عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيراً لعلّكم تفلحون (45) وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين (46) ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء النّاس ويصدّون عن سبيل اللّه واللّه بما يعملون محيطٌ (47)
هذا أمر بما فيه داعية النصر وسبب العز، وهي وصية من الله متوجهة بحسب التقييد التي في آية الضعف، ويجري مع معنى الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهكذا ينبغي أن يكون المسلم في ولاية الإمارة والقضاء لا يطلب ولا يتمنى، فإن ابتلي صبر على إقامة الحق، و «الفئة» الجماعة أصلها فئوة وهي من فأوت أي جمعت، ثم أمر الله تعالى بإكثار ذكره هنالك إذ هو عصمة المستنجد ووزر المستعين، قال قتادة: افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ذكر خفي لأن رفع الأصوات في موطن القتال رديء مكروه إذا كان ألفاظا،
فأما إن كان من الجمع عند الحملة فحسن فاتّ في عضد العدو، وقال قيس بن عباد: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند ثلاث: عند قراءة القرآن وعند الجنازة والقتال، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اطلبوا إجابة الدعاء عند القتال وإقامة الصلاة ونزول الغيث، وقال ابن عباس يكره التلثم عند القتال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولهذا والله أعلم يتسنن المرابطون بطرحه عند القتال على ضنانتهم به وتفلحون تنالون بغيتكم وتبلغون آمالكم، وهذا مثل قول لبيد: [الرجز]
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالض = ضعف وقد يخدع الأريب
). [المحرر الوجيز: 4/ 207-208]

تفسير قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله وأطيعوا اللّه ورسوله الآية استمرار على الوصية لهم والأخذ على أيديهم في اختلافهم في أمر بدر وتنازعهم، وفتفشلوا نصب بالفاء في جواب النهي، قال أبو حاتم في كتاب عن إبراهيم «فتفشلوا» بكسر الشين وهذا غير معروف وقرأ جمهور الناس «وتذهب» بالتاء من فوق ونصب الباء، وقرأ هبيرة عن حفص عن عاصم «وتذهب ريحكم» بالتاء وجزم الباء، وقرأ عيسى بن عمر «ويذهب» بالياء من تحت وبجزم يذهب، وقرأ أبو حيوة «ويذهب» بالياء من تحت ونصب الباء، ورواها أبان وعصمة عن عاصم، والجمهور على أن الريح هنا مستعارة
والمراد بها النصر والقوة كما تقول: الريح لفلان إذا كان غالبا في أمر، ومن هذا المعنى قول الشاعر وهو عبيد بن الأبرص: [البسيط]
كما حميناك يوم العنف من شطب = والفضل للقوم من ريح ومن عدد
وقال مجاهد: «الريح» النصر والقوة، وذهبت ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد، وقال زيد بن علي وتذهب ريحكم معناه الرعب من قلوب عدوكم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا حسن بشرط أن يعلم العدو بالتنازع، وإذا لم يعلم فالذاهب قوة المتنازعين فينهزمون، وقال شاعر الأنصار: [البسيط]
قد عوّدتهم ظباهم أن تكون لهم = ريح القتال وأسلاب الذين لقوا
ومن استعارة الريح قول الآخر: [الوافر]
إذا هبت رياحك فاغتنمها = فإن لكل عاصفة سكون
وهذا كثير مستعمل، وقال ابن زيد وغيره: الريح على بابها، وروي أن النصر لم يكن قط إلا بريح تهب فتضرب في وجوه الكفار، واستند بعضهم في هذه المقالة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا». وقال الحكم وتذهب ريحكم يعني الصبا إذ بها نصر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا إنما كان في غزوة الخندق خاصة، وقوله واصبروا إلى آخر الآية، تتميم في الوصية وعدة مؤنسة). [المحرر الوجيز: 4/ 208-210]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم الآية، آية تتضمن الطعن على المشار إليهم وهم كفار قريش، وخرج ذلك على طريق النهي عن سلوك سبيلهم، والإشارة هي إلى كفار قريش بإجماع، و «البطر» الأشر وغمط النعمة والشغل بالمرح فيها عن شكرها، و «الرياء» المباهاة والتصنع بما يراه غيرك، وهو فعال من راءى يرائي سهلت همزته، وروي أن أبا سفيان لما أحس أنه قد تجاوز بعيره الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بعث إلى قريش فقال: «إن الله قد سلم عيركم التي خرجتم إلى نصرتها فارجعوا سالمين قد بلغتم مرادكم»، فأتى رأي الجماعة على ذلك، فقال أبو جهل: والله لا نفعل حتى نأتي بدرا، وكانت بدر سوقا من أسواق العرب لها يوم موسم، فننحر عليها الإبل ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان ويسمع بنا العرب ويهابنا الناس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذا معنى قوله تعالى: ورئاء النّاس، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن قريشا أقبلت بفخرها وخيلائها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فاحنها الغداة»، وقال محمد بن كعب القرظي: خرجت قريش بالقيان والدفوف، وقوله ويصدّون عن سبيل اللّه، أي غيرهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأنهم أحرى بذلك من أن يقتصر صدهم على أنفسهم، وقوله واللّه بما يعملون محيطٌ آية تتضمن الوعيد والتهديد لمن بقي من الكفار ونفوذ القدر فيمن مضى بالقتل).[المحرر الوجيز: 4/ 210-211]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب (48) إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم ومن يتوكّل على اللّه فإنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (49)
التقدير واذكروا إذ، والضمير في لهم عائد على الكفار، والشّيطان إبليس نفسه، وحكى
المهدوي وغيره أن التزيين في هذه الآية وما بعده من الأقوال هو بالوسوسة والمحادثة في النفوس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويضعف هذا القول أن قوله وإنّي جارٌ لكم ليس مما يلقى بالوسوسة، وقال الجمهور في ذلك بما روي وتظاهر أن إبليس جاء كفار قريش ففي السير لابن هشام أنه جاءهم بمكة، وفي غيرها أنه جاءهم وهم في طريقهم إلى بدر، وقد لحقهم خوف من بني بكر وكنانة لحروب كانت بينهم، فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو سيد من ساداتهم، فقال لهم «إني جار لكم» ولن تخافوا من قومي وهم لكم أعوان على مقصدكم ولن يغلبكم أحد، فسروا عند ذلك ومضوا لطيتهم وقال لهم أنتم تقاتلون عن دين الآباء ولن تعدموا نصرا.
فروي أنه لما التقى الجمعان كانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما رأى الملائكة نكص فقال له الحارث أتفر يا سراقة فلم يلو عليه، ويروى أنه قال له ما تضمنت الآية.
وروي أن عمرو بن وهب أو الحارث بن هشام قال له أين يا سراقة؟ فلم يلو ومثل عدو الله فذهب ووقعت الهزيمة، فتحدث أن سراقة فر بالناس، فبلغ ذلك سراقة بن مالك، فأتى مكة فقال لهم: والله ما علمت بشيء من أمركم حتى بلغتني هزيمتكم ولا رأيتكم ولا كنت معكم، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رأيته في صورة رجل من بني مدلج، فقال لا غالب لكم اليوم الآية، واليوم ظرف، والعامل فيه معنى نفي الغلبة، ويحتمل أن يكون العامل متعلق لكم وممتنع أن يعمل غالب لأنه كان يلزم أن يكون لا غالبا، وقوله إنّي جارٌ لكم معناه فأنتم في ذمتي وحماي، وتراءت تفاعلت من الرؤية أي رأى هؤلاء هؤلاء، وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر «ترأت» مقصورة، وحكى أبو حاتم عن الأعمش أنه أمال والراء مرققة ثم رجع عن ذلك، وقوله نكص على عقبيه معناه رجع من حيث جاء، وأصل النكوص في اللغة الرجوع القهقرى، وقال زهير:
هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا = لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا
كذا أنشد الطبري، وفي رواية الأصمعي إذا ما استلأموا وبذلك فسر الطبري هذه الآية، وفي ذلك بعد، وإنما رجوعه في هذه الآية مشبه بالنكوص الحقيقي، وقال اللغويون: النكوص، الإحجام عن الشيء، يقال أراد أمرا ثم نكص عنه، وقال تأبّط شرّا: [البسيط]
ليس النكوص على الأدبار مكرمة = إن المكارم إقدام على الأسل
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فليس هنا قهقرى بل هو فرار، وقال مؤرج: نكص هي رجع بلغة سليم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقوله على عقبيه يبين أنه إنما أراد الانهزام والرجوع في ضد إقباله، وقوله إنّي بريءٌ منكم هو خذلانه لهم وانفصاله عنهم، وقوله إنّي أرى ما لا ترون يريد الملائكة وهو الخبيث إنما شرط أن لا غالب من الناس فلما رأى الملائكة وخرق العادة خاف وفرّ، وفي الموطإ وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما ريء الشيطان في يوم أقل ولا أحقر ولا أصغر منه في يوم عرفة، لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رأى يوم بدر»، قيل وما رأى يا رسول الله؟ قال: «رأى الملائكة يزعمها جبريل».
وقال الحسن: رأى إبليس جبريل يقود فرسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معتجر ببردة وفي يده اللجام، وقوله إنّي أخاف اللّه قيل إن هذه معذرة منه كاذبة ولم تلحقه قط مخافة، قاله قتادة وابن الكلبي، وقال الزجّاج وغيره: بل خاف مما رأى من الأمر وهوله وأنه يومه الذي أنظر إليه، ويقوي هذا أنه رأى خرق العادة ونزول الملائكة للحرب، وحكى الطبري بسنده أنه لما انهزم المشركون يوم بدر حين رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضة من التراب وجوه الكفار أقبل جبريل صلى الله عليه وسلم إلى إبليس، فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثم ولى مدبرا، فقال له الرجل أي سراقة تزعم أنك لنا جار؟ فقال إنّي أرى ما لا ترون الآية، ثم ذهب). [المحرر الوجيز: 4/ 211-213]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ الآية، العامل في إذ زيّن أو نكص لأن ذلك الموقف كان ظرفا لهذه الأمور كلها، وقال المفسرون إن هؤلاء الموصوفين بالنفاق ومرض القلوب إنما هم من أهل عسكر الكفار لما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم وقلة عددهم، قالوا مشيرين إلى المسلمين غرّ هؤلاء دينهم أي اغتروا فأدخلوا نفوسهم فيما لا طاقة لهم به.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والنفاق أخص من مرض القلب لأن مرض القلب مطلق على الكافر وعلى من اعترضته شبهة وعلى من بينهما، وكني بالقلوب عن الاعتقادات إذ القلوب محلها، وروي في نحو هذا التأويل عن الشعبي أن قوما ممن كان الإسلام داخل قلوبهم خرجوا مع المشركين إلى بدر، منهم من أكره ومنهم من داجى وداهن، فلما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم ارتابوا واعتقدوا أنهم مغلوبون، فقالوا غرّ هؤلاء دينهم، قال مجاهد: منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود، وعلي بن أمية بن خلف، والعاصي بن أمية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولم يذكر أحد ممن شهد بدرا بنفاق إلا ما ظهر بعد ذلك من معتب بن قشير أخي بني عمرو بن عوف، فإنه القائل يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قتلنا هاهنا [آل عمران: 154] وقد يحتمل أن يكون منافقو المدينة لما وصلهم خروج قريش في قوة عظيمة قالوا عن المسلمين هذه المقالة، فأخبر الله بها نبيه في هذه الآية، ثم أخبر الله عز وجل بأن من توكل على الله واستند إليه، فإن عزة الله تعالى وحكمته كفيلة بنصره وشد أعضاده، وخرجت العبارة عن هذا المعنى بأوجز لفظ وأبلغه). [المحرر الوجيز: 4/ 213-214]


رد مع اقتباس