عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 09:12 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تقولن لشيء} الآية. عاتب الله تعالى فيها نبيه صلي الله عليه وسلم على قوله للكفار: غدا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثني في ذلك، فاحتبس عنه الوحي خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه، وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه السورة مفرجة، وأمر في هذه الآية ألا يقول في أمر من الأمور: إني أفعل غدا كذا وكذا إلا وأن يعلق ذلك بمشيئة الله عز وجل. واللام في قوله تعالى: "لشيء" بمنزلة "في"، أو كأنه قال: لأجل شيء). [المحرر الوجيز: 5/590]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {إلا أن يشاء الله}، في الكلام حذف يقتضيه الظاهر ويحسنه الإيجاز، تقديره: إلا أن تقول "إلا أن يشاء الله"، أو إلا أن تقول "إن شاء الله". فالمعنى: إلا أن تذكر مشيئة الله، فليس إلا أن يشاء الله من القول الذي نهي عنه. وقالت فرقة: قوله: {إلا أن يشاء الله} استثناء من قوله: "ولا تقولن".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول حكاه الطبري ورد عليه، وهو من الفساد بحيث كان الواجب ألا يحكى.
وقوله تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت} قال ابن عباس، والحسن: معناه والإشارة به إلى الاستثناء، أي: ولتستثن بعد مدة إذا نسيت الاستثناء أولا لتخرج من جملة من لم يعلق فعله بمشيئة الله، وقال عكرمة: المعنى: واذكر ربك إذا غضبت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتكلم الناس في هذه الآية في الاستثناء في اليمين، والآية ليست في الأيمان، وإنما هي في سنة الاستثناء في غير اليمين، ولكن من حيث تكلم الناس فيها ينبغي أن نذكر شيئا من ذلك.
[المحرر الوجيز: 5/590]
أما مالك رحمه الله وجميع أصحابه -فيما علمت- وكثير من العلماء فيقولون: لا ينفع الاستثناء ويسقط الكفارة إلا أن يكون متصلا باليمين. وقال عطاء: له أن يستثني في قدر حلب الناقة الغزيرة.
وقال قتادة: إن استثنى قبل أن يقوم فله ثنياه. وقال ابن حنبل: له الاستثناء ما دام في ذلك الأمر، وقاله ابن راهويه. وقال طاوس، والحسن: ينفع الاستثناء ما دام الحالف في مجلسه. وقال ابن جبير: ينفع الاستثناء بعد أربعة أشهر فقط، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ينفع الاستثناء ولو بعد سنة. وقال مجاهد: بعد سنتين، وقال أبو العالية: ينفع أبدا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واختلف الناس في التأويل على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال الطبري وغيره: إنما أراد ابن عباس أنه ينفع في أن يجعل الحالف في رتبة المستثنين بعد سنة من حلفه، وأما الكفارة فلا تسقط عنه، قال الطبري: ولا أعلم أحدا يقول (ينفع الاستثناء بعد مدة) يقول بسقوط الكفارة، قال ويرد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليكفر وليأت الذي هو خير"، فلو كان الاستثناء يسقط الكفارة لكان أخف على الأمة، ولم يكن لذكر الكفارة فائدة.
وقال الزهراوي: إنما تكلم ابن عباس رضي الله عنهما في أن الاستثناء بعد سنة لمن قال: أنا أفعل كذا، لا لحالف أراد حل يمينه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذهبت فرقة من الفقهاء إلى أن مذهب ابن عباس رضي الله عنهما سقوط الكفارة، وألزموا كل من يقول (ينفع الاستثناء بعد مدة) إسقاط الكفارة، وردوا على القول بعدم إلزامه، وليس الاستثناء إلا في اليمين بالله، لا يكون في طلاق ونحوه، ولا في مشي إلى مكة، هذا قول مالك وجماعة.
وقال الشافعي رحمه الله، وأصحاب الرأي، وطاوس وحماد: الاستثناء في ذلك
[المحرر الوجيز: 5/591]
جائز، وليس في اليمين الغموس استثناء ينفع، ولا يكون الاستثناء بالقلب، وإنما يكون قولا ونطقا.
وقوله تعالى: {وقل عسى أن يهديني ربي} الآية. قال محمد الكوفي المفسر: إنها بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثن، وإنها كفارة لنسيان الاستثناء. وقال الجمهور: هو دعاء مأمور به دون هذا التخصيص.
وقرأ الجمهور: "يهديني" بإثبات الياء، وهي قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو. وقرأ طلحة بن مصرف: "يهدين" دون ياء في الوصل، وهي قراءة ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي.
والإشارة بـ "هذا" إلى الاستدراك الذي يقع من ناسي الاستثناء وقال الزجاج: المعنى: عسى أن ييسر الله من الأدلة على نبوتي أقرب من دليل أصحاب الكهف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وما قدمته أصوب، أي: عسى أن يرشدني فيما استقبل من أمري. وهذه الآية مخاطبة للنبي صلي الله عليه وسلم، وهي بعد تعم جميع أمته، لأنه حكم يتردد الناس بكثرة وقوعه، والله الموفق). [المحرر الوجيز: 5/592]

تفسير قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا}
قال قتادة، ومطر الوراق، وغيرهما: ولبثوا في كهفهم الآية حكاية عن بني إسرائيل أنهم قالوا ذلك، واحتجا بأن قراءة عبد الله بن مسعود وفي مصحفه: "وقالوا لبثوا في كهفهم"، وذلك عند قتادة -على غير قراءة عبد الله- عطف على سيقولون ثلاثة، ذكره الزهراوي). [المحرر الوجيز: 5/592]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر الله تعالى نبيه صلي الله عليه وسلم بأن يرد العلم إليه ردا على مقالهم وتفنيدا لهم، قال الطبري: "وقال بعضهم: لو كان ذلك خبرا من الله، لم يكن لقوله: {قل الله أعلم بما لبثوا} وجه مفهوم".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
أين ذهب بهذا القائل؟ وما الوجه المفهوم البارع إلا أن تكون الآية خبرا عن لبثهم، ثم قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم قل الله أعلم بما لبثوا بخبره، هذا هو الحق من عالم الغيب، فليزل اختلافكم أيها المتخرصون.
وقال المحققون: بل قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم} الآية خبر من الله تعالى عن مدة لبثهم، ثم اختلف في معنى قوله بعد الإخبار: {قل الله أعلم بما لبثوا} -فقال الطبري: إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدة بعد الإعثار عليهم إلى مدة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: إنهم لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، وأخبر الله تعالى نبيه أن هذه المدة في كونهم نياما، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر، فأمره الله تعالى أن يرد علم ذلك إليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فقوله تعالى -على هذا التأويل-: "لبثوا" الأول يريد: في نوم الكهف، و"لبثوا" الثاني يريد: بعد الإعثار موتى إلى مدة محمد صلي الله عليه وسلم، أو إلى وقت عدمهم بالبلى، على الاختلاف الذي سنذكره بعد. وقال بعضهم: إنه لما قال: وازدادوا تسعا لم تدر الناس أهي ساعات أم أيام أم جمع أم شهور أم أعوام، واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك، فأمره الله تعالى برد العلم إليه، يريد: في التسع، فهي -على هذا- مبهمة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر كلام العرب والمفهوم منه أنها أعوام، والظاهر من أمرهم أنهم قاموا ودخلوا الكهف بعد عيسى عليه السلام بيسير، وقد بقيت من الحواريين بقية. وحكى النقاش ما معناه أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية بحساب الأمم، فلما كان الإخبار هنا للنبي العربي صلى الله عليه وسلم ذكرت التسع; إذ المفهوم عنده من السنين القمرية، فهذه الزيادة هي ما بين الحسابين.
[المحرر الوجيز: 5/593]
وقرأ الجمهور: "ثلاث مائة سنين" بتنوين "مائة" ونصب "سنين" على البدل من "ثلاثمائة"، أوعطف البيان، وقيل: على التفسير والتمييز، وقرأ حمزة، والكسائي، ويحيى، وطلحة، والأعمش بإضافة "مائة" إلى "السنين" وترك التنوين، وكأنهم جعلوا "سنين" بمنزلة "سنة"; إذ المعنى بهما واحد. قال أبو علي: إذ هذه الأعداد التي تضاف في الشهور إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل أو ثوب قد تضاف إلى الجموع، وانحى أبو حاتم على هذه القراءة، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: "ثلاثمائة سنة"، وقرأ الضحاك: "ثلاثمائة سنون"، بالواو. وقرأ أبو عمرو بخلاف-: "تسعا" بفتح التاء، وقرأ الجمهور: "تسعا" بكسر التاء.
وقوله تعالى: {أبصر به وأسمع}، أي: ما أبصره وأسمعه، قال قتادة: لا أحد أبصر من الله تعالى ولا أسمع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه عبارات عن الإدراك، ويحتمل أن يكون المعنى: أبصر به أي: بوحيه وإرشاده، هداك وحججك والحق من الأمور، وأسمع به العالم، فتكونان أمرين لا على وجه التعجب. وقوله تعالى: {ما لهم من دونه من ولي} يحتمل أن يعود الضمير في "لهم" على أصحاب الكهف، أي: هذه قدرته وحده، لم يوالهم غيره بتلطف لهم، ولا اشترك معه أحد في هذا الحكم. ويحتمل أن يعود الضمير في "لهم" على معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار ومشاقيه، وتكون الآية اعتراضا بتهديد.
وقرأ الجمهور: "ولا يشرك في حكمه أحدا" بالياء من تحت، على معنى الخبر عن الله تبارك وتعالى، وقرأ ابن عامر، والحسن، وأبو رجاء، وقتادة، والجحدري: "ولا تشرك" بالتاء من فوق، على جهة النهي للنبي صلى الله عليه وسلم، ويكون قوله: "ولا تشرك" عطفا على قوله سبحانه: {أبصر به وأسمع}. وقرأ مجاهد: "ولا يشرك" بالياء من
[المحرر الوجيز: 5/594]
تحت وبالجزم، قال يعقوب: لا أعرف وجهه.
وحكى الطبري عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: نزلت هذه الآية: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة} فقط، قال الناس: أهي أشهر أم أيام أم أعوام؟ فنزلت {سنين وازدادوا تسعا}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأما هل دام أهل الكهف وبقيت أشخاصهم محفوظة بعد الموت؟ فاختلفت الروايات في ذلك -فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله، فمشى الناس إليه فوجدوا عظاما، فقالوا: هذه عظام أصحاب الكهف، فقال لهم ابن عباس رضي الله عنهما: لا، أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة فسمعه راهب فقال: ما كنت أحسب أن أحدا من العرب يعرف هذا، فقيل له: هذا ابن عم نبينا صلي الله عليه وسلم. وقالت فرقة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليحجن عيسى بن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وبالشام -على ما سمعت من ناس كثير- كهف كان فيه موتى يزعم مجاوروه أنهم أصحاب الكهف، وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم، ومعهم كلب رمة، وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة، وأكثرهم قد انجرد لحمه، وبعضهم متماسك، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم إثارة، ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف، دخلت إليهم فرأيتهم سنة أربع وخمسمائة، وهم بهذه الحالة، وعليهم مسجد، وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم مما يلي القبلة، وآثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقنيوس، وجدنا في آثارها غرائب في قبور ونحوها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما استسهلت ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله عز وجل). [المحرر الوجيز: 5/595]

رد مع اقتباس