الموضوع: سورة النساء
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 14 جمادى الآخرة 1434هـ/24-04-2013م, 03:44 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي

قوله تعالى { وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً (6) }

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري (ت: 124هـ): (وفي أموال اليتامى قال: {ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف}. نسخت بقوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}. [الناسخ والمنسوخ للزهري:22- 26]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ مخاطبًا للأوصياء في أموال اليتامى {ومن كان غنيًّا فليستعفف ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6]
فمنع جماعةٌ من أهل العلم الوصيّ من أخذ شيءٍ من مال اليتيم
فحكى بشر بن الوليد عن أبي يوسف، قال: لا أدري لعلّ هذه الآية منسوخةٌ بقوله جلّ وعزّ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم}[النساء: 29]
وقال أبو يوسف: لا يحلّ له أن يأخذ من مال اليتيم شيئًا إذا كان مقيمًا معه في المصر فإن احتاج أن يسافر من أجله فله أن يأخذ ما يحتاج إليه ولا يقتني شيئًا وهو قول أبي حنيفة ومحمّدٍ
وحدّثنا أبو جعفرٍ قال حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، {ومن كان غنيًّا فليستعفف ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6]، قال نسخ: الظّلم والاعتداء ونسختها {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10]
" ثمّ افترق الّذين قالوا إنّ الآية محكمةٌ فرقًا فقال بعضهم إن احتاج الوصيّ فله أن يقترض من مال اليتيم فإذا أيسر قضاه وهذا قول عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه وعبيدة، وأبي العالية، وسعيد بن جبيرٍ واستشهد عبيدة وأبو العالية بأنّ بعده {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} [النساء: 6]
كما قرئ على الحسن بن غليب بن سعيدٍ، عن يوسف بن عديٍّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن يرفأ مولى عمر بن الخطّاب
قال: قال لي عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: «يا يرفأ إنّي أنزلت مال اللّه منّي بمنزلة مال اليتيم، إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت قضيته، وإنّي إن استغنيت استعففت، فإنّي قد ولّيت من أمر المسلمين أمرًا عظيمًا»
قال أبو جعفرٍ: وهذا قول جماعةٍ من التّابعين وغيرهم منهم عبيدة قال:
لا يحلّ للوصيّ أن يأخذ من مال اليتيم إلّا قرضًا واستشهد بأنّ بعد هذا {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} [النساء: 6] وكذا قال أبو العالية، ومجاهدٍ
الأزهر، قال: حدّثنا روح بن عبادة، قال: أخبرنا ابن عيينة، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «يستلف والي اليتيم من ماله فإذا أيسر ردّه»
قال روحٌ وحدّثنا شعبة، عن حمّادٍ، عن سعيدٍ، {ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] قال: «قرضًا»
وفقهاء الكوفيّين على هذا القول
وقال أبو قلابة: فليأكل بالمعروف ممّا يجني من الغلّة فأمّا المال النّاضّ فليس له أن يأخذ منه شيئًا قرضًا ولا غيره
وذهب جماعةٌ من العلماء إلى ظاهر الآية فقالوا: له أن يأخذ منه مقدار قوته منهم الحسن
كما قرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام عن أبي الأزهر، قال: حدّثنا روحٌ، عن أشعث، عن الحسن، قال: «إذا احتاج وليّ اليتيم أكل بالمعروف وليس عليه إذا أيسر قضاؤه والمعروف قوته»
قال أبو جعفرٍ: وهذا قول قتادة والنّخعيّ
كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله جلّ وعزّ: {ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] قال: «ما سدّ الجوعة ووارى العورة وليس يلبس الكتّان ولا الحلل»
واختلف عن ابن عبّاسٍ في تفسير الآية اختلافًا كثيرًا على أنّ الأسانيد عنه صحاحٌ مع اختلاف المتون فمن ذلك أنّه
قرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام عن أحمد بن الأزهر، قال: حدّثنا روحٌ، قال: حدّثنا شعبة، ومالك بن أنسٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن القاسم بن محمّدٍ، قال جاء أعرابيٌّ إلى ابن عبّاسٍ فقال: إنّ لي إبلًا أفقر ظهورها وأحمل عليها ولي يتيمٌ له إبلٌ فما يحلّ لي منها؟ قال: إذا كنت تهنأ جرباها وتلوط حوضها وتنشد ضالّتها وتسقي وردها فاحلبها غير ناهكٍ لها في الحلب ولا مضرٍّ بنسلها "
قال أبو جعفرٍ: وهذا إسنادٌ صحيحٌ غير أنّه لو كان هذا على هذا التّأويل وأنّ الوصيّ إنّما يأخذ مقدار عمله كان الغنيّ والفقير في ذلك واحدًا وقد فرّق اللّه جلّ وعزّ بينهما في الآية بعينها
وروى، عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، " {ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] قال إذا احتاج واضطرّ "
وقال الشّعبيّ كذلك إذا كان منه بمنزلة الدّم ولحم الخنزير أخذ فإذا وجد أوفى
وهذا لا معنى له لأنّه إذا اضطرّ هذا الاضطرار كان له أخذ ما يقيمه من مال يتيمه أو غيره من قريبٍ أو بعيدٍ
وعن ابن عبّاسٍ روايةٌ ثالثةٌ
كما قرئ على محمّد بن جعفر بن حفصٍ، عن يوسف بن موسى، قال: حدّثنا قبيصة، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه جلّ وعزّ {ومن كان غنيًّا فليستعفف} [النساء: 6] قال: " بغناه
ولا يأكل مال اليتيم {ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] قال يقوت على نفسه حتّى لا يحتاج إلى مال اليتيم "
قال أبو جعفرٍ: وهذا من أحسن ما روي في تفسير الآية لأنّ أموال النّاس محظورةٌ لا يطلق منها شيءٌ إلّا بحجّةٍ قاطعةٍ وقد تنازع العلماء معنى الآية واحتملت غير تأويلٍ فعدلنا إلى هذا لما قلنا
وهو قولٌ محكيٌّ معناه عن الشّافعيّ وقد ذكرنا قول أهل الكوفة وأنّهم يجعلونه على القرض فأمّا مذهب أهل المدينة أو بعضهم فما ذكرناه من قول الحسن واحتجّ لهم محتجٌّ بما روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن الحسن العرنيّ، قال قال رجلٌ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " إنّ في حجري يتيمًا أفأضربه؟ قال: " ممّا تضرب منه ولدك قال: أفأصيب من ماله قال: غير متأثّلٍ مالًا ولا واقٍ مالك بماله "
وقرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام النّيسابوريّ، عن أبي الأزهر، قال: حدّثنا روحٌ، قال: حدّثنا حسينٌ المعلّم، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: " إنّي لا أجد شيئًا أوليس لي شيءٌ وليتيمي مالٌ، قال: كل منه غير مسرفٍ ولا متأثّلٍ مالًا " قال: وأحسبه قال: ولا تفد مالك بماله
قال أبو جعفرٍ: والّذين ذهبوا إلى هذا من أهل المدينة إنّما يجيزون أخذ القوت وما لا يضرّ باليتيم والّذي روي في ذلك عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو من أحاديث المشايخ وليس هو ممّا يقطع به في مثل هذا
واختلف العلماء أيضًا في الآية الثّالثة من هذه السّورة فقال بعضهم: هي منسوخةٌ وقال بعضهم هي محكمةٌ)[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/138-231]

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف}:
أباحت هذه الآية في ظاهر نصّها للوصيّ إذا كان فقيرًا أن يأكل من مال يتيمه بالمعروف، وهي عند ابن عباس منسوخةٌ، بقوله تعالى: {إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} [النساء: 10] الآية. وقاله زيد بن أسلم.
وقيل نسخت بقوله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة: 188].
وقال أهل العراق: لا يأكل الوصيّ من مال يتيمه شيئًا إلا أن يسافر من أجله، فله أن يتقوّت من ماله ولا يقتني.
وقال جماعةٌ من العلماء: الآية محكمةٌ غير منسوخةٍ، ومعنى "بالمعروف": قرضًا يؤدّيه إذا أيسر.
وقوله: {فأشهدوا عليهم}: قيل معناه فيها: فيما استقرضتم من أموالهم - وهذا القول مرويٌ عن عمر وابن عباس والشّعبي وابن جبير، وهو قولٌ مختارٌ حسن -.
وقال أبو العالية: الآية محكمةٌ، ومعنى: "بالمعروف": من الغلّة ولا يأكل من القاصر قرضًا ولا غير قرض.
وقال الحسن وقتادة والنّخعي: هي محكمةٌ غير منسوخةٍ، ومعنى "بالمعروف": سدّ جوعته إذا احتاج وليس عليه ردٌّ - وقاله عطاء وابن مسعودٍ وابن زيد -.
وعن ابن عباسٍ في معنى الآية قال: معنى "بالمعروف": أنه يقوت نفسه إذا احتاج، ولا يأكل من مال يتيمه. فهي عنده منسوخةٌ على قوله الأول.
وقيل: معنى أكل الوصيّ من مال اليتيم: إنما هو من التّمر واللّبن، أبيح له أكل ذلك لقيامه عليه. فكان ذلك أجره له.
وروى نافع بن أبي نعيم عن يحيى بن سعيد وربيعة أن ذلك في اليتيم ينفق عليه على قدر يسره وعسره. وليس للوصيّ في هذا شيءٌ.
فمعناه: من كان من اليتامى فقيرًا فليأكل بالمعروف على قدر
ماله ولا يسرف فينفد ماله ويبقى فقيرًا.)
[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 207-253]

قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (
ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: {ومن كان غنيّاً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف}.
اتّفق العلماء على أنّ الوصيّ الغنيّ لا يحلّ له أن يأكل من مال اليتيم شيئًا، وقالوا: معنى قوله: {فليستعفف} أي: بمال نفسه عن مال اليتيم، فإن كان فقيرًا فلهم في المراد بأكله بالمعروف أربعة أقوال:
أحدها: أنّه الاستقراض منه، روى حارثة بن (مضرّبٍ) قال: سمعت عمر يقول: إنّي أنزلت مال اللّه منّي بمنزلة اليتيم، إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف ثم قضيت.
أخبرنا عبد الوهّاب الحافظ قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهرٍ الباقلاويّ، قالا: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ قال: أبنا محمّد بن (سعدٍ) قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {فليأكل بالمعروف} قال: يستقرض منه فإذا وجد ميسرةً فليقض ما يستقرض (فذلك) أكله بالمعروف.
أخبرنا عبد الوهّاب، قال: أبنا أبو طاهرٍ، قال: أبنا ابن شاذان قال: أبنا عبد الرّحمن بن الحسن، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين، قال: أبنا آدم قال: أبنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قال: يأكل بالمعروف: يعني: سلفًا من مال يتيمه.
وهذا القول مذهب عبيدة السّلمانيّ، وأبي وائلٍ وسعيد بن جبيرٍ وأبي العالية ومقاتلٍ. وقد حكى الطّحاويّ عن أبي حنيفة مثله وروى يعقوب بن حيّان عن أحمد بن حنبل مثله.
القول الثّاني: أنّ الأكل بالمعروف أن يأكل من غير إسرافٍ.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا ابن غيلان، قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال: بنا إسحاق بن الحسن، قال: أبنا موسى بن مسعود، قال: بنا الثوري؛ قال: بنا سفيان عن مغيرة عن إبراهيم {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} قال: ما سد الجوع (ويواري) العورة.
وقد روى عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّه قال: "الوصيّ إذا احتاج وضع يده مع أيديهم، ولا يلبس عمامةً".
وقال الحسن: وعطاءٌ ومكحولٌ: "يأخذ ما يسدّ الجوع ويواري العورة ولا يقضي إذا وجد".
قال عكرمة والسّدّيّ: "يأكل بأطراف أصابعه ولا يسرف
في الأكل ولا يكتسي منه"، وهذا مذهب قتادة.
والقول الثّالث: أنّه يقول: مال اليتيم بمنزلة الميتة يتناول منه عند الضّرورة فإذا أيسر قضاه وإن لم يوسر فهو في حلٍّ. قاله الشّعبيّ.
وأخبرنا عبد الوهّاب، قال: أبنا أبو طاهرٍ الباقلاويّ وقال: أبنا عبد الرّحمن بن الحسن، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا ورقاء، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: "يأكل والي اليتيم من مال اليتيم قوته ويلبس منه ما يستره ويشرب فضل اللّبن ويركب فضل الظّهر، فإن أيسر قضاه وإن أعسر كان في حلٍّ".
فهذه الأقوال الثّلاثة تدلّ على جواز الأخذ عند الحاجة وإن اختلف أربابها في القضاء.
القول الرّابع: أنّ الأكل بالمعروف أن يأخذ الوليّ بقدر أجرته إذا عمل لليتيم عملا، وروى القاسم بن محمّدٍ: أنّ رجلا أتى ابن عبّاسٍ فقال: ليتيمٍ لي إبلٌ فما لي من إبله؟ قال: "إن كنت تلوظ حياضها (وتهنأ جرباها)
وتبغي ضالّتها وتسعى عليها فاشرب غير ناهكٍ بحلب ولا ضار بنسل".
أخبرنا عبد الوهّاب قال: أبنا أبو طاهرٍ، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا عبد الرّحمن بن الحسن قال: أبنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا ورقاء عن ابن نجيحٍ عن عطاء بن أبي رباحٍ قال: "يضع يده مع أيديهم ويأكل معهم بقدر خدمته وقدر عمل"، وقد روى أبو طالبٍ وابن منصورٍ عن أحمد بن حنبلٍ مثل هذا.
فصلٌ: وعلى هذه الأقوال الآية محكمةٌ.
وقد ذهب قومٌ إلى نسخها: فقالوا: كان هذا في أوّل الأمر ثمّ نسخت بقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وقد حكي هذا المعنى عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذيّ، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي، قال: بنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {ومن كان غنيّاً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} قال: نسخ من ذلك الظّلم والاعتداء فنسخها: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً}.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: بنا أبو إسحاق البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي عن الحسين (بن الحسن بن عطيّة عن أبيه عن عطيّة) عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما في قوله: {من كان غنيّاً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} نسختها الآية الّتي تليها {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} الآية.
قال أبو بكر بن أبي داود: وبنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا عبد الله ابن عثمان، قال: بنا عيسى بن عبيدٍ الكنديّ، قال: بنا عبيد الله مولى عمر ابن مسلمٍ أنّ الضّحّاك بن مزاحمٍ أخبره، قال: {من كان غنيّاً فليستعفف} الآية نسخت فقال: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} الآية.
قلت: وهذا مقتضى قول أبي حنيفة، أعني النّسخ، لأنّ المشهور عنه أنّه لا يجوز للوصيّ الأخذ من مال اليتيم (عند) الحاجة على وجه القرض، وإن أخذ ضمن.
وقال قومٌ: لو أدركته ضرورةٌ جاز له أكل الميتة ولا يأخذ من مال اليتيم شيئاً.)
[نواسخ القرآن: 247-296]

قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): ( سورة النساء)ألأولى: {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} روى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال نسخها {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} وهذا يقتضي قول ابي حنيفة لأنّ المشهور عنه أنّه لا يجوز للوصيّ الأخذ من مال اليتيم بحال.)[المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 23-26]

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة النساء) قوله عز وجل: {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} الآية [النساء: 6]، قالوا: هي منسوخة بقوله عز وجل {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} الآية [النساء: 10]، وقيل: نسخت بقوله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} الآية [البقرة: 188] والجمهور على أنها محكمة واختلفوا في معناها: فقال سعيد بن المسيب وربيعة: المعنى: ومن كان فقيرا من اليتامى فليأكل بالمعروف لئلا يذهب ماله ويبقى فقيرا.
وقال الحسن وقتادة والنخعي وعطاء وابن زيد: معنى {بالمعروف} أي: للوصي سد جوعته إذا احتاج وليس عليه رد ذلك، وقيل: أبيح أكل التمر واللبن لقيامه عليه، فكأنه أجره.
وقال أبو العالية: معنى بالمعروف: أي من الغلة ولا يأكل من القاصر قرضا ولا غير قرض.
وقيل: معنى قوله {بالمعروف} القرض إذا احتاج والرد إذا أيسر، ويدل على ذلك قوله عز وجل: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم} الآية [النساء: 6] أي: ما اقترضتموه {فأشهدوا عليهم} الآية [النساء: 6] قال ذلك عمر رضي الله عنه وابن عباس والشعبي وابن جبير، فالآية على جميع هذه الأقوال محكمة، وإنما سقت هذه الأقوال لتعلم أن القول بالنسخ ظن لا يقين.)

[جمال القراء:1/276-294]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس