عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 02:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {اللّه الّذي أنزل الكتاب بالحقّ} يعني: الكتب المنزّلة من عنده على أنبيائه {والميزان}، وهو: العدل والإنصاف، قاله مجاهدٌ، وقتادة. وهذه كقوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم النّاس بالقسط} [الحديد:25] وقوله: {والسّماء رفعها ووضع الميزان. ألا تطغوا في الميزان. وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} [الرّحمن:7-9].
وقوله: {وما يدريك لعلّ السّاعة قريبٌ} فيه ترغيبٌ فيها، وترهيبٌ منها، وتزهيدٌ في الدّنيا.
وقوله: {يستعجل بها الّذين لا يؤمنون بها} أي: يقولون: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [سبأٍ:29]، وإنّما يقولون ذلك تكذيبًا واستبعادًا، وكفرًا وعنادًا، {والّذين آمنوا مشفقون منها} أي: خائفون وجلون من وقوعها {ويعلمون أنّها الحقّ} أي: كائنةٌ لا محالة، فهم مستعدّون لها عاملون من أجلها.
وقد روي من طرقٍ تبلغ درجة التّواتر، في الصّحاح والحسان، والسّنن والمسانيد، وفي بعض ألفاظه؛ أنّ رجلًا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بصوتٍ جهوريّ، وهو في بعض أسفاره فناداه فقال: يا محمّد. فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوًا من صوته "هاؤم". فقال: متى السّاعة؟ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ويحك، إنّها كائنةٌ، فما أعددت لها؟ " فقال: حب اللّه ورسوله. فقال: "أنت مع من أحببت.
فقوله في الحديث: "المرء مع من أحبّ"، هذا متواترٌ لا محالة، والغرض أنّه لم يجبه عن وقت السّاعة، بل أمره بالاستعداد لها.
وقوله: {ألا إنّ الّذين يمارون في السّاعة} أي: يحاجّون في وجودها ويدفعون وقوعها، {لفي ضلالٍ بعيدٍ} أي: في جهلٍ بيّنٍ؛ لأنّ الّذي خلق السّموات والأرض قادرٌ على إحياء الموتى بطريق الأولى والأحرى، كما قال: {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه} [الرّوم:27] ). [تفسير ابن كثير: 7/ 196-197]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {اللّه لطيفٌ بعباده يرزق من يشاء وهو القويّ العزيز (19) من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيبٍ (20) أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدّين ما لم يأذن به اللّه ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ (21) ترى الظّالمين مشفقين ممّا كسبوا وهو واقعٌ بهم والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاءون عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير (22) }
يقول تعالى مخبرًا عن لطفه بخلقه في رزقه إيّاهم عن آخرهم، لا ينسى أحدًا منهم، سواءٌ في رزقه البرّ والفاجر، كقوله تعالى: {وما من دابّةٍ في الأرض إلا على اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كلٌّ في كتابٍ مبينٍ} [هودٍ:6] ولها نظائر كثيرةٌ.
وقوله: {يرزق من يشاء} أي: يوسّع على من يشاء، {وهو القويّ العزيز} أي: لا يعجزه شيء).[تفسير ابن كثير: 7/ 197]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {من كان يريد حرث الآخرة} أي: عمل الآخرة {نزد له في حرثه} أي: نقوّيه ونعينه على ما هو بصدده، ونكثر نماءه، ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، إلى ما يشاء اللّه {ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيبٍ} أي: ومن كان إنّما سعيه ليحصل له شيءٌ من الدّنيا، وليس له إلى الآخرة همّة ألبتّة بالكلّيّة، حرمه اللّه الآخرة والدّنيا إن شاء أعطاه منها، وإن لم يشأ لم يحصل له لا هذه ولا هذه، وفاز هذا السّاعي بهذه النّيّة بالصّفقة الخاسرة في الدّنيا والآخرة.
والدّليل على هذا أنّ هذه الآية هاهنا مقيّدةٌ بالآية الّتي في "سبحان" وهي قوله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها مذمومًا مدحورًا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكورًا كلا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظورًا انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعضٍ وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلا} [الإسراء:18-21].
وقال الثّوريّ، عن مغيرة، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ [رضي اللّه عنه] قال: قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بشّر هذه الأمّة بالسّناء والرّفعة، والنّصر والتّمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدّنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيبٍ"). [تفسير ابن كثير: 7/ 198]

رد مع اقتباس