عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 4 ربيع الأول 1440هـ/12-11-2018م, 06:40 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، اختلف الناس في معناه مع إجماع أهل السنة على أن الله تعالى لم يرد أن تقع العبادة من الجميع; لأنه تعالى لو أراد ذلك لم يصح أن يقع الأمر بخلاف إرادته، فقال علي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهم: المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا لأمرهم بعبادتي وليقروا لي بالعبودية، فعبر عن ذلك بقوله تعالى: "ليعبدون"; إذ العبادة هي مضمون الأمر، وقال زيد بن أسلم وسفيان: المعنى خاص، والمراد وما خلقت الطائعين من الجن والإنس إلا لعبادتي، ويؤيد هذا التأويل أن ابن عباس رضي الله عنهما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: "وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدوني"، وقال ابن عباس أيضا معنى "ليعبدون"; ليتذللوا لي ولقدرتي وإن لم يكن ذلك على قوانين الشرع، وعلى هذا التأويل فجميع الجن والإنس عابد متذلل، والكفار كذلك، ألا تراهم عند القحوط والأمراض وغير ذلك؟ وتحتمل الآية أن يكون المعنى: وما خلقت الجن والإنس إلا معدين ليعبدوني، وكأن الآية تعديد نعمة، أي: خلقت لهم حواس وعقولا وأجساما منقادة لحق العبادة وهذا كما تقول: البقر مخلوق للحرث، والخيل للحرب، وقد يكون منها ما لا يحرث وما لا يحارب به أصلا، فالمعنى أن الإعداد في خلق هؤلاء إنما هو للعبادة، لكن بعضهم تكسب صرف نفسه عن ذلك، ويؤيد هذا المنزع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له"، وقوله: "كل مولود يولد على الفطرة" ...الحديث). [المحرر الوجيز: 8/ 81-82]

تفسير قوله تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "من رزق" أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم، وقوله تعالى: {أن يطعمون} إما أن يكون المعنى: أن يطعموا خلقي، فأضيف إلى الضمير على جهة التجوز، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما، وإما أن يكون الإطعام هنا بمعنى النفع على العموم، كما تقول: أعطيت فلانا كذا وكذا طعمة، وأنت قد أعطيته عرضا أو بلدا يجيبه، ونحو هذا، فكأنه تعالى قال: "ولا أريد أن ينفعون"، فذكر جزءا من المنافع وجعله دالًا على الجميع). [المحرر الوجيز: 8/ 82]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجميع: "إن الله هو الرزاق"، وروى أبو إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن زيد، قال أبو عمرو الداني: عن ابن مسعود قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني أنا الرزاق"، وقرأ جمهور القراء: "المتين" بالرفع، إما على أنه خبر بعد خبر، أو صفة لـ "الرزاق"، وقرأ يحيى بن وثاب، والأعمش: "المتين" بالخفض على النعت لـ "القوة"، وجاز ذلك من حيث تأنيث "القوة" غير حقيقي، فكأنه قال: ذو الأيد والحبل، ونحوه قوله تعالى: {فمن جاءه موعظة}، وجوز أبو الفتح أن يكون خفض "المتين" على الجواز و" المتين": الشديد). [المحرر الوجيز: 8/ 82-83]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {فإن للذين ظلموا}، يريد تعالى أهل مكة، وهذه آية وعيد صراح، وقرأ الأعمش: "فإن للذين كفروا"، و"الذنوب": الحظ والنصيب، وأصله من الدلو، وذلك أن الذنوب هو ملء الدلو من الماء، وقيل: الذنوب: الدلو العظيمة، ومنه قول الشاعر:
إنا إذا نازلنا غريب له ذنوب ولنا ذنوب
فإن أبيتم فلنا القليب
وهو السجل، ومنه قول علقمة بن عبدة:
وفي كل حي يوم قد خبطت بنعمة ... فحق لشأس من نداك ذنوب
فروي أن الملك لما سمع هذا البيت قال: نعم وأذنب، ومنه قول حسان:
لا تبعدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادي قبره بذنوب
و"أصحابهم" يراد به من تقدم من الأمم المعذبة، قوله تعالى: "فلا يستعجلون" تحقيق للأمر، بمعنى: هو نازل بهم لا محالة في وقته المعلوم، فلا يستعجلوه، وقرأ ابن وثاب: "فلا تستعجلون" بالتاء من فوق، وبه قرأت فرقة، والباقون بالياء.
ثم أوجب تعالى لهم الويل من يومهم الذي يأتي فيه عذابهم، و"الويل": الشقاء والهم، وروي أن في جهنم واديا يسمى ويلا، والطبري يذهب أبدا إلى أن التوعد إنما هو به، وذلك في هذا الموضع قلق، لأن هذا الويل إنما هو من يومهم الذي هو في الدنيا، و"من" لابتداء الغاية، وقال جمهور المفسرين: هذا التوعد هو بيوم القيامة، وقال آخرون -ذكره الثعلبي -: هو يوم بدر، وفي "يوعدون" ضمير عائد على الكلام، التقدير: يوعدون به، أو يوعدونه.
تم تفسير سورة [الذاريات] والحمد لله رب العالمين). [المحرر الوجيز: 8/ 83-84]


رد مع اقتباس