عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 22 صفر 1440هـ/1-11-2018م, 05:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ووصينا الإنسان}، يريد: النوع، أي: هكذا مضت شرائعي وكتبي لأنبيائي، فهي وصية من الله تعالى في عباده، وقرأ جمهور القراء: "حسنا" بضم الحاء وسكون السين، ونصبه على تقدير: وصيناه ليفعل أمرا ذا حسن، فكأن الفعل سلط عليه مفعولا ثانيا، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأبو عبد الرحمن، وعيسى: "حسنا" بفتح الحاء والسين، وهذا كالأول، ويحتمل كونهما مصدرين كالبخل والبخل، ويحتمل أن يكون هذا الثاني اسما لا مصدرا، أي: ألزمناه بهما فعلا حسنا، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: "إحسانا"، ونصب هذا على المصدر الصريح، والمفعول الثاني في المجرور، والباء متعلقة بـ "وصينا" أو بقوله تعالى: "إحسانا".
وبر الوالدين واجب بهذه الآية وغيرها، وعقوقهما كبيرة من الكبائر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل شيء بينه وبين الله تعالى حجاب إلا شهادة أن لا إله إلا الله ودعوة الوالدين".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولن يدعوا إلا إذا ظلمهما الولد، فهذا الحديث في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
ثم عدد تعالى على الأبناء منن الأمهات، وذكر الأم في هذه الآية في أربع مراتب، والأب في مرتبة واحدة، وجمعهما الذكر في قوله تعالى: "بوالديه"، ثم ذكر الحمل للأم، ثم الوضع لها ثم الرضاع الذي عبر عنه بالفصال، فهذا يناسب ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعل للأم ثلاثة أرباع البر، والربع للأب، وذلك إذ قال له رجل: "يا رسول الله، من أبر؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أمك، قال ثم من؟ قال: أباك".
وقوله تعالى: "كرها" معناه: في باقي استمرار الحمل حين تتوقع حوادثه، ويحتمل أن يراد: في وقت الحمل، إذ لا نذير لها في حمله ولا تركه، قال مجاهد، والحسن، وقتادة: المعنى: حملته مشقة ووضعته مشقة، وقرأ أكثر القراء: "كرها" بضم الكاف، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والأعرج، وشيبة: "كرها" بفتح الكاف، وقرأ بهما معا مجاهد، وأبو رجاء، وعيسى، قال أبو علي: هما بمعنى، الضم: الاسم، والفتح: المصدر. وقالت فرقة: الكره بضم الكاف- المشقة، والكره -بفتح الكاف- هو الغلبة والقهر، وضعفوا -على هذا- قراءة الفتح. قال بعضهم: لو كان "كرها" لرمت به عن نفسها، إذ الكره القهر والغلبة، والقول الذي قدمناه أصوب.
وقرأ جمهور الناس: "وفصاله" وذلك أنها مفاعلة من الاثنين، كأنه فاصل أمه وفاصلته، وقرأ الحسن بن أبي الحسن، وأبو رجاء، وقتادة، والجحدري: "وفصله" كأن الأم هي التي فصلته.
وقوله تعالى: {ثلاثون شهرا} يقتضي أن مدة الحمل والرضاع هذه المدة، لأن في القول حذف مضاف تقديره: ومدة حمله وفصاله، وهذا لا يكون إلا بأن يكون أحد الطرفين ناقصا، وذلك إما أن تلد المرأة لستة أشهر وترضع عامين، وإما أن تلد لتسعة أشهر على العرف وترضع عامين غير ربع العام، فإن زادت مدة الحمل نقصت مدة الرضاع، وبالعكس، فيترتب من هذا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأقل ما ترضع الأم الطفل عاما وتسعة أشهر، وإكمال العامين هو لمن أراد أن يتم الرضاع، وهذا في أمر الحمل هو مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة رضوان الله عليهم، وهو مذهب مالك رحمه الله.
واختلف الناس في "الأشد": فقال الشعبي، وزيد بن أسلم: البلوغ إذا كتبت عليه السيئات وله الحسنات، وقال ابن إسحاق: ثمانية عشر عاما، وقيل: عشرون عاما، وقال ابن عباس، وقتادة: ثلاثة وثلاثون عاما، وقال الجمهور من النظار: ستة وثلاثون عاما، وقال هلال بن يساف وغيره: أربعون عاما، وأقوى الأقوال ستة وثلاثون، ومن قال بالأربعين قال في الآية: إنه تعالى أكد وفسر الأشد بقوله سبحانه: {وبلغ أربعين سنة}، وإنما ذكر تعالى الأربعين لأنها حد للإنسان في صلاحه ونجابته، وفي الحديث: "إن الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب فيقول: بأبي وجه لا يفلح"، وقال أيمن بن خريم الأسدي:
إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى
... وإن جر أسباب الحياة له العمر
وفي مصحف ابن مسعود رضي الله عنه: "حتى إذا استوى أشده وبلغ أربعين سنة".
وقوله: "أوزعني" معناه: ادفعني عن الموانع وازجرني عن القواطع لأجل أن أشكر نعمتك، ويحتمل أن يكون "أوزعني" بمعنى: اجعل حظي ونصيبي، وهذا من التوزيع والقوم الأوزاع، ومن قولك: توزعوا المال، فـ "أن" -على هذا- مفعول صريح. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نعمتك في التوحيد. وصالحا ترضاه: الصلوات، و"الإصلاح في الذرية" كونهم أهل طاعة وخيرية، وهذه الآية معناها أن هكذا ينبغي للإنسان أن يفعل، وهذه وصية الله تعالى للإنسان في كل الشرائع.
وقال الطبري: وذكر أن هذه الآية من أولها نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ثم هي تتناول من بعده، وكان رضي الله عنه قد أسلم أبواه، فإنما يتجه هذا التأويل على أن أبا بكر رضي الله عنه كان يطمع بإيمان أبويه ويرى مخايل ذلك فيهما، فكانت هذه نعمة عليهما، أن ليسا ممن عسى في الكفر ولج وحتم عليه ثم ظهر إيمانهما بعد، والقول بأنها عامة في نوع الإنسان لم يقصد بها أبو بكر ولا غيره أصح، وباقي الآية بين إلى قوله تعالى: "من المسلمين").[المحرر الوجيز: 7/ 617-620]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون * والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين * أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين * ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون}
قوله تعالى: "أولئك" دليل على أن الإشارة بالإنسان في قوله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه} إلى الجنس، وقرأ جمهور القراء: "يتقبل" بالياء مضمومة على بناء الفعل للمفعول، وكذلك "يتجاوز"، وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم فيهما بالنون التي للعظمة، "أحسن" بالنصب، وهي قراءة ابن وثاب، وطلحة، وابن جبير، والأعمش بخلاف، وقرأ الحسن: "يتقبل" بياء مفتوحة، "ويتجاوز" كذلك، أي: الله تعالى. وقوله تعالى: {في أصحاب الجنة} يريد: الذين سبقت لهم رحمة الله تعالى، وقوله: {وعد الصدق} نصب على المصدر المؤكد لما قبله). [المحرر الوجيز: 7/ 620-621]

رد مع اقتباس