عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25 ذو الحجة 1439هـ/5-09-2018م, 08:31 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويوم نبعث من كلّ أمّةٍ شهيدًا ثمّ لا يؤذن للّذين كفروا ولا هم يستعتبون (84) وإذا رأى الّذين ظلموا العذاب فلا يخفّف عنهم ولا هم ينظرون (85) وإذا رأى الّذين أشركوا شركاءهم قالوا ربّنا هؤلاء شركاؤنا الّذين كنّا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنّكم لكاذبون (86) وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون (87) الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون (88)}
يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم في الدّار الآخرة، وأنّه يبعث من كلّ أمّةٍ شهيدًا، وهو نبيّها، يشهد عليها بما أجابته فيما بلّغها عن اللّه تعالى، {ثمّ لا يؤذن للّذين كفروا} أي: في الاعتذار؛ لأنّهم يعلمون بطلانه وكذبه، كما قال: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات: 35، 36]. ولهذا قال: {ولا هم يستعتبون}).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 592]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا رأى الّذين ظلموا} أي: أشركوا {العذاب فلا يخفّف عنهم} أي: لا يفتّر عنهم ساعةً واحدةً، {ولا هم ينظرون} أي: [و] لا يؤخّر عنهم، بل يأخذهم سريعًا من الموقف بلا حسابٍ، فإنّه إذا جيء بجهنّم تقاد بسبعين ألف زمامٍ، مع كلّ زمامٍ سبعون ألف ملكٍ، فيشرف عنق منها على الخلائق، وتزفر زفرةً لا يبقى أحدٌ إلّا جثا لركبتيه، فتقول: إنّي وكّلت بكلّ جبّارٍ عنيدٍ، الّذي جعل مع اللّه إلهًا آخر، وبكذا وكذا وتذكر أصنافًا من النّاس، كما جاء في الحديث. ثمّ تنطوي عليهم وتتلقّطهم من الموقف كما يتلقّط الطّائر الحبّ قال اللّه تعالى: {إذا رأتهم من مكانٍ بعيدٍ سمعوا لها تغيّظًا وزفيرًا وإذا ألقوا منها مكانًا ضيّقًا مقرّنين دعوا هنالك ثبورًا لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا وادعوا ثبورًا كثيرًا} [الفرقان: 12 -14]، وقال تعالى: {ورأى المجرمون النّار فظنّوا أنّهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفًا} [الكهف: 53]. وقال تعالى: {لو يعلم الّذين كفروا حين لا يكفّون عن وجوههم النّار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتةً فتبهتهم فلا يستطيعون ردّها ولا هم ينظرون} [الأنبياء: 39، 40]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 592-593]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ أخبر تعالى عن تبرّئ آلهتهم منهم أحوج ما يكونون إليها، فقال: {وإذا رأى الّذين أشركوا شركاءهم} أي: الّذين كانوا يعبدونهم في الدّنيا، {قالوا ربّنا هؤلاء شركاؤنا الّذين كنّا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنّكم لكاذبون} أي: قالت لهم الآلهة: كذبتم، ما نحن أمرناكم بعبادتنا. كما قال تعالى: {ومن أضلّ ممّن يدعو من دون اللّه من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر النّاس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف: 5، 6] وقال تعالى: {واتّخذوا من دون اللّه آلهةً ليكونوا لهم عزًّا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًّا} [مريم: 81، 82]. وقال الخليل عليه الصّلاة والسّلام: {ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ ويلعن بعضكم بعضًا ومأواكم النّار وما لكم من ناصرين} [العنكبوت: 25] وقال تعالى: {ويوم يقول نادوا شركائي الّذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقًا} [الكهف: 52] والآيات في هذا كثيرةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 593]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم} -قال قتادة، وعكرمة: ذلّوا واستسلموا يومئذٍ، أي: استسلموا للّه جميعهم، فلا أحد إلّا سامعٌ مطيعٌ، كما قال: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا} [مريم: 38] أي: ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذٍ! وقال تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنّا موقنون} [السجدة: 12]، وقال: {وعنت الوجوه للحيّ القيّوم} [طه: 111] أي: خضعت وذلّت واستكانت وأنابت واستسلمت.
{وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} أي: ذهب واضمحلّ ما كانوا يعبدونه افتراءً على اللّه فلا ناصر لهم ولا معين ولا مجيز). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 593]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} أي: عذابًا على كفرهم، وعذابًا على صدّهم النّاس عن اتّباع الحقّ، كما قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} [الأنعام: 26] أي: ينهون النّاس، عن اتّباعه، ويبتعدون هم منه أيضًا {وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون} [الأنعام: 26]
وهذا دليلٌ على تفاوت الكفّار في عذابهم، كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنّة ودرجاتهم، كما قال [اللّه] تعالى: {قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون} [الأعراف: 38].
وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا سريح بن يونس، حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه في قول اللّه: {زدناهم عذابًا فوق العذاب} قال: زيدوا عقارب أنيابها كالنّخل الطّوال.
وحدّثنا سريج بن يونس، حدّثنا إبراهيم بن سليمان، حدّثنا الأعمش، عن الحسن، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: {زدناهم عذابًا فوق العذاب} قال: هي خمسة أنهارٍ
فوق العرش يعذّبون ببعضها باللّيل وببعضها بالنّهار). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 593-594]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويوم نبعث في كلّ أمّةٍ شهيدًا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكلّ شيءٍ وهدًى ورحمةً وبشرى للمسلمين (89)}
يقول تعالى مخاطبًا عبده ورسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم: {ويوم نبعث في كلّ أمّةٍ شهيدًا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء} يعني أمّته.
أي: اذكر ذلك اليوم وهوله وما منحك اللّه فيه من الشّرف العظيم والمقام الرّفيع. وهذه الآية شبيهةٌ بالآية الّتي انتهى إليها عبد اللّه بن مسعودٍ حين قرأ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صدر سورة "النّساء" فلمّا وصل إلى قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النّساء: 41]. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "حسبك". قال ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه: فالتفتّ فإذا عيناه تذرفان.
وقوله: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكلّ شيءٍ} قال ابن مسعودٍ: [و] قد بيّن لنا في هذا القرآن كلّ علمٍ، وكلّ شيءٍ.
وقال مجاهدٌ: كلّ حلالٍ وحرامٍ.
وقول ابن مسعودٍ: أعمّ وأشمل؛ فإنّ القرآن اشتمل على كلّ علمٍ نافعٍ من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وحكم كلّ حلالٍ وحرامٍ، وما النّاس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم ومعادهم.
{وهدًى} أي: للقلوب، {ورحمةً وبشرى للمسلمين}
وقال الأوزاعيّ: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكلّ شيءٍ} أي: بالسّنّة.
ووجه اقتران قوله: {ونزلنا عليك الكتاب} مع قوله: {وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء} أنّ المراد -واللّه أعلم-: إنّ الّذي فرض عليك تبليغ الكتاب الّذي أنزله عليك، سائلك عن ذلك يوم القيامة، {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين} [الأعراف: 6]، {فوربّك لنسألنّهم أجمعين عمّا كانوا يعملون} [الحجر: 92، 93]، {يوم يجمع اللّه الرّسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنّك أنت علام الغيوب} [المائدة: 109]، وقال تعالى: {إنّ الّذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معادٍ} [القصص: 85] أي: إنّ الّذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادّك إليه، ومعيدك يوم القيامة، وسائلك عن أداء ما فرض عليك. هذا أحد الأقوال، وهو متّجه حسنٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 594-595]

رد مع اقتباس