عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 12:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتّى يستأذنوه إنّ الّذين يستأذنونك أولئك الّذين يؤمنون باللّه ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (62)}
{إنّما} في هذه الآية للحصر، اقتضى ذلك المعنى؛ لأنه لا يتم إيمان إلا بأن يؤمن المرء باللّه ورسوله، وبأن يكون من الرسول سامعا غير معنت في أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أمرا فيريد هو إفساده بزواله في وقت الجمع ونحو ذلك.
و«الأمر الجامع» يراد به ما للإمام حاجة إلى جمع الناس فيه لإذاعة مصلحة، فأدب الإسلام اللازم في ذلك -إذا كان الأمر حاضرا- ألا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه، فإذا ذهب بإذن ارتفع عنه الظن السيّء، والإمام الذي يرتقب إذنه في هذه الآية هو إمام الإمرة، وقال مكحول والزهراوي: الجمعة من «الأمر الجامع»، وإمام الصلاة ينبغي أن يستأذن إذا قدمه إمام الإمرة، إذا كان يرى المستأذن، ومشى بعض الناس دهرا على استئذان إمام الصلاة، وروي أن هرم بن حيان كان يخطب، فقام رجل فوضع يده على أنفه، وأشار إلى هرم بالاستئذان فأذن له، فلما قضيت الصلاة كشف عن أمره أنه إنما ذهب لغير ضرورة، فقال هرم: اللهم أخر رجال السوء لزمان السوء.
وظاهر الآية إنما يقتضي أن يستأذن أمير الإمرة الذي هو في مقعد النبوة؛ فإنه ربما كان له رأي في حبس ذلك الرجل لأمر من أمور الدين، فأما إمام الصلاة فقط فليس ذلك إليه؛ لأنه وكيل على جزء من أجزاء الدين للذي هو في مقعد النبوة.
[المحرر الوجيز: 6/413]
ثم أمر تبارك وتعالى نبيه أن صلى الله عليه وسلم أن يأذن لمن عرف منه صحة العذر وهم الذين يشاء.
وروي أن هذه الآية نزلت في وقت حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم خندق المدينة، وذلك أن بعض المؤمنين كان يستأذن لضرورة، وكان المنافقون يذهبون دون استئذان، فأخرج الله تعالى الذين لا يستأذنون عن صنيفة المؤمنين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن للمؤمن الذي لا تدعوه ضرورة إلى حبسه، وهو الذي يشاء، ثم أمره بالاستغفار لصنفي المؤمنين من أذن له ومن لم يؤذن له، وفي ذلك تأنيس للمؤمنين ورأفة بهم). [المحرر الوجيز: 6/414]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم}
هذه الآية مخاطبة لجميع معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم الله تعالى ألا يجعلوا مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في النداء كمخاطبة بعضهم لبعض، فإن سيرتهم كانت التداعي بالأسماء، وعلى غاية البداوة وقلة الاهتمام، فأمرهم الله تعالى في هذه الآية وفي غيرها أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشرف أسمائه، وذلك هو مقتضى التوقير والتعزيز، فالمبتغي في الدعاء أن يقول: يا رسول الله، ويكون ذلك بتوقير وخفض صوت وبر، وألا يجري ذلك على عادتهم بعضهم في بعض، قاله مجاهد وغيره.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى في هذه الآية إنما هو: لا تحسبوا دعاء الرسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض، أي: دعاؤه عليكم مجاب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولفظ الآية يدفع هذا المعنى، والأول أصح.
[المحرر الوجيز: 6/414]
ثم أخبرهم الله تعالى أن المتسللين منهم لواذا قد علمهم، واللواذ: الروغان والمخالفة، وهو مصدر "لاوذ" وليس بمصدر "لاذ"؛ لأنه كان يقال له: "لياذا"، ذكره الزجاج وغيره.
ثم أمرهم بالحذر من عذاب الله تعالى ونقمته إذا خالفوه عن أمره، وقوله تعالى: {يخالفون عن أمره} معناه: يقع خلافهم بعد أمره، وهذا كما تقول: كان المطر عن ريح، و"عن" هي لما عدا الشيء، و"الفتنة" في هذا الموضع: الإخبار والرزايا في الدنيا، أو بالعذاب الأليم في الآخرة، ولا بد للمنافقين من أحد هذين). [المحرر الوجيز: 6/415]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "ألا إن" استفتح الكلام وأخبر أن الله تعالى له ما في السموات والأرض ملكا وخلفا، ثم أخبرهم أنه قد علم ما أهل الأرض والسماء عليه، وخص بالذكر منهم المخاطبين لأن ذلك موضع الحجة عليهم، وهم به أعني، وقوله: {ويوم يرجعون} يجوز أن يكون معمولا لقوله: "يعلم"، ويجوز أن يكون التقدير: والعلم الظاهر لكم -أو نحو هذا- يوم، فيكون النصب على الظرف. وقرأ الجمهور: "يرجعون" بضم الياء وفتح الجيم، وقرأ يحيى بن يعمر، وابن أبي إسحاق، وأبو عمرو: "يرجعون" بفتح الياء وكسر الجيم.
وقال عقبة بن عامر الجهني: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية خاتمة النور فقال: "والله بكل شيء بصير"، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 6/415]

رد مع اقتباس