عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 09:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 20]

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)}

تفسير قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وجعل الظّلمات والنّور} أي خلق، والنور الضوء.
{بربّهم يعدلون}: مقدم ومؤخر، مجازه يعدلون بربهم، أي: يجعلون له عدلاً، تبارك وتعالى عما يصفون). [مجاز القرآن: 1/185]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قال أبو إسحاق: بلغني من حيث أثق به أن سورة الأنعام نزلت كلها جملة واحدة، نزل بها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح، وأن أكثرها احتجاج على مشركي العرب. على من كذب بالبعث والنشور، فابتدأ اللّه عزّ وجلّ بحمده فقال: {الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون} فذكر أعظم الأشياء المخلوقة لأن السماء بغير عمد ترونها والأرض غير مائدة بنا، ثم ذكر الظلمات والنور، وذكر أمر الليل والنهار، وهو مما به قوام الخلق، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذه خلق له، وأن خالقها لا شيء مثله، وأعلم مع ذلك أن الذين كفروا بربهم يعدلون، أي يجعلون للّه عديلا، فيعبدون الحجارة الموات، وهم يقرون أنّ الله خالق ما وصف، ثم أعلمهم اللّه عزّ وجلّ أنه خلقهم من طين.
وذكر في غير هذا الموضع أحوال المخلوقين في النطف والعلق والمضغ المخلّقة وغير المخلّقة، وذلك أن المشركين شكوا في البعث وقالوا:{من يحي العظام وهي رميم} فأعلمهم عزّ وجلّ أن الذي أنشأهم وأنشأ العظام وخلق هذه الأشياء لا من شيء قادر على أن يخلق مثلها، - وهو يحييهم بعد موتهم، فقال عزّ وجلّ: {هو الّذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلا وأجل مسمّى عنده ثمّ أنتم تمترون}). [معاني القرآن: 2/227-228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (قوله جل وعز: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} قال قتادة "خلق الله السماء قبل الأرض والليل قبل النهار والجنة قبل النار" فأما قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} فمعناه بسطها). [معاني القرآن: 2/398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}
قال مجاهد: أي يشركون.
قال الكسائي: يقال عدلت الشيء بالشيء عدولا إذا ساويته به، وهذا القول يرجع إلى قول مجاهد لأنهم إذا عبدوا مع الله غيره فقد ساووه به وأشركوا). [معاني القرآن: 2/398]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}
أي: يسوون وهو الكفر الصراح، أي: يجعلون لله عدلا، أي: مثلا، عز وجل عن ذلك). [ياقوتة الصراط: 217]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْدِلُونَ}: يجعلون له مثلاً). [العمدة في غريب القرآن: 125]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وأجلٌ مسمّى عنده} مقدم ومؤخر، مجازه وعنده أجلٌ مسمّى، أي وقتٌ مؤقّتٌ.
{ثمّ أنتم تمترون} أي تشكّون). [مجاز القرآن:1/185]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({هو الّذي خلقكم مّن طينٍ ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مّسمًّى عنده ثمّ أنتم تمترون}
فأمّا قوله عز وجل: {وأجلٌ مّسمًّى عنده} فـ {أجلٌ} على الابتداء وليس على{قضى}). [معاني القرآن: 1/234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({تمترون}: تشكون). [غريب القرآن وتفسيره: 134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثمّ قضى أجلًا} بالموت.
{وأجلٌ مسمًّى عنده} للدنيا إذا فنيت). [تفسير غريب القرآن: 150]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({هو الّذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلا وأجل مسمّى عنده ثمّ أنتم تمترون} أي جعل لحياتكم أجلا أي وقتا تحيون فيه.
{وأجل مسمى عنده} يعني أمر الساعة والبعث.
{ثمّ أنتم} بعد هذا البيان.
{تمترون} أي تشكون). [معاني القرآن: 2/228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {هو الذي خلقكم من طين} ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده قال الحسن ومجاهد وعكرمة وخصيف وقتادة وهذا لفظ الحسن: قضى أجل الدنيا من يوم خلقك إلى أن تموت وأجل مسمى عنده يعني الآخرة.
{ثم أنتم تمترون} أي تشكون وتعبدون معه غيره). [معاني القرآن: 2/399]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَمْتَرُونَ} تشُكون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 75]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَمْتَرُونَ}: تشكون). [العمدة في غريب القرآن: 125]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون}
"في" موصولة في المعنى بما يدل عليه اسم اللّه، المعنى هو الخالق العالم بما يصلح به أمر السماء والأرض.
المعنى هو المتفرد بالتدبير في السّماوات والأرض،
ولو قلت "هو زيد في البيت والدار" لم يجز إلا أن يكون في الكلام دليل على أن زيدا يدبر أمر البيت والدار فيكون المعنى هو المدبّر في الدار والبيت،
ولو قلت "هو المعتضد الخليفة في الشرق والغرب"، أو قلت "هو المعتضد في الشرق والغرب" جاز على هذا.
ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر كأنه قيل إنه هو اللّه وهو في السّماوات وفي الأرض، ومثل هذا القول الأول - {وهو الّذي في السّماء إله وفي الأرض إله}
ويجوز أن يكون وهو الله في السّماوات وفي الأرض، أي هو المعبود فيهما، وهذا نحو القول الأول). [معاني القرآن: 2/228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الله في السموات وفي الأرض} والألف واللام في أحد قولي سيبويه مبدلة من همزة والأصل عنده إله فالمعنى على هذا هو المعبود في السموات وفي الأرض،
- ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتأليه في السموات وفي الأرض كما تقول هو في حاجات الناس وفي الصلاة،
- ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويكون المعنى وهو الله في السموات وهو الله في الأرض). [معاني القرآن: 2/399-400]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}:

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {أنبأ ما كانوا به يستهزءون} أي أخبار). [مجاز القرآن: 1/185]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فقد كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون}: دل بهذا أنهم كانوا يستهزئون، وقد ذكر استهزاؤهم في غير هذا المكان، ومعنى إتيانه أي تأويله: المعنى سيعلمون ما يؤول إليه استهزاؤهم). [معاني القرآن: 2/228]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله تبارك وتعالى: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم مّن قرنٍ...}
القرن ثمانون سنة. وقد قال بعضهم: سبعون). [معاني القرآن: 1/328]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({من قرنٍ} أي: من أمة يروون أن ما بين القرنين أقلّه ثلاثون سنة.
{مكنّهم في الأرض} أي: جعلنا لهم منازل فيها وأكالاً، وتثبيتاً ومكناهم؛ مكّنتك ومكنت لك واحد، يقال: أكل وأكال وآكال واحدها أكل.
قال الأثرم: قال أبو عمرو: يقال له أكل من الملوك، إذا كان له قطايع.
{وأرسلنا السّماء عليهم مدراراً} مجاز السماء ها هنا مجاز المطر، يقال: ما زلنا في سماء: أي في مطر،
وما زلنا نطأ السماء: أي أثر المطر، وأنّى أخذتكم هذه السماء؟ ومجاز {أرسلنا}: أنزلنا وأمطرنا
{مدراراً} أي غزيرة دائمة.
قال الشاعر:
وسقاك من نوء الثريّا مزنةٌ = غرّاء تحلب وابلا مدرارا

أي غزيراً دائماً.
{وأنشأنا} أي ابتدأنا، ومنه قولهم: فأنشأ فلان في ذلك أي ابتدأ فيه). [مجاز القرآن: 1/185-187]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم مّن قرنٍ مّكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لّكم وأرسلنا السّماء عليهم مّدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين}
[قال تعالى] {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم مّن قرنٍ مّكّنّاهم} ثم قال: {ما لم نمكّن لّكم} كأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطبه معهم كما قال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} فجاء بلفظ الغائب وهو يخاطب لأنه هو المخاطب). [معاني القرآن: 1/234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مدرارا}: مطرا غزيرا دائما.
{أنشأنا}: ابتدأنا). [غريب القرآن وتفسيره: 134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):{القرن} يقال: هو ثمانون سنة.
قال أبو عبيدة: يروون أن أقل ما بين القرنين ثلاثون سنة.
{مدراراً} بالمطر. أي غزيرا. من درّيدرّ). [تفسير غريب القرآن: 150]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم وأرسلنا السّماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين * ولو نزّلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحر مبين}
موضع {كم} نصب بـ {أهلكنا} إلّا أن هذا الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وقيل القرن ثمانون سنة وقيل سبعون، والذي يقع عندي - واللّه أعلم – أن القرن أهل مدة كان فيها نبي أو كان فيها طبقة من أهل العلم.
قلّت السنون أو كثرت، والدليل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((خيركم قرني)) أي أصحابي رحمة اللّه عليهم، ((ثم الذين يلونهم)) يعني التابعين، ((ثم الذين يلونهم)) يعني الذين أخذوا عن التابعين.
وجائز أن يكون القرن لجملة الأمة وهؤلاء قرون فيها، وإنما اشتقاق القرن من الاقتران، فتأويله أن القرن الذين كانوا مقترنين في ذلك الوقت، والذين يأتون بعدهم ذوو اقتران آخر.
وقوله عزّ وجلّ: {وأرسلنا السّماء عليهم مدرارا}: أي ذات غيث كثير، ومفعال من أسماء المبالغة يقال ديمة مدرار، إذا كان مطرها غزيرا دائما، وهذا كقولهم امرأة مذكار، إذا كانت كثيرة الولادة للذكور، وكذا مئناث في الإناث). [معاني القرآن: 2/228-229]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن} قيل القرن ستون عاما وقيل سبعون فيكون التقدير على هذا من أهل قرن وأصح من هذا القول القرن كل عالم في عصر لأنه مأخوذ من الاقتران أي عالم مقترن بعضهم إلى بعض وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس القرن الذي أنا فيه)) -يعني أصحابه- ((ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) وأكثر أصحاب الحديث على أن القرن مائة سنة، واحتجوا بأن النبي قال لعبد الله بن بسر ((تعيش قرنا)) فعاش مائة سنة). [معاني القرآن: 2/400-401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأرسلنا السماء عليهم مدرارا}: أي تدر عليهم ومدرار على التكثير كما يقال امرأة مذكار إذا كثرت ولادتها للذكور ومئناث). [معاني القرآن: 2/401]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والقرن}: ثمانون سنة وقيل ثلاثون سنة.
{مِّدْرَارًا} غزيراً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 75]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مِّدْرَارًا}: متواترا كثيراً غزيراً
{أَنْشَأْنَا}: ابتدأنا
{القَرْن}: قوماً آخرين، ثمانين سنة). [العمدة في غريب القرآن: 125]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ} أي صحفية.
وكذلك قوله :{تجعلونه قراطيس} أي صحفا.
قال المرّار:


عفت المنازل غير مثل الأنقس = بعد الزمان عرفته بالقرطس
فوقفت تعترف الصحيفة بعد ما = عمس الكتاب وقد يرى لم يعمس

والأنقس: جمع نقس مثل قدح وأقدح وأقداح.
أراد: غير مثل النّقس عرفته بالقرطاس.
ثم قال: «فوقفت تعترف الصحيفة» فأعلمك أن القرطاس هو الصحيفة، ومنه يقال للرامي إذا أصاب: قرطس. إنما يراد أصاب الصحيفة). [تفسير غريب القرآن: 150-151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولو نزّلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحر مبين}
أعلم الله عزّ وجلّ أنهم قد أصلوا في السّيئ الباطل في دفع النبوة لأنهم قد رأوا القمر انشق فأعرضوا، وقالوا سحر مستمرّ.
وكذلك يقولون في كل ما يعجز عنه المخلوقون سحر، هذا عين الدفع لغاية الحق والنور الساطع المبين، فلو رأوا الكتاب ينزل من السماء لقالوا سحر كما أنهم قالوا في انشقاق القمر سحر). [معاني القرآن: 2/229-230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز:{ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} أي قد جعلوا في أنفسهم الكفر والعناد فإذا رأوا آية قالوا سحر كما أنهم سألوا انشقاق القمر فلما انشق قالوا {هذا سحر مستمر} كذلك أيضا لو نزل الله عليهم كتابا من السماء لقالوا {إن هذا إلا سحر مبين}). [معاني القرآن: 2/401-402]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون} يريد: لو أنزلنا ملكا فكذبوه أهلكناهم). [تفسير غريب القرآن: 151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون}: يعنون على النبي صلى الله عليه وسلم.
{ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون}: يعني -واللّه أعلم- أن الآيات مما لا يقع معه إنظار.
ومعنى {لقضي الأمر} أي لتم بإهلاكهم.
و "قضي" في اللغة على ضروب كلها يرجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه، فمنه قوله تعالى: {ثمّ قضى أجلا وأجل مسمّى عنده} معناه ثمّ حتم بعد ذلك فأتمّه، ومنه الأمر وهو قوله: {وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه} معناه أمر إلا أنّه أمر قاطع حتم.
ومنه الإعلام وقوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين} أي أعلمناهم إعلاما قاطعا، ومنه القضاء الفصل في الحكم، وهو قوله: {ولولا كلمة سبقت من ربّك إلى أجل مسمّى لقضي بينهم}
ومثل ذلك قولك قد قضى القاضي بين الخصوم، أي قد قطع بينهم في الحكم، ومن ذلك قد قضى فلان دينه، تأويله قطع ما لغريمه عليه فأدّاه إليه وقطع ما بينه وبينه.
وكل ما أحكم فقد قضي، تقول قد قضيت هذا الثوب، وقد قضيت هذه الدار إذا عملتها وأحكمت عملها.
قال أبو ذؤيب الهذلي:
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السّوابغ تبّع).
[معاني القرآن: 2/230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وقالوا لولا أنزل عيه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: أي لقامت القيامة.
والمعنى عند أهل اللغة: لحتم بهلاكهم وهو يرجع إلى ذلك القول). [معاني القرآن: 2/402]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو جعلناه ملكاً لّجعلناه رجلاً...}
في صورة رجل؛ لأنهم لا يقدرون على النظر إلى صورة الملك). [معاني القرآن: 1/328]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولو جعلناه ملكاً}: أي لو جعلنا الرسول إليهم ملكا.
{لجعلناه رجلًا}: أي في صورة رجل. لأنه لا يصلح ان يخاطبهم بالرسالة ويرشدهم إلا من يرونه.
{وللبسنا عليهم ما يلبسون}: أي أضللناهم بما ضلّوا به قبل أن يبعث الملك). [تفسير غريب القرآن: 151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون}: أي لو أرسلنا إليهم ملكا لم نرسله إلا في صورة إنسان، لأن الملك فيما قيل لو نظر إليه ناظر على هيئته لصعق، وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس،
فمن ذلك أن جبريل كان يأتي النبي عليه السلام إذا نزل بالوحي في صورة دحية الكلبي ومنه نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب، لأنّهما وردا على داود وهما ملكان في صورة رجلين يختصمان إليه.
ومنه أنّ الملائكة أتت إبراهيم في صورة الضّيفان وكذلك أتت لوطا، فلذلك قيل: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا}.
وقوله عزّ وجلّ: {وللبسنا عليهم ما يلبسون}: يقال لبست الأمر على القوم ألبسه إذا شبّهته عليهم، وأشكلته عليهم، وكانوا هم يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقولون: إنما هذا بشر مثلكم فقال {ولو أنزلنا ملكا} فرأوا هم الملك رجلا لكان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم). [معاني القرآن: 2/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا}
قال قتادة: أي في صورة بني آدم). [معاني القرآن: 2/402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} قال الضحاك: يعني أهل الكتاب لأنهم غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابهم وعصوا ما أمروا به.
قال الكسائي: يقال لبست عليهم الأمر ألبسه لبسا إذا خلطته؛ أي أشكلته). [معاني القرآن: 2/403]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالّذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون}: الحيق في اللغة ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله.
ومنه قوله عزّ وجلّ: {ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله)، أي لا ترجع عاقبة مكروهه إلّا عليهم}). [معاني القرآن: 2/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون}: الحيق في اللغة ما يعود على الإنسان من مكروه فعله ومنه {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}). [معاني القرآن: 2/403]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله:{كتب على نفسه الرّحمة...}
إن شئت جعلت {الرحمة} غاية كلام.
ثم استأنفت بعدها {ليجمعنّكم} وإن شئت جعلته في موضع نصب؛ كما قال: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم} والعرب تقول في الحروف التي يصلح معها جواب الأيمان بأن المفتوحة وباللام. فيقولون: أرسلت إليه أن يقوم، وأرسلت إليه ليقومنّ. وكذلك قوله: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه} وهو في القرآن كثير؛ ألا ترى أنك لو قلت: بدا لهم أن يسجنوه كان صوابا). [معاني القرآن: 1/328]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({الّذين خسروا أنفسهم} أي غبنوا أنفسهم وأهلكوها.
قال الأعشى:
لا يأخذ الرشوة في حكمه = ولا يبالي غبن الخاسر

أي: خسر الخاسر). [مجاز القرآن:1/187]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل لّمن مّا في السّماوات والأرض قل للّه كتب على نفسه الرّحمة ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}
وقال: {كتب على نفسه الرّحمة ليجمعنّكم} فنصب لام {ليجمعنّكم} لأن معنى {كتب}كأنه قال "و الله ليجمعنّكم" ثم أبدل فقال: {الّذين خسروا أنفسهم}: أي ليجمعنّ الذين خسروا أنفسهم). [معاني القرآن: 1/234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كتب على نفسه الرّحمة}: أي أوجبها على نفسه لخلقه.
{ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الّذين خسروا أنفسهم} هذا مردود إلى قوله: {قل سيروا في الأرض ثمّ انظروا كيف كان عاقبة المكذّبين} ... {الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}). [تفسير غريب القرآن: 151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قل لمن ما في السّماوات والأرض قل للّه كتب على نفسه الرّحمة ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}: اللّه عزّ وجلّ تفضل على العباد بأن أمهلهم عند كفرهم وإقدامهم على كبائر ما نهاهم عنه بأن أنظرهم وعمرهم وفسح لهم ليتوبوا، فذلك كتبه الرحمة على نفسه.
فأما {ليجمعنّكم إلى يوم القيامة} فهو احتجاج على المشركين الذين دفعوا البعث فقال عزّ وجل: {ليجمعنّكم إلى يوم القيامة}: أي إلى اليوم الذي أنكرتموه، كما تقول قد جمعت هؤلاء إلى هؤلاء، أي ضممت بينهم في الجمع.
وقوله: {الّذين خسروا أنفسهم}
ذكر الأخفش أن {الذين} بدل من الكاف والميم المعنى ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم إلى هذا اليوم الذي يجحدونه ويكفرون به، والذي عندي أن قوله: {الذين خسروا أنفسهم}في موضع رفع على الابتداء، وخبره {فهم لا يؤمنون} لأن {ليجمعنّكم} مشتمل على سائر الخلق على الذين خسروا أنفسهم وغيرهم، وهذه اللام في ليجمعنّكم لام قسم.
فجائز أن يكون تمام الكلام كتب ربكم على نفسه الرحمة، ثم استأنف فقال (ليجمعنّكم)، وكأنّ المعنى: واللّه ليجمعنكم، وجائز أن - يكون ليجمعنكم بدلا من الرحمة مفسّرا لها، لأنه لما قال (كتب ربكم على نفسه الرحمة)، فسّر رحمته بأنه يمهلهم إلى يوم القيامة، ويكون في الإمهال ما فسرنا آنفا). [معاني القرآن: 2/231-232]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {قل لمن ما في السموات والأرض قل لله} هذا احتجاج عليهم لأنهم مقرون أن ما في السموات والأرض لله فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم بأن الذي خلق ما في السموات والأرض قادر على أن يحييهم بعد الموت). [معاني القرآن: 2/404]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} لأنه أمهلهم إلى يوم القيامة ويجوز أن يكون هذا تمام الكلام ويجوز أن تكون ما هذه تبيينا لأن قوله: {ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} معناه يمهلكم فهذا من رحمته جل وعز). [معاني القرآن: 2/404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي أوجبها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 75]

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وله ما سكن في اللّيل والنّهار وهو السّميع العليم}
هذا أيضا احتجاج على المشركين لأنهم لم ينكروا أنّ ما استقر في الليل والنّهار للّه، أي هو خالقه ومدبّره، فالذي هو كذلك قادر على إحياء الموتى.
ثم زاد في الاحتجاج والبيان فقال عزّ وجلّ: {قل أغير اللّه أتّخذ وليّا فاطر السّماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ من المشركين}). [معاني القرآن: 2/232]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعلا: {وله ما سكن في الليل والنهار}
أي ثبت وهذا احتجاج عليهم أيضا). [معاني القرآن: 2/405]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وله ما سكن في الليل والنهار}

أي: ما حل في الليل والنهار). [ياقوتة الصراط: 217-218]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل أغير اللّه أتّخذ وليّاً فاطر السّماوات...}: مخفوض في الإعراب؛ تجعله صفة من صفات الله تبارك وتعالى ولو نصبته على المدح كان صوابا، وهو معرفة ولو نويت الفاطر الخالق نصبته على القطع؛ إذ لم يكن فيه ألف ولام. ولو استأنفته فرفعته كان صوابا؛ كما قال: {ربّ السموات والأرض وما بينهما الرحمن}). [معاني القرآن: 1/328-329]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فاطر السّموات} أي خالق السموات.
{هل ترى من فطور}: أي من صدوع، ويقال: انفطرت زجاجتك أي انصدعت،
ويقال: فطر ناب الجمل: أي انشقّ فخرج). [مجاز القرآن: 1/187]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل أغير اللّه أتّخذ وليّاً فاطر السّماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إنّي أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكوننّ من المشركين} [وقال] {أغير اللّه أتّخذ وليّاً فاطر السّماوات والأرض} على النعت.
وقال بعضهم: {فاطر} بالرفع على الابتداء أي: هو فاطر.
وقال بعضهم: {وهو يطعم ولا يطعم}.
وقال بعضهم: {ولا يطعم} و{يطعم} هو الوجه، لأنك إنّما تقول: {هو يطعم} لمن يطعم فتخبر أنّه لا يأكل شيئا.
وإنّما تقرأ {يطعم} لاجتماع الناس عليها.
وقال: {إنّي أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكوننّ} أي: وقيل لي {لا تكوننّ}.
وصارت {أمرت} بدلاً من ذلك لأنه حين قال: {أمرت} قد أخبر أنّه قد قيل له). [معاني القرآن: 1/234-235]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فاطر السموات}: خالقها). [غريب القرآن وتفسيره: 134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فاطر السّماوات والأرض} أي مبتدئهما. ومنه قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: ((كل مولود يولد على الفطرة))
أي :على ابتداء الخلقة. يعني الإقرار باللّه حين أخذ العهد عليهم في أصلاب آبائهم). [تفسير غريب القرآن: 151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({قل أغير اللّه أتّخذ وليّا فاطر السّماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ من المشركين} أي خالق السّماوات والأرض.
فإن قال قائل فقوله: {إذا السّماء انفطرت} معناه انشقت فكيف يكون الفطر في معنى الخلق والانفطار في معنى الانشقاق؛ فإنهما يرجعان إلى شيء واحد، لأن معنى فطرهما خلقهما خلقا قاطعا، - والانفطار والفطور تقطع وتشقق.
وقوله: {وهو يطعم ولا يطعم}.
ويقرأ (ولا يَطْعَمُ)، والاختيار عند البصراء بالعربية، وهو يطعم ولا يطعم بفتح الياء في الثاني.
قالوا معناه: وهو يرزق ويطعم ولا يأكل لأنه الحي الذي ليس كمثله شيء،
ومن قرأ (ولا يُطْعَمُ) فالمعنى أنه المولى الذي يرزق ولا يرزق، كما أن بعض العبيد يرزق مولاه.
والاختيار في {فاطر} الجر لأنّه من صفة الله جلّ وعزّ، والرفع والنصب جائزان على المدح لله جلّ وعزّ والثّناء عليه.
فمن رفع فعلى إضمار هو المعنى هو فاطر السّماوات والأرض، وهو يطعم ولا يطعم، ومن نصب فعلى معنى اذكر، وأعني بهذا الاحتجاج عليهم، لأن من فطر السّماوات والأرض وأنشأ ما فيهما وأحكم - تدبيرهما وأطعم من فيهما فهو الذي ليس كمثله شيء). [معاني القرآن: 2/232-233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو يطعم ولا يطعم}: كما تقول هو يرزق ولا يرزق ويعول ولا يعال وروي عن الأعمش أنه قرأ {وهو يطعم ولا يطعم} وهي قراءة حسنة أي ولا يأكل). [معاني القرآن: 2/405]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فاطر السماوات}: خالق). [ياقوتة الصراط: 218]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَاطِرِ}: خالق). [العمدة في غريب القرآن: 125]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
تفسير قوله تعالى: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين}: أي من يصرف اللّه عنه العذاب يومئذ - يعني يوم القيامة الذي ذكر أنهم يجمعون فيه،
وتقرأ أيضا {من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه}: أي من يصرف عنه العذاب يومئذ). [معاني القرآن: 2/233]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه} المعنى من يصرف عنه العذاب ثم حذف لعلم السامع وكذلك معنى من يصرف). [معاني القرآن: 2/405-406]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الضَرّ: بفتح الضاد- ضد النفع، قال الله عز وجل: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ}
وقال: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} أي: لا أملك جرّ نفع ولا دفع ضرّ؟.
والضُّرّ: الشدة والبلاء، كقوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ}، {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}). [تأويل مشكل القرآن: 483](م)

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وهو القاهر فوق عباده...}: كلّ شيء قهر شيئا فهو مستعلٍ عليه). [معاني القرآن: 1/329]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لأنذركم به ومن بلغ...}: يريد ومن بلغه القرآن من بعدكم، و(بلغ) صلة لـ (من). ونصبت (من) بالإنذار.
وقوله: {آلهةً أخرى} ولم يقل أخر؛ لأن الآلهة جمع، (والجمع) يقع عليه التأنيث؛
كما قال الله تبارك وتعالى: {وللّه الأسماء الحسنى}
وقال الله تبارك وتعالى: {فما بال القرون الأولى} ولم يقل: الأول والأوّلين. وكلّ ذلك صواب). [معاني القرآن: 1/329]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحي: كلّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة، قال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ}، وقال: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، فهذا إرسال جبريل بالقرآن). [تأويل مشكل القرآن: 489](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {قل أيّ شيء أكبر شهادة قل اللّه شهيد بيني وبينكم وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنّكم لتشهدون أنّ مع اللّه آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنّما هو إله واحد وإنّني بريء ممّا تشركون} والشاهد هو المبيّن لدعوى المدعي، فأمر الله جل ثناؤه نبيه بأن يحتج عليهم باللّه الواحد الذي خلق السموات الأرض وخلق الظلمات والنور، وخلقهم أطوارا على ما بين في كتابه، وأمر أن يعلمهم أن شهادة اللّه بأنه واحد، وإقامة البراهين في توحيده أكبر شهادة، وأن القرآن الذي أتى به يشهد له بأنه رسوله فقال: {قل اللّه شهيد بيني وبينكم}، الذي اعترفتم بأنه خالق هذه الأشياء {وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به}.
ففي الإنذار دليل على نبوته، لأنه لم يأت أحد بمثله، ولا يأتي بمثله لأن فيه أخبار الأمم السالفة، جاء بها عليه السلام.
وهو أمّيّ لا يقرأ الكتب، وأنبأ بما سيكون، وكان ما أنبأ به حقا،
ثم قال: {واللّه يعصمك من النّاس} وكان -صلى الله عليه وسلم- معصوما منهم.
وقال: {ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون}: فأظهر الله دين الإسلام على سائر الأديان بالحجة القاطعة.وغلبة المسلمين على أكثر أقطار الأرض
وقال في اليهود وكانوا في وقت مبعثه أعز قوم وأمتنه {وضربت عليهم الذّلّة والمسكنة} فهم أذلّاء إلى يوم القيامة.
فأنبأ الله في القرآن بما كان وما يكون، وأتى به مؤلّفا تأليفا لم يقدر أحد من العرب أن يأتي بسورة مثله، وهو في الوقت الذي قيل لهم ليأتوا بسورة من مثله، خطباء شعراء لم يكن عندهم أوجز من الكلام المنثور والموزون فعجزوا عن ذلك). [معاني القرآن: 2/233-234]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}
المعنى: ومن بلغه القرآن ثم حذف الهاء لطول الاسم
وقال مجاهد: ومن أسلم من فصيح وأعجم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((بلغوا القرآن عن الله جل وعز ومن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله)).
وقيل المعنى: ومن بلغ الحلم كما يقال قد بلغ فلان). [معاني القرآن: 2/406]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ومن بلغ}: أي ومن بلغه القرآن إلى يوم القيامة). [ياقوتة الصراط: 218]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم...} ذكر أنّ عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام: ما هذه المعرفة التي تعرفون بها محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: والله لأنا به إذا رأيته أعرف مني بابني وهو يلعب مع الصبيان؛ لأني لا أشكّ فيه أنه محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولست أدري ما صنع النساء في الابن. فهذه المعرفة لصفته في كتابهم.
- وجاء التفسير في قوله: {خسروا أنفسهم} يقال: ليس من مؤمن ولا كافر إلا له منزل في الجنة وأهل وأزواج، فمن أسلم وسعد صار إلى منزله وأزواجه (ومن كفر صار منزله وأزواجه) إلى من أسلم وسعد.
فذلك قوله: {الذين يرثون الفردوس} يقول: يرثون منازل الكفار، وهو قوله: {الذين خسروا أنفسهم وأهليهم}). [معاني القرآن: 1/329-330]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}: أي يعرفون محمدا -صلى الله عليه وسلم- أنّه نبي كما يعرفون أبناءهم.
ويروى عن عمر بن الخطاب أنه قال لعبد اللّه بن سلام: يا أبا حمزة هل عرفت محمدا كما عرفت ابنك؟ قال نعم، لأن الله بعث أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته، فأمّا ابني فما أدري ما أحدثت أمّه. فقال صدقت يا حمزة.
وقوله: {الّذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} رفع على نعت {الذين آتيناهم الكتاب} وجائز أن يكون على الابتداء ويكون {فهم لا يؤمنون} خبره، والذين خسروا أنفسهم الأشبه أن يكون ههنا يعني به أهل الكتاب.
وجائز أن يكون يعني به: جملة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم). [معاني القرآن: 2/234-235]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} ويجوز أن يكون المعنى القرآن والحديث يدل أن المعنى يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي أن عمر قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ابنك فقال نعم وأكثر بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته وابني لا أدري ما كان من أمه). [معاني القرآن: 2/407]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({يعرفونه}: أي يعرفون محمدا - صلى الله عليه وسلم - في التوراة بصفته ونعته، بشرعه وشرائعه.
قال ابن الأعرابي: ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعبد الله بن سلام: ما هذه المعرفة، التي وصفها الله -عز وجل- في صفة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعرفه كما نعرف أبناءنا، ونعرفه بعد هذا معرفة أبين من معرفة أولادنا، قال: فقال عمر: كيف ؟ قال: يا أمير المؤمنين إن أحدنا ليشك في ولده، حتى يقول: هو ابني، ليس هو ابني، ونحن لا نشك في محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه صادق مصدق). [ياقوتة الصراط: 218-219]


رد مع اقتباس