عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 10:43 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 142 إلى 150]

{وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)}

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن الأنعام حمولةً وفرشاً...}
يقول: وأنشأ لكم من الأنعام حمولة، يريد ما أطاق الحمل والعمل: والفرش: الصغار). [معاني القرآن: 1/360]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومن الأنعام حمولةً وفرشاً كلوا ممّا رزقكم اللّه ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مّبينٌ}
ثم قال: {ومن الأنعام حمولةً وفرشاً} أي: وأنشأ من الأنعام حمولةً وفرشا). [معاني القرآن: 1/250-251]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({حمولة وفرشا}: الحمولة ما حمل عليها وهي الكبار من الإبل. والفرش صغارها التي لم تدرك أن تحمل عليها وقال بعضهم الفرش الغنم). [غريب القرآن وتفسيره: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(الحمولة): كبار الإبل التي يحمل عليها.
و(الفرش): صغارها التي لم تدرك. أي لم يحمل عليها وهي ما دون الحقاق والحقاق: هي التي صلح أن تركب. أي حق ذلك). [تفسير غريب القرآن: 162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
أراد: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}، وأنشأ لكم {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} يعني: كبارا وصغارا {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}، أي: لا تقفوا أثره فيما يحرّم عليكم مما لم يحرّمه الله، ويحلّه لكم مما حرّمه الله عليكم.
ثم قال: {ثمانية أزواجٍ}، أي: كلوا مما رزقكم الله ثمانية أزواج. وإن شئت جعلته منصوبا بالرّدّ إلى الحمولة الفرش تبيينا لها.
والثمانية الأزواج: الضأن، والمعز، والإبل، والبقر.
وإنما جعلها ثمانية وهي أربعة، لأنه أراد: ذكرا وأنثى من كل صنف، فالذكر زوج، والأنثى زوج، والزوج يقع على الواحد والاثنين. ألا ترى أنك تقول للرجل: زوج، وهو واحد، وللمرأة: زوج، وهي واحدة؟ قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}.
وكانوا يقولون: ما في بطون الأنعام حلال لذكورنا ونسائنا، إن كان الجنين ذكرا، ومحرّم على إناثنا إن كان أنثى. ويحرّمون على الرجال والنساء الوصيلة وأخاها، ويزعمون أن الله حرّم ذلك عليهم. فقال الله سبحانه: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}.
وقال يقايسهم في تحريم ما حرّموا: {قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ} من الضأن والمعز {حَرَّمَ} الله عليكم {أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ}؟، فإن كان التحريم من جهة الذكرين: فكل ذكر حرام عليكم، وإن كان التحريم من جهة الأنثيين: فكل أنثى حرام عليكم، أم حرّم عليكم {أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} من الأجنّة؟.
فإن كان التحريم من جهة الاشتمال، فالأرحام تشتمل على الذكور، وتشتمل على الإناث، وتشتمل على الذكور والإناث، فكل جنين حرام.
أم كنتم شهداء إذ وصّاكم الله بهذا أي حين أمر الله بهذا فتكونون على يقين؟ أم تفترونه عليه وتختلقونه؟ توبيخ {كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}). [تأويل مشكل القرآن: 339-341]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا ممّا رزقكم اللّه ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين}
نسق على الجنات، المعنى وهو الذي أنشأ جنات، وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشا و"الحمولة" الإبل التي تحمّل.
وأجمع أهل اللغة على أن "الفرش" صغارها.
وقال بعض المفسرين: الفرش صغار الإبل وإن البقر والغنم من الفرش الذي جاء في التفسير، يدل عليه قوله: {ثمانية أزواج من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين}
وقوله: {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين}
فلما جاء هذا بدلا من قوله (حمولة وفرشا) جعله للبقر والغنم مع الإبل.
وقوله: {كلوا مما رزقكم الله} أي لا تحرّموا ما حرمتم مما جرى ذكره.
{ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} في "خطوات" ثلاثة أوجه: ضم الطاء وفتحها وإسكانها.
ومعنى {خطوات الشيطان}: طرق الشيطان، قال بعضهم: تخطي الشيطان الحلال إلى الحرام.
والذي تدل عليه اللغة أن المعنى لا تسلكوا الطريق الذي يسوّله لكم الشيطان). [معاني القرآن: 2/298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن الأنعام حمولة وفرشا} وروى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "الحمولة": ما أطاق الحمل من الإبل، و"الفرش" ما لم يطق الحمل وكان صغيرا.
قال أبو جعفر: وهذا المعروف عند أكثر أهل اللغة.
وقال الضحاك: "الحمولة" من الإبل والبقر، و"الفرش" الغنم، واستشهد لصاحب هذا القول بقوله: {ثمانية أزواج} قال فثمانية بدل من قوله: {حمولة وفرشا}، قال الحسن: الحمولة الإبل والفرش الغنم). [معاني القرآن: 2/503-504]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {كلوا مما رزقكم الله} وهو أمر على الإباحة). [معاني القرآن: 2/504]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} يعني طرقه أي طريقه الذي يحسنه لكم وقيل تخطيه الحلال إلى الحرام وقيل يعني آثاره). [معاني القرآن: 2/504-505]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({حمولة وفرشا}: الحمولة: القوية على الحمل، والفرش: الصغيرة الضعيفة عن الحمل
والفرش - أيضا: القوية على الحمل والسير الكثير، ولم تأت الحمولة بمعنى الصغار). [ياقوتة الصراط: 225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((والحمولة) كبار الإبل: (والفرش) الصغار، ما دون الحِقاق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 80]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({حَمُولَةً}: الإبل التي يحمل عليها). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ثمانية أزواجٍ...}
فإن شئت جعلت الثمانية مردودة على الحمولة. وإن شئت أضمرت لها فعلا.
وقوله: {ثمانية أزواجٍ} الذكر زوج، والأنثى زوج، ولو رفعت اثنين واثنين لدخول (من) كان صوابا كما تقول: رأيت القوم منهم قاعد ومنهم قائم، وقاعد وقائما.
والمعنى في قوله: {قل آلذّكرين حرّم} يقول: أجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من الذكرين أم من الأنثيين؟ فلو قالوا: من قبل الذكر حرم عليهم كل ذكر، ولو قالوا: من قبل الأنثى حرمت عليهم كل أنثى.
ثم قال: {أمّا اشتملت عليه} يقول أم حرّم عليكم اشتمال الرحم؟ فلو قالوا ذلك لحرّم عليهم الذكر والأنثى؛ لأن الرحم يشتمل على الذكر والأنثى. و(ما) في قوله: {أمّا اشتملت} في موضع نصب، نصبته بإتباعه الذكرين والأنثيين). [معاني القرآن: 1/360-361]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({حمولةً وفرشاً} أي ما حملوا عليها،
والفرش: صغار الإبل لم تدرك أن يحمل عليها). [مجاز القرآن: 1/207]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ثمانية أزواجٍ مّن الضّأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذّكرين حرّم أم الأنثيين أمّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبّئوني بعلمٍ إن كنتم صادقين}
ثم قال: {ثمانية أزواجٍ} أي: أنشأ حمولةً وفرشاً ثمانية أزواجٍ. أي: أنّشأ ثمانية أزواجٍ، على البدل أو التبيان أو على الحال.
ثم قال: "أنشأ {من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين} وإنما قال: {ثمانية أزواجٍ} لأنّ كلّ واحدٍ "زوجٌ". تقول للاثنين: "هذان زوجان" وقال الله عز وجل: {ومن كلّ شيءٍ خلقنا زوجين} وتقول للمرأة: "هي زوجٌ" و"هي زوجةٌ" و: "هو زوجها". وقال: {وجعل منها زوجها} يعني المرأة وقال: {أمسك عليك زوجك} وقال بعضهم "الزوجة" وقال الأخطل:

زوجة أشمط مرهوبٌ بوادره = قد صار في رأسه التخويص والنزع
وقد يقال للاثنين أيضاً: "هما زوجٌ" وقال لبيد:
من كلّ محفوفٍ يظلّ عصيّه = زوجٌ عليه كلّةٌ وقرامها
وأمّا {الضأن} فمهموز وهو جماع على غير واحد.
ويقال: (الضئين) مثل "الشعير" وهو جماعة "الضأن" والأنثى "ضائنة" والجماعة: "الضوائن".
و{المعز} جمع على غير واحد وكذلك "المعزى"، فأما "المواعز" فواحدتها "الماعز" و"الماعزة" والذكر الواحد "ضائن" فيكون "الضأن" جماعة "الضائن" مثل صاحب" و"صحب" و"تاجر" و"تجر" وكذلك "ماعز" و"معز". وقال بعضهم {ضأن} و{معز} جعله جماعة "الضائن" و"الماعز" مثل "خادم" و"خدم"، و"حافد" و"حفدة" مثله إلاّ أنّه ألحق فيه الهاء.
وأمّا قوله: {آلذّكرين حرّم أم الأنثيين} فانتصب بـ"حرّم"). [معاني القرآن: 1/251-252]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثمانية أزواجٍ} أي ثمانية أفراد. والفرد يقال له: زوج.
والاثنان يقال لهما: زوجان وزوج. وقد بينت تأويل هذه الآية في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 162]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال: {ثمانية أزواجٍ}، أي: كلوا مما رزقكم الله ثمانية أزواج. وإن شئت جعلته منصوبا بالرّدّ إلى الحمولة الفرش تبيينا لها.
والثمانية الأزواج: الضأن، والمعز، والإبل، والبقر.
وإنما جعلها ثمانية وهي أربعة، لأنه أراد: ذكرا وأنثى من كل صنف، فالذكر زوج، والأنثى زوج، والزوج يقع على الواحد والاثنين. ألا ترى أنك تقول للرجل: زوج، وهو واحد، وللمرأة: زوج، وهي واحدة؟ قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}.
وكانوا يقولون: ما في بطون الأنعام حلال لذكورنا ونسائنا، إن كان الجنين ذكرا، ومحرّم على إناثنا إن كان أنثى. ويحرّمون على الرجال والنساء الوصيلة وأخاها، ويزعمون أن الله حرّم ذلك عليهم. فقال الله سبحانه: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}.
وقال يقايسهم في تحريم ما حرّموا: {قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ} من الضأن والمعز {حَرَّمَ} الله عليكم {أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ}؟، فإن كان التحريم من جهة الذكرين: فكل ذكر حرام عليكم، وإن كان التحريم من جهة الأنثيين: فكل أنثى حرام عليكم، أم حرّم عليكم {أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} من الأجنّة؟.
فإن كان التحريم من جهة الاشتمال، فالأرحام تشتمل على الذكور، وتشتمل على الإناث، وتشتمل على الذكور والإناث، فكل جنين حرام.
أم كنتم شهداء إذ وصّاكم الله بهذا أي حين أمر الله بهذا فتكونون على يقين؟ أم تفترونه عليه وتختلقونه؟ توبيخ {كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}). [تأويل مشكل القرآن: 339-341](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الزوج: اثنان، وواحد، قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} فجعل كل واحد منهما زوجا.
وهو بمعنى: الصّنف، قال: {خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} يعني: الأصناف.
وقال: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} أي ثمانية أصناف). [تأويل مشكل القرآن: 498](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ثمانية أزواج من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذّكرين حرّم أم الأنثيين أمّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبّئوني بعلم إن كنتم صادقين} بدل من {حمولة وفرشا}، والزوج في اللغة: الواحد الذي يكون معه آخر.
{من الضّأن اثنين}، و"الضّأن" جمع ضائن وضأن، مثل تاجر وتجر.
{ومن المعز اثنين قل آلذّكرين حرّم أم الأنثيين أمّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين}
هذا احتجاج عليهم؛ بيّن اللّه عزّ وجلّ به فريتهم وكذبهم فيما ادّعوه من أن ما في بطون الأنعام حلال للذكور ومحرم على الإناث، وما حرموا من سائر ما وصفنا، فقيل لهم آلذّكرين حرّم فإن كان حرم من الغنم ذكورها فكل ذكورها حرام، وإن كان حرّم الأنثيين فكل الإناث حرام، وإن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين فقد حرم الأولاد، وكلّها أولاد فكلّها حرام.
وكذلك الاحتجاج في قوله: {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين}
فقيل لهم {نبّئوني بعلم} أي فسروا ما حرمتم بعلم، أي وأنتم لا علم لكم لأنكم لا تؤمنون بكتاب). [معاني القرآن: 2/299]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ثمانية أزواج} كل فرد يحتاج إلى آخر عند العرب زوج). [معاني القرآن: 2/505]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {من الضأن اثنين} وهو جمع ضائن كما يقال راكب وركب). [معاني القرآن: 2/505]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن المعز اثنين} وهذا احتجاج عليهم أي إن كان حرم الذكور فكل ذكر حرام وإن كان حرم الإناث فكل أنثى حرام واحتج عليهم بهذا لأنهم أحلوا ما ولد حيا ذكرا للذكور وحرموه على الإناث إن كان أنثى، قال قتادة: أمره الله جل وعز أن يقول لهم: {آلذكرين حرم أم الأنثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} إن كان ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين حراما فكل مولود منها حرام وكلها مولود فكلها إذا حرام.
وان كان التحريم من جهة الذكور من الضأن والمعز فكل ذكر حرام عليكم وإن كان من جهة الإناث فكل أنثى حرام عليكم وكانوا يحرمون الوصيلة وأخاها على الرجال والنساء). [معاني القرآن: 2/505-506]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {نبئوني بعلم إن كنتم صادقين} أي ليس عندكم علم لأنهم لا يؤمنون بكتاب). [معاني القرآن: 2/506]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أي ثمانية أفراد، والفرد يقال له زوج). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَفَرْشًا}: صغار الإبل وقيل الغنم). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أم كنتم شهداء...}
يقول: أوصّاكم الله بهذا معاينة؟). [معاني القرآن: 1/361]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذّكرين حرّم أم الأنثيين أمّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصّاكم اللّه بهذا فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبا ليضلّ النّاس بغير علم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
{أم كنتم شهداء إذ وصّاكم اللّه بهذا} أي هل شاهدتم الله قد حرم هذا إذ كنتم لا تؤمنون برسول.
ثم بين ظلمهم فقال: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبا ليضلّ النّاس بغير علم}.
وقد بيّن الاحتجاج أنهم لا يؤمنون بنبيّ ولا يدّعون أن نبيا خبّرهم عن الله أن هذا حرام، ولا أنهم شاهدوا اللّه قد حرّم ذلك). [معاني القرآن: 2/299]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا} أي لستم تؤمنون بكتاب فهل شهدتم الله عز وجل حرم هذا). [معاني القرآن: 2/506]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم بين ظلمهم فقال: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا}). [معاني القرآن: 2/506]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل لاّ أجد في ما أوحي إليّ محرّماً...}
ثم قال جلّ وجهه: {إلاّ أن يكون ميتةً} وإن شئت (تكون) وفي (الميتة) وجهان الرفع والنصب. ولا يصلح الرفع في القراءة؛ لأنّ الدم منصوب بالردّ على الميتة وفيه ألف تمنع من جواز الرفع. ويجوز (أن تكون) لتأنيث الميتة، ثم تردّ ما بعدها عليها.
ومن رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لها، اكتفى بيكون بلا فعل. وكذلك (يكون) في كل الاستثناء لا تحتاج إلى فعل؛ ألا ترى أنك تقول: ذهب الناس إلا أن يكون أخاك، وأخوك. وإنما استغنت كان ويكون عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعل يكون للاسم. فلما قيل: قام الناس إلا زيدا وإلا زيد فنصب بلا فعل ورفع بلا فعل صلحت كان تامة. ومن نصب: قال كان من عادة كان عند العرب مرفوع ومنصوب، فأضمروا في كان اسما مجهولا، وصيّروا الذي بعده فعلا لذلك المجهول. وذلك جائز في كان، وليس، ولم يزل، وفي أظنّ وأخواتها: أن تقول (أظنه زيد أخوك و) أظنّه فيها زيد. ويجوز في إنّ وأخواتها؛ كقول الله تبارك وتعالى: {يا بنيّ إنّها إن تك مثقال حبّةٍ} وكقوله: {إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم} فتذكّر الهاء وتوحّدها، ولا يجوز تثنيتها ولا جمعها مع جمع ولا غيره. وتأنيثها مع المؤنث وتذكيرها مع المؤنث جائز؛ فتقول: إنها ذاهبة جاريتك، وإنه ذاهبة جاريتك.
فإن قلت: كيف جاز التأنيث مع الأنثى، ولم تجز التثنية مع الاثنين؟
قلت: لأن العرب إنما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فلما جاز {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} {وأخذت} جاز التأنيث، والتذكير. ولما لم يجز: قاما أخواك ولا قاموا قومك، لم يجز تثنيتها ولا جمعها.
فإن قلت: أتجيز تثنيتها في قول من قال: ذهبا أخواك؟ قلت: لا، من قبل أنّ الفعل واحد، والألف التي فيها كأنها تدلّ على صاحبي الفعل، والواو في الجمع تدل على أصحاب الفعل، فلم يستقم أن يكنى عن فعل واسم في عقدة، فالفعل واحد أبدا؛ لأن الذي فيه من الزيادات أسماء.
وتقول في مسألتين منه يستدلّ بهما على غيرهما: إنها أسد جاريتك، فأنثت لأن الأسد فعل للجارية، ولو جعلت الجارية فعلا للأسد ولمثله من المذكر لم يجز إلا تذكير الهاء. وكذلك كل اسم مذكّر شبهته بمؤنث فذكّر فيه الهاء، وكل مؤنث شبهته بمذكر ففيه تذكير الهاء وتأنيثها؛ فهذه واحد. ومتى ما ذكّرت فعل مؤنث فقلت: قام جاريتك، أو طال صلاتك، (ثم أدخلت عليه إنه) لم يجز إلا تذكيرها، فتقول: إنه طال صلاتك؛ فذكّرتها لتذكير الفعل، لا يجوز أن تؤنث وقد ذكّر الفعل.
وإذا رأيت الاسم مرفوعا بالمحالّ - مثل عندك، وفوقك، وفيها - فأنّث وذكّر في المؤنث ولا تؤنث في المذكر. وذلك أن الصفة لا يقدر فيها على التأنيث كما يقدر (في قام) جاريتك على أن تقول: قامت جاريتك. فلذلك كان في الصفات الإجراء على الأصل.
وإذا أخليت كان باسم واحد جاز أن ترفعه وتجعل له الفعل. وإن شئت أضمرت فيه مجهولا ونصبت ما بعده فقلت: إذا كان غدا فأتنا. وتقول: اذهب فليس إلا أباك، وأبوك. فمن رفع أضمر أحدا؛ كأنه قال: ليس أحد إلا أبوك، ومن نصب أضمر الاسم المجهول فنصب؛ لأن المجهول معرفة فلذلك نصبت.
ومن قال: إذا كان غدوةً فأتنا لم يجز له أن يقول: إذا غدوةً كان فأتنا، كذلك الاسم المجهول لا يتقدمه منصوبه. وإذا قرنت بالنكرة في كان صفة فقلت: إن كان بينهم شرّ فلا تقربهم، رفعت. وإن بدأت بالشر وأخرت الصفة كان الوجه الرفع فقلت: إن شر بينهم فلا تقربهم، ويجوز النصب.
قال وأنشدني بعضهم:
فعينيّ هلاّ تبكيان عفاقا = إذا كان طعنا بينهم وعناقا
فإذا أفردت النكرة بكان اعتدل النصب والرفع. وإذا أفردت المعرفة بكان كان الوجه النصب؛ يقولون: لو كان إلا ظله لخاب ظله. فهذه على ما وصفت لك). [معاني القرآن: 1/361-364]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أو دماً مسفوحاً} أي مهراقاً مصبوباً، ومنه قولهم: سفح دمعى، أي: سال. قال الشاعر:
هاج سفح دموعي = ما تحنّ ملوعي).
[مجاز القرآن: 1/207-208]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل لاّ أجد في ما أوحي إليّ محرّماً على طاعمٍ يطعمه إلاّ أن يكون ميتةً أو دماً مّسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ ربّك غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {فإنّه رجسٌ أو فسقاً} يقول: "إلاّ أن يكون ميتةً أو فسقاً فإنّه رجسٌ"). [معاني القرآن: 1/252]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({دما مسفوحا}: أي سائلا). [غريب القرآن وتفسيره: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أو دماً مسفوحاً} أي سائلا.
{أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به} أي: ما ذبح لغيره وذكر عليه غير اسمه). [تفسير غريب القرآن: 162-163]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم قال: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنّه رجس أو فسقا أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فإنّ ربّك غفور رحيم}
فأعلمهم - صلى الله عليه وسلم - أن التحريم والتحليل إنما يقبله بالوحي أو التنزيل فقال: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا}.
والمسفوح المصبوب، فكأنه إذا ذبحوا أكلوا الدّم كما يأكلون اللحم.
{أو لحم خنزير فإنّه رجس} والرجس اسم لما يستقذر، وللعذاب.
{أو فسقا أهلّ لغير اللّه به} أي رفع الصوت على ذبحه باسم غير اللّه، وكانوا يذكرون أسماء أوثانهم على ذبائحهم.
{ففسق} عطف على لحم خنزير، المعنى إلا أن يكون المأكول ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا.
فسمّي ما ذكر عليه غير اسم اللّه فسقا، أي خروجا من الدّين.
{فمن اضطرّ غير باغ} أي دعته الضرورة إلى أكله فأكله غير باغ، أي غير قاصد لتحليل ما حرم اللّه.
{ولا عاد} أي ولا مجاوز للقصد وقدر الحاجة. و "العادي" الظالم.
{فإنّ ربّك غفور رحيم} أي يغفر لمن لم يتعدّ.
فأما إعراب (آلذّكرين) فالنصب بـ (حرّم).
وتثبت ألف المعرفة مع ألف الاستفهام لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، لأنه لو قيل ألذكرين حرّم بألف واحدة لالتبس الاستفهام بالخبر.
وقد يجوز جمع أم حذف الألف لأن أم تدل على الاستفهام لأنه لو قيل ألرجل ضربت أم الغلام لدلّت "أم" على أن الأول، داخل في الاستفهام.
وقد أجاز سيبويه أن يكون البيت على ذلك وهو قوله:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا = شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر
فأجاز أن يكون على أشعيث بن سهم، ولكن القراءة بتبيين الألف الثانية في قوله: {آلذّكرين}). [معاني القرآن: 2/299-301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم بين أنه لا يحرم الله شيئا إلا بوحي فقال {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} روي عن عائشة رحمة الله عليها على طاعم طعمه وعن أبي جعفر محمد بن علي طاعم يطعمه). [معاني القرآن: 2/507]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا} قال قتادة المسفوح المصبوب فحرم ما كان مصبوبا خاصة فأما ما كان مختلطا باللحم فهو حلال). [معاني القرآن: 2/507]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسم الله وسماه فسقا لأنه خارج عن الدين، والمعنى أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا أهل لغير الله به فإنه رجس والموقوذة والمتردية والنطيحة داخلة في هذه الآية عند قوم لأنها أصناف الميتة فأما ما لم يدخل في هذه الآية عند قوم ففيه قولان: أحدهما أنه روي عن عائشة وابن عباس أن الآية جامعة لجميع ما حرم من الحيوان خاصة وأنه ليس في الحيوان محرم إلا ما ذكر فيها والقول الآخر أن هذه الآية محكمة جامعة للحيوان وغيره وثم أشياء قد حرمها الله سوى هذه وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير فقيل هذا قول قوي في اللغة لأن ما مبهمة فقوله جل وعز: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} يجب أن يكون عاما للحيوان وغيره والله أعلم بما أراد). [معاني القرآن: 2/507-509]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} أحسن ما قيل في الباغي الذي يأكل مضطرا لا متلذذا والعادي الذي يجاوز ما يقيم رمقه). [معاني القرآن: 2/509]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({مسفوحا} أي: مصبوبا). [ياقوتة الصراط: 225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} أي سائلاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مسْفُوحًا}: مصبوباً). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما...}
حرّم عليهم الثّرب، وشحوم الكلى.
ثم قال: {إلاّ ما حملت ظهورهما} و(ما) في موضع نصب بالفعل بالاستثناء. و{الحوايا} في موضع رفع، تردّها على الظهور: إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا،وهي المباعر وبنات اللبن. والنصب على أن تريد (أو شحوم الحوايا) فتحذف الشحوم وتكتفى بالحوايا؛ كما قال: {واسأل القرية} يريد: واسأل أهل القرية.
وقوله: {أو ما اختلط بعظمٍ} وهي الألية. و(ما) في موضع نصب). [معاني القرآن: 1/364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون}
وقال: {ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا} فواحد "الحوايا": "الحاوياء" "والحاوية". ويريد بقوله - والله أعلم - {ومن البقر والغنم} أي: والبقر والغنم حرمنا عليهم. ولكنه أدخل فيها "من" والعرب تقول: "قد كان من حديثٍ" يريدون: قد كان حديثٌ" وإن شئت قلت: "ومن الغنم حرّمنا الشّحوم" كما تقول: "من الدّار أخذ النّصف والثلث" فأضفت على هذا المعنى كما تقول: "من الدّار أخذ نصفها" و"من عبد الله ضرب وجهه"). [معاني القرآن: 1/252-253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} أي كلّ ذي مخلب من الطير، وكلّ ذي ظلف ليس بمشقوق. يعني الحافر.
{شحومهما إلّا ما حملت ظهورهما} يقال: الألية. أو الحوايا المباعر، واحدها حاوية وحويّة). [تفسير غريب القرآن: 163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي كلّ ذي مخلب من الطير، وكلّ ذي حافر من الدّواب كذلك قال المفسّرون: وسمّى الحافر ظفرا على الاستعارة، كما قال الآخر وذكر ضيفا طرقه:
فما رَقَد الوِلْدَانُ حتّى رأيتُه = على البَكْرِ يَمْرِيه بساقٍ وحَافِرِ
فجعل الحافر موضع القدم.
وقال آخر:
سأمنعها أو سوف أجعل أمرها = إلى مَلِكِ أَظلافُهُ لَمْ تُشَقَّقِ
يريد بالأظلاف: قدميه، وإنما الأظلاف للشاء والبقر.
والعرب تقول للرجل: (هو غليظ المشافِر) تريد الشفتين، والمشافر للإبل.
وقال الحطيئة:
قَرَوْا جارَك العَيْمَان لَمَّا جفوتَه = وقلَّص عن بَرْدِ الشَّرابِ مَشَافِرُه).
[تأويل مشكل القرآن: 153-154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفر ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلّا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون}
يعنى به الإبل والنعام، لأن النعام ذوات ظفر كالإبل.
{ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلّا ما حملت ظهورهما}.
فقال بعض الناس:. حرمت عليهم الثروب، وأحل لهم ما سواها مما حملت الظهور.
{أو الحوايا} وهي المباعر واحدها حاوية وحاوياء وحويّة.
{أو ما اختلط بعظم} نحو شحم الإلية. وهذا أكثر القولين، وقال قوم حرمت عليهم الثروب.
وأحل لهم ما حملت الظهور وصارت الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت الظهور فإنه غير محرم، و " أو " دخلت على طريق الإباحة، كما قال جلّ وعزّ: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا}، فالمعنى كل هؤلاء أهل أن يعصى.
فاعص هذا، واعص هذا و " أو " بليغة في هذا المعنى، لأنك إذا قلت: لا تطع زيدا وعمرا فجائز أن تكون نهيتني عن طاعتهما معا في حال إن أطعت زيدا على حدته لم أكن عصيتك، وإذا قلت: لا تطع زيدا أو عمرا أو خالدا، فالمعنى أن هؤلاء كلهم أهل ألا يطاع فلا تطع واحدا منهم ولا تطع الجماعة.
ومثله جالس الحسن أو ابن سيرين أو الشعبي، فليس المعنى أني آمرك بمجالسة واحد منهم، ولكن معنى " أو" الإباحة.
المعنى كلهم أهل أن يجالس، فإن جالست واحدا منهم فأنت مصيب وإن جالست الجماعة فأنت مصيب). [معاني القرآن: 2/301-302]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} قال مجاهد وقتادة والضحاك كل ذي ظفر الإبل والنعام قال قتادة وهو من الطير ما لم يكن مشقوق الظفر نحو البط وما أشبهه وهو عند أهل اللغة من الطير ما كان ذا مخلب ودخل في ذا ما يصطاد بظفره من الطير وجميع أنواع السباع والكلاب والسنانير). [معاني القرآن: 2/510]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما}
قال قتادة: هي شحوم الثروب خاصة. ومذهب ابن جريج أنه كل شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم..
وهذا أولى لعموم الآية، وللحديث المسند: قاتل الله اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها، وأكلوا أثمانها إلا ما حملت ظهورهما أي إلا شحوم الجنب وما علق بالظهر فإنها لم تحرم عليهم أو الحوايا.
قال مجاهد وقتادة: {الحوايا}: المباعر.
قال أبو عبيدة: هي عندي ما تحوى من البطن أي استدار.
قال الكسائي: واحدها حاوية وحوية.
وحكى سيبويه (حاوياء) قيل المعنى: حرمنا عليهم شحومها ثم استثنى فقال {إلا ما حملت ظهورهما} ثم عطف على الاستثناء فقال أو الحوايا أو ما اختلط بعظم أي إلا هذه الأشياء فإنها حلال.
وقيل المعنى: حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت ظهورهما فيكون ما بعد إلا استثناء على هذا القول داخلا في التحريم ويكون مثل قوله تعالى: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} وأو ههنا بخلاف معنى الواو أي لا تطع هذا الضرب.
وقال الكسائي إلا ما حملت ظهورهما ما في موضع نصب على الاستثناء والحوايا في موضع رفع بمعنى وما حملت الحوايا فعطف الحوايا على الظهور). [معاني القرآن: 2/510-512]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أو ما اختلط بعظم}
قال فعطفه على المستثنى وهذا أحد قولي الفراء وهذا أصح هذه الأقوال والله أعلم). [معاني القرآن: 2/512-513]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} قال قتادة حرمت عليهم هذه الأشياء عقوبة لهم على بغيهم). [معاني القرآن: 2/513]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({أو الحوايا} فالحوايا: بنات اللبن، واحدتها: حاوية وحوية). [ياقوتة الصراط: 226]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ظلف ليس بمشقوق الحافر.
{إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا} المباعِر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة}
قال مجاهد: يعني اليهود). [معاني القرآن: 2/513]

تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {سيقول الّذين أشركوا لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيء كذلك كذّب الّذين من قبلهم حتّى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتّبعون إلّا الظّنّ وإن أنتم إلّا تخرصون}
زعم سيبويه أن العطف بالظاهر على المضمر المرفوع قبيح، يستقبح قمت وزيد، وقام وزيد، فإن جاءت "لا" حسن الكلام فقلت: لا قمت ولا زيد، كما أنه إذا أكد فقال قمت أنت وزيد حسن، وهو جائز في الشعر.
فأما معنى الآية فإن اللّه جل ثناؤه أخبر عنهم بما سيقولونه، وقولهم: {لو شاء اللّه ما أشركنا} جعلوا هذا القول حجة في إقامتهم على شركهم فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنّ {كذلك كذّب الّذين من قبلهم حتّى ذاقوا بأسنا}.
والحجّة عليهم في هذا أنهم إذا اعتقدوا أن كل من كان على شيء.
والأشياء تجري بمشيئة الله تعالى - فهو على صواب فلا معنى إذن – على قولهم - للرسالة والأنبياء، فيقال لهم: فالذين على دين يخالفكم، أليس هو على ما شاء اللّه، فينبغي ألا تقولوا إنهم ضالّون، وهو عزّ وجلّ يفعل ما يشاء، وهو قادر على أن يهدي الخلق أجمعين، وليس للعباد على الله أن يفعل بهم كل ما يقدر عليه، فقال عزّ وجلّ: {قل فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين}). [معاني القرآن: 2/302-303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء}
قال مجاهد: يعني كفار قريش أي لو شاء الله ما حرمنا البحيرة ولا السائبة.
وقال غيره: فأنكر الله جل وعز عليهم هذا القول وقال {كذلك كذب الذين من قبلهم} لأنه ليس لهم أن يحتجوا بأنه من كان على معصية قد شاء الله أن تكون فهو له عذر لأنه لو كان هكذا لكان لمن خالفهم في دينهم عذر لأن الله لو شاء أن يهديه هداه). [معاني القرآن: 2/513-514]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({قل فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين}
فحجته البالغة تبيينه أنّه الواحد وإرساله الأنبياء بالحجج التي يعجز عنها المخلوقون). [معاني القرآن: 2/303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {قل فلله الحجة البالغة} أي بإرساله الرسل وإظهاره البينات). [معاني القرآن: 2/514]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قل هلمّ شهداءكم}
"هلّم" في لغة أهل العالية للواحد والاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء.
قال الأعشى:
وكان دعا قومه بعدها = هلمّ إلى أمركم قد صرم
وأهل نجد يقولون للواحد هلمّ، وللمرأة هلمّى، وللاثنين هلمّا، وللقوم: هلمّوا، وللنساء هلمن، يجعلونها من هلممت.
وأهل الحجاز لا يجعلون لها فعلاً). [مجاز القرآن: 1/208]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل هلمّ شهداءكم الّذين يشهدون أنّ اللّه حرّم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتّبع أهواء الّذين كذّبوا بآياتنا والّذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربّهم يعدلون}
وقال: {هلمّ شهداءكم} لأن "هلمّ" قد تكون للواحد والاثنين والجماعة). [معاني القرآن: 1/253]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ((هلمَّ): بمعنى تعالى، وأهل الحجاز لا يثنّونها ولا يجمعونها. وأهل نجد يجعلونها من هلممت، فيثنّون ويجمعون ويؤنّثون. وتوصل باللام فيقال: هلمّ لك، وهلمّ لكما.
قال الخليل: أصلها (لمّ) زيدت الهاء في أوّلها.
وخالفه الفراء فقال: أصلها (هل) ضمّ إليها (أمّ) والرّفعة التي في اللام من همزة (أمّ) لمّا تركت انتقلت إلى ما قبلها.
وكذلك (اللهم) نرى أصلها: (يا الله أمّنا بخير) فكثرت في الكلام فاختلطت، وتركت الهمزة). [تأويل مشكل القرآن: 557]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قل هلمّ شهداءكم الّذين يشهدون أنّ اللّه حرّم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتّبع أهواء الّذين كذّبوا بآياتنا والّذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربّهم يعدلون}
زعم سيبويه أنها " ها، ضمت إليها "لمّ" وجعلتا كالكلمة الواحدة.
فأكثر اللغات أن يقال هلمّ للواحد والاثنين والجماعة.
بذلك جاء القرآن نحو قولهم: (هلمّ إلينا).
ومعنى {هلمّ شهداءكم} أي فهاتوا شهداءكم، وقربوا شهداءكم، ومن العرب من يثني ويجمع ويؤنث، فيقول للذكر هلمّ، وللاثنين هلمّا وللجماعة هلمّوا، وللمرأة هلمّي وللاثنتين هلمّا، وللنسوة هلممن.
وفتحت الميم، لأنها مدغمة كما فتحت ردّ في الأمر لالتقاء السّاكنين.
ولا يجوز هلم إلينا للواحد بالضم. كما يجوز في رد الفتح؛ والضم والكسر، لأنها لا تتصرف). [معاني القرآن: 2/303]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا}
والأصل عند الخليل "ها" ضمت إليها "لم" ثم حذفت الألف لكثرة الاستعمال.
وقال غيره الأصل "هل" زيدت عليها "لم".
وقيل هي على لفظها تدل على معنى هات وأهل الحجاز يقولون للواحد والاثنين والجماعة هلم وأهل نجد يأتون بالعلامة كما تكون في سائر الأفعال). [معاني القرآن: 2/514-515]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهم بربهم يعدلون}
أي يجعلون له عدلا فيعبدون غيره جل وعز). [معاني القرآن: 2/515]


رد مع اقتباس