عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 11 إلى 24]

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} [الحج: 11] تفسير مجاهدٍ وقتادة: على شكٍّ.
{فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به} [الحج: 11] يقول رضي به.
{وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه} [الحج: 11] هذا المنافق، يعني إن رأى في الإسلام رخاءً وطمأنينةً طابت نفسه بما يصيب من ذلك وقال: أنا منكم ومعكم، وإن رأى في الإسلام شدّةً أو بليّةً لم يصبر على مصيبتها أو لم يرج عاقبتها {انقلب على وجهه} [الحج: 11] يعني كافرًا.
تفسير مجاهدٍ.
قال اللّه: {خسر الدّنيا} [الحج: 11] فذهبت عنه وزالت.
وخسر {والآخرة} [الحج: 11] فلم يكن له فيها نصيبٌ.
وقال قتادة: يقول إن أصاب خصبًا ورفاغةً في العيش وما يشتهي اطمأنّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/356]
إليه وقال: أنا على حقٍّ وأنا أعرف الّذي أنا عليه: {وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه} [الحج: 11] أي ترك ما كان عليه من الحقّ وأنكر معرفته.
{خسر الدّنيا} [الحج: 11] يعني خسر دنياه الّتي كان لها عمل وفيها يفرح، فهي همّه وطلبته، ثمّ أفضى إلى الآخرة وليس له فيها نصيبٌ.
قوله: {ذلك هو الخسران المبين} [الحج: 11] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/357]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ...}

نزلت في أعاريب من بني أسد انتقلوا إلى المدينة بذراريهّم، فامتنّوا بذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنما يسلم الرجل (بعد الرجل) من القبيلة. وقد أتيناك بذرارينّا.
وكانوا إذا أعطوا من الصّدقة وسلمت مواشيهم وخيلهم قالوا: نعم الدين هذا. وإن لم يعطوا من الصّدقة ولم تسلم مواشيهم انقلبوا عن الإسلام. فذلك قوله:
{يعبد اللّه على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به} يقول: أقام عليه {وإن أصابته فتنةٌ انقلب} ورجع.
وقوله: {خسر الدّنيا والآخرة} غبنهما. وذكر عن حميد الأعرج وحده أنه قرأ (خاسر الدنيا والآخرة) وكلّ صواب: والمعنى واحد). [معاني القرآن: 2/217-216]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ومن النّاس من يعبد الله على حرف} كل شاك في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم وتقول: إنما أنت لي على حرف، أي لا أثق بك {لبئس المولي} مجازه هاهنا ابن العم، {ولبئس العشير} الخليط المعاشر). [مجاز القرآن: 2/46]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يعبد الله على حرف}: أي شك). [غريب القرآن وتفسيره: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ} على وجه واحد ومذهب واحد.
{فإن أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه} أي ارتد). [تفسير غريب القرآن: 291-290]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرف فإن أصابه خير اطمأنّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}
جاء في التفسير على شكّ، وحقيقته أنّه يعبد اللّه على حرف الطريقة في الدّين، لا يدخل فيه دخول متمكن.
{فإن أصابه خير اطمأنّ به} أي :إن أصابه خِصْب وكثر ماله وماشيته اطمأنّ بما أصابه ورضي بدينه.
{وإن أصابته فتنة} اختبار بجدب وقلّة مال.
{انقلب على وجهه} رجع عن دينه إلى الكفر وعبادة الأوثان). [معاني القرآن: 3/414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ومن الناس من يعبد الله على حرف }
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال على شك
قال أبو جعفر وحقيقته في اللغة على حرف طريقة الدين أي ليس داخلا فيه بكليته
وبين هذا بقوله جل وعز: {فإن أصابه خير اطمأن به}
قال استقر وإن أصابته فتنة قال عذاب أو مصيبة انقلب على وجهه قال ارتد كافرا
ثم قال جل وعز: {خسر الدنيا والآخرة }
وقرأ مجاهد وحميد خاسر الدنيا والآخرة). [معاني القرآن: 4/383]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {على حرف} أي: على شك). [ياقوتة الصراط: 369]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَلَى حَرْفٍ}: أي علي وجه واحد ومذهب واحد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 159]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَلَى حَرْفٍ}: أي على شك). [العمدة في غريب القرآن: 211]

تفسير قوله تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يدعو من دون اللّه ما لا يضرّه وما لا ينفعه} [الحج: 12] يعني الوثن.
{ذلك هو الضّلال البعيد} [الحج: 12] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/357]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يدعو من دون اللّه...}
يعني الأصنام). [معاني القرآن: 2/217]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يدعو من دون اللّه ما لا يضرّه وما لا ينفعه ذلك هو الضّلال البعيد}
يعنى يدعو الوثن الذي لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرّ). [معاني القرآن: 3/414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه }
ثم قال بعد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى
فيقال كيف يكون له ضر وقد قال ما لا يضره
فالجواب أن المعنى يدعو لمن ضر عبادته
فإن قيل كيف قال أقرب من نفعه ولا نفع له
فالجواب أن العرب تقول لما لا يكون البتة هذا بعيد مثل قوله تعالى: {ذلك رجع بعيد}
وفي الآية أجوبة من أجل اللام
فأكثر النحويين يذهب إلى أنها في غير موضعها وأن المعنى يدعو من لضره أقرب من نفعه
وقال أبو العباس في الكلام حذف أي يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلها
وقيل يدعو ههنا بمعنى يقول كما قال عنترة:

يدعون عنتر والرماح كأنها = أشطان بئر في لبان الأدهم
وقال أبو إسحاق يجوز أن يكون يدعو في موضع الحال، وفيه هاء محذوفة ويكون خبر من لبئس المولى ولبئس العشير
قال الفراء يجوز أن يكون يدعو خبر من ويكون لبئس المولى ولبئس العشير مكررة على ما قبلها
ولأبي إسحاق قول آخر وزعم أن النحويين أجازوه قال يكون ذلك بمعنى الذي أي الذي هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره كما قال تعالى: {وما تلك بيمينك يا موسى}
وأنشد:
عدس ما لعباد عليك إمارة = أمنت وهذا تحملين طليق
وحكى الفراء أنه يجوز في هذا شيء لم يتقدم به أثر وهو يدعو لمن ضره بكسر اللام بمعنى يدعو إلى من ضره كما قال سبحانه: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} أي إلى هذا
قال أبو جعفر والآية مشكلة لدخول اللام وإن الحذاق من النحويين يمنعون أن ينوى بها تقديم أو تأخير لأنها لا تصرف وأن يكون يدعو بمعنى يقول حسن والخبر محذوف،
أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه له). [معاني القرآن: 4/386-384]

تفسير قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه} [الحج: 13] يعني الوثن، ينفق عليه وهو كلٌّ عليه، وهو يتولّاه.
يقول اللّه: {لبئس المولى} [الحج: 13] لبئس الوليّ.
{ولبئس العشير} [الحج: 13] لبئس الصّاحب، يريد بذلك الوثن.
تفسير مجاهدٍ وقتادة). [تفسير القرآن العظيم: 1/357]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(ثم قال: {يدعو لمن ضرّه...}

فجاء التفسير: يدعو من ضرّه أقرب من نفعه. وقد حالت اللام بينهما. وكذلك هي في قراءة عبد الله {يدعو من ضرّه} ولم نجد العرب تقول ضربت لأخاك ولا رأيت لزيداً أفضل منك. وقد اجتمعت القراء على ذلك. فنرى أن جواز ذلك لأن (من) حرف لا يتبيّن فيه الأعراب، فأجيز ب: فاستجيز الاعتراض باللام دون الاسم؛ إذ لم يتبيّن فيه الإعراب.
وذكر عن العرب أنهم قالوا: عندي لما غيره خير منه، فحالوا باللام دون الرافع. وموقع اللام كان ينبغي أن يكون في (ضرّه) وفي قولك: عندي ما لغيره خيرٌ منه. فهذا وجه القراءة للاتّباع.
وقد يكون قوله: {ذلك هو الضّلال البعيد يدعو} فتجعل (يدعو) من صلة (الضلال البعيد) وتضمر في (يدعو) الهاء، ثم تستأنف الكلام باللام، فتقول {لمن ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولى} كقولك في مذهب الجزاء لما فعلت لهو خير لك. وهو وجه قويّ في العربيّة.
ووجه آخر لم يقرأ به. وذلك أن تكسر اللام في (لمن) وتريد يدعو إلى من ضرّه أقرب من نفعه، فتكون اللام بمنزلة إلى، كما قال {الحمد للّه الذي هدانا لهذا} وإلى هذا وأنت قائل في الكلام: دعوت إلى فلانٍ ودعوت لفلانٍ بمعنى واحدٍ. ولولا كراهية خلاف الآثار والاجتماع لكان وجهاً جيّدا من القراءة. ويكون قوله (يدعو) التي بعد (البعيد) مكرورة على وقوله: {يدعو من دون الله} يدعو مكرّرة، كما تقول: يدعو يدعو دائبا، فهذا قوّه لمن نضب اللام ولم يوقع (يدعو) على (من) والضّلال البعيد الطويل). [معاني القرآن: 2/218-217]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يدعو لمن ضرّه أقرب من نّفعه لبئس المولى ولبئس العشير}
وقال: {يدعو لمن ضرّه أقرب من نّفعه} فـ{يدعو} بمنزلة "يقول". و{من} رفع واضمر الخبر كأنه: يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه إلهه. يقول: لمن ضره أقرب من نفعه إلهه).
[معاني القرآن: 3/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لبئس المولى ولبئس العشير}{المولى} ابن العم {والعشير} والخليط من المعاشرة. والعشير أيضا الزوج).
[غريب القرآن وتفسيره: 259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لبئس المولى} أي الوليّ.
{ولبئس العشير} أي الصاحب والخليل). [تفسير غريب القرآن: 291]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير}
فقال: ولا يضره، وقال ضره أقرب من نفعه، معناه الضرر بعبادته أقرب من النفع.
فإن قال قائل: كيف يقال: أقرب من نفعه ولا نفع من قبله ألبتّة؟
فالعرب تقول لما لا يكون: هذا بعيد، والدليل على ذلك قوله تعالى: {أإذا متنا وكنّا ترابا ذلك رجع بعيد}.
وقد اختلف الناس في تفسير هذه اللام، وفي (يدعو) بأي شيء هي معلّقة ونحن نفسر جميع ما قالوه وما أغفلوه مما هو بيّن من جميع ما قالوا إن شاء اللّه.
قال البصريون والكوفيون: اللام معناها التأخير، المعنى يدعو من لضرّه أقرب من نفعه ولم يشبعوا الشرح، ولا قالوا من أين جاز أن تكون اللام في غير موضعها.
وشرح ذلك أن اللام لليمين والتوكيد فحقها أن تكون في أول الكلام فقدمت لتجعل في حقها، وإن كان أصلها أن تكون في " لضرّه " كما أن لام " إن " حقها أن تكون في الابتداء، فلما لم يجز أن تلي " إنّ " جعلت في الخبر في مثل قولك: إنّ زيدا لقائم، ولا يجوز " إنّ لزيدا قائم "، فإذا أمكن أن يكون ذلك في الاسم كان ذلك أجود الكلام، تقول إن في ذلك لآية، فهذا قول.
وقالوا أيضا. أن يدعو معها هاء مضمرة، وأن (ذلك) في موضع رفع و (يدعو) في موضع الحال.
المعنى، ذلك هو الضلال البعيد يدعوه، المعنى في حال دعائه إيّاه، ويكون {لمن ضرّه أقرب من نفعه} مستأنفا مرفوعا بالابتداء وخبره {لبئس المولى ولبئس العشير}.
وفيه وجه آخر ثالث، يكون يدعو في معنى يقول، يكون من في موضع رفع وخبره محذوف، ويكون المعنى: يقول لمن ضره أقرب من نفعه هو مولاي،
ومثله يدعو في معنى يقول في قول عنترة.
يدعون عنتر والرماح كأنّها=أشطان بئر في لبان الأدهم
ويجوز أن يكون " يدعو " في معنى " يسمّي "
كما قال ابن أحمر:
أهوى لها مشقصا جشرا فشبرقها=وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا
ووجه هذا القول الذي قبله.
وفيها وجه رابع وهو الذي أغفله الناس، أن " ذلك " في موضع نصب بوقوع يدعو عليه، ويكون " ذلك " في تأويل الذي، ويكون المعنى الذي هو الضلال البعيد يدعو،
ويكون {لمن ضرّه أقرب من نفعه} مستأنفا، وهذا مثل قوله: {وما تلك بيمينك} على معنى وما التي بيمينك يا موسى.
ومثله قول الشاعر:
عدس ما لعبّاد عليك إمارة=نجوت وهذا تحملين طليق).
[معاني القرآن: 3/417-415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لبئس المولى }
أي الولي كما قال الشاعر:
فعدت كلا الفرجين تحسب أنه = مولى المخافة خلفها وأمامها
ولبئس العشير أي الصاحب والخليل
قال مجاهد يعني الوثن). [معاني القرآن: 4/387-386]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {المَوْلَـى}: ابن العـم.
{العَشِيـرُ}: الخليـط). [العمدة في غريب القرآن: 212-211]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)}

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {من كان يظنّ أن لن ينصره اللّه في الدّنيا والآخرة فليمدد بسببٍ إلى السّماء ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ} [الحج: 15] يعني المنافق، أي إنّه يائسٌ من أن ينصر اللّه محمّدًا، لا يصدّق بما وعد اللّه رسوله من نصره في الدّنيا والآخرة.
ونصره في الآخرة الحجّة.
قال: {فليمدد بسببٍ} [الحج: 15] بحبلٍ {إلى السّماء} [الحج: 15] سماء البيت، يعني سقف البيت، أي فليعلّق حبلًا من سقف البيت فليختنق حتّى يموت.
يعني بقوله: فـ {ليقطع} [الحج: 15] فليختنق.
وذلك كيده.
قال: {فلينظر هل يذهبنّ} [الحج: 15] ذلك غيظه: أي إنّ ذلك لا يذهب غيظه.
وقال مجاهدٌ: {أن لن ينصره اللّه} [الحج: 15] أن لن يرزقه اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/357]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {من كان يظنّ أن لّن ينصره اللّه...}

جزاء جوابه في قوله: {فليمدد بسببٍ} والهاء في (قوله) {ينصره اللّه} للنبيّ صلّى الله عليه وسلم. أي من كان منكم يظنّ أن الله لن ينصر محمداً بالغلبة حتى يظهر دين الله فليجعل في سماء بيته حبلاً ثم ليختنق به فذلك قوله: {ثمّ ليقطع} اختناقاً وفي قراءة عبد الله (ثم ليقطه) يعني السّبب وهو الحبل: يقول {فلينظر هل يذهبنّ كيده} إذا فعل ذلك غيظه.
و{ما يغيظ} في موضع نصب). [معاني القرآن: 2/218]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من كان يظنّ أن لّن ينصره اللّه} ) مجازه أن لن يرزقه الله وأن لن يعطيه الله، قال وقف علينا سائل من بني بكر على حلقة في المسجد الجامع فقال: من ينصرني نصره الله أي من يعطيني أعطاه الله ويقال نصر المطر أرض كذا، أي جادها وأحياها، قال وبيت الراعي:
وانصري أرض عامر
أي: تعمدي،
وقال الراعي:
أبوك الذي أجدى عليّ بنصره=فانصت عني بعده كّل قائل
أي بعطيته وقال:
وإنك لا تعطي امرءًا فوق حظه= ولا تملك الشقّ الذي الغيث ناصره).
[مجاز القرآن: 2/47-46]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فليمدد بسببٍ إلى السّماء} أي بحبل). [مجاز القرآن: 2/47]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {من كان يظنّ أن لّن ينصره اللّه في الدّنيا والآخرة فليمدد بسببٍ إلى السّماء ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ}
وقال: {هل يذهبنّ كيده ما يغيظ} فحذف الهاء من {يغيظ} لأنها صلة الذي لأنه إذا صار جميعاً اسما واحدا كان الحذف أخف). [معاني القرآن: 3/9]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {من كان يظن أن لن ينصره الله}: أي يرزقه الله. يقال:
من ينصرني نصره الله ؟ أي من يرزقني رزقه الله. ويقال نصرت السماء أرض كذا وكذا أي أحيتها.وقال بعض المفسرين: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا، من النصر.
{فليمدد بسبب}: أي بحبل.
{إلى السماء}: إلى سقف البيت، فليختنق فينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ). [غريب القرآن وتفسيره: 260-259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {من كان يظنّ أن لن ينصره اللّه} أي لن يرزقه اللّه. وهو قول أبي عبيدة، يقال: مطر ناصر، وأرض منصورة أي: ممطورة. وقال المفسرون: من كان يظن أن لن ينصر اللّه محمدا.
{فليمدد بسببٍ إلى السّماء} أي بحبل إلى سقف البيت.
{ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده} أي حيلته غيظة ليجهد جهده، وقد ذكرت ذلك في تأويل المشكل بأكثر من هذا التفسير). [تفسير غريب القرآن: 291]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}.
كان قوم من المسلمين لشدّة غيظهم وحنقهم على المشركين، يستبطئون ما وعد الله ورسوله من النصر. وآخرون من المشركين يريدون اتباعه ويخشون ألا يتم له أمره،
فقال تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ}، يعني محمدا عليه السلام على مذاهب العرب في الإضمار لغير مذكور، وهو يسمعني أعده النصر والإظهار والتمكين،
وإن كان يستعجل به قبل الوقت الذي قضيت أن يكون ذلك فيه، فليمدد بسببٍ أي بحبل إلى السّماء، يعني سقف البيت، وكلّ شيء علاك وأظلّك فهو سماء،
والسحاب: سماء، يقول الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا}،
وقال سلامة بن جندل يذكر قتل كسرى النعمان:
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه = نحور الفيول بعد بيت مسردق
يعني: سقفه، وذلك أنّه أدخله بيتا فيه فيلة فتوطّأته حتى قتلته.
وقوله: ثمّ ليقطع. قال المفسرون أي: ليختنق {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} هل يذهب ذلك ما في قلبه؟ وهذا كرجل وعدته شيئا مرة بعد مرة، ووكّدت على نفسك الوعد،
وهو يراجعك في ذلك، ولا تسكن نفسه إلى قولك، فتقول له: إن كنت لا تثق بما أقوله، فاذهب فاختنق. تريد: اجهد جهدك.
هذا معنى قول المفسرين.
وفيه وجه آخر على طريق الإمكان، وهو أن تكون السماء هاهنا: السماء بعينها لا السقف، كأنه قال: فليمدد بسبب إليها أي بحبل، وليرتق فيه، ثم ليقطع حتى يخرّ فيهلك،
أي: ليفعل هذا إن بلغه جهده، فلينظر هل ينفعه. ومثله قوله لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم- حين سأله المشركون أن يأتيهم بآية ولم يشأ الله أن يأتيهم بها، فشقّ ذلك عليه-
{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}
يريد: اجهد إن بلغ هذا جهدك.
وروى ابن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن كردم: أنّ رجلا سأل أبا هريرة، وابن عمر، وابن عباس، عن رجل قتل مؤمنا متعمدا، هل له توبة؟ فكلهم قال: هل يستطيع أن يحييه؟
هل يستطيع أن يبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء؟.
يريدون: أنه لا توبة له، كما أن هذا لا يكون.
وقال أبو عبيدة: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} أي: يرزقه الله. وذهب إلى قول العرب. أرض منصورة، أي ممطورة، وقد نصرت الأرض: أي مطرت.
كأنه يريد: من كان قانطا من رزق الله ورحمته فليفعل ذلك، فلينظر هل يذهب كيده، أي حيلته غيظه لتأخر الرزق عنه؟). [تأويل مشكل القرآن: 358-360]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {من كان يظنّ أن لن ينصره اللّه في الدّنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السّماء ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ}
هذه الهاء لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أي من كان يظن أن لن ينصر اللّه محمدا - صلى الله عليه وسلم - حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظا،
وهو تفسير قوله: {فليمدد بسبب إلى السّماء} السبب الحبل، والسماء السقف، أي فليشدد حبلا في سقفه.
{ثمّ ليقطع} أي ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا.
{هل يذهبنّ كيده ما يغيظ} أي هل يذهبن كيده غيظه.
وقرئت ثم ليقطع، وثم ليقطع، بكسر اللام وجزمها). [معاني القرآن: 3/417]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة }
قال أبو جعفر هذه الآية مشكلة وفيها قولان:
أ- روى سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال من كان يظن أن لن ينصره الله يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فليمدد بسبب أي بحبل إلى السماء أي سقف بيته ثم ليقطع أي ليختنق
قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل التفسير منهم الضحاك
ومعناه من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا عليه السلام ويظهر دينه على الدين كله فليجهد جهده فلينظر هل ينفعه ذلك شيئا
ب- والقول الآخر أن طلحة بن عمرو قال سمعت عطاء يقول في قوله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله أن لن يرزقه الله فليمدد بسبب إلى السماء} أي إلى سماء بيته فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق
وروى ابن أبي نجيج عن مجاهد من كان يظن أن لن ينصره الله قال أي أن لن يرزقه الله
قال أبو جعفر وهذا القول أيضا معروف في اللغة وهو قول أبي عبيدة
وحكى أهل اللغة أنه يقال أرض منصورة أي ممطورة
وروى عن ابن عباس من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا أي يرزقه في الدنيا
وقال غيره الأولى أن تكون الهاء تعود على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله جل وعز ذكر قوما يعبدونه على حرف ثم أتبع ذلك هذه الاية في قوم يظنون أن الله لا يوسع على محمد وأمته ولا يرزقهم في الاخرة من سني عطاياه فليمدد بحبل إلى سماء فوقه إما سقف بيته أو غيره إذا اغتاط لاستعجال ذلك
قال أبو جعفر وقد ذكرنا القول في قوله عز وجل: {إن الذين امنوا والذين هادوا} في سورة البقرة). [معاني القرآن: 4/389-387]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ}: قيل: أن لن يرزقه الله. وقيل: أن لن ينصر محمدا صلى الله عليه وسلم. {فليمدد بسبب إلى السماء}:
أي بحبل إلى سقف البيت.
{ثُمَّ لِيَقْطَعْ}: أي ليختنق. {فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ }: أي ليجهد جهده). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ}: يرزقـه.
{إِلى السَّمَـاءِ}: سقف البيـت). [العمدة في غريب القرآن: 212]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكذلك أنزلناه} [الحج: 16] القرآن.
{آياتٍ بيّناتٍ} [الحج: 16] الحلال والحرام.
{وأنّ اللّه يهدي من يريد} [الحج: 16] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/358]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا} [الحج: 17] اليهود.
{والصّابئين} [الحج: 17] هم قومٌ يعبدون الملائكة ويقرءون الزّبور.
{والنّصارى} [الحج: 17] تنصّروا.
وإنّما سمّوا نصارى لأنّهم كانوا بقريةٍ يقال لها ناصرة.
{والمجوس} [الحج: 17] قال قتادة: وهم عبدة الشّمس، والقمر، والنّيران.
{والّذين أشركوا} [الحج: 17] عبدة الأوثان.
{إنّ اللّه يفصل بينهم يوم القيامة} [الحج: 17] فيما اختلفوا فيه من الدّنيا، فيدخل المؤمن الجنّة، ويدخل جميع هؤلاء النّار على ما أعدّ لكلّ قومٍ.
وقد ذكرنا ذلك في هذه الآية في سورة الحجر: {لها سبعة أبوابٍ لكلّ بابٍ منهم جزءٌ مقسومٌ} [الحجر: 44] قوله: {إنّ اللّه على كلّ شيءٍ شهيدٌ} [الحج: 17] شاهدٌ على كلّ شيءٍ وشاهدٌ كلّ شيءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/358]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا...}

إلى قوله: {والّذين أشركوا} ثم قال {إنّ اللّه} فجعل في خبرهم (إنّ) وفي أوّل الكلام (إنّ) وأنت لا تقول في الكلام: إن أخاك إنّه ذاهب، فجاز ذلك لأن المعنى كالجزاء، أي من كان مؤمنا أو على شيء من هذه الأديان ففصل بينهم وحسابهم على الله. وربما قالت العرب: إنّ أخاك إن الدّين عليه لكثير، فيجعلون (إنّ) في خبره إذا كان إنما يرفع باسم مضاف إلى ذكره؛ كقول الشّاعر:
إنّ الخليفة إن الله سربله=سربال ملك به ترجى الخواتيم
ومن قال هذا لم يقل: إنك إنك قائم، ولا يقول: إنّ أباك إنه قائم لأن الاسمين قد اختلفا فحسن رفض الأول، وجعل الثاني كأنه هو المبتدأ فحسن للاختلاف قبح للاتّفاق).
[معاني القرآن: 2/218]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ الذّين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين والنّصارى والمجوس والّذين أشركوا إنّ اللّه يفصل بينهم يوم القيامة}
مجازه: الله يفصل بينهم، وإن من حروف الزوائد ؛ والمجوس من العجم {والذين أشركوا} من العرب، وقال آخرون: قد تبدأ العرب بالشيء ثم تحول الخبر إلى غيره إذا كان من سببه
كقول الشاعر:
فمن يك سائلاًعني فإني=وجروة لا ترود ولا تعار
بدأ بنفسه ثم خبر عن فرسه وقال الأعشى:
وإن إمراءً أهدى إليك ودونه= من الأرض مؤماة وبيداء سملق
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته=وأن تعلمي أن المعان موقّف
بدأ بالمهدي ثم حول الخبر إلى الناقة: " يصهر به " يذاب به،
قال الشاعر:
شّك السّفافيد الشّواء المصطهر
ومنه قولهم: صهارة الألية
وقال ابن أحمر:
تروي لقىً ألقى في صفصفٍ=نصهره الشمس فما ينصهر
تروى: تصير له روايةٌ لفراخها كما يروى رواية القوم عليهم وهو البعير والحمار). [مجاز القرآن: 2/48-47]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب ما ادّعي على القرآن من اللحن
وأما ما تعلَّقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غَلَطِ الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لَحْناً- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلُّوا لكلِّ حرف منها، واستشهدوا الشعرَ: فقالوا: في قوله سبحانه: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:
تزوّد منَّا بين أذناه ضربة = دعته إلى هابي التراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا:
أيَّ قلوصِ راكبِ تراها = طارُوا علاهنَّ فَطِرْ عَلاها
على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنَّ هذين لساحران»، وقرأ (المقيمون الصلاة)،
وقرأ {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ}.
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: {والصابرون فى البأساء والضراء} ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجَّاجُ وكَّلَ عاصماً وناجِيَةَ بنَ رُمْحٍ وعليَّ بنَ أصمعَ بتَتَبُّعِ المصاحفِ، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفاً لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهماً.
خبّرني بذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ قال: وفي ذلك يقول الشاعر:
وإلا رسومُ الدّار قفراً كأنّها = كتابٌ مَحَاهُ البَاهليُّ بنُ أَصْمَعَا
وقرأ بعضهم: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} اعتباراً بقراءة أُبيّ لأنها في مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل (أن هذان) تبيينا للنجوى). [تأويل مشكل القرآن: 50-52] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين والنّصارى والمجوس والّذين أشركوا إنّ اللّه يفصل بينهم يوم القيامة إنّ اللّه على كلّ شيء شهيد}
يفصل اللّه بين هذه الفرق الخمس وبين المؤمنين). [معاني القرآن: 3/417]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّموات ومن في الأرض} [الحج: 18] يعني أنّ جميع أهل السّماء يسبّحون له وبعض أهل الأرض، يعني الّذين يسجدون له.
وكان الحسن لا يعدّ السّجود إلا من المسلمين، ولا يعدّ ذلك من المشركين.
وقال مجاهدٌ: يسجد المؤمن طايعًا، ويسجد الكافر كارهًا.
قال: {والشّمس والقمر والنّجوم} [الحج: 18] كلّها.
{والجبال والشّجر} [الحج: 18] كلّها.
{والدّوابّ} [الحج: 18] ثمّ رجع إلى صفة الإنسان فاستثنى فيه فقال: {وكثيرٌ من النّاس} [الحج: 18] يعني المؤمنين.
[تفسير القرآن العظيم: 1/358]
{وكثيرٌ حقّ عليه العذاب} [الحج: 18] يعني من لم يؤمن.
وقال {ومن يهن اللّه} [الحج: 18] فيدخله النّار.
{فما له من مكرمٍ} [الحج: 18] يدخله الجنّة.
{إنّ اللّه يفعل ما يشاء} [الحج: 18] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/359]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات...}

يريد: أهل السموات {ومن في الأرض} يعني كلّ خلقٍ من الجبال ومن الجنّ وأشباه ذلك {والشّمس والقمر والنّجوم والجبال والشّجر والدّوابّ وكثيرٌ مّن النّاس} من أهل الطاعة
{وكثيرٌ حقّ عليه العذاب} يدلّ على أنه: وكثير أبى السّجود، لأنه لا يحقّ عليه العذاب إلاّ بترك السجود والطاعة. فترفعه بما عاد من ذكره في قوله: {حقّ عليه} فتكون {حقّ عليه} بمنزلة أبى. ولو نصبت: وكثيرا حقّ العذاب كان وجهاً بمنزلة قوله: {فريقاً هدى وفريقاً حقّ عليهم الضلالة} ينصب إذا كان في الحرف واو وعاد ذكره بفعل قد وقع عليه.
ويكون فيه الرفع لعودة ذكره كما قال الله {والشّعراء يتّبعهم الغاوون} وكما قال {وأمّا ثمود فهديناهم}.
وقوله: {ومن يهن اللّه فما له من مّكرمٍ} يقول: ومن يشقه الله فما له من مسعدٍ. وقد تقرأ {فما له من مكرم} يريد: من إكرام). [معاني القرآن: 2/219]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات ومن في الأرض والشّمس والقمر والنّجوم والجبال والشّجر والدّوابّ وكثير من النّاس وكثير حقّ عليه العذاب ومن يهن اللّه فما له من مكرم إنّ اللّه يفعل ما يشاء }
والسجود ههنا الخضوع للّه عزّ وجلّ، وهى طاعة ممن خلق الله من الحيوان والموات.
والدليل على أنه سجود طاعة قوله: {وكثير من النّاس وكثير حقّ عليه العذاب}.
هذا أجود الوجوه أن يكون تسجد مطيعة، للّه عزّ وجلّ.
كما قال اللّه تعالى: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين}، وكما قال: {وإنّ منها} يعني الحجارة {لما هبط من خشية اللّه}، فالخشية لا تكون إلّا لما أعطاه اللّه مما يختبر به خشيته.
وقال قوم: السجود من هذه الأشياء التي هي موات ومن الحيوان الذي لا يعقل إنما هو أثر الصنعة فيها والخضوع الذي يدل على أنها مخلوقة، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر:
بجيش يضل البلق في حجراته=ترى الأكم فيها سجّدا للحوافر
أي قد خشعت من وطء الحوافر عليها، وذلك القول الذي قالوه لأن السجود الذي هو طاعة عندهم إنما يكون ممن يعقل، والذي يكسر هذا ما وصف اللّه عزّ وجلّ من أن من الحجارة لما يهبط من خشية اللّه، والخشية والخوف ما عقلناه إلا للآدميين، وقد أعلمنا اللّه - عزّ وجلّ - أن من الحجارة ما يخشاه، وأعلمنا أنه سخر مع داود الجبال والطير تسبح معه، فلو كان تسبيح الجبال والطير أثر الصنعة: ما قيل سخرنا ولا قيل مع داود الجبال لأن أثر الصنعة يتبين مع داود وغيره، فهو سجود طاعة لا محالة، وكذلك التسبيح في الجبال والطير، ولكنا لا نعلم تسبيحها إلا أن يجيئنا في الحديث كيف تسبيح ذلك.
وقال اللّه عزّ وجلّ - {وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} ). [معاني القرآن: 3/419-418]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض}
قيل السجود ههنا الطاعة والانقياد
ومعنى قوله تعالى: {وكثير حق عليه العذاب} وكثير أبى). [معاني القرآن: 4/389]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ومن يهن الله فما له من مكرم }
قال الفراء وقد يقرأ فما له من مكرم أي إكرام). [معاني القرآن: 4/390-389]

تفسير قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم} [الحج: 19] سعيدٌ عن قتادة قال: اختصم المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب: نبيّنا قبل نبيّكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن خيرٌ منكم.
وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب كلّها ونبيّنا خاتم النّبيّين، ونحن أولى باللّه منكم.
فأفلج اللّه أهل الإسلام فقال: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم فالّذين كفروا قطّعت لهم ثيابٌ من نارٍ} [الحج: 19] إلى آخر الآية.
وقال: {إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ} [الحج: 23] إلى آخر الآية.
قال يحيى: وكذلك حدّثني أبو حفصٍ، عن عمرٍو، عن الحسن.
وقوله: {خصمان اختصموا} [الحج: 19] أهل الكتاب خصمٌ والمؤمنون خصمٌ، اختصموا يعني جماعتهم.
وقال بعضهم: كلّ مؤمنٍ وكافرٍ إلى يوم القيامة قد اختصموا في اللّه وإن لم يلتقوا في الدّنيا قطّ لاختلاف الملّتين.
أمّا المؤمن فوحّد اللّه، فأخبره اللّه بثوابه وأمّا الكافر فألحد في اللّه، فعبد غيره، فأخبره اللّه بثوابه.
وقال بعضهم: نزلت في ثلاثةٍ من المؤمنين وثلاثةٍ من المشركين الّذين تبارزوا يوم بدرٍ.
فأمّا الثّلاثة من المؤمنين: فعبيدة بن الحارث، وحمزة، وعليٌّ.
وأمّا الثّلاثة من المشركين: فعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة.
قوله: {فالّذين كفروا قطّعت لهم ثيابٌ من نارٍ} [الحج: 19] وقال في آيةٍ أخرى: {سرابيلهم} [إبراهيم: 50] أي: قمصهم {من قطرانٍ} [إبراهيم: 50].
قال الحسن: القطران الّذي يطلى به الإبل.
وقال مجاهدٌ: من صفرٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/359]
قال الحسن: وهي من نارٍ.
وقوله: {يصبّ من فوق رءوسهم الحميم} [الحج: 19] وهو الحارّ الشّديد الحرّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/360]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم...}

فريقين أهل دينين. فأحد الخصمين المسلمون، والآخر اليهود النصارى.
وقوله: {اختصموا في ربّهم} في دين ربّهم. فقال اليهود والنصارى للمسلمين: ديننا خير من دينكم؛ لأنّا سبقناكم. فقال المسلمون: بل ديننا خير من دينكم. لأنّا آمنّا بنبيّنا والقرآن، وآمنّا بأنبيائكم وكتبكم، وكفرتم بنبّينا وكتابنا. فعلاهم المسلمون بالحجّة وأنزل الله هذه الآية.
وقوله: {اختصموا} ولم يقل: اختصما لأنهما جمعان ليسا برجلين، ولو قيل: اختصما كان صواباً. ومثله {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} يذهب إلى الجمع. ولو قيل اقتتلتا لجاز، يذهب إلى الطائفتين). [معاني القرآن: 2/220-219]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {هذان خصمان اختصموا في ربّهم فالّذين كفروا قطّعت لهم ثيابٌ مّن نّار يصبّ من فوق رءوسهم الحميم}
وقال: {هذان خصمان اختصموا} لأنهما كانا حيين. و"الخصم" يكون واحدا وجماعة). [معاني القرآن: 3/9]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يصبّ من فوق رؤسهم الحميم} أي الماء الحار). [تفسير غريب القرآن: 291]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {هذان خصمان اختصموا في ربّهم فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار يصبّ من فوق رءوسهم الحميم}
{فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار}.
والمؤمنون يدخلون الجنة وهو
قوله: {إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار}.
وخبر (إنّ) الأولى جملة الكلام مع إنّ الثانية. وقد زعم قوم أن قولك: إنّ زيدا إنه قائم رديء وأنّ هذه الآية إنما صلحت في الذي.
ولا فرق بين الذي وغيره في باب (إنّ).
إن قلت إن زيدا إنه قائم كان جيدا
ومثله قول الشاعر:
إن الخليفة إنّ اللّه سربله
وليس بين البصريين خلاف في أن " (إنّ) تدخل على كل ابتداء وخبر.
تقول إنّ زيدا هو قائم وإنّ زيدا إنّه قائم). [معاني القرآن: 3/418-417]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار يصبّ من فوق رءوسهم الحميم}
الخصمان المؤمنون والكافرون - جاء في التفسير أن اليهود قالوا للمسلمين ديننا أقدم من دينكم وكتابنا أقدم من كتابكم، فأجابهم المسلمون بأنّا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم وآمنا باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله، وأنتم كفرتم ببعض الرسل فظهرت حجة المسلمين على الكافرين.
وقيل اختصموا وقد قال خصمان لأنهما جمعان.
{فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار}.
وجاء في التفسير أن الثياب التي من نار هي نحاس قد أذيب). [معاني القرآن: 3/419]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ.: {يصبّ من فوق رءوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود}
يغلى به ما في بطونهم حتى يخرج من أدبارهم، فهذا لأحد الخصمين.
وقال في الخصم الذين هم مؤمنون:
{إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} ). [معاني القرآن: 3/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {هذان خصمان اختصموا في ربهم }
قد ذكرنا فيمن نزلت هذه القصة في أول هذه السورة
ثم قال جل وعز: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار }
قيل هذا لأحد الخصمين وهي الفرقة الكافرة). [معاني القرآن: 4/390]

تفسير قوله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {يصهر به} [الحج: 20] يحرق به.
وقال الحسن: يقطع به.
وقال مجاهدٌ: يذاب به.
وقال الكلبيّ: ينضح به.
{ما في بطونهم والجلود} [الحج: 20] يعني وتحرق به الجلود.
وهو الّذي قال الحسن: تقطع به). [تفسير القرآن العظيم: 1/360]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يصهر به ما في بطونهم...}

يذاب به. تقول: صهرت الشحم بالنار). [معاني القرآن: 2/220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يصهر به ما في بطونهم}: يذاب. الصهر: الإحراق. صهرته بالنار أي أنضجته). [غريب القرآن وتفسيره: 260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يصهر به ما في بطونهم} أي يذاب. يقال: صهرت النار الشّحمة. والصّهارة: ما أذيب من الألية). [تفسير غريب القرآن: 291]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ.: {يصبّ من فوق رءوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود }
يغلى به ما في بطونهم حتى يخرج من أدبارهم، فهذا لأحد الخصمين.
وقال في الخصم الذين هم مؤمنون:
{إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير}). [معاني القرآن: 3/419] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يصهر به ما في بطونهم }
قال مجاهد أي يذاب
قال أبو جعفر وحكى أهل اللغة صهرت الشحم أي أذبته والصهارة ما أذيب من الألية). [معاني القرآن: 4/390]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُصْهَرُ بِهِ ما في بطونهم}: أي يذاب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُصْهَـرُ}: يـذاب). [العمدة في غريب القرآن: 212]

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولهم مقامع من حديدٍ} [الحج: 21] يعني من نارٍ، يقمع رأسه بالمقمعة، فيحترق رأسه، فيصبّ في الحميم حتّى يبلغ جوفه.
حمّاد بن سلمة، عن الأزرق بن قيسٍ أنا أبا العوّام سادن بيت المقدس قرأ هذه الآية: {عليها تسعة عشر} [المدثر: 30] فقال للقوم: ما تقولون تسعة عشر ملكًا أو تسعة عشر ألف ملكٍ؟ فقالوا: اللّه أعلم، فقال: هم تسعة عشر ملكًا، بيد كلّ ملكٍ مرزبّةٌ من حديدٍ لها شعبتان، فيضرب بها الضّربة فتهوي بها سبعون ألفًا، أي من أهل النّار). [تفسير القرآن العظيم: 1/360]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولهم مّقامع من حديدٍ...}

ذكر أنهم يطمعون (في الخروج) من النار حتى إذا همّوا بذلك ضربت الخزنة رءوسهم بالمقامع فتخسف رءوسهم فيصبّ في أدمغتهم الحميم فيصهر شحوم بطونهم، فذلك قوله في إبراهيم {ويسقى من ماءٍ صديدٍ} ممّا يذوب من بطونهم وجلودهم.
وقوله: {يتجرعه ولا يكاد يسيغه} يكره عليه). [معاني القرآن: 2/220]

تفسير قوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍّ أعيدوا فيها} [الحج: 22] قال: الحسن: ترفعهم بلهبها، فإذا كانوا في أعلاها قمعتهم الملائكة بمقامع من حديدٍ من نارٍ، فيهوون فيها سبعين خريفًا.
قال: {وذوقوا عذاب الحريق} [الحج: 22] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/360]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا} [الحج: 23] يحيى، عن صاحبٍ له، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب أنّه قال: ليس من أهل الجنّة أحدٌ إلا وفي يده ثلاثة أسورةٍ: سوارٌ من ذهبٍ، وسوارٌ من فضّةٍ، وسوارٌ من لؤلؤٍ.
وهو قوله: {يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا} [الحج: 23] أم
[تفسير القرآن العظيم: 1/360]
{وحلّوا أساور من فضّةٍ} [الإنسان: 21] قال: وحدّثني ابن لهيعة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لو أنّ رجلا من أهل الجنّة بدا إسواره لغلب على ضوء الشّمس».
قوله: {ولباسهم فيها حريرٌ} [الحج: 23] وقال في آيةٍ أخرى: {ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندسٍ وإستبرقٍ} [الكهف: 31] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/361]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ولؤلؤاً...}

قرأ أهل المدينة هذه والتي في الملائكة {ولؤلؤاً} بالألف وقرأ الأعمش كلتيهما بالخفض. ورأيتها في مصاحف عبد الله والتي في الحج خاصّة (ولؤلأ) {ولا تهجّأه} وذلك أن مصاحفه
قد أجرى الهمز فيها بالألف في كل حال إن كان ما قبلها مكسوراً أو مفتوحاً أو غير ذلك. والتى في الملائكة كتبت في مصاحفنا (ولؤلؤ) بغير ألفٍ والتي في الحج (ولؤلؤا) بالألف فخفضهما ونصبهما جائز. ونصب التي في الحج أمكن - لمكان الألف - من التي في الملائكة). [معاني القرآن: 2/220]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولباسهم فيها حريرٌ} مجازه لبوسهم،
قال أبو كبير الهدلي:
ومعى لبوسٌ للبئيس كأنه=روقٌ بجبهة ذي نعاج مجفل
أي مسرع، ذو نعاج يعني الثور.
{سواء العاكف فيه} أي المقيم فيه " والباد ": الذي لا يقيم فيه. {ومن يرد فيه بإلحادٍ} مجازه ومن يرد فيه إلحاداً والباء من حروف الزوائد وهو الزيغ والجور والعدل عن الحق ،
وفي آية أخرى {من طور سيناء تنبت بالدّهن} مجازه تنبت الدهن والعرب قد تفعل ذلك قال الشاعر
بوادٍ يمانٍ ينبت الشّتّ صدره=وأسفله بالمرخ والشّهبان
المعنى: وأسفله نبت المرخ قال:
حوءبةٌ تنقض بالضّلوع
أي تنقض الضلوع والحوءبة الدلو العظيم، يقال إنه لحوب البطن أي عظيمة قال الأعشى:
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا= ملء المراجل والصريح الأجردا
أي ضمنت رزق عيالنا أرماحنا والباء من حروف الزوائد.
{وإذ بوّأنا لإبراهيم} مجازه من قوله:
ليتني كنت قبله قد بوّأت مضجعا
ويقال للرجل: هل تبوّأت بعدنا أي هل تزوجت). [مجاز القرآن: 2/49-48]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ):({إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيهاحرير}
و(لولؤ) يقرأان جميعا، فمن قرأ (ولؤلؤا) فعلى معنى يحلون فيها أساور من ذهب ويحلون لؤلؤا، ومن قرأ ولؤلؤ أراد ومن لؤلؤ.
وجائز أن يكون أساور من ذهب ولؤلؤ، فيكون ذلك فيها خلطا من الصنفين ويقرأ (يحلون فيها) على معنى قولك حلي يحلى إذا صار ذا حلي). [معاني القرآن: 3/419]

تفسير قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهدوا إلى الطّيّب من القول} [الحج: 24] وهو: لا إله إلا اللّه في تفسير الكلبيّ.
وتفسير الحسن: الإيمان في الدّنيا باللّه.
وهو واحدٌ.
قوله: {وهدوا} [الحج: 24] يعني في الدّنيا.
{إلى صراط الحميد} [الحج: 24] وهو اللّه، وهو كقوله: {وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ} [الشورى: 52] أي إلى الجنّة: {صراط اللّه} [الشورى: 53] طريق اللّه الّذي هدى له عباده المؤمنين إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/361]


رد مع اقتباس