عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال الحسن في قول الله: {وأوحى ربك إلى النحل}، وقوله: {وإذ أوحيت إلى الحواريين}، {وأوحينا إلى أم موسى}، إلهامٌ ألهمهم). [الجامع في علوم القرآن: 2/53-54] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر عن الكلبي في قوله تعالى وإذ أوحيت إلى الحواريين قال قذف في قلوبكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/200]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة الحواري الوزير). [تفسير عبد الرزاق: 1/200]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون}
- أخبرنا عمران بن يزيد، حدّثنا مروان، حدّثنا عثمان بن حكيمٍ، حدّثني سعيد بن يسارٍ: أنّ ابن عبّاسٍ، أخبره، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما الآية إلى قوله: {آمنّا بالله وما أنزل إلينا} [البقرة: 136] إلى آخر الآية، وفي الأخرى {آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون} [المائدة: 111]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/89]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (الحواريّون
أخبرنا القاسم بن زكريّا، حدّثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، وسفيان، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأتينا بخبر القوم؟» فقال الزّبير: أنا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لكلّ نبيٍّ حواريًّا، وحواريّ الزّبير»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/89]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون}.
يقول تعالى ذكره: واذكر أيضًا يا عيسى إذ ألقيت إلى الحواريّين، وهم وزراء عيسى على دينه.
وقد بيّنّا معنى ذلك، ولم قيل لهم الحواريّون فيما مضى بما أغنى عن إعادته..
وقد اختلفت ألفاظ أهل التّأويل في تأويل قوله: {وإذ أوحيت} وإن كانت متّفقة المعاني، فقال بعضهم.
- بما حدّثني به، محمّد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين} يقول: قذفت في قلوبهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: ألهمتهم.
فتأويل الكلام إذن: وإذ ألقيت إلى الحواريّين أن صدّقوا بي وبرسولي عيسى، فقالوا: آمنّا: أي صدّقنا بما أمرتنا أن نؤمن يا ربّنا. {واشهد} علينا {بأنّنا مسلمون}، يقول: واشهد علينا بأنّنا خاضعون لك بالذّلّة سامعون، مطيعون لأمرك). [جامع البيان: 9/116-117]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون (111)
قوله تعالى: وإذ أوحيت
- أخبرنا أحمد بن عثمان ابن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، أنبأ أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وإذ أوحيت إلى الحواريّين يقول: قذفت في قلوبهم
- وروي عن الحسن أنّه قال: ألهمتهم.
قوله تعالى: إلى الحواريّين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن سفيان عن أبي عثمان النّهديّ عن المنهال بن عمرٍو عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: إنّما سمّي الحواريّين، قال كانوا صيّادين أبياض ثيابهم- وروي عن مسلمٍ البطين نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك قوله تعالى: الحواريّون قال: أصفياء الأنبياء.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا الوليد بن القاسم عن جويبرٍ عن الضّحّاك في قوله الحواريّون قال: مرّ عيسى عليه الصّلاة والسّلام بقومٍ ضاليين فدعاهم فأجابوه قال: فلذلك سمّاهم الحواريّين قال: وبالنّبطيّة هواري- وبالعربيّة المجوّر.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن الطّبّاع، ثنا إسماعيل بن عليّة عن روح بن القسم عن قتادة أنّه قال: الحواريّون هم الزمق تصلح لهم الخلافة.
الوجه الخامس:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق قال: معمرٌ قال قتادة الحواريّ: الوزير.
الوجه السّادس:
- ذكر عن سفيان بن عيينة عن مسعرٍ عن يزيد بن أبي سلمٍ قال: كانوا أبناء ملوكٍ. يعني: الحواريّين.
الوجه السّابع:
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا سفيان قال: الحواريّ: النّاصر.
قوله تعالى: قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق واشهد بأنّنا مسلمون لا ما يقول هؤلاء الّذين يحاجّونك فيه). [تفسير القرآن العظيم: 4/1242-1243]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون}.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {وإذ أوحيت إلى الحواريين} يقول: قذفت في قلوبهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وإذ أوحيت إلى الحواريين} قال: وحي قذف في قلوبهم ليس بوحي نبوة والوحي وحيان: وحي تجيء به الملائكة ووحي يقذف في قلب العبد). [الدر المنثور: 5/592]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال اتّقوا الله إن كنتم مؤمنين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا (أبو) محمّدٍ مولى قريشٍ، عن عبّاد بن الرّبيع، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، أنه كان يقرأ: (تستطيع).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا حصينٌ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثل ذلك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن حصين، عن ابن أبي إسماعيل، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرأ: (هل تستطيع ربّك).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا عوفٌ، عن الحسن، أنّه كان يقرأ: {هل يستطيع}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم، قال: كان أصحابنا يقرؤون كذلك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ: (هل تستطيع ربّك).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن عطاء بن السّائب، عن أبي عبد الرّحمن، أنّه كان يقرأ: (هل تستطيع) ). [سنن سعيد بن منصور: 4/1677-1681]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (المائدة: أصلها مفعولةٌ، كعيشةٍ راضيةٍ، وتطليقةٍ بائنةٍ، والمعنى: ميد بها صاحبها من خيرٍ، يقال: مادني يميدني "). [صحيح البخاري: 6/54-55] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (والمائدة فاعلةٌ بمعنى مفعولةٍ أي ميد بها صاحبها وقيل على بابها وسيأتي ذكر ذلك مبيّنًا بعد). [فتح الباري: 8/268]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله المائدة أصلها مفعولةٌ كعيشةٍ راضيةٍ وتطليقةٍ بائنةٍ والمعنى ميد بها صاحبها من خيرٍ يقال ما دنى يميدني قال ابن التّين هو قول أبي عبيدة وقال غيره هي من ماد يميد إذا تحرّك وقيل من ماد يميد إذا أطعم قال بن التّين). [فتح الباري: 8/283]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (باب تفسير سورة المائدة)
أي: هذا بيان تفسير بعض شيء من سورة المائدة، وهي على وزن فاعلة. بمعنى: مفعولة. أي: ميد بها صاحبها، وقال الجوهري: ما دهم يميدهم، لغة في مارهم من الميرة، ومنه المائدة، وهي خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة، وإنّما هو خوان، وقال أبو عبيدة مائدة. فاعلة بمعنى مفعولة، مثل: {عيشة راضية} (الحاقة: 21) بمعنى: مرضية). [عمدة القاري: 18/195]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (المائدة أصلها مفعولةٌ كعيشةٍ راضيةٍ وتطليقةٍ بائنةٍ والمعنى ميد بها صاحبها من خيرٍ يقال مادني يميدني.
أشار به إلى بيان لفظ مائدة في قوله تعالى: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السّماء} (المائدة: 112) فقوله: (المائدة أصلها مفعولة) ليس على طريق أهل الفنّ في هذا الباب لأن أصل كل كلمة حروفها وليس المراد هنا بيان الحروف الأصول، وإنّما المراد أن لفظ المائدة، وإن كان على لفظ فاعلة، فهو بمعنى مفعولة يعني: مميودة، لأن ماد أصله ميد. قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والمفعول منها للمؤنث. مميودة، ولكن تنقل حركة الياء إلى ما قبلها فتحذف الواو فتبقى مميدة، فيفعل في إعلال هذا كما يفعل في إعلال مبيعة، لأن أصلها مبيوعة فأعل بما ذكرنا ولا يستعمل إلاّ هكذا على أن في بعض اللّغات استعمل على الأصل حيث قالوا: تفاحة مطيوبة على الأصل ثمّ إن تمثيل البخاريّ بقوله: كعيشة راضية صحيح لأن لفظ راضية. وإن كان وزنها فاعلة، في الظّاهر ولكنها بمعنى المرضية، لامتناع وصف العيشة بكونها راضية، وإنّما الرّضا وصف صاحبها، وتمثيله بقوله وتطليقة بائنة غير صحيح لأن لفظ بائنة هنا على أصله بمعنى قاطعة لأن التطليقة البائنة تقطع حكم العقد حيث لا يبقى للمطلق بالطّلاق البائن رجوع إلى المرأة إلاّ بعقد جديد برضاها، بخلاف حكم الطّلاق الغير البائن كما علم في موضعه. قوله: (والمعنى)، إلى آخره، إشارة إلى بيان معنى المائدة من حيث اللّغة، وإلى بيان اشتقاقها، أما معناها، فميد بها صاحبها يعني: امتير بها، لأن معنى ماده يميده لغة في ماره يميره من الميرة، وأما اشتقاقها فمن ماد يميد من باب: فعل يفعل، بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل، وهو اجوف يائي، كباع يبيع، وقال الجوهري: الممتار مفعتل من الميرة، ومنه المائدة، وهو خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة وإنّما هو خوان). [عمدة القاري: 18/214]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (المائدة) في قوله: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} [المائدة: 112] (أصلها مفعولة)، مراده أن لفظ المائدة وإن كان على لفظ فاعلة فهو بمعنى مفعولة يعني ميمودة لأن ماد أصله ميد قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها والمفعول منها للمؤنث مميودة (كعيشة راضية) وإن كانت على وزن فاعلة فهي بمعنى مرضية لامتناع وصف المعيشة بكونها راضية وإنما الرضا وصف صاحبها (وتطليقة بائنة) التمثيل بهذه غير واضح لأن لفظ بائنة هنا على أصله بمعنى قاطعة لأن التطليقة البائنة تقطع حكم العقد (والمعنى) من حيث اللغة (ميد بها صاحبها من خير)، يعني امتير بها لأن ماده يميده لغة في ماره يميره من الميرة ومن حيث الاشتقاق (يقال مادني يميدني). من باب فعل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل وقال أبو حاتم المائدة الطعام نفسه والناس يظنونها الخوان. اهـ.
لكن قال في الصحاح: المائدة خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة وإنما هو خوان). [إرشاد الساري: 7/112]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: واذكر يا عيسى أيضًا نعمتي عليك، إذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي، إذ قالوا لعيسى ابن مريم: هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء فـ {إذ} الثّانية من صلة {أوحيت}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {يستطيع ربّك}، فقرأ ذلك جماعةٌ من الصّحابة والتّابعين: (هل تستطيع) بالتّاء، (ربّك) بالنّصب، بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربّك، وهل تستطيع أن تدعو ربّك، أو هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا: لم يكن الحواريّون شاكّين أنّ اللّه تعالى ذكره قادرٌ أن ينزّل عليهم ذلك، وإنّما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك؟.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قالت عائشة: كان الحواريّون لا يشكّون أنّ اللّه قادرٌ أن ينزّل عليهم مائدةً، ولكن قالوا: يا عيسى، هل تستطيع ربّك؟.
- حدّثني أحمد بن يوسف الثّعلبيّ، قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، عن جابر بن يزيد بن رفاعة، عن حيّان بن مخارقٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قرأها كذلك: (هل تستطيع ربّك)، وقال: تستطيع أن تسأل ربّك؟ وقال: ألا ترى أنّهم مؤمنون؟.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والعراق: {هل يستطيع} بالياء {ربّك}، بمعنى أن ينزّل علينا ربّك، كما يقول الرّجل لصاحبه: أتستطيع أن تنهض معنا في كذا؟ وهو يعلم أنّه يستطيع، ولكنّه إنّما يريد: أتنهض معنا فيه؟ وقد يجوز أن يكون مراد قارئه كذلك: هل يستجيب لك ربّك ويطيعك أن تنزّل علينا؟.
وأولى القراءتين عندي بالصّواب قراءة من قرأ ذلك: {هل يستطيع} بالياء {ربّك} برفع الرّبّ، بمعنى: هل يستجيب لك إن سألته ذلك ويطيعك فيه؟
وإنّما قلنا ذلك أولى القراءتين بالصّواب لما بيّنّا قبل من أنّ قوله: {إذ قال الحواريّون} من صلة {إذ أوحيت}، وأنّ معنى الكلام: وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي {إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك}، فبيّنٌ إذ كان ذلك كذلك، أنّ اللّه تعالى ذكره قد كره منهم ما قالوا من ذلك واستعظمه، وأمرهم بالتّوبة ومراجعة الإيمان من قيلهم ذلك، والإقرار للّه بالقدرة على كلّ شيءٍ، وتصديق رسوله فيما أخبرهم عن ربّهم من الأخبار. وقد قال عيسى لهم عند قيلهم ذلك له استعظامًا منه لما قالوا: {اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين}، ففي استتابة اللّه إيّاهم، ودعائه لهم إلى الإيمان به وبرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم عند قيلهم ما قالوا من ذلك، واستعظام نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلمتهم، الدّلالة الكافية من غيرها على صحّة القراءة في ذلك بالياء ورفع الرّبّ، إذ كان لا معنى في قولهم لعيسى لو كانوا قالوا له: هل تستطيع أن تسأل ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء؟ أن تستكبر هذا الاستكبار.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ قولهم ذلك له إنّما هو استعظامٌ منهم، لأنّ ذلك منهم كان مسألة آيةٍ، فإنّ الآية إنّما يسألها الأنبياء من كان بها مكذّبًا، ليتقرّر عنده حقيقة ثبوتها وصحّة أمرها، كما كانت مسألة قريشٍ نبيّنا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحوّل لهم الصّفا ذهبًا، ويفجّر فجاج مكّة أنهارًا من سأله من مشركي قومه، وكما كانت مسألة صالحٍ النّاقة من مكذّبي قومه، ومسألة شعيبٍ أن يسقط كسفًا من السّماء من كفّار من أرسل إليهم.
وكان الّذين سألوا عيسى أن يسأل ربّه أن ينزّل عليهم مائدةً من السّماء، على هذا الوجه كانت مسألتهم، فقد أحلّهم الّذين قرءوا ذلك بالتّاء ونصب الرّبّ محلًّا أعظم من المحلّ الّذي ظنّوا أنّهم نزّهوا ربّهم عنه، أو يكونوا سألوا ذلك عيسى وهم موقنون بأنّه للّه نبيّ مبعوثٌ ورسولٌ مرسلٌ، وأنّ اللّه تعالى على ما سألوا من ذلك قادرٌ.
فإن كانوا سألوا ذلك وهم كذلك، وإنّما كانت مسألتهم إيّاه ذلك على نحو ما يسأل أحدهم نبيّه، إذا كان فقيرًا أن يسأل له ربّه أن يغنيه، وإن عرضت به حاجةٌ أن يسأل له ربّه أن يقضيها، فأنّى ذلك من مسألة الآية في شيءٍ؟ بل ذلك سؤال ذي حاجةٍ عرضت له إلى ربّه، فسأل نبيّه مسألة ربّه أن يقضيها له.
وخبر اللّه تعالى عن القوم ينبئ بخلاف ذلك، وذلك أنّهم قالوا لعيسى، إذ قال لهم: {اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين، قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا}، فقد أنبأ هذا من قيلهم أنّهم لم يكونوا يعلمون أنّ عيسى قد صدقهم، ولا اطمأنّت قلوبهم إلى حقيقة نبوّته، فلا بيان أبين من هذا الكلام في أنّ القوم كانوا قد خالط قلوبهم مرضٌ وشكٌّ في دينهم وتصديق رسولهم، وأنّهم سألوا ما سألوا من ذلك اختبارًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ليثٍ، عن عقيلٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يحدّث عن عيسى، صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا للّه ثلاثين يومًا، ثمّ تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإنّ أجر العامل على من عمل له، ففعلوا ثمّ قالوا: يا معلّم الخير، قلت لنا: إنّ أجر العامل على من عمل له، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يومًا ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحدٍ ثلاثين يومًا إلاّ أطعمنا حين نفرغ طعامًا، ف {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال} عيسى {اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين، قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين} إلى قوله: {لا أعذّبه أحدًا من العالمين}، قال: فأقبلت الملائكة تطير بمائدةٍ من السّماء عليها سبعة أحواتٍ وسبعة أرغفةٍ، حتّى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر النّاس كما أكل منها أوّلهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء}، قالوا: هل يطيعك ربّك إن سألته؟ فأنزل اللّه عليهم مائدةً من السّماء فيها جميع الطّعام إلاّ اللّحم، فأكلوا منها.
- وأمّا المائدة فإنّها الفاعلة، من ماد فلانٌ القوم يميدهم ميدًا: إذا أطعمهم ومارهم، ومنه قول رؤبة:
نهدي رءوس المترفين الأنداد = إلى أمير المؤمنين الممتاد
يعني بقوله: الممتاد: المستعطي، فالمائدة المطعمة سمّيت (الخوان) بذلك، لأنّها تطعم الآكل ممّا عليها. والمائد: المدار به في البحر، يقال: ماد يميد ميدًا.
وأمّا قوله: {قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين}، فإنّه يعني: قال عيسى للحواريّين القائلين له: {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء}: راقبوا اللّه أيّها القوم، وخافوا أن ينزل بكم من اللّه عقوبةٌ على قولكم هذا، فإنّ اللّه لا يعجزه شيءٌ أراده، وفي شكّكم في قدرة اللّه على إنزال مائدةٍ من السّماء كفرٌ به، فاتّقوا اللّه أن ينزّل بكم نقمته. {إن كنتم مؤمنين}، يقول: إن كنتم مصدّقيّ على ما أتوعّدكم به من عقوبة اللّه إيّاكم على قولكم: {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء}). [جامع البيان: 9/117-122]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين (112)
قوله تعالى: إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ، ثنا إسماعيل بن عليّة ثنا عبد الرّحمن بن إسحاق عن شيبة بن نصاح عن القسم بن محمّدٍ قال: قالت عائشة: هم أعلم باللّه من أن يقولوا هل يستطيع ربّك إنّما قالوا هل تستطيع أنت وربّك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا حفص بن عمر، ثنا ابن الأصبهانيّ عن شريكٍ عن جابرٍ عن عامرٍ أنّه كان يقرأها يعني عليًّا: هل تستطيع قال: هل يطيعك ربك.
قوله تعالى: أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا ابن وهبٍ وأخبرني اللّيث بن سعدٍ عن عقيلٍ قال: ابن شهابٍ وكان ابن عبّاسٍ يحدث أن عيسى بن مريم قال لبني إسرائيل، يا بني إسرائيل، هل لكم أن تصوموا للّه ثلاثين يومًا، ثمّ تسألوه فيعطيكم ما سألتم فإنّ أجر العامل على من عمل له. ففعلوا ثمّ قالوا: يا معلّم الخير قلت لنا إنّ أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم للّه ثلاثين يومًا ففعلنا، ولم نكن لنعمل لأحدٍ ثلاثون يومًا إلا أطعمتنا يوم نفرغ طعامًا هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء قال: اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 4/1243-1244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين}.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك إنما قالوا: هل تستطيع أنت ربك هل تستطيع أن تدعوه
وأخرج الحاكم وصححه والطبراني، وابن مردويه عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل عن قول الحواريين {هل يستطيع ربك} أو تستطيع ربك فقال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تستطيع ربك) بالتاء.
وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه قرأها (هل تستطيع ربك) بالتاء ونصب ربك.
وأخرج أبو عبيد، وابن جرير عن سعيد بن جبير أنه قرأها (هل تستطيع ربك) قال: هل تستطيع أن تسأل ربك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر الشعبي أن عليا كان يقرأها (هل يستطيع ربك) قال: هل يعطيك ربك.
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب وأبي رجاء أنهما قرآ (هل يستطيع ربك) بالياء والرفع.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} قال: قالوا: هل يطيعك ربك إن سألته فأنزل الله عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطعام إلا اللحم فأكلوا منها). [الدر المنثور: 5/592-593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {مائدة} قال: المائدة الخوان، وفي قوله {وتطمئن} قال: توقن). [الدر المنثور: 5/593-594]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين}.
يعني تعالى ذكره بذلك: قال الحواريّون مجيبي عيسى على قوله لهم: {اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين} في قولكم {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء}: إنّا إنّما قلنا ذلك وسألناك أن تسأل لنا ربّنا لنأكل من المائدة، فنعلم يقينًا قدرته على كلّ شيءٍ. {وتطمئنّ قلوبنا}، يقول: وتسكن قلوبنا وتستقرّ على وحدانيّته وقدرته على كلّ ما شاء وأراد.
{ونعلم أن قد صدقتنا}، ونعلم أنّك لم تكذبنا في خبرك أنّك للّه رسولٌ مرسلٌ، ونبيّ مبعوثٌ {ونكون عليها}، يقول: ونكون على المائدة، {من الشّاهدين} يقول: ممّن يشهد أنّ اللّه أنزلها حجّةً لنفسه علينا في توحيده وقدرته على ما شاء، ولك على صدقك في نبوّتك). [جامع البيان: 9/122-123]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين (113)
قوله تعالى: قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ المعروف بأبي أذك الحواريّ فيما كتب إلي، ثنا إسماعيل ابن أبي أويسٍ، حدّثني أبو عبد اللّه عبد القدّوس بن إبراهيم بن عبيد اللّه بن مرداسٍ العبدريّ مولى بني عبد الدّار الصّنعانيّ، عن إبراهيم بن عمر، عن وهب ابن منبه، عن أبي عثمان النهدي، عن سليمان الخير أنّه قال: لمّا سأل الحواريّون عيسى بن مريم المائدة من السّماء، فإنّها نزلت عليكم كانت آيةً من ربّكم وإنّما نكلت ثمود حين سألوا نبيّهم آيةً فابتلوا بها حتّى كان بوارهم فيها فأبو إلا أن يأتيهم بها فلذلك قالوا، نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشّاهدين
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن سفيان عن قيس بن مسلمٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: تطمئنّ قال: توقن). [تفسير القرآن العظيم: 4/1244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {مائدة} قال: المائدة الخوان، وفي قوله {وتطمئن} قال: توقن). [الدر المنثور: 5/593-594] (م)

تفسير قوله تعالى: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن المنذر بن النعمان أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله تعالى أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا قال أنزل عليهم أقرصة من شعير وأحوات فحدثت به عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهبا يقول وقيل له وما كان ذلك يغني عنهم قال لا شيء ولكن الله تعالى حشا بين أضعافهن البركة فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ويجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون حتى أكلوا جميعهم وأفضلوا منها). [تفسير عبد الرزاق: 1/200-201]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير الرّازقين}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن نبيّه عيسى صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه أجاب القوم إلى ما سألوه من مسألة ربّه مائدةً تنزل عليهم من السّماء.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا}، فقال بعضهم: معناه: نتّخذ اليوم الّذي نزلت فيه عيدًا نعظّمه نحن ومن بعدنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا} يقول: نتّخذ اليوم الّذي نزلت فيه عيدًا نعظّمه نحن ومن بعدنا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا}، قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا لأوّلنا} قال: الّذين هم أحياء منهم يومئذٍ، {وآخرنا} من بعدهم منهم.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: قال سفيان: {تكون لنا عيدًا} قالوا: نصلّي فيه، نزلت مرّتين.
وقال آخرون: معناه: نأكل منها جميعًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ليثٍ، عن عقيلٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: أكل منها يعني من المائدة حين وضعت بين أيديهم آخر النّاس كما أكل منها أوّلهم.
وقال آخرون: معنى قوله: {عيدًا}: عائدةٌ من اللّه تعالى علينا حجّةً وبرهانًا.
وأولى الأقوال بالصّواب قول من قال: معناه: تكون لنا عيدًا، نعبد ربّنا في اليوم الّذي تنزل فيه ونصلّي له فيه، كما يعيّد النّاس في أعيادهم. لأنّ المعروف من كلام النّاس المستعمل بينهم في العيد ما ذكرنا دون القول الّذي قاله من قال معناه: عائدةٌ من اللّه علينا، وتوجيه معاني كلام اللّه إلى المعروف من كلام من خوطب به أولى من توجيهه إلى المجهول منه ما وجد إليه السّبيل.
وأمّا قوله: {لأوّلنا وآخرنا}، فإنّ الأولى من تأويله بالصّواب قول من قال: تأويله للأحياء منّا اليوم ومن يجيء بعدنا منّا للعلّة الّتي ذكرناها في قوله: {تكون لنا عيدًا}، لأنّ ذلك هو الأغلب من معناه.
وأمّا قوله: {وآيةً منك} فإنّ معناه: وعلامةً وحجّةً منك يا ربّ على عبادك في وحدانيّتك، وفي صدقي على أنّي رسولٌ إليهم بما أرسلتني به. {وارزقنا وأنت خير الرّازقين}: وأعطنا من عطائك، فإنّك يا ربّ خير من يعطي، وأجود من تفضّل، لأنّه لا يدخل عطاءه منٌّ ولا نكدٌ.
وقد اختلف أهل التّأويل في المائدة، هل أنزلت عليهم أم لا؟ وما كانت؟ فقال بعضهم: نزلت وكانت حوتًا وطعامًا، فأكل القوم منها، ولكنّها رفعت بعدما نزلت بأحداثٍ منهم أحدثوها فيما بينهم وبين اللّه تعالى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، قال: نزلت المائدة خبزًا وسمكًا.
- حدّثني الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، قال: حدّثنا أبي، عن الفضيل، عن عطيّة، قال: المائدة سمكةٌ فيها طعم كلّ طعامٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن فضيلٍ، عن مسروقٍ، عن عطيّة قال: المائدة: سمكٌ فيه من طعم كلّ طعامٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرّحمن قال: نزلت المائدة خبزًا وسمكًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: نزلت على عيسى ابن مريم والحواريّين خوانٌ عليه خبزٌ وسمكٌ يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاءوا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا المنذر بن النّعمان، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول في قوله: {أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا} قال: نزّل عليهم قرصةً من شعيرٍ وأحواتٍ. قال الحسن: قال أبو بكرٍ: فحدّثت به عبد الصّمد بن معقلٍ، فقال: سمعت وهبًا، وقيل له: وما كان ذلك يغني عنهم؟ فقال: لا شيء، ولكنّ اللّه حثا بين أضعافهنّ البركة، فكان قومٌ يأكلون ثمّ يخرجون، ويجيء آخرون فيأكلون ثمّ يخرجون، حتّى أكلوا جميعهم وأفضلوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: هو الطّعام ينزل عليهم حيث نزلوا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {مائدةً من السّماء} قال: مائدةً عليها طعامٌ أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تنزل عليهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن إسحاق بن عبد اللّه: أنّ المائدة، نزلت على عيسى ابن مريم، عليها سبعة أرغفةٍ وسبعة أحواتٍ، يأكلون منها ما شاءوا. قال: فسرق بعضهم منها، وقال: لعلّها لا تنزل غدًا فرفعت.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن سماك بن حربٍ، عن رجلٍ، من بني عجلٍ قال: صلّيت إلى جنب عمّار بن ياسرٍ، فلمّا فرغ قال: هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال: فقلت: لا. قال: إنّهم سألوا عيسى ابن مريم مائدةً يكون عليها طعامٌ يأكلون منه لا ينفد، قال: فقيل لهم: فإنّها مقيمةٌ لكم ما لم تخبّئوا أو تخونوا أو ترفعوا، فإن فعلتم فإنّي أعذّبكم عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين. قال: فما تمّ يومهم حتّى خبّئوا ورفعوا وخانوا، فعذّبوا عذابًا لم يعذّبه أحدًا من العالمين. وإنّكم معشر العرب كنتم تتّبعون أذناب الإبل والشّاء، فبعث اللّه فيكم رسولاً من أنفسكم تعرفون حسبه ونسبه، وأخبركم على لسان نبيّكم أنّكم ستظهرون على العرب، ونهاكم أن تكنزوا الذّهب والفضّة، وايم اللّه لا يذهب اللّيل والنّهار حتّى تكنزوهما ويعذّبكم عذابًا أليمًا.
- حدّثنا الحسن بن قزعة البصريّ، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن خلاس بن عمرٍو، عن عمّار بن ياسرٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: نزلت المائدة خبزًا ولحمًا، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا ولا يرفعوا لغدٍ، فخانوا وادّخروا ورفعوا، فمسخوا قردةً وخنازير.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ قال: حدّثنا يوسف بن خالدٍ قال: حدّثنا نافع بن مالكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في المائدة قال: كانت طعامًا ينزل عليهم من السّماء حيثما نزلوا.
وقال آخرون: كانت المائدة عليها من ثمار الجنّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن خلاس بن عمرٍو، عن عمّارٍ، قال: نزلت المائدة، وعليها ثمرٌ من ثمر الجنّة، فأمروا أن لا يخبّئوا ولا يخونوا ولا يدّخروا. قال: فخان القوم وخبّئوا وادّخروا، فحوّلهم اللّه قردةً وخنازير.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّها كانت مائدةً ينزل عليها الثّمر من ثمار الجنّة، وأمروا أن لا يخبّئوا ولا يخونوا ولا يدّخروا لغدٍ، بلاءٌ ابتلاهم اللّه به، وكانوا إذا فعلوا شيئًا من ذلك أنبأهم به عيسى، فخان القوم فيه فخبّئوا وادّخروا لغدٍ.
وقال آخرون: كان عليها من كلّ طعامٍ إلاّ اللّحم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن ميسرة، قال: كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل، اختلفت عليها الأيدي بكلّ طعامٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن عطاءٍ، عن ميسرة، وزاذان، قالا: كانت الأيدي تختلف عليها بكلّ طعامٍ.
- حدّثني الحرث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن عطاء بن السّائب، عن زاذان وميسرة، في: {هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء}، قالا: رأوا الأيدي تختلف عليها بكلّ شيءٍ إلاّ اللّحم.
وقال آخرون: لم ينزّل اللّه على بني إسرائيل مائدةً.
ثمّ اختلف قائلو هذه المقالة، فقال بعضهم: إنّما هذا مثلٌ ضربه اللّه تعالى لخلقه نهاهم به عن مسألة نبيّ اللّه الآيات.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أنزل علينا مائدةً من السّماء}، قال: مثلٌ ضرب، لم ينزل عليهم شيءٌ.
وقال آخرون: إنّ القوم لمّا قيل لهم: {فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} استعفوا منها فلم تنزل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول لمّا قيل لهم: {فمن يكفر بعد منكم} إلى آخر الآية، قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن أنّه قال في المائدة: لم تنزل.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: مائدةٌ عليها طعامٌ أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تنزل، عليهم.
والصّواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إنّ اللّه تعالى أنزل المائدة على الّذين سألوا عيسى مسألته ذلك ربّه.
وإنّما قلنا ذلك للخبر الّذي روّينا بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه وأهل التّأويل من بعدهم غير من انفرد بما ذكرنا عنه.
وبعد، فإنّ اللّه تعالى لا يخلف وعده ولا يقع في خبره الخلف، وقد قال تعالى مخبرًا في كتابه عن إجابة نبيّه عيسى صلّى اللّه عليه وسلّم حين سأله ما سأله من ذلك: {إنّي منزّلها عليكم}، وغير جائزٍ أن يقول تعالى ذكره: {إنّي منزّلها عليكم}، ثمّ لا ينزّلها، لأنّ ذلك منه تعالى خبرٌ، ولا يكون منه خلاف ما يخبر. ولو جاز أن يقول: {إنّي منزّلها عليكم}، ثمّ لا ينزّلها عليهم، جاز أن يقول: {فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين}، ثمّ يكفر منهم بعد ذلك فلا يعذّبه، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقةٌ ولا صحّةٌ، وغير جائزٍ أن يوصف ربّنا تعالى بذلك.
وأمّا الصّواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكولٌ، وجائزٌ أن يكون كان سمكًا وخبزًا، وجائزٌ أن يكون كان ثمرًا من ثمر الجنّة، وغير نافعٍ العلم به ولا ضارٌّ الجهل به، إذا أقرّ تالي الآية بظاهر ما احتمله التّنزيل). [جامع البيان: 9/123-131]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خير الرّازقين (114)
قوله تعالى: قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا
- أخبرنا أبو جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ حدّثني أبو عبد اللّه عبد القدّوس بن إبراهيم بن عبيد اللّه عن إبراهيم بن عمر عن وهب بن منبه عن عثمان الهدى عن سلمان الخير قال: فلمّا رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها، قام فألقى عنه الصّوف ولبس الشّعر الأسود وجبة من شعر وعباءة من شعرٍ، ثمّ توضّأ واغتسل ودخل مصلاه، فصلّى ما شاء اللّه، فلمّا قضى صلاته قام قائمًا مستقبل القبلة وصفّ قدميه حتّى استويا فألصق الكعب وحاذ الأصابع بالأصابع ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره وغضّ بصره وطأطأ رأسه خشوعًا، ثمّ أرسل عينيه بالبكاء فما زالت دموعه تسيل على خدّيه وتقطر من أطراف لحيته حتّى ابتلّت الأرض حيال وجهه من خشوعه، فلمّا رأى ذلك دعا اللّه فقال: اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء.
قوله تعالى: أنزل علينا مائدة
[الوجه الأول]
من فسّره أنّه سفرةٌ:
- وبه عن سلمان أنزل علينا مائدةً من السّماء فأنزل اللّه عليهم سفرةً حمراء بين غمامتين غمامةٍ فوقها، وغمامة تحتها.
[الوجه الثاني]
من فسّره على أنّه الخوان:
- ذكر أبي، ثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا محمّد بن الصّلت قال: سمعت قيسًا عن الأعمش عن سعيد بن جبيرٍ قال: المائدة الخوان.
قوله تعالى: أنزل علينا مائدةً من السّماء
[الوجه الأول]
- حدثنا أبي، ثنا الحسن ابن قزعة الباهليّ، ثنا سفيان بن حبيبٍ، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاسٍ عن عمّار بن ياسرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: نزلت المائدة من السّماء خبزٌ ولحمٌ وأمروا أن لا يخونوا ولا يخبّئوا ولا يدّخروا قال: فخان القوم وخبّئوا وادّخروا فمسخهم اللّه قردةً وخنازير.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الفضل بن يعقوب الرّخاميّ، ثنا أبو عاصمٍ النّبيل، ثنا سعيدٌ عن قتادة عن خلاص عن عمّارٍ قال: نزلت المائدة ثمرٌ من ثمر الجنة.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا سعيد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، ثنا أبو زرعة وهب اللّه بن راشدٍ، ثنا عقيل بن خالدٍ ابن شهابٍ أخبره عن ابن عبّاسٍ: أنّ عيسى بن مريم قالوا له: ادع اللّه أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء فنزّلت الملائكة مائدةً يحملونها عليها سبعة أحواتٍ وسبعة أرغفةٍ فأكل كل منهما آخر الناس كما أكل منه أوّلهم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن نفيلٍ الحرّانيّ، ثنا يونس بن راشدٍ عن خصيفٍ عن عكرمة ومقسمٍ عن ابن عبّاسٍ قال: المائدة سمكةٌ وأرغفةٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا فضيل بن مرزوقٍ عن عطيّة قال: المائدة سمكةٌ فيها طعمٌ من كلّ الطّعام.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنبأ المنذر بن النّعمان أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول في قوله: أنزل علينا مائدةً من السّماء قال: أنزل عليهم أقرصةٌ من شعيرٍ وأحواتٍ.
ومن قال: إنه كان خبزا وأرز.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، ثنا عليّ بن الحسين عن أبيه عن يزيد عن عكرمة حدّثه: أنّ الخبز الّذي أنزل مع المائدة كان من أرزٍ.
الوجه الرّابع:
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ حدّثني عبد القدّوس بن إبراهيم الصّنعانيّ عن إبراهيم بن عمر عن وهب بن منبّهٍ عن أبي عثمان النّهديّ عن سلمان الخير قال: فقال عيسى اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً من السّماء فأنزل اللّه تعالى عليهم سفرةً حمراء بين غمامتين، غمامةٍ فوقها وغمامةٍ تحتها، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضّةً من فلك السّماء تهوي إليهم وعيسى يبكي خوفًا للشّروط الّتي أخذ اللّه عليهم فيها أنّه يعذّب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابًا لم يعذّبه أحدًا من العالمين.
وهو يدعو اللّه في مكانه ويقول: إلهي اجعلها رحمةً، إلهي لا تجعلها عذابًا، إلهي كم من عجيبةٍ سألتك فأعطيتني، إلهي اجعلنا لك شاكرين، إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبًا وجزاءً، إلهي اجعلها سلامةً وعافيةً ولا تجعلها فتنةً ومثلةً.
فما زال يدعو حتّى استقرّت السّفرة بين يدي عيسى والحواريّين وأصحابه حوله يجدون رائحةً طيّبةً لم يجدوا فيما مضى مثلها قطّ، وخرّ عيسى والحواريّون للّه سجّدًا شكرًا بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا، وأراهم فيه آيةً عظيمةً ذات عجبٍ وعبرةٍ.
وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرًا عجيبا أورثهم محمدا وغمًّا، ثمّ انصرفوا بغيظٍ شديدٍ، وأقبل عيسى والحواريّون وأصحابه حتّى جلسوا حول السّفرة، فإذا عليها منديلٌ مغطًّى. قال عيسى: من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه الآية حتّى نراها، ونحمد ربنا ونذكر باسمه ونأكل من رزقه الّذي رزقنا. فقال الحواريّون: يا روح اللّه وكلمته أنت أولانا بذلك، وأحقّنا بالكشف عنها. فقام عيسى عليه الصّلاة والسّلام فاستأنف وضوءًا جديدًا ثمّ دخل مصلاه فصلّى بذلك ركعاتٍ ثمّ بكى طويلا. ودعى اللّه تعالى أن يأذن له في الكشف عنها، ويجعل له ولقومه فيها بركةً ورزقًا ثمّ انصرف فجلس إلى السّفرة وتناول المنديل، وقال باسم اللّه خير الرّازقين، وكشف السّفرة، فإذا هو عليها سمكةٌ ضخمةٌ مشويّةٌ، ليس عليه بواسير وليس في جوفها شوكٌ، يسيل السّمن منها سيلا، قد نفد حولها بقولٌ من كلّ صنفٍ غير الكرّاث، وعند رأسها خلٌّ، وعند ذنبها ملحٌ، وحول البقول الخمسة أرغفةٌ، على واحدٍ منها زيتونٌ، وعلى الآخر ثمراتٌ، وعلى الآخر خمس رمّاناتٍ، فقال شمعون رأس الحواريّين لعيسى: يا روح اللّه وكلمته، أمن طعام الدّنيا هذا أم من طعام الجنّة؟ فقال: أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفن عليكم أن تعاقبوا في سبب هذه الآية، فقال شمعون: لا وإله إسرائيل، ما أردت بها سؤالا يا ابن الصّدّيقة، فقال عيسى عليه السّلام: ليس شيءٌ ممّا ترون من طعام الجنّة ولا من طعام الدّنيا، إنّما هو شيءٌ ابتدعه اللّه في الهواء بالقدرة العالية القاهرة فقال له: كن فكان أسرع من طرفة عينٍ، فكلوا ممّا سألتم باسم اللّه، واحمدوا عليه ربّكم يمدّكم منه ويزدكم، فإنه بديع قادر شاكر.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد اللّه بن أبي شيبة، ثنا عبيد بن يعيش، ثنا حسن بن عطيّة، ثنا قيسٌ، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال:
أنزل على المائدة كلّ شيءٍ إلا اللّحم.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ قال: قال اللّيث: أمّا القرظيّ فيقول: من كلّ طعامٍ حلالٍ في الدّنيا.
- حدّثنا إسحاق بن وهب بن زيادٍ العلاف الواسطيّ، ثنا عمر بن يونس بن القاسم الحنفيّ اليماميّ، حدّثني أبي، عن إسماعيل بن الضّحّاك بن فيروز أنّهم سألوا وهب بن منبّهٍ عن المائدة الّتي أنزلها اللّه من السّماء على بني إسرائيل قال: فكان ينزل عليهم في كلّ يومٍ في تلك المائدة من ثمار الجنّة، فأكلوا ما شاءوا من ضروبٍ شتّى، فكانت تقعد عليها أربعة آلافٍ فإذا أكلوا بدّل اللّه مكان ذلك بمثله، فليبيتوا بذلك ما شاء اللّه تعالى.
الوجه السّادس:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة العجليّ، ثنا يحيى بن آدم، ثنا شريكٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: أنزل علينا مائدةً من السّماء قال: هو مثلٌ ضرب، ولم ينزل شيءٌ.
قوله تعالى: تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا
[الوجه الأول]
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، حدّثني عبد القدّوس بن إبراهيم عن إبراهيم، بن عمر، عن وهب بن منبّهٍ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الخير أنّه قال: أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا أي:
تكون لنا عظةً لأوّلنا وآخرنا.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد ابن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: تكون لنا عيدًا يقول: نتّخذ اليوم الّذي أنزلت فيه عيدًا نعظّمه نحن ومن بعدنا.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد، ثنا مهران، عن سفيان: أنزل علينا مائدةً من السّماء تكون لنا عيدًا قال: يومًا نصلّي فيه.
قوله تعالى: وآخرنا
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: تكون لنا عيدًا لأوّلنا وآخرنا قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.
قوله تعالى: وآيةً منك
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، حدّثني عبد القدّوس بن إبراهيم بن عمر بن وهب بن منبه، عن أبيه عثمان، عن سلمان وآيةً منك أي: وعلامةً منك تكون بيننا وبينك.
قوله تعالى: وارزقنا وأنت خير الرّازقين
- وبه عن سلمان: وارزقنا وأنت خير الرّازقين قال: وارزقنا عليها طعامًا نأكله، وأنت خير الرّازقين، فأنزل اللّه تعالى عليهم سفرةً حمراء، عليها ممّا تقدّم ذكره). [تفسير القرآن العظيم: 4/1244-1249]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} يقول: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وأبو بكر الشافعي في فوائده المعروفة بالغيلانيات عن سلمان الفارسي قال: لما سأل الحواريون عيسى بن مريم المائدة كره ذلك جدا وقال: اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض ولا تسألوا المائدة من السماء فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها فأبوا إلا أن يأتيهم بها فلذلك {قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين}، فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعوا لهم بها قام فألقى عنه الصوف ولبس الشعر الأسود وجبة من شعر وعباءة من شعر ثم توضأ واغتسل ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله فلما قضى صلاته قام قائما مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع بالأصابع ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره وغض بصره وطاطا رأسه خشوعا ثم أرسل عينيه بالبكاء فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه فلما رأى ذلك دعا الله فقال {اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} تكون عظة منك لنا {وآية منك} أي علامة منك تكون بيننا وبينك وارزقنا عليها طعاما نأكله {وأنت خير الرازقين}، فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها وغمامة تحتها وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم وعيسى يبكي خوفا للشروط التي اتخذ الله فيها عليهم إنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين وهو يدعو الله في مكانه ويقول: إلهي اجعلها رحمة إلهي لا تجعلها عذابا إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني إلهي اجعلنا لك شاكرين إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبا ورجزا إلهي اجعلها سلامة وعافية ولا تجعلها فتنة ومثلة فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يدي عيسى والحواريون وأصحابه حوله يجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط وخر عيسى والحواريون لله سجدا شكرا له بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرا عجبا أورثهم كمدا وغما ثم انصرفوا بغيظ شديد وأقبل عيسى والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة فإذا عليه منديل مغطى قال عيسى: من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة وأوثقنا بنفسه وأحسننا بلاء عند ربه فليكشف عن هذه الآية حتى نراها ونحمد ربنا ونذكر باسمه ونأكل من رزقه الذي رزقنا فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته أنت أولانا بذلك وأحقنا بالكشف عنها، فقام عيسى: فاستأنف وضوءا جديدا ثم دخل مصلاه فصلى بذلك ركعات ثم بكى طويلا ودعا الله أن يأذن له في الكشف عنها ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقا ثم انصرف وجلس إلى السفرة وتناول المنديل وقال: بسم الله خير الرازقين وكشف عن السفرة وإذا هو عليها سمكة ضخمة مشوية ليس عليها بواسير وليس في جوفها سوك يسيل منها السمن سيلا قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث وعند رأسها خل وعند ذنبها ملح وحول البقول خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الآخر تمرات وعلى الآخر خمس رمانات فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى: يا روح الله وكلمته أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة فقال: أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات وتنتهوا عن تنقير المسائل ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب هذه الآية، فقال شمعون: لا وإله إسرائيل ما أردت بها سوءا يا ابن الصديقة، فقال عيسى: ليس شيء مما ترون عليها من طعام الجنة ولا من طعام الدنيا إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة الغالبة القاهرة فقال له كن فكان أسرع من طرفة عين فكلوا مما سألتم بسم الله واحمدوا عليه ربكم يمدكم منه ويزدكم فإنه بديع قادر شاكر، فقال يا روح الله وكلمته إنا نحب أن ترينا آية في هذه الآية، فقال عيسى: سبحان الله، أما اكتفيتم بما رأيتم من هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى ثم أقبل عيسى على السمكة فقال: يا سمكة عودي بإذن الله حية كما كنت فأحياها الله بقدرته فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية تلمظ كما يتلمظ الأسد تدور عيناها لها بصيص وعادت عليها بواسيرها ففزع القوم منها وانحاسوا فلما رأى عيسى ذلك منهم قال: ما لكم تسألون الآية فإذا أراكموها ربكم كرهتموها ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون يا سمكة عودي بإذن الله كما كنت فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول، فقالوا لعيسى: كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها ثم نحن بعد، فقال: معاذ الله من ذلك يبدأ بالأكل كل من طلبها، فلما رأى الحواريون وأصحابهم امتناع نبيهم منها خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثلة فتحاموها فلما رأى ذلك عيسى دعا لها الفقراء والزمنى وقال: كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم واحمدوا الله الذي أنزلها لكم يكون مهناها لكم وعقوبتها على غيركم وافتتحوا أكلكم بسم الله واختتموه بحمد الله ففعلوا فأكل منها ألف وثلثمائة إنسان بين رجل وامرأة يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ، ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئة إذ نزلت من السماء لم ينتقص منه شيء ثم انها رفعت إلى السماء وهم ينظرون فاستغنى كل فقير أكل منها وبريء كل زمن منهم أكل منها فلم يزالوا أغنياء صحاحا حتى خرجوا من الدنيا وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبو أن يأكلوا منها ندامة سالت منها أشفارهم وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات، قال: فكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كل مكان يسعون يزاحم بعضهم بعضا الأغنياء والفقراء والنساء والصغار والكبار والأصحاء والمرضى يركب بعضهم بعضا فلما رأى عيسى ذلك جعلها نوبا بينهم فكانت تنزل يوما ولا تنزل يوما فلبثوا في ذلك أربعين يوما تنزل عليهم غبا عند ارتفاع الضحى فلا تزال موضوعة يؤكل منها حتى إذا قالوا ارتفعت عنهم بإذن الله إلى جو السماء وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم.
فأوحى الله إلى عيسى أن اجعل رزقي في المائدة لليتامى والفقراء والزمنى دون الأغنياء من الناس فلما فعل الله ذلك ارتاب بها الأغنياء وغمصوا ذلك حتى شكوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر وأدرك الشيطان منهم حاجته وقذف وساوسه في قلوب المرتابين حتى قالوا لعيسى: أخبرنا عن المائدة ونزولها من السماء حق فإنه ارتاب بها بشر منا كثير، قال عيسى: كذبتم وإله المسيح طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم فلما أن فعل وأنزلها الله عليكم رحمة ورزقا وأراكم فيها الآيات والعبر كذبتم بها وشككتم فيها فأبشروا بالعذاب فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله وأوحى الله إلى عيسى إني آخذ المكذبين بشرطي فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة من نسائهم آمنين فلما كان من آخر الليل مسخهم الله خنازير وأصبحوا يتتبعون الأقذار في الكناسات.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس، أنه كان يحدث عن عيسى بن مريم أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم فإن أجر العامل على من عمل له ففعلوا ثم قالوا: يا معلم الخير قلت لنا إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ففعلنا ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} إلى قوله {أحدا من العالمين} فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم.
وأخرج الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من وجه آخر عن عمار بن ياسر موقوفا مثله، قال الترمذي: والوقف أصح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال: نزلت المائدة عليها ثمر من ثمر الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: المائدة سمكة وأريغفة.
وأخرج سفيان بن عيينة عن عكرمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا بنو إسرائيل ما خنز الخبز ولا أنتن اللحم ولكن خبأوه لغد فأنتن اللحم وخنز الخبز
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن أبي عبد الرحمن السلمي في قوله {أنزل علينا مائدة من السماء} قال: خبزا وسمكا.
وأخرج ابن الأنباري وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن جبير قال: نزلت المائدة وهي طعام يفور فكانوا يأكلون منها قعودا فأحدثوا فرفعت شيئا فأكلوا على الركب ثم أحدثوا فرفعت البتة.
وأخرج ابن الأنباري عن وهب بن منبه قال: كانت مائدة يجلس عليها أربعة آلاف فقالوا لقوم من وضعائهم: إن هؤلاء يلطخون ثيابنا علينا فلو بنينا لها دكانا يرفعها فبنوا لها دكانا فجعلت الضعفاء لا تصل إلى شيء فلما خالفوا أمر الله عز وجل رفعها عنهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ عن عطية العوفي قال: المائدة سمكة فيها من طعم كل طعام
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة، أن الخبز الذي أنزل مع المائدة كان من أرز.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: نزل على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه خبز وسمك يأكلون منه أينما تولوا إذا شاؤوا.
وأخرج ابن جرير، وابن الأنباري في كتاب الأضداد من طريق عكرمة عن ابن عباس في المائدة قال: كان طعاما ينزل عليهم من السماء حيثما نزلوا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد قال: هو الطعام ينزل عليهم حيث نزلوا.
وأخرج ابن جرير عن إسحاق بن عبد الله، أن المائدة نزلت على عيسى بن مريم عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات يأكلون منها ما شاؤوا فسرق بعضهم منها وقال: لعلها لا تنزل غدا فرفعت
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن الأنباري وأبو الشيخ عن قتادة قال: ذكر لنا أنها كانت مائدة ينزل عليها الثمر من ثمار الجنة وأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا لغد بلاء أبلاهم الله به وكانوا إذا فعلوا شيئا من ذلك أنبأهم به عيسى فخان القوم فيه فخبأوا وادخروا لغد.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: أنزل على المائدة كل شيء إلا اللحم، والمائدة الخوان.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن ميسرة وزاذان قالا: كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت الأيدي فيها بكل طعام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه سئل عن المائدة التي أنزلها الله من السماء على بني إسرائيل قال: كان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى فكانت يقعد عليها أربعة آلاف فإذا أكلوا أبدل الله مكان ذلك بمثله فلبثوا بذلك ما شاء الله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أنزل علينا مائدة من السماء} قال: هو مثل ضرب ولم ينزل عليهم شيء). [الدر المنثور: 5/594-604]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) )
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الحسن بن قزعة، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن خلاس بن عمرٍو، عن عمّار بن ياسرٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: أنزلت المائدة من السّماء خبزًا ولحمًا، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا لغدٍ، فخانوا وادّخروا ورفعوا لغدٍ، فمسخوا قردةً وخنازير.
هذا حديثٌ غريبٌ قد رواه أبو عاصمٍ، وغير واحدٍ عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاسٍ، عن عمّار بن ياسرٍ، موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعًا إلاّ من حديث الحسن بن قزعة.
حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، نحوه، ولم يرفعه وهذا أصحّ من حديث الحسن بن قزعة ولا نعلم للحديث المرفوع أصلاً). [سنن الترمذي: 5/110]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال اللّه إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين}.
وهذا جوابٌ من اللّه تعالى القوم فيما سألوا نبيّهم عيسى مسألة ربّهم من إنزاله مائدةً عليهم، فقال تعالى ذكره: إنّي منزّلها عليكم أيّها الحواريّون فمطعمكوها {فمن يكفر بعد منكم} يقول: فمن يجحد بعد إنزالها عليكم وإطعامكموها منكم رسالتي إليه، وينكر نبوّة نبيّي عيسى صلّى اللّه عليه وسلّم، ويخالف طاعتي فيما أمرته ونهيته، فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من عالمي زمانه. ففعل القوم، فجحدوا وكفروا بعدما أنزلت عليهم فيما ذكر لنا، فعذّبوا فيما بلغنا بأن مسخوا قردةً وخنازير.
- كالّذي حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّي منزّلها عليكم} الآية، ذكر لنا أنّهم حوّلوا خنازير.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، ومحمّد بن أبي عديٍّ، ومحمّد بن جعفرٍ، عن عوفٍ، عن أبي المغيرة القوّاس، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: إنّ أشدّ النّاس عذابًا ثلاثةٌ: المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون.
- حدّثنا الحسن بن عرفة قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن عوفٍ قال: سمعت أبا المغيرة القوّاس يقول: قال عبد اللّه بن عمرٍو: إنّ أشدّ النّاس عذابًا يوم القيامة: من كفر من أصحاب المائدة، والمنافقون، وآل فرعون.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فمن يكفر بعد منكم} بعدما جاءته المائدة، {فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين} يقول: أعذّبه بعذابٍ لا أعذّبه أحدًا من العالمين غير أهل المائدة). [جامع البيان: 9/131-132]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال اللّه إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين (115)
قوله تعالى: قال اللّه إنّي منزّلها عليكم
- وبه عن سلمان الخير قال: قال اللّه تعالى: إنّي منزّلها عليكم فأنزل اللّه عليهم سفرةً حمراء وأقبل عيسى والحواريّون وأصحابه حتّى جلسوا حول السّفرة فقالوا: يا روح اللّه وكلمته إنّا نحبّ أن ترينا آيةً في هذه الآية. فقال عيسى: سبحان اللّه، أما اكتفيتم بما رأيتم من هذه الآية حتّى تسألوا فيها آيةً أخرى؟ ثمّ أقبل عيسى على السّمكة فقال: يا سمكة، عودي بإذن اللّه حيّةً كما كنت، فأحياها اللّه تعالى بقدرته، فاضطربت، وعادت بإذن اللّه حيّةً طريّةً تلمّط كما يتلمّط الأسد تدور عيناها، لها بصيصٌ، وعادت عليها بواسيرها. ففزع القوم منها وانحازوا، فلمّا رأى عيسى ذلك منهم فقال: مالكم تسألون الآية فإذا أراكموها ربّكم كرهتموها؟ ما أخوفن عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون. يا سمكة عودي بإذن اللّه كما كنت. فعادت بإذن اللّه مشويّةً كما كانت في خلقها الأوّل، فقالوا لعيسى: كن أنت يا روح اللّه الّذي تبدأ بالأكل من طلبها، فلمّا رأى الحواريّون وأصحابهم امتناع نبيّهم منها- خافوا أن يكون في نزولها سخطٌ، وفي أكلها مثله فتخافوها، فلما رأى ذلك عيسى دعى لها الفقراء والزّمنى ، وقال: كلوا من رزق ربّكم ودعوة نبيّكم، واحمدوا اللّه الّذي أنزلها لكم فيكون مهيئوها لكم، وعقوبتها على غيركم، وافتتحوا كلكم باسم الله، واختتموه بالحمد للّه، ففعلوا، فأكل منها ألفٌ وثلاثمائة إنسانٍ بين رجلٍ وامرأةٍ، يصدرون عنها كلّ واحدٍ منهم شبعان يتجشّأ، ونظر عيسى والحواريّون فإذا ما عليها كهيئة إذ نزلت من السماء، لمن ينتقص منها شيءٌ، ثمّ إنّها رفعت إلى السّماء وهم ينظرون، استغنى كلّ فقيرٍ أكل منها، وبرأ كلّ زمنٍ أكل منها، فلم يزالوا أغنياء صحاحًا حتّى خرجوا من الدّنيا.
وندم الحواريّون وأصحابهم الّذين أبوا أن يأكلوا منها ندامةً، سألت منها أشفاءهم، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى الأغنياء والفقراء، والصّغار والكبار والأصحّاء والمرضى، يركب بعضهم بعضًا.
فلمّا رأى ذلك جعلها نوائب، تنزل يومًا ولا تنزل يومًا. فلبثوا في ذلك أربعين يومًا تنزل عليهم غبًّا عند ارتفاع الضّحى، فلا تزال موضوعةً يؤكل منها، حتّى إذا قاموا ارتفعت عنهم بإذن اللّه إلى جوّ السّماء وهم ينظرون إلى ظلّها في الأرض حتّى توارى عنهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّدٌ، ثنا مهران، عن سفيان قال: يذكرون أنّها نزلت المائدة مرّتين.
قوله تعالى: فمن يكفر بعد منكم
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، حدّثني عبد القدّوس بن إبراهيم بن عمر، عن وهب بن منبّهٍ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الخير، فمن يكفر بعد منكم فأوحى اللّه إلى نبيّه عيسى عليه السّلام، أن اجعل رزقي في المائدة لليتامى والفقراء والزّمنى دون الأغنياء من النّاس.
فلمّا فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من النّاس، وغمطوا ذلك حتّى شكّوا فيها في أنفسهم، وشكّكوا فيها النّاس، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر. وأدرك الشّيطان منهم حاجته، وقذف وسواسه في قلوب المرتابين، حتّى قالوا لعيسى: أخبرنا عن المائدة، ونزولها من السّماء أحقٌّ، فإنّه قد ارتاب منها بشرٌ كثيرٌ؟ فقال عيسى عليه السّلام: هلكتم وإله المسيح، طلبتم المائدة إلى نبيّكم أن يطلبها لكم إلى ربّكم فلمّا أن فعل، وأنزلها عليكم رحمةً ورزقًا، وأراكم الآيات والعبر، وكذّبتم بها وشككتم فيها فأبشروا بالعذاب. فإنّه نازلٌ بكم إلا أن يرحمكم اللّه، وأوحى اللّه إلى عيسى بأنّي آخذٌ المكذّبين بشرطي فإنّي معذّبٌ منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها- عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فمن يكفر بعد منكم: بعد ما جاءته المائدة.
قوله تعالى: فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين
- أخبرنا جعفر بن عليٍّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، حدّثني عبد القدّوس بن إبراهيم، عن إبراهيم بن عمر، عن وهب بن منبّهٍ عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الخير فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين قال: فلمّا أمسى المرتابون بها، وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورةٍ مع نسائهم آمنين، فلمّا كان في آخر اللّيل مسخهم اللّه خنازير، فأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن قزعة الباهليّ، ثنا سفيان بن حبيبٍ، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلادٍ، عن عمّار بن ياسرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: نزّل اللّه المائدة من السّماء، وأمروا ألا يخونوا، ولا يرفعوا الغدٍ، فخانوا وادّخروا، ورفعوا فمسخوا قردةً وخنازير».
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن سعيدٍ، عن قتادة، عن عمّار بن ياسرٍ قوله: إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين ذكر لنا أنّهم حوّلوا خنازير.
قال: وكان الحسن يقول: لمّا قيل لهم فمن يكفر... فإنّي أعذّبه عذابًا. قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل.
قوله تعالى: أحدًا من العالمين
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فإنّي أعذّبه عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين يقول:
أعذّبه عذابًا لا يعذّب به أحدٌ من العالمين غير أهل المائدة). [تفسير القرآن العظيم: 4/1249-1252]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا هارون بن سليمان الأصبهانيّ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، عن عمران بن الحكم، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: قالت قريشٌ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ادع اللّه ربّك أن يجعل لنا الصّفا ذهبًا، ونؤمن بك. قال: «أو تفعلون؟» قالوا: نعم فدعا اللّه فأتاه جبريل فقال: إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام، ويقول: إن شئت أصبح لهم الصّفا ذهبًا، فمن كفر منهم عذّبته عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم أبواب التّوبة والرّحمة؟ قال: «يا ربّ باب التّوبة والرّحمة» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/344]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) عمار بن ياسر -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغدٍ فخانوا، وادّخروا ورفعوا لغدٍ، فمسخوا قردة وخنازير»
أخرجه الترمذي، وقال: وقد روي عن عمار بن ياسر من غير طريق موقوفاً). [جامع الأصول: 2/131]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد قال: مائدة عليها طعام أبوها حين عرض عليهم العذاب أن كفروا فأبوا أن ينزل عليهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري عن الحسن قال: لما قيل لهم {فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا} قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل عليهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} قال: ذكر لنا أنهم لما صنعوا في المائدة ما صنعوا حولوا خنازير.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فمن يكفر بعد منكم} بعد ما جاءته المائدة {فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} يقول: أعذبه بعذاب لا أعذبه أحدا غير أهل المائدة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة والمنافقون وآل فرعون.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {إني منزلها} مثقلة). [الدر المنثور: 5/604-605]


رد مع اقتباس