا ذكرت الرجس قلت: هو رجس نجس.
وهذا وقع في سنة تسع من الهجرة، أمر المسلمون بمنع المشركين من الحج وبقتلهم حيث ثقفوهم.
{وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء}.
كان لأهل مكة مكسبة، ورفق ممن كان يحج من المشركين.
فأعلمهم اللّه أنه يعوضهم من ذلك.
والعيلة: الفقر.
قال الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه..=. وما يدري الغني متى يعيل
). [معاني القرآن: 2/441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس}
يقال لكل مستقذر نجس فإذا قلت رجس نجس كسرت الراء والنون وأسكنت الجيم
وقوله جل وعز: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [آية: 28]
روى ابن جريج عن عطاء قال يريد بالمسجد الحرام الحرم كله
وروى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام إلا أن يكون عبد أو أحد من أهل الجزية
وهذا مذهب الكوفيين أن المشركين في الآية يراد بهم من ليس له عهد وأن ذلك في سائر المساجد
ومذهب المدنيين أن الآية عامة لجميع الكفار وانه يحال بينهم وبين جميع المساجد
ومذهب الشافعي أن المشركين ههنا عام أيضا كقول مالك إلا أنه قال إنما ذلك في المسجد الحرام خاصة
ومذهب المدنين في هذا أحسن لقول الله جل وعز: {في بيوت أذن الله أن ترفع} أي تصان فيجب على هذا أن ترفع عن دخولهم لأنهم لا يعظمونها في دخولهم
وقوله جل وعز: {وإن خفتم عيلة}
والعيلة الفقر يقال عال يعيل عيلة ومنه ووجدك عائلا فأغنى
وقال علقمة في مصحف عبد الله بن مسعود وإن خفتم عائلة ومعناه خصلة شاقة يقال عالني الأمر يعولني أي شق علي واشتد). [معاني القرآن: 3/195-196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} أي قذر.
{عَيْلَةً} أي فقرا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {العَيْلَةً}: الفقر). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا يدينون دين الحقّ} مجازه: لا يطيعون الله طاعة الحق، وكل من أطاع مليكا فقد دان له، ومن كان في طاعة سلطان فهو في دينه، قال زهير:

لئن حللت بجّوٍ في بني أسدٍ..=. في دين عمرو وحالت بيننا فدك
[مجاز القرآن: 1/255]
وقال طرفة بن العبد:
لعمرك ما كانت حمولة معبدٍ=على جدّها حرباً لديبك من مضر
أي لطاعتك، جدّها مياهها.
{حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرين} كل من انطاع لقاهر بشئ أعطاه من غير طيب نفس به وقهر له من يد في يد فقد أعطاه عن يد ومجاز الصاغر الذليل الحقير، يقال: طعت له وهو يطاع له، وانطعت له، وأطعته، ولم يحفظ طعت له). [مجاز القرآن: 1/256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ} يقال: أعطاه عن يد وعن ظهر يد: إذا أعطاه مبتدئا غير مكافيء). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الدّين
الدّين: الجزاء. ومنه قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} أي يوم الجزاء والقصاص. ومنه يقال: دنته بما صنع. أي جزيته بما صنع. وكما تدين تدان.
والدّين: الملك والسّلطان. ومنه قول الشاعر:
لئن حللت بخوّفي بني أسد في دين عمرو وحالت دوننا فدك
أي في سلطانه. ويقال من هذا: دنت القوم أدينهم، أي قهرتهم وأذللتهم، فدانوا أي ذلّوا وخضعوا.
والدّين لله إنما هو من هذا. ومنه قول القطاميّ:
كانت نوار تدينك الأديانا
أي تذلّك. ومنه قول الله تعالى: {وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة: 29]، أي لا يطيعونه.
والدّين: الحساب، من قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: 36]. ومنه قوله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: 25]، أي حسابهم). [تأويل مشكل القرآن: 453-454] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - جلّ وعزّ -: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
معناه: الذين لا يؤمنون باللّه إيمان الموحّدين، لأنهم أقروا بأن اللّه خالقهم، وأنه له ولد.
وأشرك المشركون معه الأصنام، فأعلم الله عزّ وجلّ أن هذا غير إيمان باللّه، وأن إيمانهم بالبعث ليس على جهة إيماننا لأنهم لا يقرون بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون وليس يقرون باليوم الآخر كما أعلم اللّه جلّ وعزّ وليس يدينون بدين الحق، فأمر الله بقتل الكافرين كافة إلا أن يعطوا الجزية عن يد، وفرض قبول الجزية من أهل الكتاب وهم النّصارى واليهود.
وسن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في المجوس والصابئين أن يجروا مجرى أهل الكتاب في قبول الجزية.
فأمّا عبدة الأوثان من العرب فليس فيهم إلا القتل.
وكذلك من غيرهم.
وقوله: {حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
قيل معنى {عن يد} عن ذلّ، وقيل عن يد عن قهر وذلّ، كما تقول اليد في هذا لفلان. أي الأمر النافذ. لفلان.
وقيل (عن يد) أي عن إنعام عليهم بذلك، لأن قبول الجزية منهم وترك أنفسهم نعمة عليهم، ويد من المعروف جزيلة). [معاني القرآن: 2/441-442]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}
المعنى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إيمان الموحدين لأن أهل الكتاب يؤمنون بالله ويقولون له ولد تعالى عن ذلك
ويؤمنون بالآخرة ويقولون لا أكل فيها ولا شراب فهذا خلاف على ما أمر الله له جل وعز
ثم قال جل وعز: {ولا يدينون دين الحق}
قال أبو عبيدة مجازه ولا يطيعون طاعة الحق
قال أبو جعفر أي طاعة أهل الإسلام وكل مطيع ملكا فهو دائن له يقال دان فلان لفلان
قال زهير:

لئن حللت بجو في بني أسد = في دين عمرو وحالت دوننا

ثم قال جل وعز: {من الذين أوتوا الكتاب}
وهم اليهود والنصارى وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجوس أن يجروا مجراهم
ثم قال جل وعز: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
روى أبو صالح عن ابن عباس في قوله جل وعز: {وهم صاغرون} قال يمشون بها ملبين
وروى عطاء عن أبي البختري عن سلمان قال مذمومين
وروى محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن يد قال عن مهر
وقيل معنى يد عن إنعام يد أي عن إنعام منكم
[معاني القرآن: 3/198]
عليهم لأنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك
وقيل وهو أصحها يؤدونها بأيديهم ولا يوجهون بها كما يفعل الجبارون
وقال سعيد بن جبير يدفعها وهو قائم والذي يأخذها منه جالس
وأكثر أهل اللغة على أن المعنى عن قهر وذلة كما تقول اليد في هذا لفلان
ومذهب الشافعي في هذا أن تؤخذ الجزية منهم وأحكام المسلمين جارية عليهم
ثم قال وهم صاغرون
قال أبو عبيدة الصاغر الذليل الحقير
وقال غيره الذي يتلتل ويعنف به). [معاني القرآن: 3/196-200]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَنْ يَدٍ} أي مبتدأ منهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه...}
قرأها الثقات بالتنوين وبطرح التنوين. والوجه أن ينوّن لأن الكلام ناقص (وابن) في موضع خبر لعزير. فوجه العمل في ذلك أن تنوّن ما رأيت الكلام محتاجا إلى ابن. فإن اكتفى دون بن، فوجه الكلام ألا ينون. وذلك مع ظهور اسم أبي الرجل أو كنيته. فإذا جاوزت ذلك فأضفت (ابن) إلى مكنّى عنه؛ مثل ابنك، وابنه، أو قلت: ابن الرجل، أو ابن الصالح، أدخلت النون في التامّ منه والناقص. وذلك أن حذف النون إنما كان في الموضع الذي يجري في الكلام كثيرا، فيستخفّ طرحها في الموضع الذي يستعمل. وقد ترى الرجل يذكر بالنسب إلى أبيه كثيرا فيقال: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، فلا يجرى كثيرا بغير ذلك. وربما حذفت النون وإن لم يتمم الكلام لسكون الباء من ابن، ويستثقل النون إذ كانت ساكنة لقيت ساكنا، فحذفت استثقالا لتحريكها. قال: من ذلك قراءة القرّاء:(عزير ابن الله). وأنشدني بعضهم:

لتجدنّي بالأمير برّا =وبالقناة مدعسا مكرّا
* إذا غطيف السلمي فرّا *
وقد سمعت كثيرا من القراء الفصحاء يقرءون: {قل هو اللّه أحد اللّه الصّمد}. فيحذفون النون من {أحد}. وقال آخر:

كيف نومي على الفراش ولمّا =تشمل الشام غارةٌ شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي =عن خدام العقيلة العذراء
أراد: عن خدامٍ، فحذف النون للساكن إذا استقبلتها. وربما أدخلوا النون في التمام مع ذكر الأب؛ أنشدني بعضهم:
جارية من قيس ابن ثعلبة =كأنها حلية سيف مذهبه
وقال آخر:
وإلا يكن مال يثاب فإنه = سيأتي ثنائي زيدا ابن مهلهل
وكان سبب قول اليهود: عزير ابن الله أن بخت نصّر قتل كلّ من كان يقرأ التوراة، فأتي بعزير فاستصغره فتركه. فلمّا أحياه الله أتته اليهود، فأملى عليهم التوراة عن ظهر لسانه. ثم إن رجلا من اليهود قال: إن أبي ذكر أن التوراة مدفونة في بستان له، فاستخرجت وقوبل بها ما أملى عزير فلم يغادر منها حرفا. فقالت اليهود: ما جمع الله التوراة في صدر عزير وهو غلام إلا وهو ابنه - تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا -.
وقوله: {وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه}. وذكر أن رجلا دخل في النصارى وكان خبيثا منكرا فلبّس عليهم، وقال: هو هو. وقال: هو ابنه، وقال: هو ثالث ثلاثة. فقال الله تبارك وتعالى في قولهم ثالث ثلاثة: {يضاهئون قول الّذين كفروا} في قولهم: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى). [معاني القرآن: 1/431-433]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يضاهون قول الّذين كفروا من قبل} ومجاز المضاهات مجاز التشبيه.
(قاتلهم الله) قتلهم الله، وقلّما يوجد فاعل إلاّ أن يكون العمل من إثنين، وقد جاء هذا ونظيره ونظره: عافاك الله، والمعنى أعفاك الله، وهو من الله وحده.
والنظر والنظير سواء مثل ندّ ونديد، وقال:
ألا هل أتى نظيري مليكة أنّني
{أنّي يؤفكون} كيف يحدّون، وقال كعب بن زهير:
أنّى ألّم بك الخيال يطيف..=. ومطافه لك ذكرةٌ وشعوف
ويقال: رجل مأفوك أي لا يصيب خيراً، وأرض مأفوكة أي لم يصبها مطر وليس بها نبات). [مجاز القرآن: 1/256-257]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون}
[وقال] {وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه} وقد طرح بعضهم التنوين وذلك رديء لأنه إنما يترك التنوين إذا كان الاسم يستغني عن الابن وكان ينسب إلى اسم معروف. فالاسم ههنا لا يستغني. ولو قلت "وقالت اليهود عزيز" لم يتمّ كلاما إلا أنه قد قرئ وكثر وبه نقرأ على الحكاية كأنهم أرادوا "وقالت اليهود نبيّنا عزيز ابن الله"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({يضاهون}: والمضاهاة التشبيه.
{قاتلهم الله}: أي قتلهم الله.
{أنى يؤفكون}: يدفعون عنه ويحدون). [غريب القرآن وتفسيره: 162-163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يضاهؤن قول الّذين كفروا من قبل} أي يشبهون. يريد أن من كان في عصر النبي صلّى اللّه عليه وسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قاله أوّلوهم). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب مخالفة ظاهر اللفظ معناه
من ذلك الدعاء على جهة الذم لا يراد به الوقوع:
كقول الله عز وجل: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10]، و {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17]، و{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] وأشباه ذلك.
ومنه قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم، للمرأة: «عقرى حلقى»، أي عقرها الله، وأصابها بوجع في حلقها.
وقد يراد بهذا أيضا التعجب من إصابة الرجل في منطقه، أو في شعره، أو رميه، فيقال: قاتله الله ما أحسن ما قال، وأخزاه الله ما أشعره، ولله درّه ما أحسن ما احتج به.
ومن هذا قول امرئ القيس في وصف رام أصاب:
فهو لا تنمي رميّته ما له لا عدّ من نفره
يقول: إذا عدّ نفره- أي قومه- لم يعدّ معهم، كأنه قال: قاتله الله، أماته الله.
وكذلك قولهم: هوت أمّه، وهبلته، وثكلته.
قال كعب بن سعد الغنوي:
هَوَتْ أمُّه ما يبعث الصُّبحُ غادِيًا = وما ذا يؤدِّي اللَّيلُ حين يؤوبُ).
[تأويل مشكل القرآن: 276-277] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أنّى}
أنّي: يكون بمعنيين. يكون بمعنى: كيف، نحو قول الله تعالى: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ} [البقرة: 259] أي كيف يحييها؟ وقوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أي كيف شئتم.
وتكون بمعنى: من أين، نحو قوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] وقوله: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام: 101].
والمعنيان متقاربان، يجوز أن يتأول في كل واحد منهما الآخر.
وقال الكميت:
أَنَّى ومِن أَين آبَكَ الطَّرَبُ = مِن حيث لا صبوةٌ ولا رِيَبُ
فجاء بالمعنيين جميعا). [تأويل مشكل القرآن: 525] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقالت اليهود عزير ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون}
قرئت {عزير} بالتنوين وبغير تنوين، والوجه إثبات التنوين لأن " ابنا " خبر.
وإنما يحذف التنوين في الصفة نحو قولك: جاءني زيد بن عمرو، فيحذف التنوين لالتقاء السّاكنين وأنّ ابنا مضاف إلى علم وأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد. فإذا كان خبرا فالتنوين وقد يجوز حذف التنوين على ضعف لالتقاء السّاكنين وقد قرئت {قل هو اللّه أحد (1) اللّه الصّمد (2)}.
بحذف التنوين، لسكونها وسكون الباء في قوله: {عزير ابن اللّه}.
وفيه وجه آخر: أن يكون الخبر محذوفا، فيكون معناها عزير ابن اللّه معبودنا، فيكون " ابن " نعتا.
ولا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود.
وقوله: {ذلك قولهم بأفواههم}.
إن قال قائل: كل قول هو بالفم فما الفائدة في قوله بأفواههم؟
فالفائدة فيه عظيمة بيّنة.
المعنى أنّه ليس فيه بيان ولا برهان إنما هو قول بالفم لا معنى تحته صحيح، لأنهم معترفون بأن الله لم يتخذ صاحبة فكيف يزعمون له ولدا، فإنما هو تكذّب وقول فقط.
وقوله : {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل}.
أي يشابهون في قولهم هذا ما تقدم من كفرتهم، أي إنما قالوه اتباعا لمن تقدم من كفرتهم. الدليل على ذلك قوله:
(اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه).
أي قبلوا منهم أن العزير والمسيح ابنا الله تعالى.
وهذا معنى: {يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل}
وقرئ يضاهون، وأصل المضاهاة في اللغة المشابهة، والأكثر ترك الهمزة، واشتقاقه من قولهم: امرأة ضيهاء.
وهي التي لا ينبت لها ثدي، وقيل هي التي لا تحيض.
وإنما معناها أنها أشبهت الرجال في أنّها لا ثدي لها، وكذلك إذا لم تحض. وضهياء فعلاء.
الهمزة زائدة كما زيدت في شمأل، وغرقئ البيضة، ولا نعلم أنها زيدت غير أول، إلا في هذه الأشياء.
ويجوز أن تكون " فعيل " وإن كانت بنية ليس لها في الكلام نظير.
فإنا قد نعرف كثيرا مما لا ثاني له. من ذلك قولهم كنهبل وهو الشجر العظام، تقديره فنعلل، وكذلك قرنفل، لا نظير له وتقديره فعنلل.
وقد قيل:
إبل لا نظير له وإن كان قد جاء إطل وهو الخصر، وقالوا إيطل ثم حذفوا فقالوا إطل، فيجوز أن يكون " يضاهئون " من هذا بالهمز، وتكون همزة ضهياء أصلا في الهمز.
وقوله: {سبحانه عمّا يشركون}.
معناها تنزيها له من شركهم). [معاني القرآن: 2/442-444]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ذلك قولهم بأفواههم}
يقال قد علم أن القول بالفم فما الفائدة في قوله: {بأفواههم}
والجواب عن هذا انه لا بيان عندهم ولا برهان لهم لأنهم يقولون اتخذ الله صاحبة ويقولون له ولد وقولهم بلا حجة
ثم قال جل وعز: {يضاهون قول الذين كفروا من قبل}
أي يشابهون ويقتفون ما قالوا
ويقرأ {يضاهئون} والمعنى واحد يقال امرأة ضهيا مقصورة وضهياء ممدود غير مصروف إذا كانت لا تحيض
ويقال هي التي لا ثدي لها
والمعنى أنها قد أشبهت الرجال في هذه الخصلة فمن جعل الهمزة أصلا قال يضاهئون ومن جعلها زائدة وهو أجود قال يضاهون
ثم قال تعالى: {قاتلهم الله أنى يؤفكون}
فخوطبوا بما يعرفون أي يجب أن يقال لهم هذا
ثم قال أنى يؤفكون أي من أن يصرفون عن الحق بعد البيان). [معاني القرآن: 3/200-201]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُضَاهِئُونَ} يشبهون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُضَاهِؤُونَ}: يشابهون
{يُؤْفَكُون}: يدفعون). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً مّن دون اللّه...}
قال: لم يعبدوهم، ولكن أطاعوهم فكانت كالربوبية). [معاني القرآن: 1/433]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أحبارهم ورهبانهم}: قراءهم وعلمائهم). [غريب القرآن وتفسيره: 163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه} يريد: أنهم كانوا يحلّون لهم الشيء فيستحلونه. ويحرّمون عليهم الشيء فيحرمونه). [تفسير غريب القرآن: 184]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}
روى الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال سئل حذيفة عن قول الله جل وعز: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} هل عبدوهم فقال لا
ولكنهم أحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه
حدثنا أبو جعفر قال نا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن بنت أحمد بن منيع قال نا الحماني قال نا عبد السلام بن حرب عن غضيف وهو ابن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في رقبتي صليبا من ذهب فقال اطرح هذا عنك قال وسئل عن قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} قال أما إنهم ما كانوا يعبدونهم ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله لهم فيحرمونه). [معاني القرآن: 3/201-202]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَحْبَارَهُمْ}: علماؤهم
{رُهْبَانَهُمْ}: قراؤهم). [العمدة في غريب القرآن: 147]

تفسير قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره...}
دخلت {إلاّ} لأن في أبيت طرفا من الجحد؛ ألا ترى أن (أبيت) كقولك: لم أفعل، ولا أفعل، فكأنه بمنزلة قولك: ما ذهب إلا زيد. ولولا الجحد إذا ظهر أو أتى الفعل محتملا لضميره لم تجز دخول إلاّ؛ كما أنك لا تقول: ضربت إلا أخاك، ولا ذهب إلا أخوك. وكذلك قال الشاعر:
وهل لي أمّ غيرها إن تركتها = أبى اللّه إلا أن أكون لها ابنما
وقل الآخر:
إياداً وأنمارها الغالبين = إلاّ صدودا وإلا ازورارا
أراد: غلبوا إلا صدودا وإلا ازورارا، وقال الآخر:
واعتلّ إلا كل فرع معرق =مثلك لا يعرف بالتلهوق
فأدخل {إلا} لأن الاعتلال في المنع كالإباء. ولو أراد علّة صحيحة لم تدخل إلا؛ لأنها ليس فيها معنى جحد. والعرب تقول: أعوذ بالله إلا منك ومن مثلك؛ لأن الاستعاذة كقولك: اللهم لا تفعل ذا بي). [معاني القرآن: 1/433-434]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون}
وقال: {ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره} لأن {أن يتم} اسم كأنه "يأبى الله ألاّ إتمام نوره"). [معاني القرآن: 2/30]

تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) )


رد مع اقتباس