عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 3 ذو الحجة 1435هـ/27-09-2014م, 10:54 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآء منكم وممّا تعبدون من دون اللّه كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتّى تؤمنوا باللّه وحده إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك وما أملك لك من اللّه من شيءٍ ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير (4) ربّنا لا تجعلنا فتنةً للّذين كفروا واغفر لنا ربّنا إنّك أنت العزيز الحكيم (5) لقد كان لكم فيهم أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر ومن يتولّ فإنّ اللّه هو الغنيّ الحميد (6)}
يقول تعالى لعباده المؤمنين الّذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتّبرّي منهم: {قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه} أي: وأتباعه الّذين آمنوا معه {إذ قالوا لقومهم إنّا برآء منكم} أي: تبرّأنا منكم {وممّا تعبدون من دون اللّه كفرنا بكم} أي: بدينكم وطريقكم، {وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا} يعني: وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم، ما دمتم على كفركم فنحن أبدًا نتبرّأ منكم ونبغضكم {حتّى تؤمنوا باللّه وحده} أي: إلى أن توحدوا اللّه فتعبدوه وحده لا شريك له، وتخلعوا ما تعبدون معه من الأنداد والأوثان.
وقوله: {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك} أي: لكم في إبراهيم وقومه أسوةٌ حسنةٌ تتأسّون بها، إلّا في استغفار إبراهيم لأبيه، فإنّه إنّما كان عن موعدة وعدها إيّاه، فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه. وذلك أنّ بعض المؤمنين كانوا يدعون لآبائهم الّذين ماتوا على الشّرك ويستغفرون لهم، ويقولون: إنّ إبراهيم كان يستغفر لأبيه، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} [التّوبة: 113، 114]. وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: {قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه} إلى قوله: {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك وما أملك لك من اللّه من شيءٍ} أي: ليس لكم في ذلك أسوةٌ، أي: في الاستغفار للمشركين، هكذا قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، ومقاتلٌ، والضّحّاك وغير واحدٍ.
ثمّ قال تعالى مخبرًا عن قول إبراهيم والّذين معه، حين فارقوا قومهم وتبرّءوا منهم، فلجئوا إلى اللّه وتضرّعوا إليه فقالوا: {ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} أي: توكّلنا عليك في جميع الأمور، وسلّمنا أمورنا إليك، وفوّضناها إليك {وإليك المصير} أي: المعاد في الدّار الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 87-88]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ربّنا لا تجعلنا فتنةً للّذين كفروا} قال مجاهدٌ: معناه: لا تعذّبنا بأيديهم، ولا بعذابٍ من عندك، فيقولوا: لو كان هؤلاء على حقٍّ ما أصابهم هذا. وكذا قال الضّحّاك.
وقال قتادة لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك، يرون أنّهم إنّما ظهروا علينا لحقٍّ هم عليه. واختاره ابن جريرٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: لا تسلّطهم علينا فيفتنونا.
وقوله: {واغفر لنا ربّنا إنّك أنت العزيز الحكيم} أي: واستر ذنوبنا عن غيرك، واعف عنها فيما بيننا وبينك، {إنّك أنت العزيز الحكيم} أي: الّذي لا يضام من لاذ بجناحك {الحكيم} في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 88]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {لقد كان لكم فيهم أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر} وهذا تأكيدٌ لما تقدّم ومستثنًى منه ما تقدّم أيضًا لأنّ هذه الأسوة المثبتة هاهنا هي الأولى بعينها.
وقوله: {لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر} تهييجٌ إلى ذلك كلّ مقرٍّ باللّه والمعاد.
وقوله: {ومن يتولّ} أي: عمّا أمر اللّه به، {فإنّ اللّه هو الغنيّ الحميد} كقوله {إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعًا فإنّ اللّه لغنيٌّ حميدٌ} [إبراهيم: 8].
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {الغنيّ} الّذي [قد] كمل في غناه، وهو اللّه، هذه صفته لا تنبغي إلّا له، ليس له كفءٌ، وليس كمثله شيءٌ، سبحان اللّه الواحد القهّار. {الحميد} المستحمد إلى خلقه، أي: هو المحمود في جميع أفعاله وأقواله، لا إله غيره، ولا ربّ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 88]

تفسير قوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({عسى اللّه أن يجعل بينكم وبين الّذين عاديتم منهم مودّةً واللّه قديرٌ واللّه غفورٌ رحيمٌ (7) لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين (8) إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون (9)}
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين: {عسى اللّه أن يجعل بينكم وبين الّذين عاديتم منهم مودّةً} أي: محبّةً بعد البغضة، ومودّةً بعد النّفرة، وألفةً بعد الفرقة. {واللّه قديرٌ} أي: على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة، فيؤلّف بين القلوب بعد العداوة والقساوة، فتصبح مجتمعةً متّفقةً، كما قال تعالى ممتنًّا على الأنصار: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها} الآية [آل عمران: 103]. وكذا قال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألم أجدكم ضلالا فهداكم اللّه بي، وكنتم متفرّقين فألّفكم اللّه بي؟ ". وقال اللّه تعالى: {هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ} [الأنفال: 62، 63]. وفي الحديث "أحبب حبيبك هونًا ما، فعسى أن يكون بغيضك يومًا ما. وأبغض بغيضك هونًا ما، فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما". وقال الشّاعر:
وقد يجمع الله الشّتيتين بعد ما = يظنان كل الظّنّ ألّا تلاقيا
وقوله تعالى: {واللّه غفورٌ رحيمٌ} أي: يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربّهم وأسلموا له، وهو الغفور الرّحيم بكلّ من تاب إليه، من أيّ ذنبٍ كان.
وقد قال مقاتل بن حيّان: إنّ هذه الآية نزلت في أبي سفيان، صخر بن حربٍ، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تزوّج ابنته فكانت هذه مودّة ما بينه وبينه.
وفي هذا الّذي قاله مقاتلٌ نظرٌ؛ فإنّ رسول تزوّج بأمّ حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح، وأبو سفيان إنّما أسلم ليلة الفتح بلا خلافٍ. وأحسن من هذا ما رواه بن أبي حاتمٍ حيث قال:
قرئ على محمّد بن عزيز: حدّثني سلامة، حدّثني عقيلٌ، حدّثني ابن شهابٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استعمل أبا سفيان بن حربٍ على بعض اليمن، فلمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدًّا، فقاتله، فكان أوّل من قاتل في الرّدّة وجاهد عن الدّين. قال ابن شهاب: وهو ممن أنزل اللّه فيه: {عسى اللّه أن يجعل بينكم وبين الّذين عاديتم منهم مودّةً واللّه قديرٌ واللّه غفورٌ رحيمٌ}.
وفي صحيح مسلمٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ أبا سفيان قال: يا رسول اللّه، ثلاثٌ أعطنيهنّ. قال: "نعم". قال: وتؤمّرني أقاتل الكفّار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: "نعم". قال: ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك. قال: "نعم". قال: وعندي أحسن العرب وأجمله، أمّ حبيبة بنت أبي سفيان أزوّجكها = الحديث. وقد تقدّم الكلام عليه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 89-90]


رد مع اقتباس