عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل الآية، استئناف خبر بفعل أوائلهم وما نقضوا من العهود واجترحوا من الجرائم، أي إن العصا من العصية، وهؤلاء يا محمد من أولئك فليس قبيح فعلهم ببدع، وكلّما ظرف والعالم فيه كذبوا ويقتلون. وقوله تعالى: بما لا تهوى أنفسهم يقتضي أن هواهم كان غير الحق وهو ظاهر هوى النفس متى أطلق، فمتى قيد بالخير ساغ ذلك، ومنه قول عمر رضي الله عنه في قصة أسارى بدر: فهوى رسول الله ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت أنا، وقوله تعالى: فريقاً كذّبوا معناه كذبوه فقط، يريد الفريق من الرسل ولم يقتلوه، وفريقا من الرسل كذبوه وقتلوه، فاكتفى بذكر القتل إذ هو يستغرق التكذيب). [المحرر الوجيز: 3/220-221]

تفسير قوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ منهم واللّه بصيرٌ بما يعملون (71) لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربّي وربّكم إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصارٍ (72)
المعنى في هذه الآية وظن هؤلاء الكفرة والعصاة من بني إسرائيل أن لا يكون من الله ابتلاء لهم وأخذ في الدنيا وتمحيص فلجوا في شهواتهم وعموا فيها إذ لم يبصروا الحق شبهوا بالصم، ونحو هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «حبك الشيء يعمي ويصم» وقوله تعالى: ثمّ تاب اللّه عليهم قالت جماعة من المفسرين: هذه التوبة هي ردهم إلى بيت المقدس بعد الإخراج الأول ورد ملكهم وحالهم، ثم عموا وصموا بعد ذلك حتى أخرجوا الخرجة الثانية ولم ينجبروا أبدا وقالت جماعة ثم تاب الله عليهم ببعث عيسى عليه السلام إليهم، وقالت جماعة: توبته تعالى عليهم بعث محمد عليه السلام وخص بهذا المعنى كثيرا منهم لأن منهم قليلا آمن، ثم توعدهم بقوله تعالى: واللّه بصيرٌ بما يعملون وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «ألا تكون» بنصب النون، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «أن لا تكون» برفع النون، ولم يختلفوا في رفع فتنةٌ لأن «كان» هنا هي التامة، فوجه قراءة النصب أن تكون «أن» هي الخفيفة الناصبة، ووجه قراءة الرفع أن تكون المخففة من الثقيلة، وحسن دخولها لأن «لا» قد وطأت أن يليها الفعل وقامت مقام الضمير المحذوف عوضا منه، ولا بد في مثل هذا من عوض، مثل قولك علمت أن قد يقوم زيد، وقوله عز وجل علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل: 20] وقولك علمت أن سوف يقوم زيد وأن لا تكون فتنة، وقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى [النجم: 39] حسن فيه أن لا يكون عوض لأن ليس بفعل حقيقي والأفعال ثلاثة ضروب ضرب يجري مجرى تيقنت نحو علمت ودريت فهذا الضرب تليه «أن» الثقيلة التي تناسبه في الثبوت وحصول الوقوع، وضرب في الضد من ذلك نحو طمعت ورجوت وخفت هو مصرح بأن لم يقع، فهذا الضرب تليه «أن» الخفيفة إذ هي تناسبه، كقوله تعالى، والّذي أطمع أن يغفر لي [الشعراء: 82] وتخافون أن يتخطّفكم النّاس [الأنفال: 26] فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه [البقرة: 229] وفخشينا أن يرهقهما طغياناً [الكهف: 80] أشفقتم أن تقدّموا [المجادلة: 13] ونحو هذا، وضرب ثالث ينجذب إلى الأول مرة وإلى الثاني أحيانا نحو ظننت وحسبت وزعمت فيجري مجرى أرجو وأطمع، من حيث الظن والزعم والمحسبة أمور غير ثابتة ولا مستقرة، وقد تنزل منزلة العلم من حيث تستعمل استعماله، كقوله تعالى: الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم [البقرة: 46] وقوله إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه [الحاقة: 20] وقرأ جمهور الناس «عموا وصموا» بفتح العين والصاد، وقرأ ابن وثاب والنخعي «عموا وصموا» بضم العين والميم مخففة وبضم الصاد وهذا هو على أن تجرى مجرى زكم الرجل وأزكمه الله وحم الرجل وأحمه الله، ولا يقال زكمه الله ولا حمه الله، فكذلك يجيء هذا عمى الرجل وأعماه غيره، وصم وأصمه غيره، ولا يقال عميته ولا صممته، وقوله تعالى: ثمّ تاب اللّه عليهم أي رجع بهم إلى الطاعة والحق، ومن فصاحة اللفظ استناد هذا الفعل الشريف إلى الله تعالى، واستناد العمى والصمم اللذين هما عبارة عن الضلال إليهم، وقوله تعالى كثيرٌ يرتفع من إحدى ثلاث جهات، إما على البدل من الواو في قوله: عموا وصمّوا وإما على جمع الفعل وإن تقدم على لغة من قال: أكلوني البراغيث، وإما على أن يكون كثيرٌ خبر ابتداء مضمر). [المحرر الوجيز: 3/221-223]

رد مع اقتباس