عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 1 محرم 1436هـ/24-10-2014م, 11:35 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (13)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويتجنّبها الأشقى * الّذي يصلى النّار الكبرى * ثمّ لا يموت فيها ولا يحيا}. أي: لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياةً تنفعه، بل هي مضرّةٌ عليه؛ لأنّ بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم العذاب وأنواع النّكال.
قال الإمام أحمد: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سليمان - يعني التّيميّ - عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها لا يموتون ولا يحيون، وأمّا أناسٌ يريد اللّه بهم الرّحمة فيميتهم في النّار، فيدخل فيهم الشّفعاء، فيأخذ الرّجل الضّبارة فينبتهم- أو قال: ينبتون - في نهر الحياء - أو قال: الحياة. أو قال: الحيوان. أو قال: نهر الجنّة- فينبتون نبات الحبّة في حميل السّيل» قال: وقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أما ترون الشّجرة تكون خضراء ثمّ تكون صفراء». أو قال: «تكون صفراء ثمّ تكون خضراء». قال: فقال بعضهم: كأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان بالبادية.
وقال أحمد أيضاً: حدّثنا إسماعيل، حدّثنا سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ: قال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]:
«أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس- أو كما قال- تصيبهم النّار بذنوبهم - أو قال: بخطاياهم - فيميتهم إماتةً، حتّى إذا صاروا فحماً أذن في الشّفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فنبتوا على أنهار الجنّة؛ فيقال: يا أهل الجنّة، أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل». قال: فقال رجلٌ من القوم حينئذٍ: كأنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان بالبادية.
ورواه مسلمٌ من حديث بشر بن المفضّل وشعبة، كلاهما عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد به مثله. ورواه أحمد أيضاً عن يزيد، عن سعيد بن إياسٍ الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ، عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ أهل النّار الّذين لا يريد اللّه إخراجهم لا يموتون فيها ولا يحيون، وإنّ أهل النّار الّذين يريد اللّه إخراجهم يميتهم فيها إماتةً حتّى يصيروا فحماً ثمّ يخرجون ضبائر، فيلقون على أنهار الجنّة، فيرشّ عليهم من أنهار الجنّة، فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل
».
وقد قال اللّه إخباراً عن أهل النّار: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربّك قال إنّكم ماكثون}. وقال تعالى: {لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها}. إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 380-381]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربّه فصلّى * بل تؤثرون الحياة الدّنيا * والآخرة خيرٌ وأبقى * إنّ هذا لفي الصّحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى}.
يقول تعالى: {قد أفلح من تزكّى}. أي: طهّر نفسه من الأخلاق الرّذيلة وتابع ما أنزل اللّه على الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه.
{وذكر اسم ربّه فصلّى}. أي: أقام الصّلاة في أوقاتها ابتغاء رضوان اللّه وطاعةً لأمر اللّه وامتثالاً لشرع اللّه.
وقد قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا عبّاد بن أحمد العرزميّ، حدّثنا عمّي محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن سابطٍ، عن جابر بن عبد اللّه، عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قد أفلح من تزكّى}. قال: «من شهد أن لا إله إلاّ اللّه، وخلع الأنداد وشهد أنّي رسول اللّه» {وذكر اسم ربّه فصلّى}. قال: «هي الصّلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها».
ثم قال: لا يروى عن جابرٍ إلاّ من هذا الوجه، وكذا قال ابن عبّاسٍ: إنّ المراد بذلك الصلوات الخمس. واختاره ابن جريرٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني عمرو بن عبد الحميد الآمليّ، حدّثنا مروان بن معاوية، عن أبي خلدة قال: دخلت على أبي العالية فقال لي: إذا غدوت غداً إلى العيد فمرّ بي. قال: فمررت به؛ فقال: هل طعمت شيئاً؟ قلت: نعم. قال: أفضت على نفسك من الماء؟ قلت: نعم. قال: فأخبرني ما فعلت بزكاتك؟ قلت: قد وجّهتها. قال: إنّما أردتك لهذه. ثمّ قرأ: {قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربّه فصلّى}؛ وقال: إنّ أهل المدينة لا يرون صدقةً أفضل منها ومن سقاية الماء.
قلت: وكذلك روّينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنّه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر ويتلو هذه الآية: {قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربّه فصلّى}.
وقال أبو الأحوص: إذا أتى أحدكم سائلٌ وهو يريد الصلاة فليقدّم بين يدي صلاته زكاةً؛ فإنّ اللّه تعالى يقول: {قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربّه فصلّى}.
وقال قتادة في هذه الآية: {قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربّه فصلّى}: زكّى ماله وأرضى خالقه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 381-382]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثم قال تعالى: (بل يؤثرون الحياة الدّنيا). أي: يقدّمونها على أمر الآخرة، ويبدّونها على ما فيه نفعهم وصلاحهم في معاشهم ومعادهم). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 382]

تفسير قوله تعالى: {وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والآخرة خيرٌ وأبقى}؛ أي: ثواب اللّه في الدار الآخرة خيرٌ من الدنيا وأبقى؛ فإنّ الدنيا دنيّةٌ فانيةٌ، والآخرة شريفةٌ باقيةٌ، فكيف يؤثر عاقلٌ ما يفنى على ما يبقى؟! ويهتمّ بما يزول عنه قريباً ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد؟!
قال الإمام أحمد: حدّثنا حسين بن محمدٍ، حدّثنا ذويدٌ، عن أبي إسحاق، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الدّنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا يحيى بن واضحٍ، حدّثنا أبو حمزة، عن عطاءٍ، عن عرفجة الثّقفيّ قال: استقرأت ابن مسعودٍ: {سبّح اسم ربّك الأعلى}، فلمّا بلغ: {بل تؤثرون الحياة الدّنيا} ترك القراءة وأقبل على أصحابه، فقال: آثرنا الدنيا على الآخرة. فسكت القوم؛ فقال: آثرنا الدنيا؛ لأنّا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزويت عنّا الآخرة فاخترنا هذا العاجل، وتركنا الآجل.
وهذا منه على وجه التواضع والهضم، أو هو إخبارٌ عن الجنس من حيث هو، واللّه أعلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا سليمان بن داود الهاشميّ، حدّثنا إسماعيل بن جعفرٍ، أخبرني عمرو بن أبي عمرٍو، عن المطّلب بن عبد اللّه، عن أبي موسى الأشعريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته، ومن أحبّ آخرته أضرّ بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى». تفرّد به أحمد، وقد رواه أيضاً عن أبي سلمة الخزاعيّ، عن الدّراورديّ، عن عمرو بن أبي عمرٍو به مثله سواءً). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 382]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّ هذا لفي الصّحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى}.
قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا نصر بن عليٍّ، حدّثنا معتمر بن سليمان عن أبيه، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت {إنّ هذا لفي الصّحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى}. قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «كان كلّ هذا - أو: كان هذا - في صحف إبراهيم وموسى». ثم قال: لا نعلم أسند الثّقات عن عطاء بن السائب، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ غير هذا، وحديثاً آخر أورده قبل هذا.
وقال النّسائيّ: أخبرنا زكريّا بن يحيى، أخبرنا نصر بن عليٍّ، حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن عطاء بن السّائب، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت: {سبّح اسم ربّك الأعلى}. قال: كلّها في صحف إبراهيم وموسى. فلمّا نزلت: {وإبراهيم الّذي وفّى}. قال: وفّى {ألاّ تزر وازرةٌ وزر أخرى}. يعني: أنّ هذه الآية كقوله تعالى في سورة النّجم: {أم لم ينبّأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الّذي وفّى * ألاّ تزر وازرةٌ وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى * وأنّ سعيه سوف يرى * ثمّ يجزاه الجزاء الأوفى * وأنّ إلّى ربّك المنتهى} .. الآيات إلى آخرهنّ، وهكذا قال عكرمة فيما رواه ابن جريرٍ عن ابن حميدٍ، عن مهران، عن سفيان الثّوريّ، عن أبيه، عن عكرمة في قوله تعالى: {إنّ هذا لفي الصّحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى}. يقول: الآيات التي في: {سبّح اسم ربّك الأعلى}.
وقال أبو العالية: قصّة هذه السورة في الصّحف الأولى.
واختار ابن جريرٍ أنّ المراد بقوله: {إنّ هذا}. إشارةٌ إلى قوله: {قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربّه فصلّى * بل تؤثرون الحياة الدّنيا * والآخرة خيرٌ وأبقى}؛ ثم قال تعالى: {إنّ هذا}. أي: مضمون هذا الكلام {لفي الصّحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى}. وهذا الذي اختاره حسنٌ قويٌّ، وقد روي عن قتادة وابن زيدٍ نحوه. واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 382-383]


رد مع اقتباس