عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 05:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 22]

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)}

تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا} [الإسراء: 1]، يعني نفسه.
أسرى بعبده محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1]، يعني: بيت المقدس.
{الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} [الإسراء: 1] ما أراه اللّه ليلة أسري به.
- نا يحيى، قال: نا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، عن مالك بن صعصعة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " بينما أنا عند البيت بين النّائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثّلاثة بين الرّجلين.
قال فأتيت فانطلق بي، فأتيت بطستٍ من ذهبٍ فيها من ماء زمزم، فشرح صدري إلى مكان كذا وكذا ".
قال قتادة: فقلت للّذي معي: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني،
[تفسير القرآن العظيم: 1/101]
فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم، ثمّ كنز أو قال حشي إيمانًا وحكمةً، ثمّ أتيت بدابّةٍ بيضاء يقال له: البراق، فوق الحمار ودون البغل، يضع خطوه عند أقصى طرفه.
فحملت عليه، ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الدّنيا، فاستفتح جبريل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتح له وقالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
قال: فأتيت على آدم صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أبوك آدم، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح.
[تفسير القرآن العظيم: 1/102]
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الثّانية، فاستفتح جبريل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ.
قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتح لنا، وقالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
فأتيت على يحيى وعيسى، فقلت: يا جبريل من هذان؟ قال: هذان يحيى وعيسى.
قال: وأحسبه أنّه قال: ابنا الخالة، فسلّمت عليهما، فقالا: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الثّالثة، فكان نحو هذا من كلام جبريل وكلامهم.
فأتيت على يوسف عليه السّلام، فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك يوسف، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء الرّابعة، فأتيت على إدريس، فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا أخوك إدريس، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
وكان قتادة يقول عندها: قال اللّه: {ورفعناه مكانًا عليًّا} [مريم: 57] قال: فانطلقنا حتّى أتينا السّماء الخامسة، فأتيت أو أتينا على هارون، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك هارون، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء السّادسة، فأتيت على موسى، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح.
فلمّا جاوزته بكى، فقيل له: وما يبكيك؟ قال: ربّ، هذا غلامٌ بعثته بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّا يدخل من أمّتي.
ثمّ انطلقنا حتّى أتينا السّماء السّابعة، فأتيت على إبراهيم، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم، فسلّمت عليه، فقال: مرحبًا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ رفع لنا البيت المعمور بحيال الكعبة، فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ، إذا خرجوا منه لم يعودوا، آخر ما عليهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/103]
ثمّ رفعت لنا سدرة المنتهى، فحدّث نبيّ اللّه أنّ ورقها مثل آذان الفيلة، وأنّ نبقها مثل قلال هجر.
وحدّث نبيّ اللّه أنّه رأى أربعة أنهارٍ يخرخر من تحتها، نهران باطنان، ونهران ظاهران.
فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار؟ فقال: أمّا النّهران الباطنان فنهران في الجنّة، وأمّا الظّاهران فالنّيل والفرات.
وأتيت بإناءين: أحدهما لبنٌ والآخر خمرٌ، فعرضا عليّ، فاخترت اللّبن.
فقيل لي: أصبت، أصاب اللّه بك أمّتك على الفطرة.
وفرضت عليّ خمسون صلاةً، أو قال: أمرت بخمسين صلاةً كلّ يومٍ، فجئت بهنّ حتّى أتيت على موسى، فقال لي: بما أمرت؟ فقلت أمرت بخمسين صلاةً كلّ يومٍ.
فقال: إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك.
إنّي قد بلوت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف لأمّتك، قال: فما زلت أختلف فيما بين موسى وبين ربّي، كلّما أتيت عليه قال لي مثل مقالتي هذه، حتّى رجعت بخمس صلواتٍ كلّ يومٍ.
فلمّا أتيت عليه قال لي: بما أمرت؟ فقلت: أمرت بخمس صلواتٍ كلّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/104]
يومٍ، فقال: إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك، إنّي قد بلوت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف لأمّتك.
فقال نبيّ اللّه: لقد رجعت إلى ربّي حتّى لقد استحييت، ولكنّي أرضى وأسلّم.
قال: فنوديت أو نادى منادٍ: إنّي قد أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي وجعلت الحسنة بعشر أمثالها ".
فانتهى حديث أنسٍ إلى هذا.
- حمّادٌ، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " بينما أنا عند البيت إذ أتيت فشقّ النّحر، فاستخرج القلب، فغسل بماء زمزم، ثمّ أعيد مكانه، ثمّ أتيت بدابّةٍ أبيض يقال له: البراق، فوق الحمار ودون البغل، مضطرب الأذنين، يقع خطوه عند منتهى طرفه، فحملت عليه، فسار بي نحو بيت المقدس، فإذا بمنادٍ
ينادي عن يمين الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك.
فمضيت ولم أعرج عليه، ثمّ إذا أنا بمنادٍ ينادي عن يسار الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك.
فمضيت ولم أعرج عليه.
ثمّ إذا أنا بامرأةٍ على قارعة الطّريق، أحسبه قال: حسناء جملاء عليها من كلّ الحليّ والزّينة، ناشرةٌ شعرها، رافعةٌ يدها تقول: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرج عليها، حتّى أتينا إلى بيت المقدس فأوثقت الدّابّة بالحلقة الّتي يوثق بها الأنبياء صلّى اللّه عليهم، ثمّ دخلت المسجد فصلّيت فيه
ركعتين، ثمّ خرجت، فأتاني
[تفسير القرآن العظيم: 1/105]
جبريل بإناءين: إناءٍ من لبنٍ وإناءٍ من خمرٍ فتناولت اللّبن، فقال: أصبت الفطرة، ثمّ قال لي جبريل: يا محمّد ما رأيت في وجهك هذا؟ قلت: سمعت مناديًا ينادي عن يمين الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك.
قال: فما صنعت؟ قلت: مضيت ولم أعرج عليه.
قال: ذاك داعية اليهود، أما إنّك لو عرجت عليه لتهوّدت أمّتك.
قلت: ثمّ إذا أنا بمنادٍ ينادي عن يسار الطّريق: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، قال: فما صنعت؟ قال: مضيت ولم أعرج عليه، قال: ذلك داعية النّصارى، أما إنّك لو عرجت عليه لتنصّرت أمّتك.
قلت: ثمّ إذا أنا بامرأةٍ قال: أحسبه قال: حسناء جملاء عليها من كلّ الحليّ والزّينة، ناشرةٍ شعرها، رافعةٍ يديها تقول: يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، يا محمّد على رسلك أسألك، قال فما صنعت؟ قلت: مضيت ولم أعرج عليها.
قال: تلك الدّنيا، أما إنّك لو عرجت عليها لملت إلى الدّنيا.
ثمّ أتينا بالمعراج فإذا أحسن ما خلق اللّه.
ألم تر إلى الميّت حيث يشقّ بصره فإنّما يتبعه المعراج عجبًا به.
ثمّ تلا هذه الآية: {تعرج الملائكة والرّوح إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ} [المعارج: 4] فقعدنا فيه، فعرج بنا حتّى انتهينا إلى باب السّماء الدّنيا، وعليها ملكٌ يقال له إسماعيل، جنده سبعون ألف ملكٍ، جند
[تفسير القرآن العظيم: 1/106]
كلّ ملكٍ سبعون ألفٍ.
ثمّ تلا هذه الآية: {وما يعلم جنود ربّك إلا هو} [المدثر: 31].
فاستفتح جبريل، فقيل: ومن هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء، ففتح لنا، فأتيت على آدم، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم، فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ، قال: وإذا الأرواح تعرض عليه، فإذا مرّ به روح مؤمنٍ قال: روحٌ طيّبٌ وريحٌ طيّبةٌ، وإذا مرّ به روح كافرٍ قال: روحٌ خبيثٌ وريحٌ خبيثةٌ.
قال: ثمّ مضيت فإذا أنا بأخاوين عليها لحومٌ نتنةٌ، وأخاوين عليها لحومٌ طيّبةٌ، وإذا رجالٌ ينهشون اللّحوم المنتنة ويدعون اللّحوم الطّيّبة، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزّناة يدعون الحلال ويتّبعون الحرام.
قال: ثمّ مضيت فإذا أنا برجالٍ تفكّ ألحيتهم، وآخرون يجيئون بالصّخور من النّار فيقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم.
قال: فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا.
ثمّ تلا هذه الآية: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10].
ثمّ مضيت فإذا أنا بقومٍ يقطّع من لحومهم بدمائهم فيضفزونها، ولهم جؤارٌ.
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الهمّازون اللّمّازون.
[تفسير القرآن العظيم: 1/107]
ثمّ تلا هذه الآية: {أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه} [الحجرات: 12].
قال: وإذا أنا بنسوةٍ معلّقاتٍ بثديهنّ، وأحسبه قال: وإذا حيّاتٌ وعقارب ينهشنهنّ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الظّؤرة اللاتي يقتلن أولادهنّ.
قال: ثمّ أتيت على سابلة آل فرعون، حيث ينطلق بهم إلى النّار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا، فإذا رأوها قالوا: ربّنا لا تقومنّ السّاعة، لما يرون من عذاب اللّه.
وإذا أنا برجالٍ بطونهم كالبيوت يقومون فيقعون لظهورهم ولبطونهم، فيأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثردًا.
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الرّبا.
ثمّ تلا هذه الآية: {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} [البقرة: 275].
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الثّانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال:
[تفسير القرآن العظيم: 1/108]
نعم، قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
قال: ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى، فرحّبا بي ودعوا لي بخير.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الثّالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، قال: فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، قال: فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الرّابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قال: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، وإذا لحيته شطران: شطرٌ أبيض، وشطرٌ أسود.
فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا المحبّب في قومه وأكثر من رأيت تبعًا، قال: فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
قال: ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء السّادسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فإذا بموسى، وإذا هو رجلٌ أشعر لو لبس قميصين لنفدهما الشّعر، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى، قال: فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ.
قال: ثمّ مضيت، فسمعت موسى يقول: يزعم بنو إسرائيل أنّي أكرم الخلق على اللّه، وهذا أكرم على اللّه منّي، فلو كان إليه وحده لهان عليّ ولكنّ النّبيّ ومن تبعه من أمّته.
ثمّ عرج بنا حتّى انتهينا إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل.
قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قال: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء.
ففتح لنا، فأتيت على إبراهيم، وإذا هو مستندٌ إلى البيت المعمور يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ لا يعودون إليه إلى أن تقوم السّاعة، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك إبراهيم، فسلّمت عليه، فرحّب بي ودعا لي بخيرٍ، وإذا أمّتي عنده شطران: شطرٌ عليهم ثيابٌ بيضٌ، وشطرٌ عليهم ثيابٌ رمدٌ، فدخل أصحاب الثّياب البيض، واحتبس الآخرون، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال:
هؤلاء الّذين خلطوا عملا صالحًا وآخر
[تفسير القرآن العظيم: 1/109]
سيّئًا وكلٌّ إلى خيرٍ.
ثمّ قيل لي: هذه منزلتك ومنزلة أمّتك.
ثمّ تلا هذه الآية: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} [آل عمران: 68].
قال: ثمّ انتهينا إلى سدرة المنتهى، فإذا هي أحسن ما خلق اللّه، وإذا الورقة من ورقها لو غطّيت بها هذه الأمّة لغطّتهم، ثمّ انفجر من تحتها السّلسبيل، ثمّ انفجر من السّلسبيل نهران: نهر الرّحمة، ونهر الكوثر، فاغتسلت من الرّحمة، فغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر.
ثمّ أعطيت الكوثر فسلكته حتّى انفجر بي في الجنّة، فإذا طيرها كالبخت، وإذا الرّمّانة من رمّانها كجلد البعير المقبّب.
قال: ونظرت إلى جاريةٍ فقلت: لمن أنت يا جارية؟ قالت: لزيد بن حارثة.
قال: فبشّرت بها زيدًا.
قال: ثمّ نظرت إلى النّار فإذا: إنّ عذاب ربّي لشديدٌ، لا تقوم له الحجارة ولا الحديد.
قال: ثمّ رجعت إلى سدرة المنتهى، (فغشاها) من أمر اللّه ما (غشي)، ووقع على كلّ ورقةٍ، ملكٌ وأيّدها اللّه بأيده، وأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليّ في كلّ يومٍ وليلةٍ خمسين صلاةً، فرجعت إلى موسى، فقال: ما فرض عليك ربّك؟ فقلت: فرض عليّ في كلّ يومٍ وليلةٍ خمسين صلاةً، فقال: ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف، فإنّ أمّتك لا يطيقون ذلك، فإنّي قد بلوت بني إسرائيل
وخبرتهم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/110]
فرجعت إلى ربّي، فقلت: أي ربّ حطّ عن أمّتي، فإنّ أمّتي لا تطيق ذلك.
فحطّ عنّي خمسًا.
قال: فرجعت إلى موسى، فقال: ما فرض عليك ربّك؟ قال: قلت: حطّ عنّي خمسًا، فقال: ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.
قال: فرجعت إلى ربّي فحطّ عنّي خمسًا.
قال: فلم أزل أختلف بين ربّي وبين موسى حتّى قال: يا محمّد لا تبديل، إنّه لا يبدّل القول لديّ، هي خمس صلواتٍ في كلّ يومٍ وليلةٍ، لكلّ صلاةٍ عشرٌ، فتلك خمسون صلاةً، فمن همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، ومن عملها كتبت له عشرًا، ومن همّ بسيّئةٍ ولم يعملها لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت عليه سيّئةً واحدةً.
قال: فرجعت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربّك فسله التّخفيف، فقلت: فقد راجعته حتّى استحييت.
- سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا أتي بالبراق ليركبه استصعب عليه، فقال له جبريل: اسكن، فوالّذي نفسي بيده ما ركبك مخلوقٌ أكرم على اللّه منه، قال: فارفضّ عرقًا وقرّ.
- حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " مررت ليلة أسري بي على رجالٍ تقرض شفاهم بمقاريض من نارٍ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمّتك يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ".
- عثمان، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه
[تفسير القرآن العظيم: 1/111]
وسلّم: " بينما أنا في الجنّة إذا بنهرٍ حافتاه قباب اللّؤلؤ المجوّف، فضربت بيدي في مجرى الماء فإذا مسكٌ أذفر، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذا الكوثر الّذي أعطاك اللّه ".
المعلّى بن هلالٍ، أنّ رسول اللّه عليه السّلام قال: " مررت ليلة أسري بي على ملكٍ قائمٍ على سريرٍ بيده حربةٌ فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: إنّ نبيًّا أسري به قبلك، فمرّ على هذا وهو قاعدٌ فظنّ أنّه ربّه، فأهوى ليسجد له، فأقامه اللّه من يومه ليعلم أنّه عبدٌ".
قوله: {لنريه من آياتنا} [الإسراء: 1] سعيدٌ، عن قتادة، قال: ما أراه اللّه من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس.
قوله: {إنّه هو السّميع البصير} [الإسراء: 1]، يعني نفسه، لا أسمع منه ولا أبصر منه.
وقال الكلبيّ: لمّا أخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك المشركين، قال المشركون: تحدّثنا أنّك صلّيت اللّيلة في بيت المقدس ورجعت من ليلتك.
وهو مسيرة شهرٍ للذّاهب وشهرٍ للمقبل؟ وقال بعضهم: رويدك يا محمّد نسألك عن عيرنا هل رأيتها في الطّريق؟ قال: «نعم».
قال: أين؟ قال: «مررت على عير بني فلانٍ بالرّوحاء وقد أضلّوا ناقةً لهم، وهم في طلبها، فمررت على رحالهم وليس بها منهم أحدٌ.
فوجدت في إناءٍ من آنيتهم ماءً فشربته، فسلوهم إذا رجعوا، هل وجدوا الماء في الإناء؟».
قالوا: هذه واللّه آية.
[تفسير القرآن العظيم: 1/112]
قال: " ومررت على عير بني فلانٍ، فنفرت منّي الإبل ساعة كذا وكذا، ووصف جملا منها، قال: جملٌ أحمر، كان عليه أجير بني فلانٍ، عليه جولقٌ أسود مخطّطٌ ببياضٍ ".
قالوا: هذه واللّه آية وقد عرفنا الجولق.
قال: «ثمّ مررت على عير بني فلانٍ بالتّنعيم».
قالوا: فإن كنت صادقًا فإنّها تقدم الآن، قال: «أجل».
قالوا: فأخبرنا بعدّتها وأجمالها ومن فيها، قال: «كنت مشغولا عن ذلك»، فبينما هو يحدّثهم إذ مثّل له عدّتها وأجمالها في الخدور، يقدمها جملٌ أورق.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هي هذه منحدرةٌ من ثنيّة كذا مع طلوع الشّمس، يقدمها جملٌ أورق، وعدّتها كذا وكذا، وأحمالها كذا وكذا، وفيها فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ».
وسمّى الرّهط الّذين فيها بأسمائهم لم يغادر منهم أحدًا.
فخرج رهطٌ من قريشٍ يسعون قبل الثّنيّة، فإذا هم بها حين انحدرت من الثّنيّة، يقدمها جملٌ أورق كما قال، وفيها الرّهط الّذين سمّى مع طلوع الشّمس، فرموه بالسّحر، وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال إنّه ساحرٌ.
وجاء أبو بكرٍ فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، حدّثني ما رأيت عن يمينك حين دخلت بيت المقدس؟ وما رأيت عن يسارك؟ فحدّثه رسول اللّه، فصدّقه أبو بكرٍ، وقال: أشهد أنّك صادقٌ.
فيومئذٍ سمّي الصّدّيق، فقال رسول اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/113]
صلّى اللّه عليه وسلّم: وأنت الصّدّيق يا أبا بكرٍ.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: أسري بنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة إلى بيت المقدس، فصلّى فيه، وأراد اللّه أن يريه آياته، وأمره بما شاء ليلة أسري به، ثمّ أصبح بمكّة.
وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حدّث أنّه حمل على دابّةٍ يقال لها: البراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحدّث نبيّ اللّه بذلك أهل مكّة، فكذّبه المشركون وأنكروه، فصدّقه أبو بكرٍ، فسمّي الصّدّيق من أجل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/114]

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(قوله: {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً مّن المسجد الحرام...}

الحرم كلّه مسجد، يعني مكّة وحرمها {إلى المسجد الأقصى}: بيت المقدس {الّذي باركنا حوله} بالثمار والأنهار.
وقوله: {لنريه من آياتنا} يعني النبي صلى الله عليه وسلم حين أسرى به ليريه تلك الليلة العجائب. وأري الأنبياء حتّى وصفهم لأهل مكّة، فقالوا: فإنّ لنا إبلا في طريق الشأم فأخبرنا
بأمرها، فأخبرهم بآيات وعلامات، فقالوا: متى تقدم. فقال: يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق. فقالوا: هذه علامات نعرف بها صدقه من كذبه. فغدوا من وراء العقبة يستقبلونها، فقال قائل: هذه والله الشمس قد شرقت ولم يأت.
وقال آخر: هذه والله العير يقدمها جمل أورق كما قال محمد صلى الله عليه وسلم. ثم لم يؤمنوا). [معاني القرآن: 2/116-115]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً مّن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير}
قال: {سبحان الّذي أسرى} لأنك تقول "أسريت" و"سريت".
وقال: {إنّه هو السّميع البصير} فهو فيما ذكروا - والله أعلم - قل يا محمّد سبحان الذي أسرى بعبده" وقل: إنّه هو السّميع البصير). [معاني القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سبحان}: تنزيه لله عز وجل عن السوء). [غريب القرآن وتفسيره: 211]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله - عزّ وجلّ - {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير}
{سبحان} منصوب على المصدر، المعنى: أسبح الله تسبيحا.
ومعنى سبحان اللّه في اللغة تنزيه اللّه عن السوء، وكذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {أسرى بعبده ليلا}.
معناه سير عبده، يقال أسريت وسريت إذا سرت ليلا، وقد جاءت اللغتان في القرآن، قال اللّه جلّ وعزّ: {واللّيل إذا يسر} هذا من سريت ومعنى يسري يمضي.
أسرى اللّه سبحانه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام وهو مكة، والحرم كله مسجد، فأسرى الله به في ليلة واحدة من المسجد الحرام من مكة إلى بيت المقدس
وهو قوله - جلّ وعزّ: {إلى المسجد الأقصا الّذي باركنا حوله}
أجرى اللّه حول بيت المقدس الأنهار وأنبت الثمار، فذلك معنى باركنا حوله.
{لنريه من آياتنا} أي لنري محمدا.
فأراه الله في تلك الليلة من الأنبياء، وآياتهم ما أخبر به في غد تلك الليلة أهل مكة فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن لنا في طريق الشام إبلا فأخبرنا خبرها، فخبّرهم بخبرها، فقالوا فمتى تقدم الإبل علينا، فأخبرهم أنها تقدم في يوم سمّاه لهم مع شروق الشمس، وأنه تقدمها جمل أورق، فخرجوا في ذلك اليوم، فقال قائل: هذه الشمس قد أشرقت،
وقال آخر فهذه الإبل قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤمنوا بعد ذلك). [معاني القرآن: 3/226-225]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله تعالى جده: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن معنى سبحان فقال إنزاه الله من السوء وفي بعض الحديث براءة الله من السوء
قال سيبويه وغيره معناه براءة الله من السوء وأنشد:

أقول لما جاءني فخره = سبحان من علقمة الفاخر
وروى معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قمت في الحجر لما كذبني قومي ليلة أسري بي فأثنيت على ربي وسألته أن يمثل لي بيت المقدس،
فرفع لي فجعلت أنعت لهم آياته
وروى سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول فقال ((المسجد الحرام قلت ثم أي قال ثم المسجد الأقصى،
قلت كم بينهما قال أربعون سنة ثم قال أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد)) ). [معاني القرآن: 4/118-117]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} من المسجد الحرام يعني مكة إلى المسجد الأقصى يعني بيت المقدس الذي باركنا حوله قيل فجر حوله الأنهار وأنبت الثمار). [معاني القرآن: 4/119]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} لنريه من آياتنا ما رأى من الأنبياء وآثارهم). [معاني القرآن: 4/119]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سُبْحانَ}: تنزيه لله من السوء). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وآتينا موسى الكتاب} [الإسراء: 2]، التّوراة في تفسير الحسن.
{وجعلناه} [الإسراء: 2] تفسير الحسن: موسى.
وقال السّدّيّ: التّوراة.
{هدًى لبني إسرائيل} [الإسراء: 2] لمن آمن به.
{ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} [الإسراء: 2] عاصم بن حكيمٍ، أنّ مجاهدًا قال: شريكًا.
وقال بعضهم: رياءً). [تفسير القرآن العظيم: 1/114]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ألاّ تتّخذوا من دوني وكيلاً...}
يقال: ربّا، ويقال: كافياً). [معاني القرآن: 2/116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} أي دللناهم به على الهدى.
{ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} أي لا تتوكلوا على غيري ولا تتخذوا من دوني ربّا). [معاني القرآن: 3/226]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل} أي دللناهم به على الهدى). [معاني القرآن: 4/119]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} ويقرأ (أن لا يتخذوا) على إضمار بمعنى وعهدنا إليهم وروى ورقاء،
عن ابن أبي نجيح ألا تتخذوا من دوني وكيلا قال شريكا قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة أن يقال لكل من قام مقام آخر في أي شيء كان هو شريكه،
وقال الفراء ألا تتخذوا من دوني وكيلا أي كافيا). [معاني القرآن: 4/120]

تفسير قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ} [الإسراء: 3] في السّفينة، أي: يا ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ، لذلك انتصبت.
سعيدٌ، عن قتادة قال: {ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ} [الإسراء: 3] فالنّاس كلّهم ذرّيّة من أنجى في تلك السّفينة.
وذكر لنا أنّه نجا فيها نوحٌ، وثلاثة بنين له، وامرأته، ونساؤهم، وبنوه سامٌ، وحامٌ، ويافث.
فسامٌ أبو العرب، وحامٌ أبو
[تفسير القرآن العظيم: 1/114]
الحبش، ويافث أبو الرّوم، فجميعهم ثمانيةٌ.
قال: {إنّه كان عبدًا شكورًا} [الإسراء: 3] سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّه كان إذا استجدّ ثوبًا حمد اللّه.
قال يحيى: وعامّة ما في القرآن في تفسير العامّة أنّ الشّكور المؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 1/115]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ذرّيّة من حملنا...}

منصوبة على النداء ناداهم: يا ذرّيّة من حملنا مع نوح، يعني في أصلاب الرجال وأرحام النساء مّمن لم يخلق). [معاني القرآن: 2/116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذرّيّة من حملنا مع نوح إنّه كان عبدا شكورا}
القراءة بنصب (ذرّيّة). وقرأ بعضهم (ذرّيّة) - بكسر الذال - والضم أكثر.
وذرّية فعليّة من الذر، وهي منصوبة على النداء، كذا أكثر الأقوال المعنى: يا ذرّيّة من حملنا مع نوح.
وإنما ذكروا بنعم اللّه عندهم أنه أنجى أبناءهم من الغرق بأنهم حملوا مع نوح. ويجوز النصب على معنى ألا تتخذوا {ذرّيّة} من حملنا مع نوح من دوني وكيلا، فيكون الفعل،
تعدى إلى الذريّة وإلى الوكيل، تقول: اتخذت زيدا وكيلا، ويجوز {ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} على معنى:
{وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا * ذرّيّة من حملنا مع نوح}.
ويجوز الرفع في (ذرّيّة) على البدل من الواو، والمعنى {ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا} أي لا تتخذوا من دوني وكيلا {ذرّيّة}، ولا تقرأنّ بها إلا أن تثبت بها
رواية صحيحة، فإن القراءة سنة لا يجوز أن تخالف بما يجوز في العربية). [معاني القرآن: 3/227-226]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذرية من حملنا مع نوح} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال على النداء أي ذرية من حملنا
قال أبو جعفر أي حرف نداء مثل يا، وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ذرية بفتح الذال وتشديد الراء والياء
وروى عن زيد بن ثابت ذرية بكسر الذال وتشديد الراء والياء فأما عامر بن عبد الواحد فحكي أن زيدا قرأ ذرية بفتح الذال وتشديد الراء والياء). [معاني القرآن: 4/121-120]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {إنه كان عبدا شكورا} روى معمر عن قتادة قال كان إذا لبس ثوبا قال بسم الله وإذا نزعه قال الحمد لله
وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال شكره، أنه إذا أكل قال بسم الله فإذا فرغ من الأكل قال الحمد لله). [معاني القرآن: 4/121]

تفسير قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل} [الإسراء: 4] تفسير السّدّيّ: أخبرنا بني إسرائيل.
{في الكتاب} [الإسراء: 4] يعني: في التّوراة.
وهو تفسير السّدّيّ.
قال الحسن: يقول: أعلمناهم، كقوله: {وقضينا إليه ذلك الأمر} [الحجر: 66]، يقول: أعلمناه.
عاصم بن حكيمٍ، أنّ مجاهدًا قال: {وقضينا} [الإسراء: 4] كتبنا.
{لتفسدنّ في الأرض مرّتين} [الإسراء: 4]، يعني: لتهلكنّ في الأرض مرّتين.
وهو تفسير السّدّيّ.
{ولتعلنّ علوًّا كبيرًا} [الإسراء: 4] يعني: لتقهرنّ قهرًا شديدًا.
تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/115]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [الإسراء: 4] كتبنا عليهم {لتفسدنّ في الأرض مرّتين} [الإسراء: 4] إلى قوله: {أولي بأسٍ شديدٍ} [الإسراء: 5]، قال: ذلك بيان من جاءهم من فارس، يتحسّسون أخبارهم، ويسمعون حديثهم، ومعهم بختنصّر، فوعى أحاديثهم من بين أصحابه، ثمّ رجعت فارس فلم يكن قتالٌ، ونصرت عليهم بنو إسرائيل.
فهذا وعد الأولى). [تفسير القرآن العظيم: 1/116]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل...}
أعلمناهم أنهم سيفسدون مرّتين). [معاني القرآن: 2/116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وقضينا} مجازه: أخبرنا). [مجاز القرآن: 1/370]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قضينا}: أخبرنا). [غريب القرآن وتفسيره: 211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقضينا إلى بني إسرائيل}: أخبرناهم). [تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قوله: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ}، أي أعلمناهم، لأنّه لمّا خبّرهم أنهم سيفسدون في الأرض، حتم بوقوع الخبر). [تأويل مشكل القرآن: 441]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين ولتعلنّ علوّا كبيرا }
معناه أعلمناهم في الكتاب، وأوحينا إليهم، ومثل ذلك قوله: {وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين}.
ومعناه وأوحينا إليه.
وقوله: {فقضاهنّ سبع سماوات في يومين} معناه خلقهن وفرغ منهن، ومثل هذا في الشعر قوله:
وعليهما مسرودتان قضاهما= داود أو صنع السّوابغ تبّع
معناه عملهما.
وجملة هذا الباب أن كل ما عمل عملا محكما فقد قضي، وإنما قيل للحاكم قاض لأنه إذا أمر أمرا لم يردّ أمره، فالقضاء قطع الأشياء عن إحكام.
والمعنى إنا أوحينا إليهم لتفسدنّ في الأرض ولتعلنّ علوّا كبيرا، معناه لتعظمن ولتبغنّ، لأنه يقال لكل متجبّر قد علا وتعظّم). [معاني القرآن: 3/227]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} قال سفيان أي على بني إسرائيل قال ابن عباس قضينا أعلمنا).
[معاني القرآن: 4/122]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وقضينا إلى بني إسرائيل} أخبرناهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَضَيْنا}: أخبرناهم). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {فإذا جاء وعد أولاهما} [الإسراء: 5] : أولى العقوبتين.
{بعثنا عليكم عبادًا لنا أولي بأسٍ شديدٍ} [الإسراء: 5] تفسير مجاهدٍ: فارس.
{فجاسوا خلال الدّيار} [الإسراء: 5] فقتلوهم في الدّيار، وهدموا بيت المقدس، وألقوا فيه الجيف والعذرة.
[تفسير القرآن العظيم: 1/115]
{وكان وعدًا مفعولا} [الإسراء: 5] أي أنّه كائنٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/116]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [الإسراء: 4] كتبنا عليهم {لتفسدنّ في الأرض مرّتين} [الإسراء: 4] إلى قوله: {أولي بأسٍ شديدٍ} [الإسراء: 5]، قال: ذلك بيان من جاءهم من فارس، يتحسّسون أخبارهم، ويسمعون حديثهم، ومعهم بختنصّر، فوعى أحاديثهم من بين أصحابه، ثمّ رجعت فارس فلم يكن قتالٌ، ونصرت عليهم بنو إسرائيل.
فهذا وعد الأولى). [تفسير القرآن العظيم: 1/116] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فإذا جاء وعد أولاهما...} يقول: عقوبة أولى المرّتين، وهو أول الفسادين {بعثنا عليكم عباداً لّنا} يعني بختنصّر فسبى وقتل.

وقوله: {فجاسوا خلال الدّيار} يعني: قتلوكم بين بيوتكم {فجاسوا} في معنى أخذوا وحاسوا أيضاً بالحاء في ذلك المعنى). [معاني القرآن: 2/116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فجاسوا} قتلوا.
{خلال الدّيار} بين الديار). [مجاز القرآن: 1/370]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لّنا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الدّيار وكان وعداً مّفعولاً}
وقال: {فإذا جاء وعد أولاهما} لأن "الأولى" مثل "الكبرى" يتكلم بها بالألف واللام ولا يقال "هذه أولى". والإضافة تعاقب الألف واللام.
فلذلك قال: {أولاهما} كما تقول "هذه كبراهمٌا" و"كبراهنّ" و"كبراهم عنده"). [معاني القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {جاسوا خلال الديار}: طلبوا من فيها كما يجوس الرجل الأخبار.
{خلال الديار}: بين الديار وبين البيوت). [غريب القرآن وتفسيره: 211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فجاسوا خلال الدّيار} أي عاثوا بين الديار وأفسدوا، يقال: جاسوا وحاسوا. فهم يجوسون ويحوسون).
[تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال عز وجل: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ}. أراد: بعثناهم ليسوءوا وجوهكم، فحذفها، لأنه قال قبل: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا}.فاكتفى بالأول من الثاني، إذ كان يدل عليه.
وكذلك قوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}. فاكتفى بذكر الثاني من الأول). [تأويل مشكل القرآن: 218]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الدّيار وكان وعدا مفعولا}
المعنى فإذا جاء وعد أولى المرتين.
{بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد} يروى أنه بعث عليهم بختنصر.
{فجاسوا خلال الدّيار} أي فطافوا في خلال الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه، والجوس طلب الشيء باستقصاء). [معاني القرآن: 3/227]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإذا جاء وعد أولاهما} أي أولى المرتين بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لجاءوا من ناحية فارس أول مرة ومعهم بختنصر فهزمهم بنو إسرائيل ثم رجعوا في الثانية فقتلوا بني إسرائيل ودمروهم تدميرا
قال قتادة بعث عليهم في أول مرة جالوت وفي الثانية بختنصر). [معاني القرآن: 4/123-122]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا} روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال جاسوا مشوا قال أبو جعفر المعروف عند أهل اللغة أنه يقال جسنا دور بني فلان وجسناها إذا قهروهم وغلبوهم). [معاني القرآن: 4/123]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فجاسوا} أي أفسدوا بين الديار، ومثله (حاسوا) ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَجَاسوا}: طافوا). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم} [الإسراء: 7] بعث ملك فارس ببابل جيشًا، وأمّر عليهم بختنصّر، فأتوا بني إسرائيل فدمّروهم.
فكانت هذه الآخرة ووعدها.
وقال السّدّيّ: {فإذا جاء وعد الآخرة} [الإسراء: 7]، يعني: الموت الأخير من العذاب الّذي وعدهم.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: عوقب القوم على غلوّهم وفسادهم، فبعث اللّه عليهم في الأولى جالوت الخزريّ، فسبى وقتل، وجاسوا خلال الدّيار كما قال اللّه، ثمّ روجع القوم على دخنٍ فيهم كثيرٍ.
فقال: {ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنين} [الإسراء: 6] يقول: وأعطيناكم.
تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/116]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وجعلناكم أكثر نفيرًا} [الإسراء: 6]، أي: أكثر عددًا في زمان داود.
وقوله: {ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم} [الإسراء: 6] ففعل ذلك بهم في زمان داود يوم طالوت). [تفسير القرآن العظيم: 1/116]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم...}

يعني على بختنصّر جاء رجل بعثه الله عزّ وجلّ على بختنصّر فقتله وأعاد الله إليهم ملكهم وأمرهم، فعاشوا، ثم أفسدوا وهو آخر الفسادين). [معاني القرآن: 2/116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {رددنا لكم الكرّة} أعقبنا لكم الدولة.
{أكثر نفيراً} مجازه: من الذين نفروا معه). [مجاز القرآن: 1/371]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الكرة}: الدولة.
{أكثر نفيرا}: أي من نفر معه). [غريب القرآن وتفسيره: 211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ رددنا لكم الكرّة} أي الدّولة.
{أكثر نفيراً} أي أكثر عددا. وأصله: من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته. والنّفير والنّافر واحد. كما يقال: قدير وقادر). [تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}أي رددنا لكم الدولة.
{وجعلناكم أكثر نفيرا} أي جعلناكم أكثر منهم نصّارا، ويجوز أن يكون نفيرا جمع نفر كما يقال: العبيد والكليب والضّئين والمعيز.
و{نفيرا} منصوب على التمييز). [معاني القرآن: 3/228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم} أي الدولة {وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}
يجوز أن يكون نفيرا بمعنى نافر مثل قدير وقادر
ويجوز أن يكون جمع نفر مثل عبيد وكليب ومعيز وأصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأصحابه). [معاني القرآن: 4/123-124]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أكثر نفيرا} أي أكثر عددا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الكرَّةَ}: الدولة). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم} [الإسراء: 7] بعث ملك فارس ببابل جيشًا، وأمّر عليهم بختنصّر، فأتوا بني إسرائيل فدمّروهم.
فكانت هذه الآخرة ووعدها.
وقال السّدّيّ: {فإذا جاء وعد الآخرة} [الإسراء: 7]، يعني: الموت الأخير من العذاب الّذي وعدهم.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: عوقب القوم على غلوّهم وفسادهم، فبعث اللّه عليهم في الأولى جالوت الخزريّ، فسبى وقتل، وجاسوا خلال الدّيار كما قال اللّه، ثمّ روجع القوم على دخنٍ فيهم كثيرٍ.
فقال: {ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنين} [الإسراء: 6] يقول: وأعطيناكم.
تفسير السّدّيّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/116] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} [الإسراء: 7]، أي: فلأنفسكم.
[تفسير القرآن العظيم: 1/116]
{فإذا جاء وعد الآخرة} [الإسراء: 7] قال قتادة: آخر العقوبتين.
{ليسوءوا وجوهكم} [الإسراء: 7] وهي تقرأ على وجهين: ليسوء اللّه وجوهكم، خفيفةٌ، والوجه الآخر: ليسوّئوا، مثقّلةٌ، يعني: القوم وجوهكم.
{وليدخلوا المسجد} [الإسراء: 7]، يعني: بيت المقدس.
{كما دخلوه أوّل مرّةٍ} [الإسراء: 7] سعيدٌ، عن قتادة، قال: أي كما دخله عدوّهم قبل ذلك.
قال: {وليتبّروا ما علوا} [الإسراء: 7] أي: غلبوا عليه.
{تتبيرًا} [الإسراء: 7] أي: وليفسدوا ما غلبوا عليه فسادًا، فبعث اللّه عليهم في الآخرة بختنصّر البابليّ المجوسيّ، فسبى، وقتل، وخرّب بيت المقدس، وقذف فيه الجيف والعذرة.
يقال إنّه فسادهم الثّاني قتل يحيى بن زكريّاء، فبعث اللّه بختنصّر عقوبةً عليهم بقتلهم يحيى، فقتل منهم سبعين ألفًا.
أبو سهلٍ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن قتادة، أنّ مريم لمّا حملت قالوا: ضيّع اللّه بنت سيّدنا، يعنون زكريّاء، حتّى زنت، فلمّا طلبوا زكريّاء ليقتلوه انطلق هاربًا، فعرضت له شجرةٌ، فقال: افرجي لي حتّى أختبئ فيك، ففرجت له فدخل فيها وانضمّت عليه، وبقي بعض هدب ثيابه خارجًا.
فطلبوه فلم يقدروا عليه، فجاء إبليس، فقال: هو في هذه الشّجرة وهذا هدب ثوبه، فجيء بالمنشار فوضع عليه حتّى قتل.
[تفسير القرآن العظيم: 1/117]
وإنّ يحيى بن زكريّا كان في زمانٍ لم يكن للرّجل منهم أن يتزوّج امرأة أخيه بعده، وإذا كذب متعمّدًا لم يولّ الملك.
فمات الملك وولّي أخوه، فأراد الملك أن يتزوّج امرأة أخيه الملك الّذي مات، فسألهم فرخّصوا له، فسأل يحيى بن زكريّا، فأبى أن يرخّص له، فحقدت عليه امرأة أخيه، وجاءت بابنة أخي الملك الأوّل إليه فقال لها: سليني اليوم حكمك، فقالت: حتّى أنطلق إلى أمّي، فلقيت أمّها فقالت: قولي له إن أردت أن تفي لنا بشيءٍ فأعطني رأس يحيى بن زكريّاء، فقال: قولي لها:
غير هذا خيرٌ لك منه، قال: فأبت، وتكره أن يخلفها فلا يولّى الملك، فدفع إليها يحيى بن زكريّاء.
فلمّا وضعت الشّفرة على حلقه قال: قولي: بسم اللّه.
هذا ما بايع عليه يحيى بن زكريّاء عيسى ابن مريم على ألا يزني، ولا يسرق، ولا يلبس إيمانه بسوءٍ.
فلمّا أمرّت الشّفرة على أوداجه فذبحته ناداها منادٍ من فوقها، فقال: يا ربّة البيت الخاطئة الغاوية، قالت: إنّها كذلك، فما تريد منها؟ قال: لتبشّر فإنّها أوّل ما تدخل النّار.
قال: وخسف بابنتها فجاءوا بالمعاول فجعلوا يحفرون عنها وتدخل في الأرض حتّى ذهبت). [تفسير القرآن العظيم: 1/118]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم...}

يقول القائل: أين جواب (إذا)؟ ففيه وجهان. يقال: فإذا جاء عد الآخرة بعثناهم ليسوء الله وجوهكم لمن قرأ بالياء. وقد يكون ليسوء العذاب وجوهكم.
وقرأها أبيّ بن كعب بـ (لنسوءن وجوهكم) بالتخفيف يعني النون. ولو جعلتها مفتوحة اللام كانت جواباً لإذا بلا ضمير فعل.
تقول إذا أتيتني لأسوءنّك ويكون دخول الواو فيما بعد (لنسوءن) بمنزلة قوله: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّموات والأرض وليكون من} نريه الملكوت، كذلك الواو في {وليدخلوا} تضمر لها فعلا بعدها، وقد قرئت {ليسوءوا وجوهكم} الذين يدخلون). [معاني القرآن: 2/117-116]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وليتبّروا} وليدمروا). [مجاز القرآن: 1/371]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وليتبروا ما علوا}: ليدمروا). [غريب القرآن وتفسيره: 212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فإذا جاء وعد الآخرة} يعني من المرّتين.
{ليسوؤا وجوهكم} من السّوء.
{وليتبّروا} أي ليدمّروا ويخرّبوا). [تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة وليتبّروا ما علوا تتبيرا}
{فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم).
وتقرأ {ليسوء وجوهكم}
المعنى فإن جاء وعد الآخرة ليسوء الوعد وجوهكم.
ومن قرأ (ليسوءوا) فالمعنى ليسوء هؤلاء القوم وجوهكم.
وقد قرئت (لنسوء وجوهكم) - بالنون الخفيفة - ومعناه ليسوء الوعد وجوهكم، والوقف عليها ليسوءا. والأجود ليسوء بغير نون، وليسوءوا. ويجوز: ليسوء وجوهكم،
ويكون الفعل للوعد على الأمر، ولا تقرأ به، ويجوز لنسوء بالنون في موضع الياء.
وقوله: {وليتبّروا ما علوا تتبيرا} معناه ليدمّروا، ويقال لكل شيء منكسر من الزّجاج والحديد والذّهب تبر، ومعنى {ما علوا} أي ليدمّروا في حال علوّهم عليكم). [معاني القرآن: 3/228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم} فإذا جاء وعد الآخرة أي من المرتين ليسوءوا وجوهكم
روى زائد عن الأعمش قال الله ليسوء وجوهكم
وقال غيره ليسوء الوعد وجوهكم
ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ لنسوء وجوهكم بالنون وهي قراءة الكسائي وفي الكلام حذف والمعنى فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم لنسوء وجوهكم
وروى عن أبي بن كعب أنه قرأ فإذا جاء وعد الآخرة لنسوءن وجوهكم بالنون الخفيفة واللام المفتوحة والوقف عليه لنسوءا مثل لنسفعا وهو على غير حذف ومن قرأ ليسوءوا فالمعنى عنده للعباد وفيه حذف). [معاني القرآن: 4/125-124]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {وليتبروا ما علوا تتبيرا} قال ابن جريج ليدمروا تدميرا كذا قال ابن عباس قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة يقال تبر الشيء إذا كسرة ومنه التبر). [معاني القرآن: 4/126-125]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وليتبروا} أي: وليدمروا، أي: وليهلكوا. (تتبيرا) أي: إهلاكا وتدميرا. والعرب تقول: تبرته ودمرته وأهلكته بمعنى واحد). [ياقوتة الصراط: 305]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ليسوءوا} من السوء.
{وليتبروا} أي يدمروا ويخربوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُتَبِّروا}: يدمّروا). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {عسى ربّكم أن يرحمكم} [الإسراء: 8] سعيدٌ، عن قتادة، قال: فعاد اللّه عليهم بعائدته.
قال: {وإن عدتم عدنا} [الإسراء: 8] عليكم بالعقوبة.
كان أعلمهم أنّ هذا كائنٌ كلّه.
قوله: {وإن عدتم عدنا} [الإسراء: 8] تفسير الحسن: أنّ اللّه عاد لهم بمحمّدٍ فأذلّهم بالجزية.
[تفسير القرآن العظيم: 1/118]
قال يحيى: يعني قوله: {وإذ تأذّن ربّك} [الأعراف: 167] يعني قال ربّك في تفسير قتادة.
وقال الحسن: أشعر ربّك، قال ربّك، {ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} [الأعراف: 167] وقال سعيدٌ، عن قتادة: ثمّ عاد القوم لشرّ ما بحضرتهم، فبعث اللّه عليهم ما شاء من نقمته، ثمّ كان عذاب اللّه أن بعث عليهم العرب، فهم منهم في عذابٍ إلى يوم القيامة.
قوله: {وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8] سعيدٌ، عن قتادة، قال: سجنًا أي: يحصرهم فيها.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: يحصرون فيها). [تفسير القرآن العظيم: 1/119]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {جهنّم للكافرين حصيراً} من الحصر والحبس فكان معناه محبساً، ويقال: للملك حصير لأنه محجوب،

قال لبيد:
ومقامةٍ غلب الرّقاب كأنّهم= جنٌّ لدى باب الحصير قيام
والحصير أيضاً: البساط الصغير، فيجوز أن تكون جهنم لهم مهاداً بمنزلة الحصير، ويقال للجنبين: حصيران، يقال: لاضربن حصيريك وصقليك). [مجاز القرآن: 1/371]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حصيرا}: محبسا). [غريب القرآن وتفسيره: 212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وجعلنا جهنّم للكافرين حصيراً} أي محبسا. من حصرت الشيء: إذا حبسته. فعيل بمعنى فاعل). [تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {عسى ربّكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا}
{وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا} معناه حبسا، أخذ من قوله: حصرت الرّجل إذا حبسته فهو محصور وهذا حصيره أي محبسه، والحصير المنسوج إنما سمي حصيرا لأنه حصرت طاقاته بعضها مع بعض.
والجنب يقال له الحصير لأن بعض الأضلاع محصور مع بعض). [معاني القرآن: 3/229-228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل ذكره: {وإن عدتم عدنا} روى مبارك عن الحسن قال إن عدتم إلى المعصية عدنا إلى العقوبة). [معاني القرآن: 4/126]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} قال مجاهد أي يحصرون فيها وقال الحسن فراشا ومعادا وروى معمر عن قتادة قال محبسا قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يقال حصرت الرجل أي حبسته ويقال للموضع الذي يحبس فيه حصير ويقال أحصره المرض والأصل فيه واحد).
[معاني القرآن: 4/126]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {حصيرا}: أي: حبيسا). [ياقوتة الصراط: 305]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حصيرا} أي محبسا، وقيل: فراشا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 135]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصيراً}: حبسا). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ هذا القرءان يهدي} [الإسراء: 9]، يعني: يدعو.
وهو تفسير السّدّيّ.
{للّتي هي أقوم} [الإسراء: 9].
وقال: في المزّمّل: {وأقوم قيلا} [المزمل: 6] أصوب.
{ويبشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجرًا كبيرًا} [الإسراء: 9] الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/119]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم...}.

يقول لشهادة أن لا إله إلا الله.
{ويبشّر المؤمنين} أوقعت البشارة على قوله: {أنّ لهم أجراً كبيراً} ويجوز أن يكون المؤمنون بشروا أيضاً بقوله: {وأنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً...}
لأن الكلام يحتمل أن تقول: بشّرت عبد الله بأنه سيعطى وأن عدوّه سيمنع، ويكون. ويبشّر الذين لا يؤمنون بالآخرة أنا أعتدنا لهم عذاباً أليماً،
وإن لم يوقع التبشير عليهم كما أوقعه على المؤمنين قبل (أنّ) فيكون بمنزلة قولك في الكلام بشّرت أن الغيث آتٍ فيه معنى بشّرت الناس أن الغيث آتٍ وإن لم تذكرهم.
ولو استأنفت {وإنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة} صلح ذلك ولم أسمع أحداً قرأ به). [معاني القرآن: 2/117]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجرا كبيرا }
أي للحال التي هي أقوم الحالات، وهي توحيد اللّه - عزّ وجلّ – أي شهادة أن لا إله إلا اللّه والإيمان برسله، والعمل بطاعته، وهذه صفة الحال التي هي أقوم الحالات).
[معاني القرآن: 3/229]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} المعنى يهدي للحال التي هي أقوم والحال التي هي أقوم توحيد الله واتباع رسله والعمل بطاعته). [معاني القرآن: 4/127]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وأنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} [الإسراء: 10] موجعًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/119]

تفسير قوله تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير} [الإسراء: 11] يدعو بالشّرّ على نفسه وعلى ولده وماله كما يدعو بالخير.
وقال في آية أخرى: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم} [يونس: 11] لأمات الّذي يدعو عليه.
{وكان الإنسان عجولا} [الإسراء: 11] وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: يدعو على ماله فيلعن ماله وولده، ولو استجاب اللّه له
[تفسير القرآن العظيم: 1/119]
لأهلكه.
الحسن بن دينارٍ، عن حميد بن هلالٍ، قال: ألا تعجب من النّاس كيف يغبنون عن جلال اللّه؟ يقول أحدهم لدابّته أو لشاته: غضب اللّه عليك.
ولو قيل له: اغضب على شاتك أو اغضب على دابّتك لغضب من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/120]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ويدع الإنسان...}

حذفت الواو منها في اللفظ ولم تحذف في المعنى؛ لأنها في موضع رفع، فكان حذفها باستقبالها اللام السّاكنة. ومثلها {سندع الزّبانية} وكذلك {وسوف يؤت اللّه المؤمنين}
وقوله: {يوم يناد المناد} وقوله: {فما تغن النّذر} ولو كنّ بالياء والواو كان صواباً. وهذا من كلام العرب.
قال الشاعر:
كفاك كفٌّ ما تليق درهما = جوداً وأخرى تعط بالسيف الدّما
وقال بعض الأنصار:
ليس تخفي بشارتي قدر يومٍ =ولقد تخف شيمتي إعساري
وقوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير} يريد كدعائه بالخير في الرغبة إلى الله عزّ وجل فيما لا يحبّ الداعي إجابته، كدعائه على ولده فلا يستجاب له في الشرّ وقد دعا به.
فذلك أيضاً من نعم الله عزّ وجلّ عليه). [معاني القرآن: 2/118-117]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً}
وقال: {دعاءه بالخير} فنصب "الدعاء" على الفعل كما تقول: "إنّك منطلقٌ انطلاقاً"). [معاني القرآن: 2/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير} أي يدعو على نفسه وعلى خادمه وعلى ماله، بما لو استجيب له فيه، هلك.
{وكان الإنسان عجولًا} أي يعجل عند الغضب. واللّه لا يعجل بإجابته). [تفسير غريب القرآن: 251]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا }
المعنى أن الإنسان ربّما دعا على نفسه وولده وأهله بالشر غضبا كما يدعو لنفسه بالخير، وهذا لم يعرّ منه بشر.
ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا، فأقبل يئن باللّيل، فقالت له: ما بالك تئن فشكا ألم القيد والأسر.
فأرخت من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا به فأعلم شأنه، فقال اللهم اقطع يديها، فرفعت سودة يديها تتوقع الاستجابة،
وأن يقطع الله يديها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وإني سألت الله أن يجعل دعائي ولعنتي على من لا يستحق من أهلي رحمة، فقولوا لها لأني بشر أغضب كما يغضب البشر لتردد سودة يديها. فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن الإنسان خلق عجولا، فهذا يطلق عليه جملة البشر من آدم إلى آخر ولده.
والإنسان ههنا في معنى الناس). [معاني القرآن: 3/229]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا}
روى معمر عن قتادة قال يدعو الإنسان على نفسه بما لو استجيب له لهلك ويدعو على ولده وماله ثم قال تعالى: {وكان الإنسان عجولا} قيل يعجل بالدعاء على نفسه ولا يعجل الله بالإجابة
وروي عن سلمان أنه قال أول ما خلق الله من آدم رأسه فأقبل ينظر إلى سائره يخلق فلما دنا المساء قال رب عجل قبل الليل فقال الله تعالى: {وكان الإنسان عجولا} ).
[معاني القرآن: 4/128-127]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير} أي يدعو على نفسه بالشر عند غيظه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين} [الإسراء: 12] ابن مجاهدٍ، عن أبيه، قال: آيتين ليلا ونهارًا كذلك خلقهما اللّه.
قال: {فمحونا آية اللّيل} [الإسراء: 12] قال قتادة: وهو السّواد الّذي في القمر.
قال يحيى: ويقال محي من ضوء القمر من مائة جزءٍ تسعةٌ وتسعون جزءًا وبقي جزءٌ واحدٌ.
قال: {وجعلنا آية النّهار مبصرةً} [الإسراء: 12] قال قتادة: أي: منيرةٌ، يعني به: ضوء النّهار.
{لتبتغوا فضلا من ربّكم} [الإسراء: 12]، يعني: بالنّهار.
{ولتعلموا عدد السّنين والحساب} [الإسراء: 12] باللّيل والنّهار.
وقال السّدّيّ: يعني عدد الأيّام والشّهور والسّنين قال: {وكلّ شيءٍ فصّلناه تفصيلا} [الإسراء: 12] بيّنّاه تبيينًا في تفسير قتادة والسّدّيّ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/120]
وتفسير الحسن: فصلنا اللّيل من النّهار، وفصلنا النّهار من اللّيل، والشّمس من القمر، والقمر من الشّمس). [تفسير القرآن العظيم: 1/121]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فمحونا آية اللّيل...}

... حدثني مندل بن عليّ عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الدّيلي رفعه إلى عليّ بن أبي طالب رحمه الله قال:
هو اللّطخ الذي في القمر). [معاني القرآن: 2/118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فمحونا آية اللّيل} يعني محو القمر.
{وجعلنا آية النّهار مبصرةً} أي مبصرا بها. وقد ذكرت هذا وأمثاله في «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 252]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجيء المفعول به على لفظ الفاعل:
كقوله سبحانه: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} أي لا معصوم من أمره.
وقوله: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} أي مدفوق.
وقوله: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي مرضيّ بها.
وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا} أي مأمونا فيه.
وقوله: {وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} أي مبصرا بها.
والعرب تقول: ليل نائم، وسرّ كاتم، قال وعلة الجرميّ:
ولما رأيت الخيل تترى أثايجا = علمت بأنّ اليوم أحمس فاجر
أي يوم صعب مفجور فيه). [تأويل مشكل القرآن: 297-296] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وجعلنا اللّيل والنّهار آيتين فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النّهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربّكم ولتعلموا عدد السّنين والحساب وكلّ شيء فصّلناه تفصيلا }
أي علامتين يدلان على أن خالقهما واحد ليس كمثله شيء وتدلان على عدد السنين والحساب.
{فمحونا آية اللّيل} أي جعلنا آية الليل دليلة عليه بظلمته.
{وجعلنا آية النّهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربّكم} أي جعلناها تضيء لكم لتبصروا كيف تصرّفون في أعمالكم
{ولتعلموا عدد السّنين والحساب}
ويروى أن القمر كان في ضياء الشمس فمحا اللّه ضياءه
بالسواد الذي جعل فيه.
{وكلّ شيء فصّلناه تفصيلا} أي بيّناه تبيينا لا يلتبس معه بغيره، والاختيار النّصب في. " كلّ ".
المعنى في النصب: لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين، وفصلنا كل شيء تفصيلا.
و {كلّ} منصوب بفعل مضمر الذي ظهر يفسّره، وهو {فصلناه}
ويجوز {وكلّ شيء فصلناه تفصيلا}.
وكذلك النصب والرفع في قوله: {وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه} إلا إني لا أعلم أحدا قرأ بالرفع.
وجاء في التفسير: طائره، أي خيره وشرّه، وهو - واللّه أعلم - ما يتطيّر من مثله من شيء عمله كما قال {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة}، وكما يقال للإنسان إثمي في عنقك،
وإنما يقال للشيء اللازم له: هذا في عنق الإنسان، أي لزومه له كلزوم القلادة له من بين ما يلبس في العنق). [معاني القرآن: 3/230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وجعلنا الليل والنهار آيتين}
الآية في اللغة الدلالة والعلامة أي جعلناهما دالين على أن خالقهما ليس كمثله شيء ودالين على عدد السنين والحساب). [معاني القرآن: 4/128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}
روى هشيم عن حصين عن عكرمة عن ابن عباس فمحونا آية الليل قال هو السواد الذي ترونه في القمر
ويروي أن ابن الكواء سأل علي بن أبي طالب عن السواد الذي في القمر فقال لو سألت عما ينفعك في دنياك وآخرتك ذاك أن الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين إلى آخر الآية
فآية النهار الشمس وآية الليل القمر وصحوه السواد الذي فيه). [معاني القرآن: 4/129-128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل ثناؤه: {وجعلنا آية النهار مبصرة} روى الحسن عن قتادة قال منيرة قال أبو جعفر وهذا مذهب الفراء فقد
قال مبصرة بمعنى مضيئة وقال غيره هذا على التشبيه أي ذات إبصار أي يبصرون بها). [معاني القرآن: 4/129]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فمحونا آية الليل} يعني محو القمر.
{مبصرة} أي مبصرا بها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13] المبارك بن فضالة عن الحسن قال: عمله.
سعيدٌ، عن قتادة مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/121]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره...}

وهو عمله، إن خيراً فخيراً وإن شرّا فشرّا {ونخرج له} قرأها يحيى بن وثّاب بالنون وقرأها غيره بالياء مفتوحة: (ويخرج له) طائره، منهم مجاهد والحسن.
وقرأ أبو جعفر المدنيّ (ويخرج... له كتاباً) معناه: ويخرج له عمله كتاباً. وكلٌّ حسن). [معاني القرآن: 2/118]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ألزمناه طائره} أي حظّه). [مجاز القرآن: 1/372]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {طائرة في عنقه}: قالوا كتابة وقالوا عمله). [غريب القرآن وتفسيره: 212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال أبو عيدة: حظّه.
وقال المفسّرون: ما عمل من خير أو شر ألزمناه عنقه.
وهذان التفسيران بحتاجان إلى تبيين. والمعنى فيما أرى - واللّه أعلم -: أن لكل امرئ حظا من الخير والشر قد قضاه اللّه عليه. فهو لازم عنقه.
والعرب تقول لكل ما لزم الإنسان: قد لزم عنقه. وهو لازم صليف عنقه.
وهذا لك عليّ وفي عنقي حتى أخرج منه. وإنما قيل للحظ من الخير والشر: طائر، لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر، على طريق الفأل والطّيرة، وعلى مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببا. فخاطبهم اللّه بما يستعملون، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر، هو ملزمه أعناقهم.
ونحوه قوله: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه}، وكان الحسن وأبو رجاء ومجاهد يقرؤون: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} بلا ألف.
والمعنيان جميعا سواء، لأن العرب تقول: جرت له طير الشمال. فالطّير الجماعة، والطائر واحد.
وقوله: {ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً} أراد يخرج بذلك العمل كتابا. ومن قرأ: {ونخرج له يوم القيامة كتاباً}، أراد: ويخرج ذلك العمل كتابا). [تفسير غريب القرآن: 252]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا }
وفي هذه أربعة أوجه: وتخرج له، ويخرج له، أي ويخرج اللّه له.
ويخرج له. أي ويخرج عمله له يوم القيامة كتابا، وكذلك يخرج له عمله يوم القيامة.
{كتابا يلقاه منشورا} منصوب على الحال). [معاني القرآن: 3/231-230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}
روى منصور وابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد قال عمله وقال الضحاك رزقه وأجله وشقاءه وسعادته
وروى ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال طائره ما قدر عليه يكون معه حيثما كان ويزول معه أينما زال
وقيل {طائره} حظه
قال أبو جعفر والمعاني متقاربة إنما هو ما يطير من خير أو شر على التمثيل كما تقول هذا في عنق فلان أي يلزمه كما تلزم القلادة). [معاني القرآن: 4/130-129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}
روى جرير بن حازم عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ويخرج له يوم القيامة كتابا قال يريد يعني ويخرج له الطائر كتابا أي عمله كتابا
وروى عن مجاهد ويخرج وكذلك قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع
وقرأ الحسن ويخرج له يوم القيامة كتابا بفتح الياء أيضا
ورويت هذه القراءة عن ابن عباس فإنه قال سيحول عمله كتابا
وقرأ الحسن يلقاه بضم الياء وتشديد القاف). [معاني القرآن: 4/131]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {طائره في عنقه} قال: طائره: عمله من خير أو شر). [ياقوتة الصراط: 306]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {طائره في عنقه} قيل حظه. وقيل: ما عمل من خير وشر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 136]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {طاَئِرَهُ}: كتابه). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا {13} اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا {14}} [الإسراء: 13-14] سعيدٌ، عن قتادة، قال: سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئًا في الدّنيا.
- يحيى، عن صاحبٍ له، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: يدعى الخلائق يوم القيامة للحساب، فإذا كان الرّجل في الخير رأسًا يدعو إليه، ويأمر به، ويكثر عليه تبعه، دعي باسمه واسم أبيه، فيقوم حتّى إذا دنا أخرج له كتابٌ أبيض بخطٍّ أبيض في باطنه السّيّئات وفي ظهره الحسنات، فيبدأ بالسّيّئات فيقرأها فيشفق ويتغيّر
لونه، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه سيّئاتك وقد غفرت لك فيفرح، ثمّ يقلّب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحًا، حتّى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه حسناتك وقد ضعّفت لك فيبيضّ وجهه، ويؤتى بتاجٍ فيوضع على رأسه، ويكسى حلّتين، ويحلّى كلّ مفصلٍ منه، ويطوّل ستّين ذراعًا، وهي قامة آدم، ويعطى كتابه بيمينه، فيقال له: انطلق إلى أصحابك فبشّرهم
وأخبرهم أنّ لكلّ إنسانٍ منهم مثل هذا.
فإذا أدبر قال: {هاؤم اقرءوا كتابيه {19} إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه {20}} [الحاقة: 19-20]، يقول اللّه: {فهو في عيشةٍ راضيةٍ {21} في جنّةٍ عاليةٍ {22} قطوفها دانيةٌ {23}} [الحاقة: 21-23]، فيقول
[تفسير القرآن العظيم: 1/121]
لأصحابه: هل تعرفوني؟ فيقولون: قد غيّرتك كرامة اللّه، من أنت؟ فيقول: أنا فلان بن فلانٍ، ليبشر كلّ رجلٍ منكم بمثل هذا.
وإذا كان في الشّرّ رأسًا يدعو إليه، ويأمر به، ويكثر عليه تبعه، نودي باسمه واسم أبيه، فيتقدّم إلى حسابه، ويخرج له كتابٌ أسود بخطٍّ أسود، في باطنه الحسنات وفي ظهره السّيّئات، فيبدأ بالحسنات فيقرأها فيفرح ويظنّ أنّه سينجو، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه حسناتك وقد ردّت عليك، فيسودّ وجهه، ويعلوه الحزن، ويقنط من الخير.
ثمّ يقلّب كتابه فيقرأ سيّئاته، فلا يزداد إلا حزنًا ولا يزداد وجهه إلا سوادًا.
فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه سيّئاتك وقد ضعّفت عليك، فيعظّم للنّار حتّى أنّ فخذه ليكون مسيرة أيّامٍ، وجلده مقدار أربعين ذراعًا، وتزرقّ عيناه، ويسودّ لونه، ويكسى سرابيل القطران، ثمّ تخلع كتفه اليسرى فتجعل وراء ظهره، ثمّ يعطى كتابه بشماله، ويقال له: انطلق إلى أصحابك فأخبرهم أنّ لكلّ إنسانٍ منهم مثل هذا.
فينطلق وهو يقول: {يا ليتني لم أوت كتابيه {25} ولم أدر ما حسابيه {26} يا ليتها كانت القاضية {27} ما أغنى عنّي ماليه {28} هلك عنّي سلطانيه {29}} [الحاقة: 25-29].
قال اللّه: {خذوه فغلّوه {30} ثمّ الجحيم صلّوه {31} ثمّ في سلسلةٍ ذرعها سبعون ذراعًا فاسلكوه {32}} [الحاقة: 30-32] فيسلك فيها سبعون ذراعًا، {فاسلكوه} [الحاقة: 32] كما قال اللّه، فيسلك فيها سلكًا تدخل من فيه حتّى تخرج من دبره، فيأتي أصحابه، فيقول: هل تعرفوني؟ فيقولون: ما ندري ولكن قد نرى ما بك من الخزي، فمن أنت؟ فيقول: أنا فلان ابن فلانٍ، إنّ لكلّ إنسانٍ منكم مثل هذا.
ثمّ ينصب للنّاس وتبدو فضائحه حتّى يعيّر، فيتمنّى أن لو قد انطلق به إلى النّار استحياءً ممّا يبدو منه.
قوله: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} [الإسراء: 14] شاهدًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/122]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {اقرأ كتابك...}:

فيها - والله أعلم - (يقال) مضمرة. مثل قوله: {ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون} ومثل قوله: {فأمّا الذين اسودّت وجوههم أكفرتم} المعنى - والله أعلم -: فيقال: أكفرتم). [معاني القرآن: 2/119]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً...}
وكلّ ما في القرآن من قوله: {وكفى بربّك} {وكفى بالله} و{كفى بنفسك اليوم} فلو ألقيت الباء كان الحرف مرفوعاً؛ كما قال الشاعر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه = كفى الهدي عمّا غيّب المرء مخبرا
وإنما يجوز دخول الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه؛ ألا ترى أنك تقول: كفاك به ونهاك به وأكرم به رجلاً، وبئس به رجلا، ونعم به رجلا،
وطاب بطعامك طعاماً، وجاد بثوبك ثوباً. ولو لم يكن مدحاً أو ذمّا لم يجز دخولها؛ ألا ترى أن الذي يقول: قام أخوك أو قعد أخوك لا يجوز له أن يقول: قام بأخيك ولا قعد بأخيك؛ إلاّ أن يريد قام به غيره وقعد به). [معاني القرآن: 2/120-119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} أي كافيا. ويقال: حاسبا ومحاسبا). [تفسير غريب القرآن: 253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}
{بنفسك} في موضع رفع، وإن كان مجرورا بالباء، ولو كان في غير القرآن جاز.. كفى بنفسك اليوم حسيبة، والمعنى كفت نفسك حسيبة،
أي إذا كنت تشهد على نفسك فكفاك بهذا.
و{حسيبا} منصوب على التمييز). [معاني القرآن: 3/231]

تفسير قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها} [الإسراء: 15] على نفسه.
{ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} [الإسراء: 15] لا يحمل أحدٌ ذنب أحدٍ.
قوله: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] تفسير الحسن: لا يعذّب قومًا بالاستئصال حتّى يحتجّ عليهم بالرّسول، كقوله: {وما كان ربّك مهلك القرى حتّى يبعث في أمّها رسولا} [القصص: 59]، وكقوله: {وإن من أمّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ} [فاطر: 24]، يعني: الأمم الّتي أهلك اللّه بالعذاب). [تفسير القرآن العظيم: 1/123]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} أي ولا تأثم آثمة إثم أخرى أثمته ولم تأثمه الأولى منهما، ومجاز وزرت تزر: مجاز أثمت،

فالمعنى أنه: لا تحمل آثمة إثم أخرى، يقال: وزر هو، ووزّرته أنا). [مجاز القرآن: 1/372]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا تزر وازرة وزر أخرى}: لا تحمل آثمة إثم أخرى). [غريب القرآن وتفسيره: 212]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا }
{ولا تزر وازرة وزر أخرى}
يقال: وزر يزر فهو وازر وزرا، ووزرا، وزرة، ومعناه أثم يأثم إثما.
وفي تأويل هذه الآية وجهان: أحدهما أن الآثم والمذنب، لا يؤخذ بذنبه غيره، والوجه الثاني أنه لا ينبغي للإنسان أن يعمل بالإثم لأن غيره عمله كما قالت الكفار:
{إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون}
وقوله: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} أي حتى نبين ما به نعذب، وما من أجله ندخل الجنة). [معاني القرآن: 3/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة
قال إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والأخرس والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام فأرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم يأتنا رسول
قال ولو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما فيرسل الله عليهم رسولا فيطيعه من كان يريد أن يطيعه ثم قرأ أبو هريرة وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
وقال غيره يوم القيامة ليس بيوم تعبد ولا محنة فيرسل إلى أحد رسول ولكن معنى الآية وما كنا معذبين أحدا في الدنيا بالإهلاك حتى نبعث رسولا). [معاني القرآن: 4/132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَازِرةٌ}: وازرةٌ آثمة). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] سعيدٌ، عن قتادة، قال: أكثرنا جبابرتها.
وقال الحسن: جبابرة المشركين فاتّبعهم السّفلة.
{فحقّ عليها القول} [الإسراء: 16] الغضب.
{فدمّرناها تدميرًا} [الإسراء: 16] وكان ابن عبّاسٍ يقرأها: أمّرنا مثقّلةً، من قبل الإمارة، كقوله: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها} [الأنعام: 123] وكان الحسن يقرأها: أمرنا.
قال يحيى: وبلغني أيضًا أنّه من الكثرة.
وبعضهم يقرأها: {أمرنا} [الإسراء: 16]، أي: أمرناهم بالإيمان.
[تفسير القرآن العظيم: 1/123]
{ففسقوا فيها} [الإسراء: 16] أشركوا ولم يؤمنوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/124]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أمرنا مترفيها...}

قرأ الأعمش وعاصم ورجال من أهل المدينة {أمرنا} خفيفة، ... حدثني سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن مجاهد {أمرنا} خفيفة.
وفسّر بعضهم {أمرنا مترفيها} بالطاعة {ففسقوا} أي إن المترف إذا أمر بالطاعة خالف إلى الفسوق. وفي قراءة أبيّ بن كعب {بعثنا فيها أكابر مجرميها} وقرأ الحسن {آمرنا}
وروى عنه {أمرنا} ولا ندري أنها حفظت عنه لأنا لا نعرف معناها ها هنا. ومعنى (آمرنا) بالمدّ: أكثرنا. وقرأ أبو العالية الرياحي {أمّرنا مترفيها} وهو موافق لتفسير ابن عباس،
وذلك أنه قال: سلّطنا رؤساءها ففسقوا فيها). [معاني القرآن: 2/119]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإذا أردنا أن نهلك قريةً آمرنا مترفيها} أي أكثرنا مترفيها وهي من قولهم: قد أمر بنو فلان، أي كثروا فخرج على تقدير قولهم: علم فلان، وأعلمته أنا ذلك،
قال لبيد:

كلّ بني حرّةٍ قصارهم= قلٌّ وإن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا= يوماً يصيروا للهلك والنّفد
وبعضهم يقرؤها: أمرنا مترفيها على تقدير أخذنا وهي في معنى أكثرنا وآمرنا غير أنها لغة؛ أمرنا: أكثرنا ترك المد ومعناه أمرنا، ثم قالوا: مأمورة من هذا، فإن احتج محتج
فقال هي من أمرت فقل كان ينبغي أن يكون آمرة ولكنهم يتركون إحدى الهمزتين، وكان ينبغي أن يكون آمرة ثم طولوا ثم حذفوا (ولأمرنّهم) فلم يمدوها قال الأثرم:
وقول أبي عبيدة في مأمورة لغة وقول أصحابنا قياس وزعم يونس عن أبي عمرو أنه قال: لا يكون هذا وقد قالت العرب: خير المال نخلة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة الولد.
وله موضع آخر مجازه: أمرنا ونهينا في قول بعضهم وثقله بعضهم فجعل معناه أنهم جعلوا أمراء.
{فحقّ عليها القول} أي فوجب عليها العذاب). [مجاز القرآن: 1/374-372]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أمرنا مترفيها}: قالوا من الأمر، أمرناهم بالطاعة ففسقوا
وقد قرئت أمرنا على معنى كثرنا وحكوا: أمرنا في معنى كثرنا ومن ذلك " خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة".
{فحق عليها}: أي وجب عليها). [غريب القرآن وتفسيره: 213-212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} أي أكثرنا مترفيها.
يقال: أمرت الشيء وأمرته، أي كثرته. تقدير فعّلت وأفعلت، ومنه قولهم: مهرة مأمورة، أي كثيرة النّتاج. ويقال: أمر بنو فلان يأمرون أمرا، إذا كثروا.
وبعض المفسرين يذهب إلى أنه من الأمر. يقول: نأمرهم بالطاعة ونفرض عليهم الفرائض، فإذا فسقوا حقّ عليهم القول، أي وجب.
ومن قرأ: {أمرنا} فهو من الإمارة. أي جعلناهم أمراء.
وقرأ أقوام: آمرنا بالمد. وهي اللغة العالية المشهورة. أي كثّرنا). [تفسير غريب القرآن: 253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرا }
تقرأ أمرنا مخففة على تقدير فعلنا، وتقرأ آمرنا مترفيها على تقدير أفعلنا.
ويقرأ أمّرنا - بتشديد الميم -، فأما من قرأ بالتخفيف فهو من الأمر، المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا.
فإن قال قائل: ألست تقول: أمرت زيدا فضرب عمرا، فالمعنى أنك أمرته أن يضرب عمرا فضربه، فهذا اللفظ لا يدل على غير الضرب، ومثل قوله: أمرنا مترفيها ففسقوا فيها.
من الكلام: أمرتك فعصيتني.
فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر، وكذلك الفسق مخالفة أمر اللّه جل ثناؤه.
وقد قيل: إنّما معنى أمرنا مترفيها كثّرنا مترفيها، والدليل علي هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " خير المال سكّة مأبورة ومهرة مأمورة ".
أي مكثرة، والعرب تقول قد أمر بنو فلان إذا كثروا.
قال الشاعر:
إن يغبطو يهبطوا وإن أمروا= يوما يصيروا للهلك والنّفد
ويروى بالنقد - بالقاف - ومن قرأ آمرنا فتأويله أكثرنا، والكثرة ههنا يصلح أن يكون شيئين، أحدهما أن يكثر عدد المترفين، والآخر أن تكثر جدتهم ويسارهم.
ومن قرأ أمّرنا بالتشديد، فمعناه سلّطنا مترفيها أي جعلنا لهم إمرة وسلطانا). [معاني القرآن: 3/232-231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} يقرأ هذا الحرف على وجوه
روى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ أمرنا بالقصر والتخفيف وكذلك يروي عن ابن عباس
وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ أمرنا مترفيها وكذلك قرأ أبو عثمان النهدي وأبو العالية وقرأ الحسن والأعرج وابن أبي إسحاق آامرنا مترفيها
وروى أمرنا مترفيها على فعلنا عن ابن عباس هذه القراءة أيضا
قال أبو جعفر من قرأ أمرنا مترفيها ففي قراءته ثلاثة أقوال
أحدها وأثبتها ما قاله ابن جريج وزعم أنه قول ابن عباس وهو أن المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا
قال محمد بن يزيد قد علم أن الله عز وجل لا يأمر إلا بالعدل والإحسان كما قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} فقد علم أن المعنى أمرنا مترفيها بالطاعة فعصوا
قال مجاهد مترفوها فساقها وقال أبو العالية مستكبروها والمعنى أمرناهم بالطاعة والفاسق إذا أمر بالطاعة عصى فعصوا فحق عليهم القول بالعصيان أي وجب
والقول الثاني في معنى أمرنا قال معمر عن قتادة قال أمرنا أكثرنا
قال الكسائي يجوز أن يكون أمرنا بمعنى أمرنا من الإمارة وأنكر أن يكون أمرنا بمعنى أكثرنا وقال لا يقال في هذا إلا أمرنا
قال أبو جعفر وهذا القول الثالث أعني قول الكسائي ينكره أهل اللغة
وقد حكى أبو زيد وأبو عبيدة أنه يقال أمرنا بمعنى أكثرنا ويقوي ذلك الحديث المرفوع خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة والسكة المأبورة النخل الملقح والمهرة المأمورة الكثيرة النتاج
فأما معنى {أمرنا} ففيه قولان: أحدهما رواه معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أمرنا سلطنا وكذلك قال أبو عثمان النهدي
وروى وكيع عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أنه قرأ أمرنا مثقلة أي سلطنا مستكبريها
والقول الثاني رواه الكسائي عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أمرنا أي أكثرنا وليس بمبعد ما رواه الكسائي ويكون مثل سمن الدابة وسمنته وأسنمته
قال أبو جعفر وهذا أولى قال جل وعز: {ففسقوا فيها} فوصف أنهم جماعة والقرية الواحدة لا توصف إن فيها جماعة أمراء
إن قيل يكون واحدا فقد قيل وهذا خصوص والهلاك بالكثرة فتكثر المعاصي فأما معنى ءآمرنا فأكثرنا كذلك
قال الحسن ويحتمل معنى آمرنا أكثرنا عدهم وأكثرنا يسارهم وحقيقة أمر كثرت أملاكه من مال أو غير ذلك من حالة ومن لقد جئت شيئا إمرا
قال الكسائي عظيما وقال هارون في قراءة أبي وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا فيها أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول
فأما معنى آمرنا فلا يكاد يعرف لأنه إنما يقال أمر القوم إذا كثروا وآمرهم الله أي أكثرهم ولا يعرف أمرهم الله). [معاني القرآن: 4/138-133]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مترفيها} قال: المترف: الملك، وقيل: المنعم: أمرناهم بالطاعة، فعصوا). [ياقوتة الصراط: 306]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَمَرْنا}: كثرنا.
{حَقَّ عليها}: وجب عليها). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوحٍ وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرًا بصيرًا} [الإسراء: 17] وهي كقوله: {ألم يأتكم نبأ الّذين من قبلكم قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والّذين من بعدهم لا يعلمهم إلا اللّه جاءتهم رسلهم بالبيّنات} [إبراهيم: 9] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/124]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرا بصيرا }

أي أهلكنا عددا كبيرا من القرون، بأنواع العذاب، نحو قوم لوط وعاد وثمود ومن ذكر اسمه وقرونا بين ذلك كثيرا.
وموضع (كم) النصب بقوله {أهلكنا} ). [معاني القرآن: 3/233]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {من كان يريد العاجلة} [الإسراء: 18] وهذا المشرك الّذي لا يريد إلا الدّنيا، لا يؤمن بالآخرة.
{عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها مذمومًا} [الإسراء: 18] في نقمة اللّه.
{مدحورًا} [الإسراء: 18] مطرودًا، مباعدًا عن الجنّة، في النّار.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: مذمومًا في نقمة اللّه، مدحورًا في عذاب اللّه.
يقول: من كانت الدّنيا همّه وطلبته {عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم} [الإسراء: 18] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/124]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نّريد...}
أي ذلك منا لمن نريد). [معاني القرآن: 2/120]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مدحوراً} أي مقصى مبعداً. يقال: ادحر الشيطان عنك، ومصدره الدّحور). [مجاز القرآن: 1/374]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مدحورا}: أي مقصيا مباعدا). [غريب القرآن وتفسيره: 213]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكتبوا: {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاؤا} بواو بعد الألف، وفي موضع آخر {مَا نَشَاءُ} بغير واو، ولا فرق بينهما).
[تأويل مشكل القرآن: 56-58] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها مذموما مدحورا }
أي من كان يريد العاجلة بعمله، أي الدنيا، عجل اللّه لمن أراد أن يعجل له ما يشاء اللّه، أي ليس ما يشاء هو، وما يشاء بمعنى ما نشاء.
ويجوز أن يكون المضمر في نشاء " من "، المعنى عجلنا للعبد ما يشتهيه، إذا أراد اللّه ذلك.
وقوله: {ثمّ جعلنا له جهنّم} لأنه لم يرد اللّه بعمله
{يصلاها مذموما} ومذءوما في معنى واحد.
{مدحورا} أي مباعدا من رحمة اللّه.
يقال: دحرته أدحره دحرا ودحورا إذا باعدته عنك). [معاني القرآن: 3/233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء} العاجلة أي الدنيا عجلنا له فيها ما نشاء وتقرأ ما يشاء
قال أبو جعفر والمعنيان واحد أي ما شاء الله ويجوز أن يكون لـ «من»). [معاني القرآن: 4/138]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} أي مباعدا يقال دحره يدحره دحرا ودحورا إذا أبعده
ثم أخبر تعالى أنه يرزق المؤمن والكافر فقال: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك} ). [معاني القرآن: 4/139-138]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَدْحوراً}: مبعودا). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} [الإسراء: 19] عمل لها عملها.
{وهو مؤمنٌ} [الإسراء: 19] مخلصٌ بالإيمان.
- خالدٌ، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يقبل اللّه عمل عبدٍ حتّى يرضى قوله».
قال: {فأولئك كان سعيهم} [الإسراء: 19] يعني: عملهم.
{مشكورًا} [الإسراء: 19]، يعني: يشكر اللّه أعمالهم حتّى يثيبهم اللّه به الجنّة.
[تفسير القرآن العظيم: 1/124]
وقال السّدّيّ: حتّى يجزيهم بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(والسّعي: العمل، قال الله تعالى: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} ).
[تأويل مشكل القرآن: 509]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} أي: عمل لها عملها). [تأويل مشكل القرآن: 510]

تفسير قوله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {كلًّا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظورًا} [الإسراء: 20]، يعني: المؤمنين والمشركين في رزق اللّه في الدّنيا.
{وما كان عطاء ربّك محظورًا} [الإسراء: 20] سعيدٌ، عن قتادة قال: منقوصًا.
قال يحيى: ويقال: ممنوعًا، يقول: يستكملون أرزاقهم الّتي كتب اللّه لهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/125]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كلاًّ نّمدّ هؤلاء...}

أوقعت عليهما نمدّ أي نمدهم جميعاً؛ أي نرزق المؤمن والكافر من عطاء ربّك). [معاني القرآن: 2/120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن يعطي المسلم والكافر وأنّ يرزقهما جميعا
فقال: {كلّا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظورا } أي نمدّ المؤمنين والكافرين من عطاء ربّك). [معاني القرآن: 3/233]

تفسير قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعضٍ} [الإسراء: 21] في الدّنيا، في الرّزق والسّعة، وخوّل بعضهم بعضًا، يعني: ملك بعضهم بعضًا.
{وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلا} [الإسراء: 21]
- خداشٌ، عن عمران العمّيّ، عن أبي الصّدّيق الباجيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يحتبس أهل الجنّة كلّهم دون الجنّة حتّى يؤخذ لبعضهم من بعضٍ، ويفاضل ما بينهم، مثل كوكبٍ بالمشرق وكوكبٍ بالمغرب».
- إسماعيل بن مسلمٍ، عن أبي المتوكّل النّاجيّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " الدّرجة في الجنّة فوق الدّرجة كما بين السّماء والأرض، وإنّ العبد ليرفع بصره فيلمع له برقٌ يكاد أن يختلف بصره، فيفزع لذلك، فيقول: ما هذا؟ فيقال له: هذا نور أخيك فلانٍ، فيقول: أخي فلانٌ، كنّا في الدّنيا نعمل جميعًا وقد فضّل عليّ هكذا، فيقال له: إنّه كان أحسن
منك عملا.
قال: ثمّ يجعل في قلبه الرّضا حتّى يرضى ".
- قال: وأخبرني رجلٌ من أهل الكوفة، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن
[تفسير القرآن العظيم: 1/125]
عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، عن ابن عمر، قال: إنّ أدنى أهل الجنّة درجةً الّذي ينظر إلى ملكه مسيرة ألف سنةٍ، وإنّ أرفع أهل الجنّة درجةً للّذي ينظر إلى ربّه بكرةً وعشيًّا). [تفسير القرآن العظيم: 1/126]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا تجعل مع اللّه إلهًا آخر فتقعد مذمومًا} [الإسراء: 22] في نقمة اللّه.
{مخذولا} [الإسراء: 22] في عذاب اللّه.
وهو تفسير قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 1/126]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :
( {مخذولا} أي: متروكا من نصر الله - عز وجل).
[ياقوتة الصراط: 306]


رد مع اقتباس