عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 10:19 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولقد صرفنا} الآية. المعنى: ولقد خوفنا ورجينا وبالغنا في البيان، وهذا كله بتمثيل وتقريب للأذهان. وقوله: {من كل مثل}، أي: من كل مثل له نفع في الغرض المقصود بهم وهو الهداية. وقوله تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} خبر مقتضب في ضمنه: فلم ينفع فيهم تصريف الأمثال، بل هم قوم منحرفون يجادلون بالباطل. وقوله تعالى: "الإنسان" يريد به الجنس، وروي أن سبب هذه الآية هو النضر بن الحارث، وقيل: ابن الزبعري، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد نام عن صلاة الليل فأيقظه وعاتبه، فقال له علي: إنما نفسي بيد الله، ونحو هذا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضرب خده بيده ويقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا. فقد استعمل الآية على العموم في جميع الناس، و"الجدل":
[المحرر الوجيز: 5/623]
الخصام والمدافعة بالقول، فالإنسان أكثر جدلا من كل ما يجادل من ملائكة وجن وغير ذلك إن فرض. وفي قوله تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} تعليم تفجع ما على الناس، ويتبين فيما بعد). [المحرر الوجيز: 5/624]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}
هذه آية تأسف عليهم، وتنبيه على فساد حالهم; لأن هذا المنع لم يكن بقصد منهم أن يمتنعوا ليجيئهم العذاب، وإنما امتنعوا هم مع اعتقادهم أنهم مصيبون، لكن الأمر في نفسه يسوقهم إلى هذا، فكأن حالهم يقتضي التأسف عليهم، و"الناس" يراد به كفار عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تولوا دفع الشريعة وتكذيبها و"الهدى" هو شرع الله تعالى، والبيان الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، و"الاستغفار" هنا طلب المغفرة على فارط الذنب كفرا وغيره. وسنة الأولين هي عذاب الأمم المذكورة من الغرق والصيحة والظلة والريح وغير ذلك.
قوله تعالى: {أو يأتيهم العذاب قبلا}، أي: مقابلة عيانا، والمعنى عذابا غير المعهود، فتظهر فائدة التقسيم، وكذلك صدق هذا الوعيد في بدر. وقال مجاهد:
"قبلا" معناه: فجأة. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، ومجاهد، وعيسى بن عمر: "قبلا" بكسر القاف وفتح الباء، وقرأ عاصم، والكسائي، وحمزة،
[المحرر الوجيز: 5/624]
والحسن، والأعرج: "قبلا" بضم القاف والباء، ويحتمل معنيين: أحدهما أن يكون بمعنى: "قبل"; لأن أبا عيسى حكاهما بمعنى واحد في المقابلة، والآخر أن يكون جمع "قبيل"، أي: يجيئهم العذاب أنواعا وألوانا. وقرأ أبو رجاء، والحسن أيضا: "قبلا" بضم القاف وسكون الباء). [المحرر الوجيز: 5/625]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما نرسل المرسلين} الآية. كأنه لما تفجع عليهم وعلى ضلالهم ومصيرهم بآرائهم إلى الخسار، قال: وليس الأمر كما ظنوا، والرسل لم نبعثهم ليجادلوا، ولا لتتمنى عليهم الاقتراحات، وإنما بعثناهم مبشرين من آمن بالجنة، ومنذرين من كفر بالنار. و"يدحضوا" معناه: يزهقوا، والدحض: الطين الذي يزلق فيه، ومنه قول الشاعر:
رديت ونجى اليشكري جذاره ... وحاد كما حاد البعير عن الدحض
وفي قوله تعالى: {واتخذوا إلى آخر} الآية توعد. و"الآيات" تجمع آيات القرآن والعلامات التي تظهر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. وقوله: {وما أنذروا هزوا} يريد: من عذاب الآخرة، والتقدير: وما أنذروه، فحذف الضمير. و"الهزء": السخر والاستخفاف، كقولهم: "أساطير الأولين"، وقولهم: "لو نشاء لقلنا مثل هذا"). [المحرر الوجيز: 5/625]

رد مع اقتباس