عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 08:14 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لهم عذابٌ في الحياة الدّنيا ولعذاب الآخرة أشقّ وما لهم من اللّه من واقٍ (34) مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائمٌ وظلّها تلك عقبى الّذين اتّقوا وعقبى الكافرين النّار (35)}
ذكر تعالى عقاب الكفّار وثواب الأبرار: فقال بعد، إخباره عن حال المشركين وما هم عليه من الكفر والشّرك: {لهم عذابٌ في الحياة الدّنيا} أي: بأيدي المؤمنين قتلًا وأسرًا، {ولعذاب الآخرة} أي: المدّخر [لهم] مع هذا الخزي في الدّنيا، " أشقّ " أي: من هذا بكثيرٍ، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم للمتلاعنين: "إنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة" وهو كما قال، صلوات اللّه وسلامه عليه، فإنّ عذاب الدّنيا له انقضاءٌ، وذاك دائمٌ أبدًا في نارٍ هي بالنّسبة إلى هذه سبعون ضعفًا، ووثاقٌ لا يتصوّر كثافته وشدّته، كما قال تعالى: {فيومئذٍ لا يعذّب عذابه أحدٌ ولا يوثق وثاقه أحدٌ} [الفجر: 25، 26] وقال تعالى: {بل كذّبوا بالسّاعة وأعتدنا لمن كذّب بالسّاعة سعيرًا إذا رأتهم من مكانٍ بعيدٍ سمعوا لها تغيّظًا وزفيرًا وإذا ألقوا منها مكانًا ضيّقًا مقرّنين دعوا هنالك ثبورًا لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا وادعوا ثبورًا كثيرًا قل أذلك خيرٌ أم جنّة الخلد الّتي وعد المتّقون كانت لهم جزاءً ومصيرًا} [الفرقان: 11 -15].
ولهذا قرن هذا بهذا؛ فقال: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون} أي: صفتها ونعتها، {تجري من تحتها الأنهار} أي: سارحةٌ في أرجائها وجوانبها، وحيث شاء أهلها، يفجّرونها تفجيرًا، أي: يصرفونها كيف شاءوا وأين شاءوا، كما قال تعالى: {مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشّاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفًّى ولهم فيها من كلّ الثّمرات ومغفرةٌ من ربّهم كمن هو خالدٌ في النّار وسقوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم} [محمد: 15].
وقوله: {أكلها دائمٌ وظلّها} أي: فيها المطاعم والفواكه والمشارب، لا انقطاع [لها] ولا فناء.
وفي الصّحيحين، من حديث ابن عبّاسٍ في صلاة الكسوف، وفيه قالوا: يا رسول اللّه، رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا، ثمّ رأيناك تكعكعت فقال: "إنّي رأيت الجنّة -أو: أريت الجنّة -فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدّنيا".
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، حدّثنا عبيد اللّه، حدّثنا أبو عقيل، عن جابرٍ قال: بينما نحن في صلاة الظّهر، إذ تقدّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتقدّمنا، ثمّ تناول شيئًا ليأخذه ثمّ تأخّر. فلمّا قضى الصّلاة قال له أبيّ بن كعبٍ: يا رسول اللّه، صنعت اليوم في الصّلاة شيئًا ما رأيناك كنت تصنعه. فقال: "إنّي عرضت عليّ الجنّة وما فيها من الزّهرة والنّضرة، فتناولت منها قطفًا من عنبٍ لآتيكم به، فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السّماء والأرض لا ينقصونه".
وروى مسلمٌ من حديث أبي الزّبير، عن جابرٍ، شاهدًا لبعضه.
وعن عتبة بن عبدٍ السّلميّ: أنّ أعرابيًّا سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الجنّة، فقال: فيها عنبٌ؟ قال: "نعم". قال: فما عظم العنقود؟ قال: "مسيرة شهرٍ للغراب الأبقع ولا يفتر". رواه أحمد.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا معاذ بن المثنّى، حدّثنا عليّ بن المدينيّ، حدّثنا ريحان بن سعيدٍ، عن عبادة بن منصورٍ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ الرّجل إذا نزع ثمرةً من الجنّة عادت مكانها أخرى".
وعن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يأكل أهل الجنّة ويشربون، ولا يمتخطون ولا يتغوّطون ولا يبولون، طعامهم جشاء كريح المسك، ويلهمون التّسبيح والتّقديس كما يلهمون النّفس". رواه مسلمٌ.
وروى الإمام أحمد والنّسائيّ، من حديث الأعمش، عن ثمامة بن عقبة سمعت زيد بن أرقم قال: جاء رجلٌ من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم، تزعم أنّ أهل الجنّة يأكلون ويشربون؟ قال: نعم، والّذي نفس محمّدٍ بيده، [إنّ الرّجل من أهل الجنّة] ليعطى قوّة مائة رجلٍ في الأكل والشّرب والجماع والشّهوة". قال: فإنّ الّذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة، وليس في الجنّة أذًى؟ قال: "حاجة أحدهم رشحٌ يفيض من جلودهم، كريح المسك، فيضمر بطنه".
وقال الحسن بن عرفة: حدّثنا خلف بن خليفة، عن حميدٍ الأعرج، عن عبد اللّه بن الحارث، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّك لتنظر إلى الطّير في الجنّة، فيخرّ بين يديك مشويًّا .
وجاء في بعض الأحاديث: أنّه إذا فرغ منه عاد طائرًا كما كان بإذن اللّه تعالى.
وقد قال تعالى: {وفاكهةٍ كثيرةٍ لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ} [الواقعة: 32، 33] وقال {ودانيةً عليهم ظلالها وذلّلت قطوفها تذليلا} [الإنسان: 14].
وكذلك ظلّها لا يزول ولا يقلص، كما قال تعالى: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا لهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ وندخلهم ظلا ظليلا} [النّساء: 57].
وقد تقدّم في الصّحيحين من غير وجهٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ في الجنّة شجرةً، يسير الرّاكب المجدّ الجواد المضمّر السّريع في ظلّها مائة عامٍ لا يقطعها"، ثمّ قرأ: {وظلٍّ ممدودٍ} [الواقعة: 30].
وكثيرًا ما يقرن اللّه تعالى بين صفة الجنّة وصفة النّار، ليرغّب في الجنّة ويحذّر من النّار؛ ولهذا لمّا ذكر صفة الجنّة بما ذكر، قال بعده: {تلك عقبى الّذين اتّقوا وعقبى الكافرين النّار} كما قال تعالى: {لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة أصحاب الجنّة هم الفائزون} [الحشر: 20].
وقال بلال بن سعدٍ خطيب دمشق في بعض خطبه: عباد اللّه هل جاءكم مخبرٌ يخبركم أنّ شيئًا من عبادتكم تقبّلت منكم، أو أنّ شيئًا من خطاياكم غفرت لكم؟ {أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثًا وأنّكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون: 115] واللّه لو عجّل لكم الثّواب في الدّنيا لاستقللتم كلّكم ما افترض عليكم، أو ترغبون في طاعة اللّه لتعجيل دنياكم، ولا تنافسون في جنّةٍ {أكلها دائمٌ وظلّها تلك عقبى الّذين اتّقوا وعقبى الكافرين النّار} رواه ابن أبي حاتم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 464-466]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنّما أمرت أن أعبد اللّه ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب (36) وكذلك أنزلناه حكمًا عربيًّا ولئن اتّبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من اللّه من وليٍّ ولا واقٍ (37)}
يقول تعالى: {والّذين آتيناهم الكتاب} وهم قائمون بمقتضاه {يفرحون بما أنزل إليك} أي: من القرآن لما في كتبهم من الشّواهد على صدقه والبشارة به، كما قال تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} [البقرة: 121] وقال تعالى: {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إنّ الّذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجّدًا ويقولون سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا} [الإسراء: 107، 108] أي: إن كان ما وعدنا اللّه به في كتبنا من إرسال محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لحقًّا وصدقًا مفعولًا لا محالة، وكائنًا، فسبحانه ما أصدق وعده، فله الحمد وحده، {ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا} [الإسراء: 109].
وقوله: {ومن الأحزاب من ينكر بعضه} أي: ومن الطّوائف من يكذّب ببعض ما أنزل إليك.
وقال مجاهدٌ: {ومن الأحزاب} اليهود والنّصارى، من ينكر بعضه ما جاءك من الحقّ. وكذا قال قتادة، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم.
وهذا كما قال تعالى: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه لا يشترون بآيات اللّه ثمنًا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربّهم إنّ اللّه سريع الحساب} [آل عمران: 199].
{قل إنّما أمرت أن أعبد اللّه ولا أشرك به} أي: إنّما بعثت بعبادة اللّه وحده لا شريك له، كما أرسل الأنبياء من قبلي، {إليه أدعو} أي: إلى سبيله أدعو النّاس، {وإليه مآب} أي: مرجعي ومصيري). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 467]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {وكذلك أنزلناه حكمًا عربيًّا} أي: وكما أرسلنا قبلك المرسلين، وأنزلنا عليهم الكتب من السّماء، كذلك أنزلنا عليك القرآن محكمًا معربًا، شرّفناك به وفضّلناك على من سواك بهذا الكتاب المبين الواضح الجليّ الّذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ} [فصّلت: 11].
وقوله: {ولئن اتّبعت أهواءهم} أي: آراءهم، {بعد ما جاءك من العلم} أي: من اللّه تعالى {ما لك من اللّه من وليٍّ ولا واقٍ} أي: من اللّه تعالى. وهذا وعيدٌ لأهل العلم أن يتّبعوا سبل أهل الضّلالة بعدما صاروا إليه من سلوك السّنّة النّبويّة والمحجّة المحمّديّة، على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام [والتّحيّة والإكرام]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 467-468]

رد مع اقتباس