عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:11 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ولا تكونوا يا معشر الّذين آمنوا كالّذين تفرّقوا من أهل الكتاب واختلفوا في دين اللّه وأمره ونهيه، من بعد ما جاءهم البيّنات من حجج اللّه، فيما اختلفوا فيه، وعلموا الحقّ فيه، فتعمّدوا خلافه، وخالفوا أمر اللّه، ونقضوا عهده وميثاقه، جراءةً على اللّه وأولئك لهم: يعني ولهؤلاء الّذين تفرّقوا، واختلفوا من أهل الكتاب، من بعد ما جاءهم عذابٌ من عند اللّه عظيمٌ.
يقول جلّ ثناؤه: فلا تفرّقوا يا معشر المؤمنين في دينكم تفرّق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فعلهم، وتستنّوا في دينكم بسنّتهم، فيكون لكم من عذاب اللّه العظيم مثل الّذي لهم.
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات} قال: هم أهل الكتاب، نهى اللّه أهل الإسلام أن يتفرّقوا ويختلفوا، كما تفرّق واختلف أهل الكتاب، قال اللّه عزّ وجلّ: {وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا} ونحو هذا في القرآن أمر اللّه جلّ ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم إنّما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين اللّه.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن، في قوله: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ} قال هم اليهود والنّصارى). [جامع البيان: 5/662-663]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ (105) يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106)
قوله تعالى: ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ، أنبأ أبو عامرٍ يعني: العقديّ، ثنا كثيرٌ عن أبيه عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يا معشر قريشٍ إنّكم لولاة هذا الأمر من بعدي، فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون، ولا تفرّقوا ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا ونحو هذا في القرآن- قال: أمر اللّه عزّ وجلّ بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم إنّما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ عن الحسن في قوله: ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا قال: من اليهود والنّصارى.
قوله تعالى: واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن الحسن، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: ولا تكونوا يعني:
للمؤمنين يقول: لا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد موسى فنهى اللّه تعالى المؤمنين أن يتفرّقوا من بعد نبيّهم كفعل اليهود.
قوله تعالى: وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ
قد تقدم في تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 2/728-730]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} قال: هم أهل الكتاب، نهى الله أهل الإسلام أن يتفرقوا ويختلفوا كما تفرق واختلف أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} قال: من اليهود والنصارى.
وأخرج أبو داود والترمذي، وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: كيف يصنع أهل هذه الأهواء الخبيثة بهذه الآية في آل عمران {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} قال: نبذوها ورب الكعبة وراء ظهورهم.
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة وتفترق هذه الأمة على ثلاث
وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة ويخرج في أمتي أقوام تتجارى تلك الأهواء بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله.
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا ملة واحدة فقيل له: ما الواحدة قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي
وأخرج الحاكم عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتسلكن سنن من قبلكم إن بني إسرائيل افترقت، الحديث.
وأخرج ابن ماجة عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعين في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، قيل: يا رسول الله من هم قال: الجماعة.
وأخرج أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة فهلكت سبعون فرقة وخلصت فرقة واحدة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة تهلك إحدى وسبعون فرقة وتخلص فرقة قيل: يا رسول الله من تلك الفرقة قال: الجماعة الجماعة.
وأخرج أحمد عن أبي ذر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: اثنان خير من واحد وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة فعليكم بالجماعة فإن الله لم يجمع أمتي إلا على هدى
وأخرج ابن مردويه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ادخلوا علي ولا يدخل علي إلا قرشي فقال: يا معشر قريش أنتم الولاة بعدي لهذا الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات}
{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} البينة الآية 5). [الدر المنثور: 3/716-721]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) )
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن الرّبيع بن صبيحٍ، وحمّاد بن سلمة، عن أبي غالبٍ، قال: رأى أبو أمامة رءوسًا منصوبةً على درج دمشق، فقال أبو أمامة: كلاب النّار شرّ قتلى تحت أديم السّماء، خير قتلى من قتلوه، ثمّ قرأ: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} إلى آخر الآية، قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لو لم أسمعه إلاّ مرّةً أو مرّتين أو ثلاثًا أو أربعًا حتّى عدّ سبعًا ما حدّثتكموه.
هذا حديثٌ حسنٌ، وأبو غالبٍ اسمه: حزوّرٌ، وأبو أمامة الباهليّ اسمه: صديّ بن عجلان وهو سيّد باهلة). [سنن الترمذي: 5/76]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106) وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أولئك لهم عذابٌ عظيمٌ في يومٍ تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ.
وأمّا قوله: {فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم} فإنّ معناه: فأمّا الّذين اسودّت وجوههم، فيقال لهم: {أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}
ولا بدّ ل أمّا من جوّاب بالفاء، فلمّا أسقط الجوّاب سقطت الفاء معه، وإنّما جاز ترك ذكره فيقال لدلالة ما ذكر من الكلام عليه.
وأمّا معنى قوله جلّ ثناؤه: {أكفرتم بعد إيمانكم} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا فيمن عني به، فقال بعضهم: عني به أهل قبلتنا من المسلمين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} الآية، لقد كفر أقوامٌ بعد إيمانهم كما تسمعون، ولقد ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: والّذي نفس محمّدٍ بيده، ليردنّ عليّ الحوض ممّن صحبني أقوامٌ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولنّ: ربّ أصحابي أصحابي، فليقالنّ: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وقوله: {وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه} هؤلاء أهل طاعة اللّه والوفاء بعهد اللّه، قال اللّه عزّ وجلّ: {ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} فهذا من كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن حمّاد بن سلمة، والرّبيع بن صبيحٍ، عن أبي غالب، عن أبي أمامة: {فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم} قال: هم الخوارج
وقال آخرون: عنى بذلك كلّ من كفر باللّه بعد الإيمان الّذي آمن حين أخذ اللّه من صلب آدم ذرّيّته وأشهدهم على أنفسهم بما بيّن في كتابه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عليّ بن الهيثم، قال: أخبرنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، في قوله: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} قال: صاروا يوم القيامة فريقين، فقال لمن اسودّ وجهه وغيرهم {أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} قال: هو الإيمان الّذي كان قبل الاختلاف في زمان آدم، حين أخذ منهم عهدهم وميثاقهم، وأقرّوا كلّهم بالعبوديّة، وفطرهم على الإسلام، فكانوا أمّةً واحدةً مسلمين، يقول: أكفرتم بعد إيمانكم، يقول بعد ذلك الّذي كان في زمان آدم. وقال في الآخرين: الّذين استقاموا على إيمانهم ذلك، فأخلصوا له الدّين والعمل، فبيّض اللّه وجوههم، وأدخلهم في رضوانه وجنّته
وقال آخرون: بل الّذين عنوا بقوله: {أكفرتم بعد إيمانكم} المنافقون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} الآية، قال: هم المنافقون كانوا أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم.
وأولى الأقوال الّتي ذكرناها في ذلك بالصّواب القول الّذي ذكرناه عن أبيّ بن كعبٍ أنّه عنى بذلك جميع الكفّار، وأنّ الإيمان الّذي يوبّخون على ارتدادهم عنه، هو الإيمان الّذي أقرّوا به يوم قيل لهم: {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا} وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه جعل جميع أهل الآخرة فريقين: أحدهما سوداء وجوهه، والآخر بيضاء وجوهه، فمعلومٌ إذ لم يكن هنالك إلاّ هذان الفريقان أنّ جميع الكفّار داخلون في فريق من سوّد وجهه، وأنّ جميع المؤمنين داخلون في فريق من بيّض وجهه، فلا وجه إذًا لقول قائلٍ عنى بقوله: {أكفرتم بعد إيمانكم} بعض الكفّار دون بعضٍ، وقد عمّ اللّه جلّ ثناؤه الخبر عنهم جميعهم، وإذا دخل جميعهم في ذلك ثمّ لم يكن لجميعهم حالةٌ آمنوا فيها، ثمّ ارتدّوا كافرين بعد إلاّ حالةٌ واحدةٌ، كان معلومًا أنّها المرادة بذلك.
فتأويل الآية إذًا: أولئك لهم عذابٌ عظيمٌ في يومٍ تبيضّ وجوه قومٍ، وتسودّ وجوه آخرين؛ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم، فيقال: أجحدتم توحيد اللّه وعهده وميثاقه الّذي واثقتموه عليه، بأن لا تشركوا به شيئًا، وتخلصوا له العبادة بعد إيمانكم، يعني: بعد تصديقكم به {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} يقول: بما كنتم تجحدون في الدّنيا ما كان اللّه قد أخذ ميثاقكم بالإقرار به والتّصديق.
{وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم} ممّن ثبت على عهد اللّه وميثاقه، فلم يبدّل دينه، ولم ينقلب على عقبيه بعد الإقرار بالتّوحيد، والشّهادة لربّه بالألوهة، وأنّه لا إله غيره {ففي رحمة اللّه} يقول: فهم في رحمة اللّه، يعني في جنّته ونعيمها، وما أعدّ اللّه لأهلها فيها، {هم فيها خالدون} أي باقون فيها أبدًا بغير نهايةٍ ولا غايةٍ). [جامع البيان: 5/663-667]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: يوم تبيضّ وجوهٌ
- حدّثنا أبي، ثنا أبو توبة الرّبيع بن نافعٍ، ثنا معاوية بن سلامٍ، عن زيد ابن سلامٍ، أنّه سمع أبا سلامٍ، حدّثني عبد الرّحمن، حدّثني رجلٌ من كندة قال:
أتيت عائشة رضي اللّه عنها قالت: حدّثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسألته؟
قال: نعم يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ حتّى أنظر ما يفعل بي، أو قال: بوجهي.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا ابن نميرٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ أبو إسرائيل الملائيّ، عن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ قال: هذا لأهل القبلة.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة المروزيّ، ثنا حفص بن عمر المقرئ، ثنا عليّ بن قدامة، عن مجاشع بن عمرٍو عن عبد الكريم الجزريّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ قال: تبيضّ وجوه أهل السّنّة والجماعة.
قوله تعالى: وتسود وجوه
[الوجه الأول]
- وبه عن ابن عبّاسٍ وتسودّ وجوهٌ قال: تسودّ أهل البدع والضّلالة
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا ابن نميرٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا أبو إسرائيل الملائيّ، عن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ قوله: يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ قال: هذا لأهل القبلة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا موسى بن محكمٍ ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ قال: هم المنافقون كانوا أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم، فأنكروها في قلوبهم وأعمالهم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن مروان، ثنا حسينٌ الأشقر، ثنا أبو قتيبة، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، يعني قوله: وتسودّ وجوهٌ قال: هم اليهود
قوله تعالى: فأمّا الّذين اسودّت وجوههم
- حدّثنا أبو بدرٍ عبّاد بن الوليد الخيّاط قال: سألت أبا غالبٍ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فقال:
حدّثني أبو أمامة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنهم الخوارج.
قوله تعالى: أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن سهل بن زنجلة وكثير بن شهابٍ القزوينيّ قالا: ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع، عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ في قوله: فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون قال: فصاروا فريقين يوم القيامة، يقال لمن اسودّت وجوههم:
أكفرتم بعد إيمانكم قال: فهو الإيمان الّذين كان في زمن آدم حيث كانوا أمّةً واحدةً مسلمين.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ عن ابن جريجٍ أكفرتم بعد إيمانكم قال: إيمانهم الّذي أخذ عليهم العهد في ظهر آدم عليه السّلام.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون قال: فهذا من كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا). [تفسير القرآن العظيم: 2/728-730]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا الربيع بن صبيح والربيع بن بدر عن علي بن أبي
[تفسير مجاهد: 132]
طالب عن أبي أمامة في قوله فأما الذين اسودت وجوههم يعني الحرورية ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة ولا أربعة ولا خمسة ولا ستة ولا سبعة). [تفسير مجاهد: 133]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو غالب - رحمه الله- : قال: رأى أبو أمامة رؤوساً منصوبة على درج دمشق، فقال أبو أمامة: كلاب النّار، شرّ قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} إلى آخر الآية [آل عمران: 106]، قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لو لم أسمعه إلا مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً، [أو أربعاً] حتّى عدّ سبعاً، ما حدّثتكموه. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/68-69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 106 - 109.
أخرج أحمد والترمذي، وابن ماجة والطبراني، وابن المنذر عن أبي غالب قال: رأى أبو أمامة رؤوس الأزارقة منصوبة على درج مسجد دمشق فقال أبو أمامة: كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} الآية، قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا حتى عد سبعا ما حدثتكموه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نصر في الإبانة والخطيب في تاريخه واللالكائي في السنة عن ابن عباس في هذه الآية قال {تبيض وجوه وتسود وجوه} قال تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدع والضلالة
وأخرج الخطيب في رواة مالك والديلمي عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدع.
وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: تبيض وجوه أهل الجماعات والسنة وتسود وجوه أهل البدع والأهواء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في الآية قال:
صاروا فرقتين يوم القيامة يقال لمن اسود وجهه {أكفرتم بعد إيمانكم} فهو الإيمان الذي كان في صلب آدم حيث كانوا أمة واحدة وأما الذين ابيضت وجوههم فهم الذين استقاموا على إيمانهم وأخلصوا له الدين فبيض الله وجوههم وأدخلهم في رضوانه وجنته.
وأخرج الفريابي، وابن المنذر عن عكرمة في الآية قال: هم أهل الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم مصدقين بمحمد فلما بعثه الله كفروا، فذلك قوله {أكفرتم بعد إيمانكم}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي أمامة في قوله {فأما الذين اسودت وجوههم} قال: هم الخوارج.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير في الآية عن قتادة قال: لقد كفر أقوام بعد إيمانهم كما تسمعون {فأما الذين اسودت وجوههم} فأهل طاعة الله والوفاء بعهد الله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {فأما الذين اسودت وجوههم} قال: هم المنافقون كانوا أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {وتسود وجوه} قال: هم اليهود.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: هذا لأهل القبلة.
وأخرج ابن المنذر عن السدي بسند فيه من لا يعرف {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: بالأعمال والأحداث
وأخرج ابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تأتي عليك ساعة لا تملك فيها لأحد شفاعة قال: نعم {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} حتى أنظر ما يفعل بي، أو قال: بوجهي.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المصيبة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه.
وأخرج أبو نعيم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغبار في سبيل الله إسفار الوجوه يوم القيامة.
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ليس من عبد يقول لا إله إلا الله مائة مرة إلا بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر). [الدر المنثور: 3/721-724]

تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106) وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون}
...
{وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم} ممّن ثبت على عهد اللّه وميثاقه، فلم يبدّل دينه، ولم ينقلب على عقبيه بعد الإقرار بالتّوحيد، والشّهادة لربّه بالألوهة، وأنّه لا إله غيره {ففي رحمة اللّه} يقول: فهم في رحمة اللّه، يعني في جنّته ونعيمها، وما أعدّ اللّه لأهلها فيها، {هم فيها خالدون} أي باقون فيها أبدًا بغير نهايةٍ ولا غايةٍ). [جامع البيان: 5/663-667] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون (107)
قوله تعالى: وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمت اللّه
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ في قوله: وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم قال: الّذين استقاموا على إيمانهم ذلك وأخصلوا له الدّين فبيّض وجوههم وأدخلهم في رضوانه وجنّته.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: وأما الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمت اللّه هم فيها خالدون هؤلاء أهل طاعة اللّه، والوفاء بعهد اللّه، قال اللّه تعالى: ففي رحمت اللّه هم فيها خالدون). [تفسير القرآن العظيم: 2/730]

تفسير قوله تعالى: (تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وما اللّه يريد ظلمًا للعالمين}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {تلك آيات اللّه} هذه آيات اللّه
وقد بيّنّا كيف وضعت العرب تلك وذلك مكان هذا وهذه في غير هذا الموضع فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
وقوله: {آيات اللّه} يعني مواعظ اللّه، وعبره وحججه. {نتلوها عليك} نقرؤها عليك ونقصّها {بالحقّ} يعني: بالصّدق واليقين.
وإنّما يعني بقوله: {تلك آيات اللّه} هذه الآيات الّتي ذكر فيها أمور المؤمنين من أنصار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمور يهود بني إسرائيل وأهل الكتاب، وما هو فاعلٌ بأهل الوفاء بعهده وبالمبدّلين دينه والنّاقضين عهده بعد الإقرار به، ثمّ أخبر عزّ وجلّ نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه يتلو ذلك عليه بالحقّ، وأعلمه أنّ من عاقب من خلقه بما أخبر أنّه معاقبه من تسويد وجهه وتخليده في أليم عذابه وعظيم عقابه ومن جازاه منهم بما جازاه من تبييض وجهه وتكريمه وتشريف منزلته لديه بتخليده في دائم نعيمه فبغير ظلمٍ منه لفريقٍ منهم بل لحقٍّ استوجبوه وأعمالٍ لهم سلفت جازاهم عليها، فقال تعالى ذكره: {وما اللّه يريد ظلمًا للعالمين} يعني بذلك: وليس اللّه يا محمّد بتسويد وجوه هؤلاء، وإذاقتهم العذاب العظيم؛ وتبييضه وجوه هؤلاء، وتنعيمه إيّاهم في جنّته، طالبًا وضع شيءٍ ممّا فعل من ذلك في غير موضعه الّذي هو موضعه إعلامًا بذلك عباده أنّه لن يصلح في حكمته بخلقه غير ما وعد أهل طاعته والإيمان به، وغير ما أوعد أهل معصيته والكفر به، وإنذارًا منه هؤلاء وتبشيرًا منه هؤلاء). [جامع البيان: 5/667-668]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وما اللّه يريد ظلمًا للعالمين (108) وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور (109) كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (110)
قوله تعالى: هم فيها خالدون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: هم فيها خالدون أي خالداً أبدًا يخبرهم أنّ الثّواب بالخير والشّرّ مقيمٌ على أهله أبدًا لا انقطاع له.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: هم فيها خالدون يعني لا يموتون.
قوله تعالى: تلك
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: تلك يعني: هذه.
قوله تعالى: آيات اللّه نتلوها عليك
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عبيد اللّه، ثنا عبد اللّه بن المبارك، عن معمرٍ عن قتادة في قوله: آيات اللّه قال: القرآن.
قوله تعالى: بالحقّ
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قوله: نتلوها عليك بالحقّ يقول: بالفضل.
قوله تعالى: وما اللّه يريد ظلما للعالمين). [تفسير القرآن العظيم: 2/731]

تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أنّه يعاقب الّذين كفروا بعد إيمانهم بما ذكر أنّه معاقبهم به من العذاب العظيم، وتسويد الوجوه، ويثيب أهل الإيمان به الّذين ثبتوا على التّصديق والوفاء بعهودهم الّتي عاهدوا عليها، بما وصف أنّه مثيبهم به من الخلود في جنّاته من غير ظلمٍ منه لأحد الفريقين فيما فعل؛ لأنّه لا حاجة به إلى الظّلم، وذلك أنّ الظّالم إنّما يظلم غيره ليزداد إلى عزّة عزّةً بظلمه إيّاه، وإلى سلطانه سلطانًا، اوإلى ملكه ملكًا؛ اوالى لنقصانٍ في بعض أسبابه يتمّم بما ظلم غيره فيه ما كان ناقصًا من أسبابه عن التّمام، فأمّا من كان له جميع ما بين أقطار المشارق والمغارب، وما في الدّنيا والآخرة، فلا معنى لظلمه أحدًا فيجوز أن يظلم شيئًا؛ لأنّه ليس من أسبابه شيءٌ ناقصٌ يحتاج إلى تمامٍ، فيتمّ ذلك بظلم غيره، تعالى اللّه علوًّا كبيرًا؛ ولذلك قال جلّ ثناؤه عقيب قوله: {وما اللّه يريد ظلمًا للعالمين}: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور}.
واختلف أهل العربيّة في وجه تكرير اللّه تعالى ذكره اسمه مع قوله: {وإلى اللّه ترجع الأمور}. ظاهرًا وقد تقدّم اسمه ظاهرًا مع قوله: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض} فقال بعض أهل العربيّة من أهل البصرة: ذلك نظير قول العرب: أمّا زيدٌ فذهب زيدٌ، وكما قال الشّاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ = نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا
فأظهر في موضع الإضمار.
وقال بعض نحويّي الكوفة: ليس ذلك نظير هذا البيت؛ لأنّ موضع الموت الثّاني في البيت موضع كنايةٍ؛ لأنّه كلمةٌ واحدةٌ، وليس ذلك كذلك في الآية؛ لأنّ قوله: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض} خبر ليس من قوله: {وإلى اللّه ترجع الأمور} في شيءٍ، وذلك أنّ كلّ واحدةٍ من القصّتين مفارقٌ معناها معنى الأخرى مكتفيةٌ كلّ واحدةٍ منهما بنفسها غير محتاجةٍ إلى الأخرى، وما قال الشّاعر: لا أرى الموت محتاجٌ إلى تمام الخبر عنه.
وهذا القول الثّاني عندنا أولى بالصّواب؛ لأنّ كتاب اللّه عزّ وجلّ لا يؤخذ معانيه، وما فيه من البيان إلى الشّواذّ من الكلام والمعاني وله في الفصيح من المنطق والظّاهر من المعاني المفهوم وجهٌ صحيحٌ موجودٌ.
وأمّا قوله: {وإلى اللّه ترجع الأمور} فإنّه يعني تعالى ذكره: إلى اللّه مصير أمر جميع خلقه الصّالح منهم، والطّالح والمحسن والمسيء، فيجازي كلًّا على قدر استحقاقهم منه الجزاء بغير ظلمٍ منه أحدًا منهم). [جامع البيان: 5/669-671]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولله ما في السّماوات وما في الأرض
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: ثمّ قال يا محمّد للّه الخلق كلّه السّموات كلّهنّ ومن فيهنّ، والأرضون كلّهنّ، ومن فيهنّ وما بينهنّ ممّا يعلم وممّا لا يعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/731]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب أنه قرأ كل شيء في القرآن {وإلى الله ترجع الأمور} بنصب التاء وكسر الجيم). [الدر المنثور: 3/724]


رد مع اقتباس