عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 06:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}
اختلف الناس في سببها، فقال قتادة: سببها غيرة غارتها عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال ابن زيد: وقع بين أزواجه تغاير ونحوه مما شقي هو به صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية بسبب ذلك، وبشره الله أن يصرف إرادته في أن يؤوي إليه من يشاء، وقال ابن الزبير: نزل ذلك بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أزواجه النفقة، وتشططن في تكليفه منها فوق وسعه، وقالت فرقة: بل سبب ذلك أنهن طلبن منه ملابس وثيابا، وقالت واحدة: لو كنا عند غير النبي لكان لنا الحلي والمتاع. وقال بعض الناس: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلاوة هذه الآية عليهن، وتخييرهن بين الدنيا والآخرة وأمر الطلاق مرجا، فلو اخترن أنفسهن نظر كيف يسرحهن هو، وليس فيها تخييرهن في الطلاق; لأن التخيير يتضمن ثلاث تطليقات وهو قد قال: وأسرحكن سراحا جميلا، وليس مع بت الطلاق سراح جميل. وقالت فرقة: بل هي آية تخيير، واخترنه عليه الصلاة والسلام، ولم يعد ذلك طلاقا، وهو قول عائشة أيضا.
واختلف الناس في التخيير إذا اختارت المرأة نفسها، فقال مالك: هي طالق ثلاثا، ولا مناكرة للزوج، بخلاف التمليك. وقال غيره: هي طلقة بائنة. وقال بعض الصحابة رضوان الله عليهم: إذا خير الرجل امرأته فاختارته فهي طلقة، وهذا مخالف جدا.
وقوله: {إن كنتن تردن الحياة الدنيا}، أي: إن كانت عظيم همتكن ومطلبكن، أي التعمق فيها والنيل من نعمتها. و"زينة الدنيا": المال والبنون، و"تعالين" دعاء، و"أمتعكن" معناه أعطيكن المتاع الذي ندب الله تعالى له في قوله: "ومتعوهن"، وأكثر الناس على أنها من المندوبات، وقالت فرقة: هي واجبة، والسراح الجميل: يحتمل أن يكون ما دون بت الطلاق، ويحتمل أن يكون في بقاء جميل المعتقد وحسن العشرة وجميل الثناء وإن كان الطلاق باتا.
و"أعد" معناه: يسر وسنى، و"المحسنات": الطائعات لله والرسول.
وأزواج النبي اللواتي نزلت فيهن تسع، خمس قرشيات: عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنه، وحفصة بنت عمر رضي الله عنه، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية. وأربع غير قرشيات: ميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية. رضي الله عن أزواج رسول الله أجمعين.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من إيلائه الشهر، ونزلت عليه هذه الآية، بدأ بعائشة فقال: "إني ذاكر لك أمرا، ولا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك"، ثم تلا عليها الآية، فقالت له: وفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: "وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه"، ثم تتابع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على مثل قول عائشة رضي الله عنها، فاخترن الله ورسوله). [المحرر الوجيز: 7/ 111-112]

تفسير قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما * يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا}
قال أبو رافع: كان عمر رضي الله عنه كثيرا ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصبح، فكان إذا بلغ "يا نساء النبي" رفع بها صوته، فقيل له، فقال: أذكرهن العهد.
وقرأ الجمهور: "من يأت" بياء وتاء، "ومن يقنت" بياء حملا على اللفظ، وقرأ عمرو بن فايد، الجحدري، ويعقوب: "تأت" بتاءين و"تقنت" بالتاء من فوق حملا على المعنى. وقال قوم: الفاحشة إذا وردت معرفة فهي الزنى واللواط، وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي وكل مستفحش، وإذا وردت منعوتة بالبيان فهي عقوق الزوج وفساد عشرته، ولذلك يصفها بالبيان إذ لا يمكن سترها، والزنى وغيره هو مما يتستر به ولا يكون مبينا، ولا محالة أن الوعيد واقع على ما خفي منه وما ظهر. وقالت فرقة: بل قوله: {بفاحشة مبينة} يعم جميع المعاصي، وكذلك الفاحشة كيف وردت. ولما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن، فضوعف لهن الأجر والعذاب، والإشارة بالفاحشة إلى الزنى وغيره.
وقرأ ابن كثير، وشبل، وعاصم: "مبينة" بفتح الياء، وقرأ نافع، وأبو عمرو، وقتادة بكسرها وقرأت فرقة: "يضاعف" بالياء على إسناد الفعل إلى الله تعالى، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه: "نضاعف" بنون مضمومة "العذاب" نصبا، وهي قراءة ابن محيصن، وهذه مفاعلة من واحد كطارقت النعل وعاقبت اللص. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي: "يضاعف" بالياء وعين مفتوحة "العذاب" رفعا، وقرأ أبو عمرو: "يضعف" بتشديد العين على بناء المبالغة "العذاب" رفعا، وهي قراءة الحسن، وابن كثير، وعيسى. وقرأ ابن كثير، وابن عامر: "نضعف" بالنون وكسر العين المشددة "العذاب" نصبا، وهي قراءة الجحدري.
وقوله: "ضعفين" معناه: أن يكون العذاب عذابين، أي: يضاف إلى عذاب سائر الناس عذاب آخر مثله. وقال أبو عبيدة، وأبو عمرو - فيما حكى الطبري عنهما -: بل يضاعف إليه عذابان مثله فيكون ثلاثة أعذبة، وضعفه الطبري، وكذلك هو غير صحيح وإن كان له باللفظ تعلق احتمال، ويكون الأجر مرتين مما يفسد هذا القول; لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة، والإشارة بذلك إلى تضعيف العذاب.
و"يقنت" معناه: يطيع ويخضع بالعبودية، قاله الشعبي وقتادة. وقرأ نافع، وابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: "يقنت" بالياء، و"تعمل" بالتاء، "نؤتها" بالنون، وهي قراءة الجمهور. قال أبو علي: أسند "يقنت" إلى ضمير، فلما تبين أنه المؤنث حمل فيما "تعمل" على المعنى، وقرأ حمزة، والكسائي كل الثلاثة المواضع بالياء حملا في الأولين على لفظ "من"، وهي قراءة الأعمش، وأبي عبد الرحمن، وابن وثاب، وقرأ الأعمش أيضا: "فسوف يؤتها الله أجرها".
و"الاعتاد": التيسير والإعداد، و"الرزق الكريم": الجنة، ويجوز أن يكون في ذلك وعد دنياوي، أي أن رزقها في الدنيا على الله، وهو كريم من حيث ذلك هو حلال وقصد وبرضى من الله في نيله، وقال بعض المفسرين: العذاب الذي توعد به ضعفين هو عذاب الدنيا ثم عذاب الآخرة، وكذلك الأجر، وهذا ضعيف اللهم إلا أن يكون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تدفع عنهن حدود الدنيا عذاب الآخرة، على ما هي حال الناس عليه، بحكم حديث عبادة بن الصامت، وهذا أمر لم يرو في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا حفظ تقرره). [المحرر الوجيز: 7/ 113-114]


رد مع اقتباس