عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 09:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 21 إلى 35]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)}


تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أين شركاؤكم} أي: أين آلهتكم التي جعلتموها لي شركاء فنسبها إليهم لما ادّعوا لها من شركته جلّ وعز). [تفسير غريب القرآن:152]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين...} تقرأ: ربّنا وربّنا خفضا ونصبا...
- وحدثني الحسن بن عيّاش أخو أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن الشعبيّ عن علقمة أنه قرأ {واللّه ربّنا}
قال: معناه والله يا ربّنا.
فمن قال (ربّنا) جعله محلوفا به). [معاني القرآن:1/330]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا والله ربّنا} مرفوعة إذا علمت فيها {ثم لم تكن} فتجعل قولهم الخبر لتكن، وقوم ينصبون {فتنتهم} لأنهم يجعلونها الخبر، ويجعلون قولهم الاسم، بمنزلة قولك ثم لم يكن قولهم إلا فتنةً، لأن {إلاّ أن قالوا} في موضع {قولهم}.
- ومجاز (فتنتهم): مجاز كفرهم وشركهم الذي كان في أيديهم). [مجاز القرآن: 1/188]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين}
- وقال {ثمّ لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا واللّه ربّنا} على الصفة.
- وقال بعضهم: {ربّنا} على "يا ربنا.
وأمّا {والله} فجره على القسم، ولو لم تكن فيه الواو نصبت فقلت {الله ربّنا}، ومنهم من يجر بغير واو لكثرة استعمال هذا الاسم وهذا في القياس رديء.
وقد جاء مثله شاذا قولهم:
* وبلدٍ عاميّةٍ أعماؤه *
[و] إنّما هو: ربّ بلدٍ وقال:
نهيتك عن طلابك أمّ عمرٍو = بعاقبةٍ وأنت إذٍ صحيح

- يقول: "حينئذٍ" فألقى "حين" وأضمرها. وصارت الواو عوضا من "ربّ" في "وبلدٍ". وقد يضعون "بل" في هذا الموضع. قال الشاعر:
ما بال عينٍ عن كراها قد جفت = مسبلةً تستنّ لمّا عرفت
داراً لليلى بعد حولٍ قد عفت = بل جوز تيهاء كظهر الحجفت

فيمن قال "طلحت"). [معاني القرآن: 1/235]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثمّ لم تكن فتنتهم} أي مقالتهم ويقال حجّتهم.
وقد ذكرت هذا في كتاب «تأويل المشكل» في باب الفتنة. وبينت كيف هو). [تفسير غريب القرآن: 152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الفتنة: الاختبار.
يقال فتنت الذهب في النّار: إذا أدخلته إليها لتعلم جودته من رداءته.
وقال تعالى {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: اختبرناهم.
وقال لموسى عليه السلام: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}.
ومنه قوله {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} أي: جوابهم لأنهم حين سئلوا اختبر ما عندهم بالسؤال، فلم يكن الجواب عن ذلك الاختبار إلا هذا القول). [تأويل مشكل القرآن:472](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين}
إن شئت نصبت "فتنتهم" على خبر يكن، ويكون أن قالوا هو الاسم وأنث "تكن" وهو {إلا أن قالوا} لأن " أن قالوا " ههنا هو الفتنة.
- ويجوز أن يكون: تأويل "أن قالوا" إلا مقالتهم.
- ويجوز: رفع الفتنة وتأنيث "تكن" ويكون الخبر (أن قالوا) والاسم (فتنتهم).
- ويجوز: ثم لم يكن فتنتهم إلا أن قالوا، فتذكر "يكن" لأنه معلق ب (أن قالوا)، ويجوز ثم لم يكن فتنتهم بالياء ورفع الفتنة، لأن الفتنة والافتتان في معنى واحد.
وتأويل هذه الآية تأويل حسن في اللغة لطيف لا يفهمه إلا من عرف معاني الكلام وتصرّف العرب في ذلك، واللّه جلّ وعزّ ذكر في هذه الأقاصيص التي جرت في أمر المشركين وهم مفتتنون بشركهم.
أعلم اللّه أنه لم يكن افتتانهم بشركهم، وإقامتهم عليه إلا أن تبرأوا منه وانتفوا منه، فحلفوا أنهم ما كانوا مشركين، ومثل ذلك في اللغة أن ترى إنسانا يحب غاويا، فإذا وقع في هلكة تبرأ منه، فتقول له ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه.
- ويجوز: (واللّه ربّنا) على جر (ربّنا) على النعت والثناء لقوله (واللّه).
- ويجوز: (واللّه ربّنا) بنصب (ربّنا)، ويكون النصب على وجهين، على الدعاء، قالوا واللّه يا ربّنا ما كنا مشركين.
- ويجوز: نصبه على أعني: المعنى أعني (ربّنا).
وأذكر ربنا، ويجوز رفعه على إضمار هو، ويكون مرفوعا على المدح.
والقراءة الجر والنّصب، فأمّا الرفع فلا أعلم أحدا قرأ به). [معاني القرآن: 2/235-236]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين}
قال أبو إسحاق: تأويل هذه الآية لطيف جدا أخبر الله جل وعز بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حين رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك، ونظير هذا في اللغة أن ترى إنسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فيقول له ما كانت محبتك إياه إلا أن تبرأت منه.
فأما معنى قولهم: {والله ربنا ما كنا مشركين} وقال في موضع آخر {ولا يكتمون الله حديثا} معطوف على ما قبله
- والمعنى: وودوا أن لا يكتموا الله حديثا والدليل على صحة هذا القول أنه روي عن سعيد بن جبير في قوله: {والله ربنا ما كنا مشركين} قال اعتذروا وحلفوا.
- وكذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة وروي عن مجاهد أنه قال: لما رأوا الذنوب تغفر إلا الشرك والناس يخرجون من النار إلا المشركين قال {والله ربنا ما كنا مشركين}
- وقول بعض أهل اللغة: إنما قالوا هذا على أنهم صادقون عند أنفسهم ولم يكونوا ليكذبوا وقد عاينوا ما عاينوا وقطرب يذهب إلى هذا القول، وهو قول مردود لأنه قال لم يكونوا ليكذبوا وبعدها {انظر كيف كذبوا على أنفسهم} ويبين لك الغلط في هذا القول قوله جل وعز: {يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له} الآية،
- قال مجاهد: كذبهم الله وقيل معنى ولا يكتمون الله حديثا أنه ظاهر عنده). [معاني القرآن: 2/407-409]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ} أي مقالتهم وقيل معذرتهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 75]

تفسير قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}
أي ذهب عنهم ما كانوا يدعون ويختلقون). [تفسير غريب القرآن:152]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أكنّةً أن يفقهوه} واحدها كنان، ومجازها: عطاء،
قال عمر بن أبي ربيعة:
أيّنا بات ليلةً = بين غصنين يوبل
تحت عينٍ كنانها = ظلّ بردٍ مرحّل

أي غطاؤنا الذي يكنّنا.
{وفي آذانهم وقراً} مفتوح، ومجازه: الثّقل والصمم وإن كانوا يسمعون، ولكنهم صمّ عن الحق والخير والهدى؛ والوقر هو الحمل إذا كسرته.
{أساطير الأوّلين} واحدتها أسطورة، وإسطارة لغة، ومجازها مجار الترّهات البسابس ليس له نظام، وليس بشيء). [مجاز القرآن: 1/188-189]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ومنهم مّن يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنّةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن يروا كلّ آيةٍ لاّ يؤمنوا بها حتّى إذا جاءوك يجادلونك يقول الّذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأوّلين}
[و] قال: {وجعلنا على قلوبهم أكنّةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً}
وواحد "الأكنّة" الكنان.
و"الوقر" في الأذن [بالفتح]، و"الوقر" على الظهر بالكسر.
وقال يونس: "سألت رؤبة" فقال: "وقرت أذنه" "توقر" إذا كان فيها "الوقر".
وقال أبو زيد: سمعت العرب تقول: "أذنٌ موقورةٌ" فهذا يقول: "وقرت".
قال الشاعر:
وكلامٍ سيّئ قد وقرت = أذني منه وما بي من صمم

وقال: {أساطير الأوّلين} فبعضهم يزعم أنّ واحده "أسطورة" وبعضهم "إسّطارة"، ولا أراه إلاّ من الجمع الذي ليس له واحدٌ نحو: "عباديد" و"مذاكير" و"أبابيل".
وقال بعضهم: "واحد الأبابيل": إبّيل.
وقال بعضهم: "إبّول" مثل: "عجّول" ولم أجد العرب تعرف له واحدا. فأمّا "الشّماطيط" فإنهم يزعمون أنّ واحده "شمطاط" وكل هذه لها واحد إلا أنه ليس يستعمل، ولم يتكلّم به لأن هذا المثال لا يكون إلا جميعاً.
وسمعت العرب الفصحاء يقولون: "أرسل إبله أبابيل" يريدون "جماعات" فلم يتكلّم لها بواحد). [معاني القرآن:1/236]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({في آذانهم وقرا}: ثقلا ويقال قد وقرت أذنه.
{أساطير الأولين}: أباطيلهم). [غريب القرآن وتفسيره:135-134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوَقْرُ: الصّمم.
والوِقر: الحمل على الظهر). [تفسير غريب القرآن: 152]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها حتّى إذا جاءوك يجادلونك يقول الّذين كفروا إن هذا إلّا أساطير الأوّلين}
{أكنّة} جمع كنان وهو الغطاء، مثل عنان وأعنّة.
فأمّا {أن يفقهوه} فمنصوب على أنه مفعول له، والمعنى وجعلنا على قلوبهم أكنّة، لكراهة أن يفقهوه فلما حذفت اللام نصبت الكراهة، ولما حذفت الكراهة انتقل نصبها إلى أن.
وقوله{وفي آذانهم وقرا}، الوقر: ثقل السمع وهو بالفتح، يقال في أذنه وقر، وقد وقرت الأذن توقر.
قال الشاعر:
وكلام سيّئ قد وقرت = أذني منه وما بي من صمم

والوقر - بكسر الواو - أن يحمل البعير أو غيره مقدار ما يطيق، يقال عليه وقر، ونخلة موقر وموقرة بالكسر أكثر، وموقر مثل مرضع، أي ذات وقر، كما أن تلك ذات رضاع، وإنما فعل بهم ذلك مجازاة لهم بإقامتهم على كفرهم.
وليس المعنى أنهم لم يفهموه ولم يسمعوه، ولكنهم لما عدلوا عنه وصرفوا فكرهم عما هم عليه، في سوء العاقبة كانوا بمنزلة من لم يعلم ولم يسمع.
وقوله: {وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها} أي: كل علامة تدلهم على نبوتك، ثم أعلم الله عزّ وجلّ مقدار احتجاجهم وجدلهم وأنهم إنما يستعملون في الاحتجاج أن يقولوا هذا أساطير الأولين، ويقولون افترى على الله كذبا، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم ليس يعارضون ما احتج به عليهم من الحق، حيث قيل لهم: {فأتوا بسورة من مثله}، وحيث شق لهم القمر، وحيث أنزل على نبيه عليه السلام {واللّه يعصمك من النّاس}.
فما أتى أحد بسورة ولا قدر على ضر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا على قتله، وأنبأ عزّ وجلّ بما سيكون في كتابه فوجد ذلك أجمع.
فقال اللّه عزّ وجلّ: {حتّى إذا جاءوك يجادلونك يقول الّذين كفروا إن هذا إلّا أساطير الأوّلين}، واحدها إسطار، وأسطورة.
وتأويل السّطر في اللغة: أن تجعل شيئا ممتدا مؤلفا، فمن ذلك سطر الكتاب، يقال: سطر وسطر، فمن قال سطر جمعه أسطار.
قال رؤبة:
إني وأسطار سطرن سطرا = لقائل يا نصر نصرا نصرا

وجمع أسطار أساطير، فعلى هذا - عندي - أساطير الأولين.
ومن قال سطر فجمعه أسطر، وجمع الجمع أساطرة، وأساطير.
قال الشماخ في جمع سطر:
كما خط عبرانية يمنية = بتيماء حبر ثم عرّض أسطرا).
[معاني القرآن: 2/236-238]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} قيل فعل بهم هذا مجازاة على كفرهم وليس المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ولكن لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ولا ينقادون إلى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم،
ثم خبر بعنادهم فقال: {وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} لأنهم لما رأوا القمر منشقا قالوا سحر فأخبر الله عز وجل بردهم الآيات بغير حجة وقال {حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين فخبر} أن هذا مقدار احتجاجهم). [معاني القرآن: 2/409-410]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والوقر) الصمم.
و(الوقر) بالكسر: الحمل على الظهر). [تفسير المشكل من غريب القرآن:75]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((الوَقْر): الثقل في الأذن
{أَسَاطِيرُ}: أباطيل). [العمدة في غريب القرآن: 126]

تفسير قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {وهم ينهون عنه وينأون عنه} أي يتباعدون عنه،
قال النّابغة:
فأبلغ عامراً عني رسولاً = وزرعة إن دنوت وإن نأيت).
[مجاز القرآن:1/189]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلاّ أنفسهم وما يشعرون}
وأمّا قوله: {وينأون عنه} فانه من: "نأيت" "ينأى" "نأياً"). [معاني القرآن: 1/236]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ينؤن عنه}: يبعدون نأيت عن الموضع). [غريب القرآن وتفسيره: 135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وهم ينهون عنه} أي: عن محمد.
{وينأون} أي: يبعدون). [تفسير غريب القرآن: 152]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلّا أنفسهم وما يشعرون}
أي: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتبع.
{وينأون عنه}
أي: يتباعدون عنه، يقال: نأيت عن الشيء أنأى نأيا، إذا بعدت عنه، والنّؤى حاجز يجعل حول البيت لئلا يدخله الماء من خارج، تحفر حفيرة حول البيت فيجعل ترابها على شفير الحفيرة، فيمنع التراب الماء أن يدخل من خارج، وهو مأخوذ من النأي أي مباعد للماء من البيت.
وقال بعضهم: إنه يعنى به بعض أهل النبي صلى الله عليه وسلم، أي وهم ينهون عن أذى النّبي -صلى الله عليه وسلم- ويتباعدون عنه، أي لا يتّبعونه.
والكلام متصل بذكر جماعة أهل الكتاب، والمشركين.
والقول الأول أشبه بالمعنى). [معاني القرآن: 2/238-239]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} أكثر أهل التفسير يذهب إلى أن المعنى للكفار أي ينهون عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ويبعدون عنه.
قال مجاهد: يعني به قريش.
وكذلك قال قتادة والضحاك: يعني به الكفار.
وروى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال أخبرني من سمع ابن عباس يقول: نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم ويتباعد عنه والقول الأول أشبه لأنه متصل بأخبار الكفار وقولهم). [معاني القرآن: 2/410-411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وإن يهلكون إلا أنفسهم} أي: وبال ذلك يرجع عليهم لأن الله جل وعز يبدد جموعهم وينصره عليهم). [معاني القرآن: 2/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وما يشعرون}

أي: وما يشعرون أن وبال ذلك يرجع عليهم). [معاني القرآن:2/412]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ} أي: عن محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} أي: يبعدون عنه،

يعني أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم كان يمنع من أذى النبي صلى الله عليه وسلم، ويمتنع من الإيمان به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَنْأَوْنَ}: ينفرون). [العمدة في غريب القرآن: 126]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين}
وقال: {ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين} نصب لأنه جواب للتمني وما بعد الواو كما بعد الفاء، وإن شئت رفعت وجعلته على مثل اليمين، كأنهم قالوا "ولا نكذّب والله بآيات ربّنا ونكون والله من المؤمنين".
هذا إذا كان ذا الوجه منقطعاً من الأول. والرفع وجه الكلام وبه نقرأ الآية [و] إذا نصب جعلها واو عطف، فكأنهم قد تمنوا ألا يكذبوا وأن يكونوا. وهذا - والله أعلم - لا يكون، لأنهم لم يتمنوا الإيمان إنما تمنوا الرد وأخبروا أنهم لا يكذبون ويكونون من المؤمنين). [معاني القرآن:1/237]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله: {ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين}
القراءة - أكثر ها بالفتح والتفخيم، والإمالة حسنة جيدة، وهي مذهب أبي عمرو، أعني كسر الألف من " النّار "،
وإنما حسنت الإمالة في قوله {كمثل الحمار يحمل أسفارا}، وأصحاب النّار، لأن الراء بعد الألف مكسورة، وهي حرف كأنّه مكرر في اللسان، فصارت الكسرة فيه كالكسرتين.
ومعنى {وقفوا على النّار} يحتمل ثلاثة أوجه :
- جائز أن: يكونوا عاينوها.
- وجائز أن يكونوا عليها وهي تحتهم، والأجود أن يكون معنى {وقفوا على النار} أدخلوها فعرفوا مقدار عذابها، كما تقول في الكلام: قد وقفت على ما عند فلان، تريد قد فهمته وتبينته.
{فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين}:
أكثر القراء بالرفع في قوله: {ولا نكذّب بآيات ربّنا}، ويكون المعنى: أنّهم تمنوا الرد، وضمنوا أنهم لا يكذّبون.
المعنى: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب، بآيات ربنا رددنا أم لم نرد.
{ونكون من المؤمنين}: أي قد عاينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدا.
- قال سيبويه: مثله دعني ولا أعود، أي وأنا لا أعود تركتني أو لم تتركني.
ويجوز الرفع على وجه آخر، على معنى يا ليتنا نرد، ويا ليتنا لا نكذّب بآيات ربّنا، كأنّهم تمنّوا الرد والتوفيق للتصديق، ونكون من المؤمنين الرفع والنصب أيضا فيه جائزان، فأمّا النصب فعلى يا ليتنا نرد وتكون يا ليتنا نرد ولا نكذب على الجواب بالواو في التمني كما تقول ليتك تصير إلينا ونكرمك، المعنى ليت مصيرك يقع، وإكرامنا، ويكون المعنى: ليت ردّنا وقع وأن لا نكذّب.
أي إن رددنا لم نكذب). [معاني القرآن: 2/239-240]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولو ترى إذ وقفوا على النار} في معناه ثلاثة أقوال:
1- منها أن معنى وقفوا على النار أدخلوها كما يقال وقفت على ما عند فلان أي عرفت حقيقته.
2- وقيل معناه رأوها.
3- وقيل جازوا عليها وهي من تحتهم). [معاني القرآن: 2/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز:{فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}
المعنى: ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أو لم نرد
قال سيبوبه: ومثله دعني ولا أعود أي ولا أعود تركتني أو لم تتركني ومن قرأ {ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}،فمعناه: عنده يا ليتنا وقع لنا الرد وأن لا نكذب.
قال أبو إسحاق: وفيه معنى إن رددنا لم نكذب.
وقرأ ابن عامر: {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} بالنصب.
وقرأ عبد الله بن مسعود:{ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}.
وقرأ أبي بن كعب:{ولا نكذب بآيات ربنا أبدا}). [معاني القرآن: 2/413-414]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَلَوْ تَرَىَ}: لو تعلم). [العمدة في غريب القرآن: 126]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون}
أي: بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والنشور لأن المتصل بهذا قوله عزّ وجلّ: {وقالوا إن هي إلّا حياتنا الدّنيا وما نحن بمبعوثين}، فأنكروا البعث ليجرّئوا على المعاصي.
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه}
قال بعضهم: لو ردوا ولم يعاينوا العذاب لعادوا، كأنّه يذهب إلى أنهم لم يشاهدوا ما يضطرهم إلى الارتداع، وهذا - علّه - بيّن.
لأن هذا القول منهم بعد أن بعثوا وعلموا أمر القيامة وعاينوا النّار،
فالمعنى: أن أكثر من عاين من اليهود والمشركين قد علم أن أمر اللّه حق فركن إلى الرفاهية، وأن الشيء متأخر عنه إلى أمد كما فعل إبليس الذي قد شاهد من براهين الله ما لا غاية بعده، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لو ردّوا لعادوا لأنهم قد كفروا بعد وجوب الحجة عليهم.
وقال بعض المفسرين: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل فقيل له: ما بال أهل النار عملوا في عمر قصير بعمل أهل النار فخلّدوا في النار وأهل الجنة عملوا في عمر قصير بعمل أهل الجنّة فخلدوا في الجنّة، فقال: ((إن الفريقين كان كل واحد منهما على أنه لو عاش أبدا عمل بذلك العمل)).) [معاني القرآن: 2/240]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقال جل وعز: {بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل}المعنى: بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة لأن بعده وقالوا {إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين}
وقال بعض أهل اللغة: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فيه شيء محذوف.
والمعنى: ولو ردوا قبل أن يعاينوا العذاب لأنهم لا يكفرون بعدما عاينوا وهذا القول مردود لأن الله جل ثناؤه أخبر عنهم أنهم يقولون هذا يوم القيامة وقد خبّر جلّ وعز عن إبليس أنه كفر بعدما رأى، وعنهم أنهم كفروا عنادا وإيثارا للرئاسة). [معاني القرآن: 2/414-415]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({بل بدا لهم} أي: ظهر لهم، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الأياتِ} أي: ظهر لهم من الرأي أن يسجنوه). [ياقوتة الصراط: 219-220]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)}
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ( {نَمُوتُ وَنَحْيَا}
قال ثعلب اختلف الناس:
1- فقالت طائفة: هو مقدم ومؤخر، ومعناه: نحيا ونموت ولا نحيا بعد ذلك.
2- وقالت طائفة معناه: نحيا ونموت ولا نحيا أبدا، وتحيا أولادنا بعدنا، فجعلوا حياة أولادهم بعدهم كحياتهم، ثم قالوا: ويموت أولادنا بعدنا، فلا نحيا نحن ولا هم). [ياقوتة الصراط: 220-221]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)}
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فذوقوا العذاب} قال: الذوق كون بالفم وبغير الفم). [ياقوتة الصراط: 221]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ما فرّطنا} مجازه: ما ضيّعنا.
{أوزارهم} واحدها: وزر مكسورة،
ومجازها: آثامهم، والوزر والوزر واحد، يبسط الرجل ثوبه فيجعل فيه المتاع فيقال له: أحمل وزرك، ووزرك، ووزرتك). [مجاز القرآن: 1/190]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}
وقال: {ألا ساء ما يزرون} لأنه من "وزر" "يزر" "وزراً" ويقال أيضاً: "وزر" فـ"هو موزورٌ". وزعم يونس أنهما جميعاً يقالان). [معاني القرآن: 1/237]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فرطنا}: ضيعنا.
{أوزراهم}: آثامهم والوزر الحمل). [غريب القرآن وتفسيره: 135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يحملون أوزارهم على ظهورهم} أي: آثامهم.
وأصل الوزر: الحمل على الظهر.
قال اللّه سبحانه: {ووضعنا عنك وزرك*الّذي أنقض ظهرك} أي: أثقله حتى سمع نقيضه). [تفسير غريب القرآن: 152]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}، كل ما جاء فجاءة فقد بغت، يقال قد بغته الأمر يبغته بغتا وبغتة، إذا أتاه فجاءة.
قال الشاعر:
ولكنهم ماتوا ولم أخش بغتة = وأفظع شيء حين يفجؤك البغت

وقوله: {يا حسرتنا على ما فرطنا فيها}
إن قال قائل: ما معنى دعاء الحسرة وهي لا تعقل ولا تجيب؟
فالجواب: عن ذلك أن العرب إذا اجتهدت في الإخبار عن عظيم تقع فيه جعلته نداء، فلفظه لفظ ما ينبّه، والمنبّه غيره.
مثل قوله عزّ وجلّ: {يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه}.
وقوله: {يا ويلتى أألد وأنا عجوز}.
وقوله: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا}.
فهذا أبلغ من أن تقول: أنا حسر على العباد.
وأبلغ من أن تقول: الحسرة علينا في تفريطنا.
قال سيبويه: " إنّك إذا قلت يا عجباه، فكأنك قلت احضر وتعال يا عجب فإنه من أزمانك، وتأويل "يا حسرتاه" انتبهوا على أننا قد خسرنا " وهذا مثله في الكلام في أنك أدخلت عليه يا للتنبيه، وأنت تريد الناس قولك: لا أرينّك ههنا، فلفظك لفظ الناهي نفسه، ولكنه لما علم أن الإنسان لا يحتاج أن يلفظ بنهي نفسه دخل المخاطب في النهي فصار المعنى: لا تكوننّ ههنا، فإنك إذا كنت رأيتك، وكذلك يا حسرتنا، قد علم أن الحسرة لا تدعى، فوقع التنبيه للمخاطبين.
ومعنى: {فرطنا فيها} قدّمنا العجز.
وقوله: {وهم يحملون أوزارهم}أي: يحملون ثقل ذنوبهم، وهذا مثل جائز أن يكون جعل ما ينالهم من العذاب بمنزلة أثقل ما يحمّل، لأن الثقل قد يستعمل في الوزر، وفي الحال، فتقول في الحال قد ثقل على خطاب فلان، تأويله قد كرهت خطابه كراهة اشتدت عليّ، فتأويل الوزر الثقل من هذه الجهة، واشتقاقه من الوزر، وهو الجبل الذي يعتصم به الملك والنبي، أي يعينه.
ومنه قوله تعالى: {وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا}، سأل موسى ربّه أن يجعل أخاه وزيرا له.
وكذلك قوله تعالى: {ألا ساء ما يزرون} أي: بئس الشّيء شيئا أي يحملونه، وقد فسرنا عمل نعم وبئس فيما مضى من الكتاب، وكذلك {ساء مثلا القوم} أي: مثل القوم). [معاني القرآن: 2/240-242]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {جاءتهم الساعة بغتة} البغتة الفجاءة يقال بغتهم الأمر يبغتهم بغتا وبغتة). [معاني القرآن: 2/415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها} الفائدة في نداء الحسرة وما كان مثلها مما لا يجيب أن العرب إذا أرادت تعظيم الشيء والتنبيه عليه نادته ومنه قولهم يا عجباه.
قال سيبويه: إذا قلت يا عجباه فمعناه أحضر وتعال يا عجب فإن هذا من أزمانك فهذا أبلغ من قولك تعجبت،
ومنه قول الشاعر:
[معاني القرآن: 2/415-416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} واحد الأوزار وزر والفعل منه وزر يزر يراد به الإثم وهو تمثيل وأصله الوزر وهو الجبل ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة فقال لهن ((ارجعن موزورات غير مأجورات)).
قال أبو عبيد: والعامة تقول مأزورات كأنه لا وجه له عنده لأنه من الوزر ومنه قيل وزير كأنه يحمل الثقل عن صاحبه). [معاني القرآن: 2/416]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وهم يحملون أوزارهم} أي: أثقال الآثام). [ياقوتة الصراط: 221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَا فَرَّطْنَا}: ما ضيعنا
{أَوْزَارَهُمْ}: أثقالهم وآثامهم). [العمدة في غريب القرآن: 126]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وللدّار الآخرة...}
جعلت الدار ها هنا اسما، وجعلت الآخرة من صفتها، وأضيفت في غير هذا الموضع،
ومثله: ممّا يضاف إلى مثله في المعنى قوله: {إنّ هذا لهو حقّ اليقين} والحق هو اليقين؛ كما أنّ الدار هي الآخرة. وكذلك أتيتك بارحة الأولى، والبارحة الأولى،
ومنه: يوم الخميس، وليلة الخميس. يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه؛ كما اختلف الحق واليقين، والدار [و] والآخرة، واليوم الخميس.
فإذا اتفقا لم تقل العرب: هذا حقّ الحقّ، ولا يقين اليقين؛ لأنهم يتوهمون إذا اختلفا في اللفظ أنهما مختلفان في المعنى.
ومثله: في قراءة عبد الله {وذلك الدين القيّمة}.
وفي قراءتنا: {دين القيّمة} والقيّم والقيّمة بمنزلة قولك: رجل راوية وهّابة للأموال؛ ووهّاب وراو، وشبهه). [معاني القرآن: 1/330-331]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فإنّهم لا يكذّبونك...}، قرأها العامّة بالتشديد...
- حدثني قيس بن الربيع الأسديّ عن أبي إسحاق السبيعيّ عن ناجية بن كعب عن عليّ أنه قرأ {يكذبونك} مخفّفة.
ومعنى التخفيف - والله أعلم -: لا يجعلونك كذّابا، وإنما يريدون أن ما جئت به باطل؛ لأنهم لم يجرّبوا عليه صلى الله عليه وسلم كذبا فيكذّبوه وإنما أكذبوه؛ أي ما جئت به كذب لا نعرفه.
والتكذيب: أن يقال كذبت. والله أعلم). [معاني القرآن: 1/331]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}
وقال: {قد نعلم إنّه ليحزنك} بكسر "إنّ" لدخول اللام الزائدة بعدها). [معاني القرآن: 1/237]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {فإنّهم لا يكذّبونك} أي: لا ينسبونك إلى الكذب.
ومن قرأ {لا يكذبونك} أراد: لا يلفونك كاذبا.
{ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} والجحود [الإنكار] عي ما بيناه). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}يريد: أنهم كانوا لا ينسبونك إلى الكذب ولا يعرفونك به، فلما جئتهم بآيات الله، جحدوها، وهم يعلمون أنك صادق.
والجحد يكون: ممن علم الشيء فأنكره، بقول الله عز وجل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}). [تأويل مشكل القرآن: 322]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}
{لا يكذّبونك} ولا يكذبونك، ومعنى: كذبته قلت له كذبت، ومعنى أكذبته ادعيت أن ما أتى به كذب.
وتفسير قوله: {لا يكذّبونك} أي: لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبات به مما في كتبهم كذبت.
ووجه آخر: إنهم لا يكذبونك بقلوبهم، أي يعلمون أنك صادق.
{ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}لأنهم إنما جحدوا براهين الله جلّ وعزّ وجائز أن يكون فإنّهم لا يكذبونك، أي أنت عندهم صادق، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسمّى فيهم الأمين قبل الرسالة، ولكنهم جحدوا بألسنتهم ما تشهد قلوبهم يكذبهم فيه). [معاني القرآن: 2/242-243]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {فإنهم لا يكذبونك} هكذا روي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قرأ وهو اختيار أبي عبيد واحتج بأنه روي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نكذبك ولكنا نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل: {فإنهم لا يكذبونك}.
وقد خولف أبو عبيد في هذا وروي لا نكذبك فأنزل الله جل وعز: {فإنهم لا يكذبونك}،
ويقوي هذا أنه روي أن رجلا قرأ على ابن عباس {فإنهم لا يكذبونك} فقال له ابن عباس فإنهم لا يكذبونك لأنهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم الأمين.
ومعنى يكذبونك عند أهل اللغة: ينسبونك إلى الكذب ويروون عليك ما قلت
ومعنى لا يكذبونك: لا يجدونك كاذبا كما تقول أحمدته إذا وجدته محمودا.
ويجوز أن يكون: معنى المخففة لا يبينون عليك أنك كاذب لأنه يقال أكذبته إذا احتججت عليه وبينت أنه كاذب.
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري حدثنا شعيب بن أيوب الواسطي عن معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
والقول في هذا: مذهب أبي عبيد واحتجاجه لازم لأن عليا رحمة الله عليه هو الذي روى الحديث، وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف وحكى الكسائي عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه وكذبته أخبرت أنه كاذب). [معاني القرآن: 2/417-419]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لاَ يُكَذِّبُونَكَ} أي: لا ينسبونك إلى الكذب،
ومن خفف فمعناه: لا يجدونك كاذبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}:
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولقد كذّبت رسلٌ مّن قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نّبأ المرسلين}
وقال: {ولقد جاءك من نّبأ المرسلين} كما تقول: "قد أصابنا من مطرٍ" و"قد كان من حديث"). [معاني القرآن: 1/237]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكتبوا: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} بالياء.
{أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} بالياء في الحرفين جميعا، كأنهما مضافان ولا ياء فيهما، إنما هي مكسورة). [تأويل مشكل القرآن: 56-58]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم عزّى الله نبيه وصبره بأن أخبره أن الرسل قبله قد كذبتهم أمم فقال:
{ولقد كذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين}
أي: إذ قال الله لرسوله {واللّه يعصمك من النّاس}، وإذ قال{ليظهره على الدّين كلّه} فلا مبدّل لكلمات اللّه أي لا يخلف الله وعده ولا يغلب أولياءه أحد). [معاني القرآن: 2/243]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء فتأتيهم بآيةٍ...}فافعل، مضمرة، بذلك جاء التفسير،
وذلك معناه: وإنما تفعله العرب في كل موضع يعرف فيه معنى الجواب؛ ألا ترى أنك تقول للرجل: إن استطعت أن تتصدق، إن رأيت أن تقوم معنا، بترك الجواب؛ لمعرفتك بمعرفته به. فإذا جاء ما لا يعرف جوابه إلا بظهوره أظهرته؛ كقولك للرجل: إن تقم تصب خيرا، لا بدّ في هذا من جواب؛ لأن معناه لا يعرف إذا طرح). [معاني القرآن: 1/331-332]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({تبتغى نفقاً في الأرض} يريد أهوية ومنه نافقاء اليربوع الجحر الذي ينفق منه فيخرج ينفق نفقاً مصدر.
{أو سلّماً في السّماء} أي: مصعداً.
قال ابن مقبل:
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا = تبنى له في السموات السلاليم).
[مجاز القرآن:1/190]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء فتأتيهم بآيةٍ ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين}
وقال {نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء} فـ"النفق" ليس من "النفقة" ولكنه من "النّافقاء"، يريد دخولا في الأرض.
وقال {فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء} ولم يقل "فافعل" وذلك أنّه أضمر.
وقال الشاعر:
فبحظٍّ ممّا نعيش ولا تذ = هب بك الترّهات في الأهوال

فأضمر "فعيشى"). [معاني القرآن: 1/238]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({نفقا}: مدخلا تحت الأرض ويقال لحجر اليربوع النافقاء.
{سلما في السماء}: مصعدا).[غريب القرآن وتفسيره: 136]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({النّفق} في الأرض المدخل، وهو السّرب.
و{السّلم في السماء}: المصعد). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم أعلم الله عزّ وجلّ رسوله أنه يأتي من الآيات بما أحب، وأنه - صلى الله عليه وسلم - بشر لا يقدر على الإتيان بآية إلا بما شاء الله من الآيات فقال: {وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلّما في السّماء فتأتيهم بآية ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين}
أي: إن كان عظم عليك أن أعرضوا إذ طلبوا منك أن تنزّل عليهم ملكا.
لأنهم قالوا {لولا أنزل عليه ملك} ثم أعلم اللّه جلّ وعزّ أنهم لو نزلت عليهم الملائكة وأتاهم عظيم من الآيات ما آمنوا.
وقوله: {فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض}، والنفق: الطريق النافذ في الأرض، والنافقاء: ممدود أحد جحرة اليربوع يخرقه من باطن الأرض إلى جلدة الأرض فإذا بلغ الجلدة أرقها حتى إن رابه دبيب رفع برأسه هذا المكان وخرج منه، ومن هذا سمّي المنافق منافقا، لأنه أبطن غير ما أظهر، كالنافقاء الذي ظاهره غير بين، وباطنه حفر في الأرض.
وقوله: {أو سلّما في السّماء}، والسّلّم: مشتق من السّلامة، وهو الشيء الذي يسلمك إلى مصعدك.
المعنى: فإن استطعت هذا فافعل، وليس في القرآن فافعل لأنه قد يحذف ما في الكلام دليل عليه، ومثل ذلك قولك: إن رأيت أن تمضي معنا إلى فلان.
ولا تذكر فافعل.
فأعلم اللّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنّه لا يستطيع أن يأتي بآية إلا بإذن اللّه. وإعلامه النبي هذا هو إعلام الخلق أنهم إنما اقترحوا هم الآيات وأعلم الله جلّ وعزّ أنّه قادر على أن ينزل آية آية، وأنّه لو أنزلت الملائكة وكلمهم الموتى ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه.
وقوله {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى} فيه غير قول:
فأحدها: أنه لو شاء الله أن يطبعهم على الهدى لفعل ذلك.
وقول آخر: {ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى} أي: لو شاء لأنزل عليهم آية تضطرهم إلى الإيمان كقوله جلّ وعزّ: {إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين}
فإنما أنزل الله الآيات التي يفكر الناس معها، فيؤجر ذو البصر، ويثاب على الإيمان بالآيات، ولو كانت نار تنزل على من يكفر أو يرمى بحجر من السّماء لان كل واحد). [معاني القرآن: 2/243-245]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء}.
قال قتادة: النفق الشرب في الأرض والسلم الدرج وكذلك هو في اللغة ومنه النافقاء أحد جحر اليربوع.
قال أبو إسحاق: والسلم مشتق من السلامة كأنه يسلمك إلى الموضع الذي تريد.
والمعنى: إن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية فافعل ثم حذف هذا لعلم السامع أي ليس لك من الأمر شيء). [معاني القرآن: 2/419-420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} أي; لأراهم آية تضطرهم إلى الإيمان ولكنه أراد جل وعز أن يثيب من آمن منهم ومن أحسن ويجوز أن يكون المعنى لطبعهم على الإيمان). [معاني القرآن: 2/420]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({نَفَقًا} أي مدخلاً، وهو السرب.
{أَوْ سُلَّمًا} أي مصعداً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({نَفَقًا}: مدخلاً في الأرض
{سُلَّمًا}: مصعداً). [العمدة في غريب القرآن: 126]


رد مع اقتباس