عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 08:33 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

تمكين الصغير من المصحف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (أ‌- غير المميز:
والصغير لا يخلو أن يكون مميزا أو غير مميز، فإن كان غير مميز فجمهور أهل العلم على القول بعدم تمكينه من مس المصحف اعتبارا بالمجنون، ولدخوله تحت العمومات السابقة لعدم صحة الطهارة منه، ولعدم الأمن من انتهاكه لحرمة المصحف فلربما عرضه للنجاسة أو القذر، أو امتهنه بنحو رميه على الأرض، أو وطئه برجل، أو تمزيقه عبثا، وهذه مفاسد لا تعارض بتوهم مصالح قد لا تسلم كحفظ القرآن مثلا، ولو سلمت لكان إعمال قاعدة تقديم درء المفاسد على جلب المصالح أمرا متعينا.
وقد صرح بالمنع من تمكين غير المميز من المصحف جمع من أهل العلم كالماوردي، والنووي، وابن نجيم، والبهوتي، وهو وجه عند كل من الشافعية والحنابلة؛ بل عده بعض الحنابلة رواية عن الإمام
[454]
أحمد؛ بل هو الصحيح من المذهب، وهو وجه عند المالكية على ما ذكره القرطبي؛ بل هو مقتضى مذهبهم في غير مقام التعليم.
والقول الثاني: أنه يجوز دفع المصحف للصغير وتمكينه منه إذا اقتضت حاجة التعليم ذلك، وكان مما يتأتى منه التعليم شريطة أن يكون تمكينه من المصحف بحضرة وليه أو من يقوم مقامه وتحت ملاحظته ليمنعه من انتهاكه على ما ذكره صاحب الإيعاب من الشافعية.
وذهب فريق ثالث من الفقهاء إلى جواز تمكين الصغير من المصحف مطلقا ولو لم تتأتى طهارته إعمالا لقاعدة المشقة تجلب التيسير، ولأن في تمكينه من ذلك مصلحة دينية، ولأنه غير ما كلف فلا يتناوله النهي عن مس المصحف على غير طهارة، ولعدم الدليل الخاص في منعه؛بل لو قيل بالمنع للحق الأولياء منه حرج عظيم،والحرج مرفوع عن هذه الأمة، فلا ينبغي القول بما يقتضيه من غير برهان. وقد رد العيني قياس هذه المسألة على مسائل منع الولي من إلباس الذكر من الصغار الحرير، وتوجيهه إلى القبلة حال التخلي، وسقيه الخمر بأنه قياس مع الفارق لتعلق مسألتما بأمر ديني.
وقد ذهب إلى هذا القول أكثر الحنفية، وهو وجه عند الشافعية والمالكية؛ بل هو مقتضى مذهبهم حال التعلم، وهو رواية عن الإمام أحمد
[455]
وذكرها بعض الأصحاب وجها.
ب‌- الصغير المميز:
فإن كان الصغير مميزا فلا يخلو من أن يكون متطهرا أو محدثا، فإن كان متطهرا فالظاهر أنه لا خلاف بين أهل العلم في جواز دفع المصحف إليه لعدم المانع ولوجود المقتضي، وقياسا على البالغ المكلف المسلمين.
فإن كان الصغير المميز محدثا جاز تمكينه من المصحف أيضا في مقام التعليم خاصة، لأن في المنع من دفع المصحف إليهم تضييع حفظ القرآن، وفي الأمر بالتطهر حرج بهم ومشقة وكلفة تلحقهم أو تلحق أوليائهم ومعلميهم، فالترخيص أولى إعمالا لقاعدة المشقة تجلب التيسير، ولأن تكليفهم بالطهارة كلما راموا مس المصحف يتضمن تنفيرا للصغار عن قراءة القرآن، لا سيما في أوقات المكاره كالبرد الشديد مثلا، ولأنه لم ينقل دليل صحيح صريح خاص بالصغار يمنع من مسهم المصاحف حال الحدث، ومعلوم أن طهارتهم لا تحفظ، فصار القول بالجواز هنا أولى من القول بالمنع.
وقد ذهب إلى هذا القول جمهور الحنفية، والمالكية، والشافعية،
[456]
وهو وجه عند الحنابلة، وذكره بعضهم في رواية عن الإمام أحمد قياسا على جوازه في حق غير المميز؛ بل أولى، لأن حاجة المميز إلى التعليم أمس، واحتمال حصول انتهاك حرمة المصحف منه أبعد، ولأن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.
والقول الثاني: أنه لا يجوز مس المحدث للمصحف، ولو كان الماس صغيرا قياسا على البالغ، ولأن تكليفه بالطهارة لمس المصحف فيه مصلحة له ليعتاد تعظيم المصحف، والتطهر كلما أراد مسه حتى إذا بلغ صار ذلك أمرا مألوفا لديه، واحترام المصحف راسخا عنده، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقول عند المالكية، والحنفية، والشافعية.
والقول الثالث: أنه يجوز أن يمكن الصغير من مس بعض المصحف دون الكامل، وهو اختيار ابن بشير من المالكية.
قال القاضي أبو يعلي في مستدركه على ما في الإنصاف أو في شرحه على ما في التصحيح: (لا بأس بمسه لبعض القرآن، ويمنع من جملته).
وقال في مجمع البحرين: (ويحتمل أن يمنع من له عشر فصاعدا، بناء على وجوب الصلاة عليه).
وقال قوم بجواز مس المميز للمصحف ما لم يكن مجنبا فيمنع من مسه حينئذ في القياس، لأن الجنابة نادرة في حقه، وحكمها أغلظ وهو اختيار الأسنوي من الشافعية واستحسنه الأنصاري والرملي.
وذهب بعضهم إلى القول بجواز مس الصغير للمكتوب في الألواح خاصة، لأنه الذي تتعلق به حاجة تعليمه، ولأن اللوح لا يسمى مصحفا.
وقال قوم: لا يمكن من مس المكتوب في اللوح، وإن جاز له مس الخالي من الكتابة.
[457]
وقال آخرون: يمنع الصغير من مس اللوح أو حمله ما لم يتطهر تعظيما للقرآن أينما كتب، لأن حكم المصحف يثبت لبعضه فلا دليل على التفريق بين الكامل وغير الكامل في الحكم، اللهم إلا الآية والآيتان في الرسائل على سبيل الدعوة لدليل يخصها.
والأقوال الثلاثة الأخيرة محكية عن الإمام أحمد، والمذهب هو الثاني منها على ما صرح به أكثر الأصحاب، وقد جرى بسط هذه المسألة في موضعها من مصنف أفردته في أحكام الصغار).
[458]

رد مع اقتباس