عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 22 ربيع الثاني 1435هـ/22-02-2014م, 12:22 AM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي


أنواع الشرور

قول الله تعالى: {من شر ما خلق}
أي: من شر جميع المخلوقات ؛ وهذا يعمُّ الشرور كلها؛ فهي استعاذة عامة من كل شر.
والشرور على نوعين:
- شرور حجب وإمساك.
- وشرور هجوم واعتداء.
فأما شرور الإمساك فهي ما يُحجب بسببه عن العبد ما يحتاج إليه ؛ فيقف هذا الشر حائلا بين العبد وبين ما ينفعه.
وهذا يكون في الأمور الحسية والأمور المعنوية.
وأما شرور الاعتداء فهي الشرور التي تهجم على العبد فتؤذيه وتضرُّه وربما تمرضه وتقتله.
فقد يكون في بعض المخلوقات ما يغلب عليه النوع الأول من الشرور، ومنها ما يغلب عليه النوع الثاني، ومنها ما يجمع النوعين والعياذ بالله من كل شر.

حاجة الروح والجسد إلى الغذاء والحماية
والجسد والروح كلاهما بحاجة إلى غذاء يقوي، ووقاية تحمي؛ فغذاء الروح ما تستمد به قوتها من العلم النافع والسلوك الحسن وأصل ذلك الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح.
وتحتاج إلى وقاية تحميها مما يضرها من كيد أعدائها من شياطين الإنس والجن، ومن علل النفس وأدوائها؛ فإذا حصلت لها هذه الحماية والوقاية وحصل لها الغذاء الذي يقوّيها زكت النفس وقويت واستنارت بنور الله فأبصرت الحقائق وأدركت المعالي وتخلصت من الرذائل وتطهرت من الأدناس.
وكذلك الجسد يحتاج إلى غذاء نافع ينميه ووقاية تحميه من الآفات، بل كل عضو من أعضاء الجسد يحتاج إلى مادة تغذيه ووقاية تحميه، وأيما عضو من الأعضاء ضعفت وقايته كان عرضة للآفات، وأيما عضو أحاط به من الشر ما يعوّق وصول إمداده إليه ضعف وأنهك وربما تلف.
والعبد يخشى من نوعي الشر على جسده وروحه ؛ الشر الذي يحجب عنه ما ينفعه، والشر الذي يهجم عليه بما يضره.
فما يحجب عن النفس ما ينفعها هو الشرور المعنوية من الجهل والضلال وعقوبات الذنوب التي ترين على القلب فتحجب عنه معرفة الهدى بعد ما كانت تبصره؛ فيدخل العبد في أنواع من الظلمات ويخرج من أنواع من النور كلما أوغل في الغي والضلال والإعراض عن هدى الله.
فتكون حاجة العبد ماسة إلى أن يُفلق عنه هذا الحجاب الذي يحول بينه وبين ما ينفعه من العلم والهدى؛ ليخرج من الظلمات إلى النور.
وكذلك الجسد إذا أصيب عضو من أعضائه بآفة تمنع عنه ما يمدُّه من الغذاء وأسباب القوة ضعف ذلك العضو واشتكى ؛ فإذا كثرت الإصابة في أعضائه أنهك ذلك الجسد وضعف ؛ فلا يفلق عنه هذا الحجاب إلا رب الفلق جل جلاله.
فإن كل عضو من أعضاء الجسد إذا وصل إليه ما يحتاجه من الغذاء ووُقي من نوعي الشر السابقين كان صحيحاً سليماً معافى بإذن الله.

والضرر الذي يخشاه الناس راجع إلى هذين النوعين : شر يحجب عنهم ما ينفعهم، وشر يهجم عليهم بما يضرهم، ومن وقي هذين الشرين فقد وقي.
وهذا أمر عام ينطبق على الفرد وعلى الجماعة أيضاً، ويبيّن هذا المعنى ويزيده وضوحاً قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)). رواه الشيخان من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وهذا لفظ البخاري.
فالخذلان يُحجب به سبب النصر، والمخالفة آفة تهجم عليهم، والمخالفات على درجات وتكون من أنواع من الأعداء كل يخالف على درجته .
ومن أصحاب الشرور من يجمع الآفتين: الخذلان والمخالفة ، كأهل الحسد والبغي الذين يظن فيهم النصر والتأييد فإذا هم أهل خذلان ومخالفة.
فضمن الله تعالى لمن يقوم بأمره أن لا يضره من يخذله ولا من يخالفه مهما كانت درجة الخذلان ومهما كانت درجة المخالفة.
وَفِقْهُ هذه المسألة يفيد كل مؤمن قائم بأمر الله ، وكل جماعة قائمة بأمر الله كأصحاب الأعمال الدعوية وغيرهم؛ فكل مؤمن قائم بأمر الله فإنه يبتلى بالخذلان ويبتلى بالمخالفة فإذا قام بأمر الله كما يحب الله لم يضره من خذله ولا من خالفه؛ فإن الله تعالى ينصره ويهديه ويفلق له سبباً ينصره به.
كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً}.
والمؤمنون هم أتباع الأنبياء ينالهم من جنس ما ينال الأنبياء من الابتلاء، وقد جعلهم الله أسوة لنا وأمرنا أن نقتدي بهم.

شرط ضمان الهداية والنصر
وقد تكفل الله لأوليائه بالهداية والنصر، فبالهداية يسيرون في الطريق الصحيح، وبالنصر يتغلبون على أعدائهم ممن خذلهم وخالفهم.
وتقديم الهداية على النصر في الآية من باب تقديم العلم على العمل، لأن الهدايةَ من ثمرات العلم ، والنصرَ من ثواب العمل.
والنصر له معانٍ وأسباب ؛ ونصر الله لعباده المؤمنين حق وعد الله به كما قال تعالى : {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} .
فهو وعد صادق لا يتخلف لكن قد يعجّل الله به ، وقد يؤخره لحكمة.

وشرط هذا الضمان بالهداية والنصر هو القيام بأمر الله ؛ فإذا قام العبد بأمر الله على ما يستطيع {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}، فإن الله يضمن له الهداية والنصر.

وأنت إذا تأملت هذا المعنى حق التأمل؛ تبيَّن لك أن الإنسان إذا لم يقم بأمر الله فإنه هالك لا محالة، ولذلك قال سفيان بن عيينة كما في صحيح البخاري: (ما في القرآن آية أشد علي من {لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}).
فإذا كان العبد لا يقيم ما أنزل الله عليه فإنه ليس على شيء؛ فلا ضمان له من الله، ولا عهد، ولا أمان له، ولا سبب له إلى النجاة ، بل هو هالك لا محالة إلا أن يتوب إلى الله ويقوم بأمر الله.
وعلى قدر ما يقوم به العبد من أمر دينه يكون نصيبه من النصر ومن الهداية.
فمن الناس من يكون محسناً في القيام بأمر الله فهذا نصيبه من الهداية والنصر أحسن النصيب {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} .
ومن كان في قيامه بأمر الله بعض الإساءة والتردد وضعف العزيمة تخلف عنه من الهداية والنصر بقدر ما فرط وضيَّع وأساء.
أما من ضيَّع أمر الله جملةً كالكفار والمنافقين فهؤلاء ليسوا على شيء كما قال الله تعالى لكفرة أهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)) . رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.
ورأس الأمر هو أصله ، كما يقال: رأس المال، فمن ذهب رأس ماله بقي مفلساً لا مال له، وكذلك من ذهب إسلامه فهو على غير شيء؛ لأن رأس أمره قد ذهب.
أما من صح إسلامه فمعه العهد العظيم الذي بينه وبين ربه بأن يدخله الجنة وينجيه من النار فهو على شيء عظيم بهذا العهد.
فالمسلم وإن عذب ببعض ذنوبه في الدنيا أو في قبره أو يوم القيامة فمآله إلى الجنة بإذن الله تعالى.
ولكنَّ عذاب الله شديد ، ومن يطيق عذاب القبر وعذاب النار ولو لحظات؟! .

وأنتم ترون أن العبد إذا عذب على بعض ذنوبه في الدنيا اشتدَّ ذلك عليه جداً وعرف أنه لا طاقة له به؛ فكيف بعذاب القبر وعذاب النار؟!
نسأل الله العافية.

والخلاصة التي نستفيدها من هذا التصوير المقتضب لما يحتاجه الجسد والروح ولما تحتاجه الأمة وما يحتاجه كل مؤمن، وشرط ضمان النصر والهداية وهو القيام بأمر الله، وبيان نوعي الشرور أنَّ كل ذلك مهم في فهم دلائل آيات هذه السورة العظيمة.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلّم أصحابه إدارك المعاني وعقلها، وربما قرن في أذهانهم بعض الأمور المعنوية ببعض الصور الحسية ليؤثر ذلك في نفوسهم قوة استحضار المعنى وجلاءه ووضوحه؛ كما في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل: اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، والسداد سداد السهم)) ).

أثر قوّة استحضار المعاني في الرقية
واستحضار هذه المعاني التي تضمنتها سورة الفلق مهم في الرقية بها وقوة التأثير بها؛ فإن الرقية كلام مؤثر، وتأثيره معنوي يخلص إلى الأمور الحسية بإذن الله بحسب ما يقدره الله من قوة هذا التأثير.
وليس تأثير الرقية بكثرتها وطولها، وإنما بقوتها وقوة عقل المعاني واستحضارها وإرادة التأثير، ولا يتنفع مع هذا إلا إذا أذن الله بنفعها.

وأنا لا أعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين رقية مطولة كما يفعله بعض الناس اليوم.

رد مع اقتباس